يجعله عامر
عضو رائد
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
إسلام الجمال والجلال ..وعمل وإبداع..
مارتن لينجز.. موسوعة صوفية
لوجاي إيتون
مارتن لينجز
رحل عنا صباح الثاني عشر من مايو هذا العام 2005 "المؤرخ الصوفي" مارتن لينجز المعروف بصاحب كتاب سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد احتفاله بمناسبة مولده السادس والتسعين.
وبالرغم من العمر المديد الذي رحل عنه لينجز أو أبو بكر سراج الدين، فقد جاء خبر رحيله صدمة للكثيرين أولئك الذين كانوا يلجئون إليه للمشورة الروحية طوال سنوات، وحتى قبل وفاته بعشرة أيام، حيث وقف يتحدث إلى جمهوره الذي بلغ حوالي ثلاثة آلاف في مركز ويمبلي للمؤتمرات بلندن عن ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد عودته من جولة شملت مصر ودبي وباكستان وماليزيا.
من لانكشاير إلى القاهرة
ولد مارتن لينجز في لانكاشير بإنجلترا في يناير عام 1909، وقد أمضى طفولته الباكرة في أمريكا حيث كان يعمل والده.
ولدى عودته إلى وطنه التحق بكلية كلينتون حيث ظهرت عليه مواهب قيادية واضحة رفعته إلى موقع رئيس الطلبة، ثم انتقل منها إلى أكسفورد لدراسة اللغة والأدب الإنجليزي وصار في تلك الفترة (1935) من أصدقاء الكاتب المسيحي ستيبل لويسC.S lewis وهو أستاذ متخصص في الأدب الإنجليزي لعصر النهضة والعصور الوسطى بجامعة كامبريدج بإنجلترا.
سافر بعد ذلك إلى ليتوانيا لتدريس الإنجليزية الأنجلوساكسونية وإنجليزية العصر الوسيط، واهتم في الوقت ذاته بالتراث القديم للبلاد من خلال الأغاني الشعبية والشعر.
وفى عام 1940 سافر إلى مصر لزيارة صديق قديم له في جامعة القاهرة (فؤاد الأول آنذاك) ولدراسة الإسلام واللغة العربية، وقد توفي صديقه في حادث فروسية، وعُرضَ عليه أن يتولى المنصب الذي كان يشغله بالجامعة.
الطريق إلى التصوف
اعتنق لينجز الإسلام في ذلك الحين بعد لقائه بالعديد من الصوفيين التابعين للطريقة الشاذلية، وسرعان ما تجلى فيه أثر التدين والتصوف وغير اسمه إلى أبو بكر سراج الدين. وصار صديقا مقربا للكاتب الفرنسي المسلم الصوفي رينيه جينو، حيث اقتنع تماما بصحة نقده القاسي للحضارة الغربية.
وقد كان لرينيه جيو تأثير حاسم على فكر لينجز، الذي تعرف في تلك الفترة على الميتافيزيقي الألماني الفرنسي فريثيوف شوان، وبقي على وفائه له حتى نهاية حياته، فقد كان شوان يمثل بالنسبة له "نارا على علم في عالم مظلم"، ولا نظير له في القرن العشرين.
صوفية فى القرن ال20
وكانت العلاقة بينهما علاقة تلميذ بأستاذه، وبقيت على نفس الصورة طوال عمره المديد، وحين تردد على لسان البعض أن "لينجز أعظم من شوان" قال في بساطة: إن لينجز ليس شيئا بدون شوان، وهذا التواضع البسيط كان سمة له بين كل من عرفوه.
استقر لينجز في مصر طوال فترة الأربعينيات، حيث درس لطلبة كلية الآداب فكر وأدب شكسبير.
وكان الحدث السنوي البارز في حياته آنذاك هو إخراج مسرحية من مسرحيات شكسبير في الجامعة، تجلت فيها مواهبه وعبقريته المسرحية. وقد كان حبه لشكسبير إلهاما لتلاميذه للتفوق على أنفسهم، حتى إن أحدهم صار نجما سينمائيا شهيرا فيما بعد، وكان عمق فهمه للمغزى الروحي لأعمال شكسبير نبعا انبثق منه كتابه "سر شكسبير.. أعظم مسرحياته في ضوء فن المقدسات" (هذه الإشارة أوجهها للزميل العزيز "فيلالست" عسى أن يكون فيها ما يفيد ).
تزوج لينجز عام 1944 من ليزلي سمولي التي اتفقت مع أفكاره طوال الستين عاما التي تلت ذلك التاريخ، وكان منزلهما الريفي في قرية صغيرة بجوار الهرم خلال حياته في القاهرة ملاذا آمنا لكثير من المصريين والأجانب الذين كانوا يستشعرون ثقل الحياة الحديثة.
العودة إلى الوطن
ود مارتن لينجز لو أمضى حياته في مصر لولا تدخل الأحداث السياسة، فقد أعقبت ثورة 1952 مظاهرات معادية للبريطانيين، قتل فيها 3 من زملائه في الجامعة، وجرى تسريح الأساتذة الإنجليز من الجامعة دون تعويض.
وكانت العودة إلى لندن عام 1952 مشوبة بالصعاب، فقد كانت المنافسة الأكاديمية تستلزم ما يزيد عن مجرد التدريس في ليتوانيا ومصر، وكان الحل الوحيد هو التقدم لنيل الدكتوراة.
