جمعة الغضب الثانية يوم 27 مايو كانت نقطة فاصلة بين مرحلتين في مسار ثورة 25 يناير، فقبلها كانت هناك “مسلمات”.. تنتقل بالتواتر وليس بقياس علمي دقيق، وبعدها وُضعت تلك المسلمات في حيز التساؤل والاختبار.. إذن لم تعد “مسلمات” بل (مسائل)، على رأسها: سلطة المجلس العسكري، ونفوذ جماعة الإخوان المسلمين
أولا: المجلس العسكري
في رسالته يوم الخميس رفع المجلس يده عن (حماية المتظاهرين) بانسحابه من ميدان التحرير وميادين المدن الأخرى، الرسالة حملت- بصراحة- تهديدا للمتظاهرين وتفويضا للمجرمين! لكن الثوار الرائعين الذين واجهوا جبروت مبارك والعادلي يوم 25 يناير ردوا عليه في صفحته الرسمية برسالة على شاكلة رسالته قالوا فيها بخفة ظل وثقة وتحد ووعي (الحامي ربنا يارجالة)! وقد كان!..
** نظم شبابنا الصغار سناً الكبار همةً يومهم.. قد لا يدركون الآن حجم الخدمة الجليلة التي قدموها لمصر بهذا اليوم.. فقد كشفوا العديد من أقنعة الزيف في مصر، أولها بطرح سؤال واضح وبسيط: لماذا يناقض المجلس العسكري نفسه؟ ألم يعلن منذ انضمامه للشعب في ثورته أنه ملتزم (بواجبه في حماية حق المصريين المشروع في التعبير عن رأيهم)؟ لماذا الآن يقول لهم (مليش دعوة؟!) أي مصريين كان يقصد ياترى بهذا الوعد؟! لماذا هدد المجلس شبابنا بل الشعب كله بأنه سيلقي بهم (فريسة) لهجوم (توهمه أو أوحى به) تخويفا وترهيبا؟ ففي الأيام السابقة مباشرة ليوم الجمعة ظلت الأخبار تتوالى بعضها من المجلس مباشرة وبعضها تخديما على رسالته (غير المقبولة).. عن هجوم محتمل لآلاف البلطجية على الميدان.. وعشرات من سيارات الإسعاف تستعد.. وتركيز لحماية المنشآت.. وغيرها من (إيحاءات) بمجزرة وفوضى عارمة ستحدث إن.. إن ماذا؟ إن (تمردتم) على (انفراد) المجلس بالحكم والقرار! هل يفهم من هذا التكثيف ضد شباب جمعة الغضب الثانية غير هذا؟ حسنا.. جاء اليوم بأشد ما تكون الأيام تحضرا ورقيا ونظاما.. أو بتعبير الكاتب الجميل وائل قنديل (غاب الإخوان والعسكر وحضر ضمير مصر).. لم ينفع إذن تهديد المجلس للشباب ومن خلفه الشعب.. فكانت نقطة تقدم للشباب ونقطة تراجع للمجلس.. الذي يصر على الانفراد بالقرار واستبدال وعده (تنفيذ مطالب الشعب) بفعل آخر هو (الوصاية على الشعب)،
** هذه الوصاية من المجلس عبر عنها اللواء ممدوح شاهين في مكالمته الشهيرة لتليفزيون (أون تي في) حين غضب من وصف المظاهرة بكلمة (حاشدة) وقال إن الاستفتاء كان استفتاءً على شرعية المجلس! وقال نحن لا نستجيب للضغط! إذن على الشعب أن يفهم من رسالة سيادة اللواء أن المجلس بعدم استجابته للضغط سوف (ينفذ اللي في دماغه)! فماذا يا ترى في دماغ المجلس؟!
** لا قراءة للنوايا هنا إنما قراءة للظاهر من السلوك.. أولا: المجلس رأى أن من حقه الالتفاف على نتيجة الاستفتاء فأسقطه واستبدله بإعلان دستوري لم يستفت عليه.. ثم أنكر على أي قوة أخرى الحق في أن ترفض هذا الالتفاف وتطالب بإعادة النظر! إعادة النظر إما في الاستفتاء نفسه وقد شابه ما شابه من نواقص أو إعادة النظر في التفاف المجلس ومناصريه على الاستفتاء المعيب! المطلوب هو الخرس التام إذن وليفعل المجلس (الوصي على العرش) ما يشاء! هذه ليست إلا.. وصاية!
