![[صورة: supernatural.jpg?w=316&h=399]](http://atheist4ever.files.wordpress.com/2011/08/supernatural.jpg?w=316&h=399)
هل هناك حقا ما هو خارق للطبيعة ؟
الإلحاد هو موقف معرفي محدود و ناقص بمعنى انه رؤية تدعي أن الآلهة غير موجودين و ما يترتب على ذلك من أن الكائنات الملحقة بالآلهة مثل الملائكة و الشياطين هي غير موجودة أيضا و لكنه موقف محدود و ناقص لأنه لا يتبنى موقفا من كل الكائنات و الظواهر التي نعرفها. أما الطبيعية الوجودية فهي موقف معرفي شامل بمعنى أنها رؤية معرفية تحدد لنا ما هو موجود و ما هو غير موجود على أساس أن : ا
لطبيعة فقط هي الموجودة و هذا يتضمن أن الفائق للطبيعة غير موجود... العالم الطبيعي هو كل الحقيقة و كل ما هو موجود و لا يوجد عالم آخر. هذا يعني ان كافة الكائنات و الظواهر التي تفوق الطبيعة هي كائنات و ظواهر خيالية وهمية و ليس لها أساس حقيقي مثل الآلهة و الملائكة و الشياطين و الجن و العفاريت و الاشباح و الأرواح بالإضافة للظواهر الخارقة مثل المعجزات و السحر و التنجيم و تناسخ الأرواح و الكارما و قيامة الأموات و أيضا الاماكن الخارقة للطبيعة مثل الجنة و جهنم و الفردوس و الملكوت و أيا كانت المسميات للاماكن المزعومة التي ترتادها الأرواح المزعومة بعد الموت.
ما هو الطبيعي ؟
أول مشكلة توجهها الطبيعية الوجودية هي في تحديد ما هو الطبيعي و ما هو الخارق للطبيعة. هناك من يقترح أن يكون الطبيعي هو الفيزيائي بمعنى ان كل شيء موجود هو فيزيائي و يتأثر حصريا بالأسباب الفيزيائية, و لكن هنا نواجه معضلة إسمها الوعي. الوعي هو تعبير عن العقل و النفسية و الشخصية و تلك الأشياء لا تتأثر حصريا بالأسباب الفيزيائية بل تتأثر أساسا بالأفكار و مشاعر الحب و الحالة النفسية و المعرفة و طريقة التربية و ما إلي ذلك. إذن فالوعي ليس مساويا أو مطابقا للدماغ أو يمكن القول أنه إذا كانت الحالات العقلية (الوعي) تتبع الحالات الفيزيائية (الدماغ) و في نفس الوقت ليست مطابقة لأي حالة فيزيائية فهذا يعني أن الحالات العقلية هي بحكم التعريف غير فيزيائية. لذلك فنحن مضطرين للحفاظ على الفكرة أن نعدل من تعريف الطبيعي لكي يعني : كل ما هو فيزيائي أو معتمد في وجوده على ما هو فيزيائي. و هكذا سنجد الطبيعية الوجودية تؤكد أن كل ما هو موجود إما فيزيائي و إما معتمد في وجوده على ما هو فيزيائي و يتأثر حصريا بالأسباب الفيزيائية و الأسباب المعتمدة في وجودها على الأسباب الفيزيائية.
لكن حتى لو قبلنا بتعريف أضعف للطبيعانية و هو أن الطبيعي مكافئ لفيزيائي أو معتمد في وجوده على ما هو فيزيائي فليس واضحا ما الذي تعنيه لفظة "فيزيائي" نفسها. من أجل أن نحدد ما الذي تعنيه لفظة "فيزيائي" يبدو أننا محتاجين لتحديد الخصائص التي تملكها كل الأشياء الفيزيائية فيما بينها, و هكذا نحن ملزمين بتعريف الصفات الفيزيائية الأساسية. أي شيء ينتمي للفئة الفيزيائية يجب أن يظهر على الأقل تلك الصفات. تعريف الصفات المشتركة بين كل الموضوعات الفيزيائية لا يبدو أنه مهمة شاقة : فكل الموضوعات الفيزيائية يبدو ان لها كتلة على سبيل المثال. لكن الموضوعات الفيزيائية لا تستنفذ الفئة الفيزيائية, الفئة أيضا تحتوي على أشكال من الطاقة, أنواع من الحوادث, عمليات فيزيائية, و حتى الزمن الكوني نفسه. ويليام ب. ألستون يشير إلي صعوبة تحديد ما الذي يعنيه ان يكون الشيء فيزيائي قائلا :
اقتباس:أعتقد أنه إلي حد ما واضح ذلك الذي يتطلبه الشيء لكي يكون شيئا فيزيائيا, ان يكون ممتد في المكان (ربما زائد بعض الصفات الفيزيائية الأساسية مثل الكتلة). و لكن يظهر أن تحديد الصفات التي يتطلبها الشيء لكي يكون في حالة أو له صفات أو يكون عملية أو حدث فيزيائي هو أكثر صعوبة مما يبدو. نحن يمكن ان نقول أن الحالة أو الحدث او العملية هي فيزيائية إذا تم تعريفها (عن طريق وسيلة قياس فيزيائية) بواحد أو أكثر من الصفات الفيزيائية. لكننا إذا صنفنا شيئا انه فيزيائي لأنه يمتلك صفات فيزيائية رجعنا إلي نقطة البداية, فنحن لانزال يجب أن نقول ما الذي تعنيه الصفة الفيزيائية. و بينما يمكن أن نضع قائمة بعدة أمثلة واضحة لصفات فيزيائية (مثل الكتلة و الشحنة الكهربية و التأثر بالجاذبية) فلا يمكننا أن نقول ما هو الشيء المرتبط بتلك الصفات و التي تجعلها فيزيائية.