واستكمل لينجز دراسته للعربية في المدرسة الخاصة بالدراسات الشرقية والأفريقية بلندن، وفي عام 1962 حصل على الدكتوراة وكان موضوعها "الشيخ أحمد العلوي"، ونشرها في كتاب بعنوان "ولي صوفي من القرن العشرين"، كان من أعمق كتبه أثرا بوصفه منظورا
فريدا للروحانية الإسلامية من داخلها. وتم نشرها بعد ذلك في كتب مترجمة إلى الفرنسية والأسبانية وغيرها، ومنذ ذلك الوقت اعتبر لينجز أحد المؤرخين الأساسيين للصوفية.
عمل لينجز عام 1955 بالمتحف البريطاني، حيث عين مسئول خزانة المخطوطات الشرقية في المتحف الإنجليزي وأصبح مسئولا أيضا عن المخطوطات الشريفة للقرآن، وهو الأمر الذي أدى إلى لفت انتباهه إلى الخط القرآني وتبلور كتابه "الفن القرآني في الخط والتذهيب"، وقد توافق صدوره مع قيام مؤسسة مهرجان العالم الإسلامي عام 1976، وكان له صلة وثيقة بها. .. (هذه الإشارة للزميل الكريم "إبراهيم" فهي محل العناية كما سيأتي)..
كما قام أيضا بإخراج كتالوجين عن هذه المخطوطات العربية، تم وضعهما في المتحف البريطاني عام 1959 والمكتبة البريطانية عام 1976.
كتبه في الإسلام
سيرة الرسول
نشر لينجز قبل رحيله عن مصر عام 1952، كتابا بعنوان "كتاب اليقين.. المذهب الصوفي في الإيمان والكشف والعرفان". وخلال دراسته للحصول على ليسانس في اللغة العربية،
أصدر كتابه ورائعته البليغة "محمد رسول الله وحياته" اعتمادا على أقدم المراجع عام 1973، ونال عنه جائزة الرئيس الباكستاني.
كما أصدر العديد من ألمع الكتب مثل "الساعة الحادية عشرة" وهو دراسة عميقة
للأزمة الروحية للعالم الحديث. وكان رحمه الله قد مهد له بكتابيه "معتقدات قديمة
وأوهام حديثة"، و"ما هو التصوف؟" الذي تضمن تصحيحا لكثير من المفاهيم
عن هذا البعد في الإسلام.
وجاء كتابه "الرمز والنموذج الأولي" برهانا على عمق فهمه للرمزية التراثية،
فلم يكن مجرد كتاب أكاديمي كما يشير العنوان الثانوي للكتاب: "دراسة في
معنى الوجود".
وتجلى اهتمامه البالغ برمزية الألوان في أحد مواهبه وهي البستنة التي لو كان قد اختارها مهنة لأصبح من ألمع البستانيين في بلاده، فقد كان وهو في بيته في مقاطعة كنت يبحث في آفاق الدنيا مثلا عن نبات تتميز زهرته بلون أزرق يحاكي السماء في جمالها...
***
رحيل الشيخ أبي بكر سراج الدين
بقلم: د. علي جمعـة
رحل عن عالمنا أحد الأعلام الكبار صباح الخميس الموافق الثاني عشر من مايو 2005 بمنزله بمقاطعة( كنت) بانجلترا, ودفن في حديقة بيته بعد أن عاش يرعاها محبا للأزهار والجمال, وهي الحديقة التي تطل علي الريف المترامي حولها, وهو الشيخ( مارتن لينجز) ـ والذي تسمي بعد ذلك بـ( أبي بكر سراج الدين) ـ وولد في( لانكشير) في يناير1909 من أسرة بروتستانتية, من والدين أحباه كثيرا, ورأيا فيه النباهة, بل والولاية من الصغر, فلم يعترضا عليه في شيء طوال حياته حتي من الله عليه بالإسلام.
أمضي طفولته المبكرة في أمريكا حيث كان يعمل والده, وعندما عاد إلي بريطانيا التحق بكليته( كليفتون) حيث ظهرت عليه مواهب القيادة, ثم انتقل إلي( أكسفورد) لدراسة اللغة الإنجليزية علي يد(c.slewis) عام1935 والذي رأي فيه نابها ينبغي أن يصاحبه ثم درس في ليتوانيا الأدب الإنجليزي, وكان من أصدقاء مارتن لينجز اثنان علي نفس روحه الطواقة لمعرفة الحق, والبحث عن الحقيقة أحدهما( باترسن) ـ والذي أسلم بعد ذلك وأسمي نفسه( الشيخ حسين) ودفن بمقابر المماليك بالقاهرة ـ والآخر أسلم بطريق آخر وأسمي نفسه( الشيخ داود) ومات في إنجلترا ـ سافر باترسن إلي الصين بحثا عن الحقيقة في( الكونفوشيوسية) وأراد( مارتن لينجز) الذهاب إلي الهند بعد أن غير مذهبه إلي( الكاثوليكية) فلم يجد مراده, ففكر في الهندوسية وأثناء السفر إلي الهند عن طريق القاهرة سنة1940 التقي بالمفكر الفرنسي المسلم( رينيه جينو) ـ وهو الشيخ عبد الواحد يحيي الذي توفي سنة1950 ودفن بالقاهرة بجوار الشيخ حسين المذكور, وأولاده مازالوا بها حتي الآن نفع الله بهم ـ فوجد ما أراده فيه فأسلم ورجع باترسن إلي مصر وأسلم وعمل في جامعة القاهرة ـ فؤاد الأول حينئذ ـ وتوفي في حادث فروسية.
