المقال التالي ليس لي، ولا لأحد الصحافيين المحترفين أو المثقفين النابهين من كتّاب الجرائد والمجلات.
عمر هذا المقال 100 سنة ونيف، فلقد صدر في 21 تشرين الثاني \ نوفمبر سنة 1910 على صفحات صحيفة أمريكية اسمها "مرآة الغرب"، أما عنوانه فكان "إلى السوريين".
اصطدمت بهذا المقال قبل قليل فرددت أكثر من مرة وأنا أقرأ كلماته (خصوصاً النصف الثاني من المقال): "ما أشبه الليلة بالبارحة". فصاحب المقال الذي الذي لن أكتب اسمه آملاً أن تعرفوه من أسلوبه)، كان قد كتب هذه الكلمات بنياط قلبه في مواجهة "الاستبداد"، عندما كان "الكابوس التركي" يخيّم على "سوريا" في مطالع القرن العشرين ("سوريا" كانت تعني وقتها أيضاَ لبنان وفلسطين).
اصطدمت بكلمات هذا الأديب العظيم ، الغني عن التعريف، وتخيلت بأنه لو كان حياً في زماننا هذا، فلربما يكتب مثلها "لأزلام نظام الأسد والمطبلين والمروجين له"، خصوصاً بعض أبناء "الجماعات المسحوقة تاريخياً" الذين لم يتعلموا من عصور القمع والاضطهاد البائدة إلا الخشية والريبة والتفتيش عن "فتات التسامح" على مائدة "المستبدين". وكل هؤلاء الذين يترجون السلامة تحت عمامات رجال الطوائف وقلانس رجال الدين.
حسناً، لنرى ماذا يقول الكاتب:
إلى السوريين (ربما كان الكاتب يقصد سوريا بمقالته هذه
)
دعوها تمت فقد طال نزاعها أمام وجه الأبدية. اتركوها تهلك وشعاع الاستشهاد في عينيها فذاك خير من أن تعيش ومرارة الأوجاع بين شفتيها. ذروها تقضي تاعسة فأنتم لا تستطيعون إسعادها. ابتعدوا عن مضجعها فعلتها تهزأ بأدوائكم, ويأسها يحتقر دموعكم, وحشرجة صدرها تسخر بتنهداتكم.
تفرقوا عنها واسلموا بأرواحكم, فالأرض قد فتحت صدرها لتخفيها, وثعبان الجحيم فغر فاه ليبتلعها, وأشباح الهاوية تراكضت نحوها لتبيدها.
إن غبار الصحراء قد أعمى عينيها, وحر القيظ أذاب شحمها, ووحوش الغاب مزقت جلدها, وطيور السماء نتفت شعرها, فلم يبق منها سوى هيكل عظام مطروح على أكمة من رماد.
لقد فتك الأعداء بأبنائها, وهدمت الحروب بروجها وهياكلها, وأفنت اللصوص حقولها وكرومها, ولم يبق لها غير مضجع من تراب ومسند من هشيم.
لقد اختلس الفاتحون خزائنها, واقتسم الجنود عقودها وأساورها, وسرق الرعاع أثوابها ومناطقها, فلم يبق على جسدها سوى إكليل من الأشواك وقلادة من الدموع.
دعوها تنسحق, فأنتم لا تستطيعون انتشالها من بين الأقدام والسنابك, لأن الخوف قد أمات نفوسكم, والتردد أوهى سواعدكم, والجبانة كسرت سيوفكم ورماحكم.
تفرقوا عنها صامتين, فالعويل لا يبعث الأموات, والصراخ لا يعيد الأرواح. قفوا بعيداً ساكتين فأنة الكهوف لا توقف مد البحر وجزره.
دعوها تقضي فهي أمام عرش الموت أكثر هيبة منكم تحت أقدام العبودية.
أما أنت أيها القلب الكبير المنير المملوء بأغاني الحياة والحرية, فسر أنت وحيداً منفرداً نحو قمة الجبل, وما هذه الأشباح التي تراها على جانبي الطريق سوى صخور جامدة وعظام بالية.