ثانيا: المجلس يصر على إصدار قوانين تصب كلها في غير صالح (عموم الشعب) ولا يستفيد منها إلا فئة وحيدة لا تعبر عن كل الشعب ولا عن مصر التي عرفها التاريخ.. من تلك القوانين التي لم يؤخذ فيها رأي أي قوة سياسية في البلاد ولم تعرض لنقاش مجتمعي بشأنها.. قوانين مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات وتصويت المصريين في الخارج وتجريم الاعتصام والتظاهر وقانون مصالحة رجال الأعمال (أو تدليلهم) وغيرها كثير من قوانين يؤسفنا حقا أنها كلها- وهذا باد للعيان- ضد عموم الشعب! ومع هذا يغضب المجلس عندما يعبر أحد عن استنكاره لهذا الإهمال المتعمد لمطالب الشعب.. بل ويحاكم بعض المنتقدين عسكريا ويلقي بهم في السجون.. بينما هو- المجلس- وكذلك الجميع يعرف بداهة أن انتقاد سلوك المجلس لا يعني انتقادا للجيش الذي يحبه المصريون ويحترمونه! الخلط المتعسف بين الجيش والمجلس هو بصراحة إرهاب لمن ينتقد المجلس، وتلك وصاية.. غير مقبولة!
** ولعل غضب المجلس من جمعة الغضب الثانية جاء لسبب آخر كذلك إضافة إلى استنكاره أن (يتمرد) الشباب على سلوكه المنفرد بالقرار، غضب المجلس بسبب (فشل توقعاته) وتوقعات أعوانه! فقد توقعوا أن إرهابهم للشعب بالحديث عن مجازر سوف تقع في الميدان أو عن كفار سوف يتظاهرون بالميدان.. سوف يقلل حجم المظاهرات إلى الدرجة التي تقر لهم إلى غير رجعة (الانفراد) بتخطيط المستقبل.. فإذا بحشود الشعب في معظم المدن تفاجئهم.. وتفاجئ أعوانهم! فغضبوا!
** أصبحت تلك الحشود إذن قوة ذات وزن تواجه المجلس بأهم تساؤل بينه وبينهم: لماذا كل تلك الحماية للمخلوع وأسرته ورجاله؟ لماذا كل هذا التباطؤ المستفز؟ لماذا يتعالى المجلس على الرد على اتهامات من هنا وهناك تقول- وأحيانا بمستندات كما ذكر بلال فضل في أحد مقالاته- إن تجميد أموال مبارك وعائلته لم يتم على خلاف ما أعلن، بل وفي الميدان تساءلت الناس هل مبارك فعلا موجود في مصر؟! هل العادلي وجمال وعلاء محبوسون فعلا؟ وكيف نتأكد؟.. نحن لم نر ولا صورة واحدة لأي منهم في محبس أو في قفص! لماذا لا يسمحون بتصوير هؤلاء الناس في المحاكم؟ هل مازال هناك درجة ما من الولاء لهم؟ إذا كان هناك درجة من الولاء أو الحماية لهم فهذا ببساطة.. خطر على الشعب وحقوقه!
** ثم هذا التآلف والود الواضح بين المجلس وفئة واحدة من الشعب هي جماعة “الإخوان المسلمون”.. لماذا يأتي دائما على حساب (عموم الشعب المصري)؟!.. بل ما نوع ذلك (التوافق) بينهما؟ يحق للمصريين السؤال ويجب على المجلس بحكم وجود السلطة بين يديه أن يجيب.. المجلس ليس أعلى من الشعب.. بل الشعب هو من وضع المجلس هناك.. مجرد تذكير.. ذكر لعل الذكرى تنفع!
** السؤال الأكثر الحاحا الآن.. هل استمع المجلس لهذه التساؤلات؟ هل وصلته؟ إذا وصلته ولم يهتم ولم يبادر ليثبت العكس فهو إذن مازال محل تساؤل.. وإذا لم تصله.. فالحشود التي أغضبته يوم جمعة الغضب الثانية سوف تتضاعف في المرات القادمة! والأيام بيننا!