تزوج مارتن لينجز من السيدة( ليزلي سمولي) سنة1944 وهي التي أسلمت أيضا, وأسمت نفسها( رابعة) [هنا يمكن بحق الإيمان بأن رابعة تبعث من جديد في صور رائعة ] وهي تعيش الآن في هذا المنزل الريفي,( بكنت) بعد رحيل شريك العمر, والتي اتفقت مع أفكاره طوال الستين عام الأخيرة.
وكان وهو في القاهرة يسكن بجوار الهرم في قرية نزلة السمان, وظل في القاهرة حتي سنة1952, وكان يفصل جلبابه الذي حرص علي ارتدائه دائما عند الحاج عاشور في مدخل خان الخليلي, وكان الحاج عاشور من أولياء الله الصالحين رحمهم الله جميعا.
كان( مارتن لينجز) يود لو أمضي حياته في مصر ما لم تتدخل أحداث السياسة, فقد أعقبت ثورة1952 مظاهرات معادية للبريطانيين, قتل فيها ثلاثة من زملائه في الجامعة, وجري تسريح الأساتذة الإنجليز من الجامعة, وكانت عودته إلي لندن عام1952 مشوبة بالصعاب, فقد كانت المنافسة الأكاديمية تستلزم ما يربو علي مجرد التدريس في ليتوانيا ومصر, وكان الحل الوحيد هو التقدم لنيل الدكتوراه, ونشر له في ذلك الحين كتاب كان قد كتبه في مصر وهو( كتاب اليقين, المذهب الصوفي في الإيمان والكشف والعرفان) وكان عليه أن يحصل علي ليسانس في اللغة العربية, ثم حصل بعده علي الدكتوراه, وكان موضوعها( الشيخ أحمد العلوي) ونشرت بعنوان( ولي صوفي من القرن العشرين) وقد كان من أعمق كتبه أثرا بوصفه منظورا فريدا للروحانية الإسلامية **** من داخلها, وعمل( لينجز) عام1955 بالمتحف البريطاني, وهو الأمر الذي أدي إلي لفت انتباهه إلي الخط القرآني وتبلور في كتابه( الفن القرآني في الخط والتذهيب) وقد توافق صدوره مع قيام مؤسسة مهرجان العالم الإسلامي عام1976.
وقضي( لينجز) الثلاثين عاما التالية في كتابات لجمهوره الذي كان يزداد, وقد كان أحد كتبه العديدة مبنيا علي رسالته لنيل الماجستير, وصدر بعنوان( محمد رسول الله وحياته من أقدم المراجع) عام1973 ثم كتاب( شكسبير في ضوء الفنون التقديسية) عام1966 والذي أعيدت طباعته عام1984 بمقدمة للأمير ولي العهد أمير( ويلز) بعنوان( سر شكسبير), حيث يعرض للأصول التراثية في أعمال شكسبير في التراث الأفلاطوني والمدرسي, وكتابه عن( الفن القرآني في الخط والتذهيب) عام1976, والذي أعيدت طباعته عام2004 بعنوان( روائع فن الخط والتذهيب القرآني), وقد كان خاتمة أعماله( مكة; تاريخ المدينة المقدسة من عصر ما قبل الإبراهيمية حتي اليوم) والذي نشر عام2004.
وكان للقاء( لينجز) بـ( رينيه جينو) عظيم الأثر في ظهور أنوار الهداية التي اجتمعت فيما عرف( بمدرسة التراث), وقد كان من أحد نتائجها الحاسمة; نقد العالم الحديث في تضخمه المادي, واكتشاف الحكمة التي تربعت في قلب كل الأديان, سواء أكانت الزرادشتية أو البوذية أو الهندوسية, ثم اليهودية والمسيحية والإسلام, تلك الحكمة التي هي النور الفطري الذي خلقه الله في قلوب الناس, والذي منه يمكن دعوتهم إلي الحق.. قال تعالي : فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)[ الروم:30] قد عاش في نور تلك الهداية حتي نهاية حياته المباركة.
ولقد أسلم( مارتن لينجز) علي يد الشيخ عيسي نور الدين الذي كان سويسريا فأسلم علي ولي الله أحمد العلوي المستغانمي الجزائري, وطريقته قائمة إلي الآن في مستغانم بالجزائر, وكتبه مطبوعة منتشرة.
وكان لـ(لينجز) اهتمام بالغ برمزية الألوان ودلالاتها وتطورها عند المسلمين, كتب يقول في كتابه( روائع فن الخط والتذهيب القرآني): أعطي اللون الأزرق أسبقية واضحة علي الأخضر والأحمر, وسرعان ما ارتفع إلي منزلة مساوية للون الذهبي في المشرق, بينما في المغرب كان الأزرق يأتي في المرتبة الثانية, وبقيت للون الذهبي صدارته الأصلية. إن أهمية هذين اللونين يمكن تقديرها من واقع أن أية أصباغ تضاف إنما تأتي في أغلب الأحوال في دور ثانوي. زد علي ذلك, أن المرء يجد في جميع الطرز والفترات التاريخية تقريبا أمثلة لمصحف يعتمد فيه بشكل مطلق علي الأزرق والذهبي, وهذا الإطلاق نفسه قد يكون ملحوظا في صفحات أي مصحف كان, حتي إن جاء تذهيبه بألوان عديدة في صفحات أخري.
إن الأزرق هو لون اللامتناهي, وهو يتطابق مع الرحمة, إذ إن( رحمتي وسعت كل شيء)[ الأعراف:156]. فأعظم رمز لهذه اللانهائية هو السماء المحيطة بالكل, أما الاسم الإلهي لها فهو الرحمن, وهو أول أسماء الرحمة, والوحي يعبر عن الجذور الجوهرية للرحمة.
إذا كان الأزرق يحرر بواسطة اللانهائية, فالذهبي مثله في ذلك مثل الشمس, يحرر لكونه رمزا للروح, فهو بالتالي يتعالي عن كل عالم الصور. إن اللون الذهبي, من ذات طبيعته,( يفلت) من قيد الصور إلي درجة أن الخطاط الذي يكتب باللون الذهبي عليه أن يخطط حواف كتابته باللون الأسود حتي يعطيها الأثر الفعال من الناحية الصورية, ولكونه لون النور, فإن الذهبي, مثله في ذلك مثل الأصفر, وهو رمز ذو صلة جوهرية بالعلم. خارجيا, هو يعني التدريس والظهور( أو التجلي). أما الأزرق في حضور الذهبي فهو يعني أن الرحمة ميالة إلي الكشف عن ذاتها.
وما ذكر قليل من كثير عن( مارتن لينجز) وأعماله التي كان لها وسيبقي ذلك المغزي العميق في عالم مضطرب, إلا أن شخصيته هي التي أثرت علي الذين عرفوه, بمن فيهم كثير من الشباب الذين كانوا يسعون إليه في المشورة الروحية, وهذا أيضا سوف يستمر معهم طوال حياتهم في خوفهم من ألا يجدوا له مثيلا. رحمه الله رحمة واسعة ورزق الأمة أمثاله. آمين.
إننا في حاجة إلي دراسة أولئك الأعلام, الذين أسلموا, دراسة علمية تؤكد عالمية ذلك الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان.
****
(****)
هنا نتعرف على الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي رضي الله عنه ، ويمكن تحميل كتاباته ، وما كتب عنه .
:redrose:
|
|
06-28-2008, 05:02 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر
عضو رائد
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
إسلام الجمال والجلال ..وعمل وإبداع..
روائع فن الخط والتذهيب القرآني
كما ستقوم جمعية المكنز الإسلامى بكشف النقاب عن الطبعة العربية والإنجليزية لكتاب الشيخ أبو بكر سراج الدين " د. مارتن لينجز " روائع فن الخط والتذهيب القرآنى ، والذى يحتوى على 180 إعادة بناء فوتوغرافية رائعة لأروع مصاحف القرآن الموجودة حول العالم .
وقد أشار صاحب السمو ولى عهد التاج البريطانى ، فى تقديمه لكتاب الشيخ أبى بكر سراج الدين ’روائع فن الخط والتذهيب القرآنى‘، إلى النسخ الفوتوغرافية الدقيقة مُعَبِّرا عن الأمل فى ( ... ونأمل فى أن تسهم هذه اللوحات إضافة إلى رسالتها المباشرة من الجمال فى إحياء فن تذهيب المقدسات كى يصاحب مرة أخرى فن الخط القرآنى الذى ما زال حقيقة تعيش إلى يومنا هذا )
[ تم طبعه بالفعل ويباع الكتاب بـ 750 جنيه (مجلد واحد) ، بعد الفصال وتعب القلب ممكن يصل ثمنه إلى 600 جنيه !! يقال أنه أرسل للطباعة بألمانيا لكي يخرج في حلته الحالية البديعة ، لكنه تحفة فنية بالفعل ، وبه من الأفكار الثرية الكثير ..
قدم الطبع سمو الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة.. تلاه مدخل لعلي جمعة "مفتي مصر".. تلاه ستة فصول عن الخط حتى ص 64 ، ثم يتلوه إلى ص 180 اللوحات وعندها ينتهي الكتاب طبع بجمعية المكنز الإسلامى عام 2005 فهل من إمكانية للحصـــــــــــــول عليه :) ]
Arrayعن فن الخط والتذهيب القرآنى
إن معرض The Spirit Illuminated إهداء لروح الشيخ أبى بكر سراج الدين، واسمه الإنجليزى مارتن لينجز، وقد استلهمت جمعية المكنز الإسلامى جهوده فى عملها فى فنون القرآن ، الذى كان مع زميله تيتوس بوركار أبرز المسلمين الغربيين الذين كتبوا بتوسع عن الفنون التقديسية فى الإسلام ، وإلى مرتبتهم الرفيعة ينتمى أيضا الشيخ سيد حسين نصر، الذى تكرم علينا بمقدمة ’عن هارمونية الكلمة‘ (مذكورة فيما بعد) كتبت خصيصا لهذا المعرض، وربما كان من الأوفق هنا أن نطرح مقتطفات من كتابى ’روائع فن الخط والتذهيب القرآنى‘ للشيخ أبى بكر سراج الدين , والذى نشرته مؤخرا جمعية المكنز الإسلامى، و’فن الإسلام‘ لتيتوس بوركار، ونأمل أن تكون هذه المقتطفات مفاتيحا للقارئ يفتح بها مسالك الدروب الباطنية فى فن الخط والتذهيب القرآنى فى لوحات Editio Electrum فى هذا المعرض.