ثانيا: الإخوان المسلمون
** الحديث عن الجماعة هنا هو حديث باعتبارها قوة سياسية، أما دورها الثقافي فمجاله مقال آخر، أبرز ما يلاحظ عن علاقة الجماعة بالمجلس العسكري هو ذلك التحالف ضد رغبات (عموم الشعب المصري)! تحالف يستدعي في ذاكرة المصريين العودة إلى الوراء تسع وخمسين سنة! إلى عام 1952 حين قام تنظيم الضباط الأحرار بانقلاب عسكري.. وكان ضمن الضباط الأحرار بعض الإخوان المسلمين إلى جانب آخرين شيوعيين وليبراليين وغيرهم من تيارات سياسية في ذلك الزمان، بدأت العلاقة حميمة بين الإخوان و(مجلس) قيادة الثورة! ثم جاء حادث المنشية الذي انقلب فيه الإخوان على المجلس فقلب المجلس عليهم طاولة الحكم وبدأ العداء المبين بين الإخوان وثورة يوليو والذي استمر حتى 24 يناير! نعود الآن إلى الحاضر..
** في رأي الكثيرين لا يريد الإخوان قلب الطاولة عليهم ولا يريد المجلس حادث منشية جديدا! وكلاهما على الأقل كما استشعر كثير من المصريين يريد (تطويع الثورة) لصالحه.. لكن كل منهما لا يستطيع ذلك منفردا ويريد معينا على ذلك.. أمام شعب قام بثورة ثبت منها بما لا يدع مجالا للشك أنه في عمومه شعب واعٍ يصعب على قوة منفردة.. خداعه! المجلس اعتقد منذ اللحظة الأولى أن الجماعة (تمتلك ناصية الشارع) وهذا هو الوهم الذي (عاشت عليه) الجماعة سنينا! حتى صدقها خصومها وصدقها كذلك.. المجلس! والجماعة اعتقدت أنها لن تلدغ من ذات الجحر مرتين وبالتالي لن تعادي المجلس حتى تجني كل ما تستطيعه من مكاسب! فبدأ (الغزل) بينهما على عينك ياتاجر وعلى مرأى من الشعب وسمعه! أول مظاهر (الغزل) بين المجلس والإخوان كانت لجنة التعديلات الدستورية! التي كانت سلطة اختيارها بيد المجلس فاختار لجنة جاءت إخوانية بامتياز! تلك كانت البينة الأولى! ثم صمت الإخوان على التفاف المجلس على نتيجة الاستفتاء عندما اسقطه فعليا بإصداره إعلانا دستوريا لا يمت بصلة للاستفتاء! ثم سموا الأشياء بنقيضها وإياكم والاعتراض.. فسموا (تجاهلهم) لإرادة الشعب (خضوعا) لإرادة الشعب! ويستمر التحالف بينهما.. فيصدر المجلس قوانين لا يستفيد منها إلا الإخوان أو الأثرياء! فيروج لها الإخوان.. الأثرياء! بينما هي قوانين لا تقابل ولو في منتصف الطريق المطالب الاجتماعية لشعب قام بثورة من أجل العدالة الاجتماعية وليس من أجل تحسين وضع جماعة الإخوان! قوانين تمهد الطريق لتقاسم السلطة بينهما إلا إذا.. إلا إذا طمع أحدهما في أكثر مما يعنيه منطق التقاسم! وحينها لا قدر الله ربما نشهد نسخة 2011 من.. حادث المنشية!
** جاءت جمعة الغضب الثانية فاصلة بحق حيث عبرت عن (حرب إثبات القوة في الشارع) بين الإخوان الذين ظلوا يتحدثون عقودا وبغطرسة متناهية عن (ملكيتهم التامة للشارع).. وبين القوى السياسية الليبرالية واليسارية الأخرى التي كانت حتى دعوتها الشجاعة لذلك اليوم خائفة من وهم ملكية الجماعة للشارع.. قامرت تلك القوى وقاطرتها شباب يرفض (الدخول في بيت طاعة المرشد واللواء) وحشدت ليوم الجمعة، وأذكركم أنه حتى منتصف الليل يوم الخميس كانت قيادات الإخوان تظهر في القنوات المختلفة مبدية سخرية من الشباب بل وأحدهم قال (لنرى من سيؤازركم)! ووزعت الجماعة بيانا بعنوان (جمعة الوقيعة) ظهر فيه النفاق للمجلس بأقصى ما يكون النفاق! وحذرت وتوعدت بتكفير وتخوين من يشارك في تلك الجمعة.. كانوا جميعا على يقين حتى ذلك اليوم أن الشعب المصري هو (قطيع) عصا قيادته في أيديهم! ثم جاءت الجمعة الفاصلة، وفي الإسكندرية(معقل الإخوان!) كانت الناس تردد في هدير بالغ هتاف:”لا سلفية ولا إخوان ثورتنا ثورة إنسان”، كم كانوا بلغاء في هتافهم هؤلاء الشباب! وبعد ذلك اليوم الذي أعاد الثقة بالنفس إلى شباب رفض أن يكون قطيعا يسوقه المرشد واللواء.. حتما ستكون هناك إعادة تقسيم للقوى.. لكن المدهش حقا كان موقف الإخوان الغاضب إلى درجة الهيجان من نجاح الشباب بدون قوتهم المزعومة.. كان يشبه تماما موقف الحزب الوطني المقبور وذيوله! إنكارٌ فإنكارٌ فإنكار!