وسيكون من المفيد أن نبدأ هذه المقتطفات بذكرى التاريخ الإسلامى المبكر عند الشيخ أبى بكر سراج الدين :
كانت قبائل العرب فى القرن السادس الميلادى قبل ظهور الإسلام تعانى من شدة الفاقة والفرقة، وكثرة المعارك والحروب فيما بينها ولم يكن العالم آنذاك يعرف عنها إلا أقل القليل، ثم تنزل الوحى الإلهى على أحد أبناء هذه القبائل النجباء، ولم تمضِ سنوات قلائل وبالتحديد فى 620 ميلادية حتى نبذ النبىَّ الجديد غالبيةُ قومه، واضطر إلى الخروج من وطنه وداره بمكة، فغادرها فى صُحبة واحد فقط من أصحابه، والخطر يحدق به من كل جانب، غادرها قاصدًا مستقبَلا مجهولا فى حاضرة يثرب التى تقع من مكة على مسيرة أحد عشر يومًا على الجِمال، وهى التى عرفت فيما بعد بالمدينة، وبعد مرور مائة وثلاث سنوات على هذه الواقعة كانت طلائع الدولة التى أسسها تعبر جبال البيرانيز إلى فرنسا بعد ما تم لها فتح جميع إفريقية الشمالية ومعظم بلاد جزيرة أيبيريا . أما فى الشرق فقد وصلت تلك الدولة إلى بلاد فارس والهند حتى مشارف الصين وبعد ذلك وقعت لها بعض الخسائر التى أعقبتها مكاسب أرجح منها وأعمق أثرًا، وبقى الإسلام يهيمن على أكثر تلك المناطق حتى يومنا هذا .
ولقد كان ذلك التوسع واحدا من أعظم التوسعات فى تاريخ الألفين الأخيرين من الأعوام، إن لم يكن أعظمها مطلقا، ويتحدث تيتوس بوركار عن ذلك التوسع وآثاره الدائمة، وعلاقته بلغة القرآن العربية:
ولم يكن ليقدّر لاجتياح العرب فى القرن السابع الميلادى بدون الإسلام، أن يزيد عن حكاية تاريخية عابرة فى الشرق الأوسط، ذلك حتى لو افترضنا إمكانية حدوثه دون اندفاعة دينية، وهم على حالهم من التخلف، فقد كان من شأن الحضارات العظمى أن تبذل جهدا قليلا فى استيعاب الطغام من البدو الأعراب، ولكان من شأن البدو غزاة الأراضى المزروعة أن ينتهوا إلى قبول عادات وأشكال تعبير الحضريين، إلا أن الأمر كان على عكس ذلك فى حالة الإسلام، وكان أن فرض البدو على الشعوب المهزومة أشكال تفكيرهم وتعبيرهم فى معظم الأحوال، وذلك بفرض لغتهم عليهم. والحق أن تجلى العبقرية العربية الاستثنائية والمتلألئة تجلت فى اللغة بما فيها الكتابة، وقد حفظت تلك اللغة التراث العرقى للعرب خارج بلادهم، كما أنها جعلتها تشع فيما وراء موطنها، وانتقلت العبقرية العربية بشكل فعال على يد اللغة العربية إلى الحواضر الإسلامية بكاملها. والقوة المعيارية الفائقة للغة العربية تعود إلى دورها كلغة مقدسة كما ترجع إلى طبيعتها السحيقة القدم، وكلا العاملين على صلة ببعضهما على كل حال، فخصائصها القديمة هى التى أهلتها كى تكون لغة مقدسة، وكان الوحى القرآنى هو ما جسّد مادتها القديمة، وليس القدم فى مرتبة اللغات مرادفا لبساطة التركيب بأية درجة، فعادة ما تتجه اللغات إلى الافتقار كلما تقادمت بفعل فقدان ثراء مفرداتها، وسهولة تنويع الجوانب المختلفة للفكرة الواحدة، وقوة التركيب التى تتميز بها، ألا وهى القدرة على التعبير عن أمور كثيرة بكلمات قليلة. وقد حاولت اللغات الحديثة أن تعوض ذلك الافتقار بأن صارت أكثر تعقيدا على المستوى الخطابى، وربما اكتسبت بعض الانضباط السطحى من جراء ذلك، ولكنها لم تستطع أن تعالج المضمون .
إن أشكال الفكر والتعبير التى أشير إليها عاليه، قد غذت وولدت تراثا من أعظم ما شهد الإنسان على مر القرون، تم تضفيره فى حميمية بحياة أعداد لا تحصى من المسلمين الذين يمثلون أعمق ما فى الإسلام، ويقول تيتوس بوركار:
لو أن المرء أجاب على سؤال ’ماهو الإسلام؟‘ بالإشارة ببساطة إلى أحد الأعمال المجيدة فى فن الإسلام، مثل جامع قرطبة، أو مسجد ابن طولون فى القاهرة، أو مدرسة من مدارس سمرقند، أو حتى إلى تاج محلّ، فإن تلك الإجابة تكفى ردًّا على اختصارها؛ إذ يتجلى الإسلام فى فنونه، ودون غموض ولا لبس .
ثم يضيف إلى ذلك:
وليس من العجب أو الغرابة أن التجليات الأكثر ظهورا لدين أو حضارة كالإسلام، والفن تعريفا هو تجل ظاهر، تعكس بطريقتها ما تبطنه تلك الحضارة. إن مادة الفن هى الجمال، ويرقى فى المفهوم الإسلامى إلى مرتبة الصفات الربانية، ويظهر منه بما هو ربانى جانبان، فيتجلى مظهر الجمال فى العالم، وهو الرداء الذى يُسبَغُ على الأشياء الجميلة، والأشياء الجميلة المصنوعة لوجه الله وبذاتها، كما أنها حال من التقوى والبركة الباطنة النقية، وهى الصفة التى تتميز عن كل الصفات الربانية التى تتبدى فى تجليات عالم الظاهر بأنها تُذَكِّرُ بالحىّ القيوم بشكل مباشر .
ويشير الشيخ أبو بكر سراج الدين بتوسع فى هذا الموضوع بالإشارة إلى ما ذكره فريذيوف شوون :
فى تعريفه الموجز والبعيد المدى للمكونات التى يتشكل منها الدين، يجعل فريذيوف شوون حضور الفن الدينى أحد المعايير التى تثبت أصالة وليس هذا بالأمر المدهش عند من يضع فى اعتباره وظيفة الفن الدينى، شريطة أن تؤخذ هذه الوظيفة بالمعنى الدقيق للعبارة، إذ هى تقع فى خط موازٍ لوظيفة رسالة الوحى ذاتها، لكونها ذات وقع بالغ الأثر على نفس الإنسان فى حال توجٌّهه إلى الحق المتعالى على عالم الشهادة . مع ذلك، فنادرا ما يكون ظهور الفن الدينى معاصرا للتأثير الابتدائى للدين، ولهذا فهو قادر على تعويض بعض الخسائر التى يحدثها طول الأمد وعوامل التدهور الروحى التى يأتى بها مرور الزمن وذلك لكونه فى المقام الأول ينقل للأجيال المتأخرة شيئا من حضور الرسول الذى شهده جيل السلف الأول . وقد جاء القرآن واضحا فى كون أن الرسول ينبغى اعتباره مثل تحفة فنية من صنع الله تعالى . يقول الله تعالى لموسى عليه السلام ( واَصْطَنَعْتٌكَ لِنَفْسِى ) فكأنه يقول له : لقد اصطنعتك كقطعة فنية من أجلى، ويقول فى آيه أخرى لمحمد عليه الصلاة والسلام ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )
إن الخط العربى لهو قمة فنون التقديس الإسلامية، فهو الوسط الذى تنعكس فيه الأشكال البصرية للقرآن الكريم، ويقتبس من كتاب فريذيوف شوون ’فهم الإسلام‘ ما يلى:
إن آيات القرآن ليست مجرَّد ألفاظ تنقل لنا افكارا وحسب ،إنَّها، بمعنى من المعانى، موجدات وقوى وحصون حافظة من الشرور أيضا . إن نفس المسلم تكاد تكون منسوجة من هذه الصيغ المقدسة، ففيها يعمل وفيها يرتاح وفيها يحيا وفيها يموت .
إن استغراق الروح الإسلامية فى آيات القرآن الكريم وجوهرية أثرها على فنون التقديس الإسلامية، يتضح بإسهاب عند تيتوس بوركار:
ولغة القرآن الحكيم لها حضور كلى فى العالم الإسلامى، فحياة المسلم بكاملها مليئة بصيغ قرآنية تتردد فى الصلوات والدعوات والابتهالات التى اشتقت من الكتاب الحكيم، ويشهد على ذلك مخطوطات لا حصر لها، وحضورية القرآن وشموليته تعملان كترددات روحية، وليس هناك صيغة أخرى يمكن أن تصف نفوذا روحيا وصوتيا فى الوقت ذاته، وهذه الترددات هى التى تحدد الصيغ والموازين فى فن الإسلام، ويصبح فن الإسلام التشكيلى بطريقة ما انعكاسا لكلمة القرآن الحكيم .
وأهمية القرآن فى الإسلام، أو بالأحرى مركزيته الكاملة، قد استلزمت التسجيل الدقيق، وتطلب التسجيل بدوره خطوطا على أجمل ما يمكن، ويفسر الشيخ أبو بكر سراج الدين الأمر على هذا النحو:
إنَّ الحاجة إلى تسجيل ونقل كلِّ حرف من حروف القرآن بدقة تامة للأجيال التالية جعلت الاعتماد على شىء غير معصوم من الزلل مثل الذاكرة البشرية أمرا غير ممكن، على الرغم من أنَّ الذاكرة التى نتحدث عنها هنا كانت تتميز بجودة عالية . بيد أنَّ النقطة التى ينبغى أن يعوِّل عليها المرء هنا ليست هى أمر قوم لم يعرفوا الكتابة ولا العمارة فأصبحوا، بقوة الظروف وحدها، شعبا فيه الكتَّاب والبنَّاءون . إنَّ التشبيه الذى نعقده يقوم على تغيير من وضع لم يكن فيه شىء تقريبا إلى وضع أصبح فيه كل شىء، وفى حالة فن الخط بالذات، فإنَّ التغيير يدعو للدهشة أكثر من العمارة . فليس الأمر فقط أنَّ العرب لم يبزَّهم أحد فى فن الخط ولكن أيضا أنَّ أحدا من الشعوب ربما لم يبلغ فيه درجتهم ، إلا الصينيين الذين تطور عندهم هذا الفن فى اتجاهاتٍ مختلفة تماما. على كلِّ حال، لا يمكن اعتبار التفوق الذى تميزت به حضارة النَّبى الأمِّى فى فن الكتابة شيئا عجيبا أو متناقضا، حتَّى بغض النظر عن حسنات الدخول فى هذا المجال بدون عبءٍ يذكر من التجارب السابقة، فعزوف العرب أولاً عن كتابة الكلمات النفيسة لديهم لا شك أنَّه قد لعب دورا إيجابيًّا فى جذور نشأة الخط العربى . فهؤلاء الناس كانوا يعشقون جمال لغتهم وجمال صوت الإنسان . ولم يكن هناك أى معيار مشترك بين هاتين القمَّتين الجماليتين من جهة، وبين انعدام قيمة الخط الوحيد المتوفر لديهم من جهةٍ أخرى.فاستخفافهم بالكتابة كان تعبيرا عن شعورهم بقيمٍ أعلى . وعلى ضوء ما أسفرت عنه النتائج النهائية، فمن المشروع لنا الآن أن نفترض أنَّ موقفهم هذا كان بمثابة الجانب الآخر لحالة تهيئهم لتلقى الإلهام بفن الخط، فكأنَّهم قد قالوا: إذا لم يكن لنا خيار من تدوين رسالة الوحى، فليكن هذا السجل المكتوب تجربةً تعدل فى قوة تأثيرها على العين عندما تراه قوة السجل المحفوظ فى الذاكرة فى تأثيره على الأذن عند سماع النطق بالكلمات أو ترتيلها .