** ولم يكن يوم الجمعة الفاصلة تلك كاشفا فقط لقوة الإخوان السياسية في الشارع.. بل كشف أمام المجتمع المصري مدى فاشية تلك الجماعة.. والحق يقال أنهم هم بأنفسهم قدموا لمصر خدمة جليلة بالعمل على كشف عنجهيتهم وعقليتهم المستبدة الإقصائية.. فجندوا خير من يمثلهم (ويمثل بهم!) في ذلك المجال.. الأستاذ صبحي صالح! فمهما حاول المناوئون للجماعة كشف سلبيات تلك الجماعة أمام المجتمع لم يكن لينجح أحدهم بمثل ما نجح ممثلهم العظيم في هذا! فهذا الرجل تطاول على فتيات مصر ونساءها (غير الأخوانيات أو الأخوات) ووصفهن بأنهن في (مرتبة أدنى) من الإخوانيات اللاتي رباهن سيادته في حظيرة الجماعة! ثم حاول التخفيف فاعتذر، ثم حاول التراجع عن الاعتذار فقال إنه كان (بيهزر!) ثم توج فعلته في برنامج العاشرة مساء حين وصف فتيات ونساء مصر غير الإخوانيات بأنهن.. بنات رصيف! هذا الرجل كان ضمن من اختارهم المجلس للجنة التعديلات الدستورية! وهو ما جعل البعض بعد ان استمع إليه يقول ضاحكا (يافضيحتك يا مجلس!)، وغير تلك الحادثة أظهر نفاق الجماعة للمجلس العسكري (عمال على بطال) أمام عموم الناس- حتى من كانوا يتعاطفون معهم أيام (ذريعة الاضطهاد)- كم هم منافقون وانتهازيون يخططون للاستحواذ على مصر عن بكرة أبيها!
** لكن المجتمع المصري ليس غبيا! هل سمع أحدكم عن قيام الإخوان بتنظيم إضراب عمالي واحد مثلا على مدار ثمانين عاما هي عمر الجماعة؟! هل سمع أحدكم أياً من قادة الإخوان الأثرياء يتحدث عن (عدالة اجتماعية) أو (إنصاف الفقراء) أو حقوق المرأة أو حقوق الإنسان أيا كان؟! لطالما كان هؤلاء الناس يتحدثون عن جماعتهم وحقوق جماعتهم واضطهاد جماعتهم وكأنهم دولة داخل الدولة.. كذلك لا يُعرف الكثير عن مصادر تمويل هذه الجماعة التي تنفق الملايين، إنهم لا يختلفون عن الحزب الوطني المقبور في شيء سوى أنهم أشد بأسا وقسوة على الفقراء في برنامجهم ورؤيتهم للدولة القادمة! الفقير حقه عندهم (الإحسان من الأغنياء) وليس (تعديل ميزان الثروة) بين المواطنين! قد يثور سؤال إذن لماذا يتبعهم آلاف المصريين ويتعاطفون معهم وخاصة الفقراء؟! ذلك أنهم أيها السادة يشهرون سيف الدين في وجه كل مُطالب بدولة للجميع! ذلك أنهم أيها السادة يتسلحون بأداة استحلاب العواطف الدينية لدى الناس! ذلك أنهم كانوا يتاجرون باضطهاد خصمهم القديم لهم الذي كانوا يصارعونه على السلطة! ولعلكم شاهدتم الأستاذ صبحي صالح وهو يصرخ محمر الوجه منتفخ الأوداج في مؤتمر العباسية الشهير قائلا:”لن نسمح لأي قوة أن تحرمنا من (ثمرة الثورة) نحن الذين اضطهدنا لن نسمح لن نسمح”! لكن هل يستمر تعاطف المصريين معهم بعد أن (تكالبوا) على الثورة والمجلس بهذا الشكل المكشوف؟ أحد الشباب علق على افتتاحهم لمقرهم الفخم في المقطم قائلا: هذا المبنى سيحرقه المصريون في ثورتهم القادمة! المصريون إن آجلا أو عاجلا وأظنه قريبا سوف ينحازون لمن يطالب لهم بالعدالة والكرامة والإنصاف والنصيب العادل في ثروات البلاد في الدنيا.. وإلا لماذا احتشدوا يوم جمعة الغضب الثانية رغم ضغط الإخوان في اتجاه تكفير كل من يشارك فيها؟!