ويقول تيتوس بوركار عن العلاقة البصرية بين الخط العربى وبين اللغة التى يسجلها، ما يتعلق عن قرب بموضوعنا هنا:
إن فن الخط العربى هو أكثر فنون الإسلام عربية، وهو ينتمى بالرغم من ذلك إلى العالم الإسلامى بكامله، حتى إنه يعتبر أنبل الفنون قاطبة، فهو الذى يجسد شكل كلمة الوحى الربانى فى القرآن، وكان الأمراء والأميرات يعكفون على نسخ القرآن الحكيم فى خط جميل، والخط هو أكثر الفنون انتشارا بين المسلمين، فكل من يستطيع الكتابة قادر على تقويم حسنات الخط الجميل، ويمكن القول دون حرج من المبالغة بأنه لم يعمل فن من الفنون على تنميط الحاسة الجمالية لدى المسلمين مثل الخط العربى، ويحتاج المرء إلى الألفة مع أشكال الخط العربى وطرزه حتى يتابع الأطوار الكاملة لهذا الفن، وخاصة فى أشكاله الزخرفية فى المعمار، والتى تحكمه الأقوال المأثورة والحكم إلى حد بعيد. وبإمكاننا أن نعطى الخط العربى حقه فى ثراء أنماطه وصياغاته المدهشة، لو قلنا إنه يعرف كيف يزاوج بين أعلى قدر من الانضباط الهندسى وبين أكثر الإيقاعات غنائية، وقولنا ذاته يُعَرِّفَ القطبان اللذان يدور حولهما هذا الفن، وينجح فى تصالحهما بأنماط وطرق شتى، كل منها يمثل اتزانا بصريا مرهفا، وكل منها متسق مع ذاته تماما، فأحد خصائص الخط العربى النمطية أن كافة أشكاله أيان كان مولدها ما زالت حية قابلة للاستخدام، فالخط يستخدمها جميعا حسب طبيعة النصوص وسياقها، ولا يتردد فى اللجوء إلى تجاور أكثر الخطوط تباينا لو أتيحت الفرصة.
ويقول الشيخ أبو بكر سراج الدين عن فن التذهيب القرآنى:
لم يكن هناك مناص من أن ينشأ فن التذهيب القرآنى ببطء أكثر من نشأة فن الخط؛ لأنه لم يكن مطلوبا بشكلٍ مباشر من النص. أضِف إلى ذلك أنَّ ظهوره قد تعطل بسبب الخوف من السماح لأى شىء بالتطفُّل على النص. ومن ناحية أكثر إيجابية، بوسعنا أن نستيقن من أنَّ هذا التهيُّب هو الذى ضمن إيجاد القنوات الصحيحة على الوجه الدقيق من أجل سريان هذا التطوُّر نحو نتيجة هى، باتفاق العموم، صحيحة على نحو مثير للدهشة. لقد قيل" :إنَّ رأس الحكمة هو مخافة الله "هذه الحكمة السليمانية كانت دائمًا تتردد فى الإسلام، وهى ذاتها عبارة عن مركَّب ممزوج من حِكَم لها تطبيقاتٌ على جميع المستويات . إنَّ الفن الدينى يتصف بالحكمة، ومن الحديث الذى أوردناه عن عدم ذكر الأسماء يستتبع أنَّ فن الخط القرآنى نفسه، ناهيك عن فن التذهيب، كان لا بد أن يبدأ مسيرته على وتيرة تحفُّظ، كنوع من التأدُّب الذى يرتبط بالهيبة ويظهر وعى الفنان بالجلال الإلهى .
فى فن التذهيب القرآنى وصلت التصميمات التجريدية للفن الإسلامى أعلى درجات الجمال ، ويوضح الشيخ أبو بكر سراج الدين سياق ووظائف هذه التصميمات عندما تطبق على المخطوط القرآنى:
وقد نقول إنَّ القرآن نفسه يحمل لنا بعض الفرص التى هى بمثابة دعوات بالنسبة لفنان التذهيب . وأكثر هذه الدعوات وضوحا توجد فى مطالع السور، وفى الفواصل بين الآيات . كذلك توجد علامات تشير إلى مرور خمس أو عشر آيات، فيعطى ذلك الفرصة لزخرفة تتكرَّر بشكلٍ منتظم على الهامش، ويجد القارئ فى تلك الزخرفة أيضا عونا على معرفة مواقع النص التى يلزم عندها أداء سجدة . ثم إنَّه من طبائع الأمور، إذا كان مطلع سورة من السور يسمح بالتذهيب، فإنَّ مطلع السورة الأولى وبالتالى الكتاب بأكمله من باب أولى يمكن أن يعالج بعرضٍ فنى مبهر يخصه بالمزيد من الزخرفة .
ويذكرنا فى تعليقه بالوظيفة الجوانية للتذهيب القرآنى قائلا:
وعلينا أن نتذكر أن الغرض الأساسى من الزخرفة والتذهيب هو استدعاء البعد الأعلى والأعمق للنص . ولقد شرحنا فى فصلٍ سابق أنَّ العلاقة بين الكتاب المكنون والقرآن المنزل هى علاقة جلال وجمال، علاقة قبض، أو قل تحفظ، بالنسبة للتوسُّع، ومهما بدت هذه العلاقة وكأنَّها متناقضة، إلا أنَّ تذهيب المخطوطات يبقى ليذكرنا بالكتاب المكنون، ولذا فإن دوره العام هو إسباغ الجلال بالنظر إلى جمال النص .
ويشار أحيانا إلى تصميمات الفن الإسلامى باسم أرابيسك، ويقول تيتوس بوركار عن هذا المصطلح:
يشتمل الأرابيسك بمعناه العريض على الزخرفة بتضفير الأشكال النباتية والهندسية الصرف، والزخرفة الأولى منهما هى إيقاع، أو هى على الأصح نسخة بصرية للإيقاع، أما الثانية فهى بللورية بطبيعتها، ونجد فى هذا النطاق أيضا أن قطبى مجمل التعبير الفنى فى الإسلام هما حساسية الإيقاع , وروح الهندسة.
ثم يفسر الأشكال النباتية المحورة:
ولا تحمل الزخارف النباتية التى تبالغ فى الأسلوب سوى شبه قليل بالنبات، ولكنها تمثل تناظرا كاملا مع قوانين الإيقاع البصرى، فهى تتفتح منبثقة أبدا كموج البحر، فى مراحل متباينة ذات رنين مختلف الدرجات، فالتصميم لا يقتصر على التماثل، وعوضا عن ذلك يلجأ دوما للتكرار الذى تتأكد طبيعته الإيقاعية فى التوازن الجمالى بين الصوت والصمت، وبين الشكل والخلفية.
والحق أن الإيقاع لا ينتمى إلى المكان بل إلى الزمان، حيث يمثل فيه الإيقاع على الزمن قياسا كيفيًّا لا كميًّا، إلا أن توسط الحركة فى الاتساق مع الزمن يجعل الإيقاع قائما فى بعد المكان والشكل.
ويعطينا الشيخ أبو بكر سراج الدين مثالا لاستخدام التذهيب فى المصاحف:
تلاوة القرآن لا ينبغى أن يُنظر إليها على أنها محدودة بهذا العالم، إذ إنَّ تداعياتها ترتفع فترقى إلى السموات العلى،هناك حيث تنتظر المؤمن ثمارها. إنَّ القرآن، بعبارة أخرى، يستخدم رمز الشجرة حتَّى يحرِّر به ذاته فى وعى المؤمن وإدراكه الباطنى من الوقوع فى أسر الوهم القائل بأنَّ هذا مجرَّد كتاب مثل غيره من الكتب . وهكذا، يمكننا أن نقول: إنَّ القرآن يفتح بذلك طريقا روحيا للمشتغل بالتذهيب بما يطلعه عليه من كيفية إطلاق الحضور غير المتناهى من أسر التناهى .فلا حاجة بنا إذن إلى الدهشة من أنَّ واحدة من أكثر الزخارف القرآنية أساسيةً فى تذهيب القرآن مستوحاةٌ من نموذج الشجرة، تلك هى الشُّجيرة، ولا حاجة لنا أيضا لأن نشك فى أنَّ الغرض منها هو أن ترمز للكلمة الطيبة .
ونعود إلى استطراد تيتوس بوركار عن التصميم الهندسى:
وعندما يتأهب الفنان المسلم، أو الحرفى المسلم، وهو نفس المعنى، لزخرفة مساحة بالمضفورات الهندسية التى تمثل للفطرة أكثر الأشكال قبولا؛ فهى تعبير مباشر عن فكرة التوحيد الربانى التى تنبثق منها الاختلافات التى لا تنفذ فى العالم، والحق أن الوحدة الربانية بهذا المفهوم هى فيما وراء كل تعبير، فطبيعتها الكلية تجعلها لا تترك شيئا خارجها، فهى ’بلا ثنائية‘ إلا أنها تنعكس على العالم فى الاتساق المتناغم، والذى ليس إلا ’وحدة فى الكثرة، وكثرة فى الوحدة‘ فى آن واحد، والضفير يعبر عن الجانبين معا، إلا أنه يذكرنا فى جانب آخر بالوحدة التى هى فيما وراء كل الأشكال، أى إن كل الأشكال قد تأسست من عنصر وحيد قد يكون ضفيرة أو خطا يرتجع إلى ذاته إلى الأبد[/quote]
:redrose:
|
|
06-28-2008, 05:13 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر
عضو رائد
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
إسلام الجمال والجلال ..وعمل وإبداع..
|
|
06-28-2008, 05:24 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
يجعله عامر
عضو رائد
المشاركات: 2,372
الانضمام: Jun 2007
|
إسلام الجمال والجلال ..وعمل وإبداع..
عن فكرة الخط والألوان
الخط و الكتابة في الحضارة العربية -يحيى وهيب الجبوري ط دار الغرب الاسلامي 1994 .
هنا
.. أو هنا ..
اللغة واللون لأحمد مختار عمر ، رحمه الله ورضي عنه ، ط عالم الكتب .. بحث أكثر من رائع ..
هنا ..
(f)
|
|
06-28-2008, 03:00 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
|