** تذكروا أن ثورة 25 يناير عندما نودي إليها فإن الإخوان لم يكتفوا بإعلان رفضهم المشاركة فيها بل عرضوا على نظام مبارك المساعدة حتى لا تقوم الثورة! وهذا كله موثق والإخوان وُدهم لو أخفوا تلك الوثائق الآن لكن أنى لهم أن يستطيعوا ذلك! وعندما بدأت تباشير النجاح للثورة قفز عليها الإخوان قفزا وصوليا إلى أقصى درجة.. حتى أن الدكتور عصام العريان وفي استخفاف بعقول الناس قال إن الإخوان كانوا يجهزون للثورة منذ عام 2004! مع أنه هو نفسه صاحب التصريح الشهير يوم 24 يناير بقرارهم عدم المشاركة! وبالطبع كل قادة الإخوان الذين فتحت لهم كل أبواق الإعلام المنافق بدوره كذلك راحوا يشهرون على الملأ ملكيتهم للثورة وهم على يقين مغرور بأن ذلك لن يستفز أحدا وأن (الوضع مستتب لهم)! لكن ورغم رفض موقف الجماعة وقادتها لا ينبغي أن ننكر دور شباب الإخوان في تلك الثورة.. فهم شباب مصريون وطنيون ورائعون رفضوا الانصياع لأوامر المرشد واجبة الطاعة في عرفهم.. وشاركوا في الثورة بأحلامهم لمستقبل أفضل وشاركوا مع الآخرين بالدم حتى تنجح تلك الثورة، هؤلاء الشباب من حقهم أن يكونوا متدينين وهذا جق بديهي ولكن من حقهم ايضا الحلم (بتطهير الجماعة) من قادة لا يهمهم الوطن بقدر ما يهمهم دولة الجماعة! نفس هؤلاء الشباب حينما استجابوا لنداء الوطن وشاركوا في جمعة الغضب الثانية.. رغم أنف قادة الجماعة الذين حذروهم بل حذروا الشعب كله من المشاركة ورفعوا في وجهه سيف التكفير.. هؤلاء الشباب حنق عليهم القادة ففصلوا بعضهم من جنة الجماعة وأعلنوا أن الجماعة ليس لها ممثلون في الائتلاف الذي نظم تلك الجمعة! بدا ذلك (عينة) مما يمكن أن يفعلوه مع (المواطن) إذا كانت سلطة حكم البلاد في أيديهم! فتلك الجماعة كما أن مصطلح العدالة الإجتماعية (مكروه) في قاموسهم كذلك مصطلح الثورة لا يروقهم! لأن الثورة تعني أن هناك مطالب تطالب بها (جموع الشعب) وهم لا يريدون تحقيق مطالب تلك الجموع إنما يريدون تحقيق مطالبهم هم مطالب الجماعة ولو على حساب تلك الجموع!
** ما الخلاصة إذن من هذا الاستعراض لجزء من مسلسل (انكشاف الجماعة) وسقوط قناع تقواها أمام المجتمع؟ الخلاصة أن هناك الآن قوتين تسلبان حق الشعب المصري في التعبير عن رأيه وحقه في الاختيار وحقه في العدالة.. إحداهما قوة انتهازية كما هو معلوم من تاريخها ولا رجاء فيها هي قوة جماعة الإخوان والأخرى هي قوة المجلس العسكري.. وتلك الأخيرة قوة فيها الكثير من الرجاء رغم كل ما بدر منها! فإذا التمسنا للمجلس العذر في تخبطه في المرحلة الأولى فإننا وبعد جمعة الغضب الثانية.. نأمل منه أن يدرك أن هناك داخل حدود مصر شعب كامل عريق يعيش هنا وليس جماعة! وأنه مازال بيده استثمار حب الشعب للجيش من أجل صالح (عموم الشعب) والتراجع عن ميله الذي لا تخطئه عين لجماعة لا تمثل عموم الشعب المصري.. ونقترح عليه إعادة النظر في كل ما اتخذ من تدابير سابقة والاستماع إلى صوت الشعب.. صوت الشعب يا مجلس مازال يقول (الجيش والشعب إيد واحدة) وليس المجلس والجماعة إيد واحدة! أما تهديد الجماعة بأنها (لن تسمح بحرمانها من ثمرة الثورة) فهو تهديد نمر من ورق! الشعب ببساطة سيقف وراء من يحمي مصالحه وليس وراء من يحمي مصالح جماعته! والشعب يريد العدالة! يريد مساندتك يا مجلس ضد خصومه من الانتهازيين ومصاصي الدماء وليس تحالفك معهم!
** نقترح على المجلس إذن ومن واقع ما نسمع من (عموم الشعب) فك هذا الارتباط! والتعامل مع جماعة الإخوان باعتبارها إحدى القوى السياسية الموجودة في الشارع المصري، والإعلان عن تكوين جمعية تضم (كافة) القوى السياسية الصغيرة منها والكبيرة لوضع دستور جديد للبلاد.. تضم الجمعية ممثلين ليس عن القوى السياسية فقط ولكن عن النقابات والهيئات والاتحادات والأدباء والمثقفين والإعلاميين والمهنيين وحتى الأزهر والكنيسة.. ويرأسها كبار فقهاء الدستور الذين تشرف بهم بلادنا.. ويوضع دستور جديد أو تناقش الدساتير التي وضعت أصلا ولم يعرها النظام السابق أي اهتمام.. تناقش كل مادة فيه على حدة أمام الشعب وفي جميع وسائل الإعلام، ثم يطرح الدستور الجديد لاستفتاء عام بعد أن يهضمه جيدا الرأي العام بمختلف مستوياته الثقافية، تليه انتخابات برلمانية ثم رئاسية حسب القواعد التي أقرها الدستور الجديد.. وليس عيبا أن يتراجع المجلس فهذا هو الخضوع الحقيقي لإرادة الشعب.. إن كان هناك أصلا ثمة اكتراث بها..
** بهذا يستجيب المجلس لرغبات عموم الشعب بدون إقصاء لأي من قواه بما فيها الإخوان وغيرهم من التيارات الدينية والسياسية.. وتتحقق العدالة لهذا الشعب الذي مازال يتطلع بأمل إلى مجلسه الأعلى حتى وهو يكظم غيظه من استعلاءه المستفز.. وكتمهيد لهذا التغيير في أسلوب المجلس عليه أن يتودد إلى الشعب بالسماح بتصوير جلسات المحاكمة لكل مجرمي النظام السابق بمن فيهم المخلوع وأسرته.. مبارك ليس أغلى من الشعب المصري.. هذا فقط للتذكير..
** أما إذا استمر المجلس لا يرى إلا تلك الجماعة على حساب الشعب المصري فإن المستقبل لا يبشر بخير.. فإما الشعب ينفذ صبره ويغضب غضبا أشد في الأيام المقبلة بسبب هذا الغياب العمدي للعدالة.. وإما توغل الجماعة في غيها وتطمع في المزيد فيفيق المجلس على عدم قدرته مسايرة اطماعها فتجد مصر نفسها أمام سيناريو قديم يتجدد ببلاهة! مع الفارق.. كان في يوليو 1954 رجل مثل عبد الناصر! وفي جميع الأحوال ستدفع مصر الثمن غاليا! فلماذا يا مجلس نعرض مصر وشبابها الرائع لهذا المصير؟ لديك مازال الوقت.. فاسمع للشعب.. وتذكر هتاف الشباب في ساحات المدن المصرية.. فهو رسالة إليك بأكثر منه هتاف في مظاهرة.. “لاسلفية ولا إخوان.. ثورتنا ثورة إنسان”!
http://elbadil.net/%d9%87%d9%88%d9%8a%d8...%ae%d9%88/