هناك تعريف آخر يبدو أنه يحل تلك المشكلة خلاصته أن الطبيعي هو كل الاجسام والقوى والأسباب التي تدرسها العلوم الطبيعية ويمكن التعبير عنها بنماذج رياضية أو قوانين قد تكون حتمية أو احتمالية. غير أن هناك مأخذ مهم على هذا التعريف هو انه يفترض أن كل ما نعرفه عن الكون و الوجود و من ثم دوناه في العلوم الطبيعية هو نفسه كل الكون و الوجود و هو ما ينفي إمكانية تطور العلوم الطبيعية نفسها و يوحي بان الكون و الوجود هي مفاهيم محدودة و ضيقة رغم عمق و غزارة العلوم الطبيعية. بالطبع العلوم الطبيعية لم تلم بكل أنواع الموجودات الطبيعية و ربما لن تلم بها جميعا أبدا و إن ظل الباب مفتوحا أمام العلم الطبيعي لكي ينمو و يتعمق في في هذا الكون الشاسع و الغامض, لكن أن نقول أن كل العلم الطبيعي هو قراءة لكل الكون الطبيعي فهو قول فيه تجني لما يبدو واضحا من وسع الكون و غموضه و هو ما يتبدى في إكتشافات جديدة كل يوم لاجسام و قوى طبيعية جديدة و بالتالي فليس كل ما هو موجود معروف علميا و ربما ليس كل ما معروف علميا موجود لأن العلم الطبيعي ليس كيانا كاملا أو معصوما.
التعريف بما هو الطبيعي
طيب إذا كان تعريف الطبيعي بما هو فيزيائي يتجاهل الوعي و إذا كان تعريف الطبيعي بما هو فيزيائي و معتمد في وجوده على ما هو فيزيائي يقف عند هذا الحد و لا يعرف لنا ما هو الفيزيائي و إذا كان تعريف الطبيعي بما هو مذكور في العلوم الطبيعية يعتبر مغالطة و تجني بسبب المستجدات العلمية كل يوم, فماذا يكون تعريف الطبيعي إذن ؟
الحل الأقرب إلي الصواب يأتي بالرجوع إلي أساس فكرة الطبيعية الوجودية نفسها. يعني هناك أديان كثيرة تتبنى إدعاءات بوجود ما هو خارق للطبيعة و يعتنق مثل تلك الأديان مليارات الأتباع, اما أسباب نشأة الإدعاءات الخارقة للطبيعة في العصور القديمة و إنتشارها و إزدهارها حتى الآن فهو فقر الحياة بالنسبة للإنسان القديم و بالتالي إضطراره للجوء إلي الحلم و الخيال و صبغه على الواقع بالإضافة لعجزه عن تفسير الواقع بأسباب واقعية و بالتالي إضطراره للجوء إلي تفسيرات خارقة للطبيعة. عجز الإنسان عن التفسير الطبيعي جعله يسد باب البحث تماما أمام نفسه و امام الآخرين لكي لا يظل حائرا يعيش اللاآدرية كل يوم عن طريق القول بالسحر الذي لا يمكن إدراكه أو المعجزة التي لا يمكن الإلمام بها.
لكن مع تطور العلوم و إزدهار الحياة الإنسانية و غناها المتزايد بدأ إهتمام الإنسان بالأفكار الخارقة للطبيعة يقل و أبدع الفلسفة الطبيعية الوجودية التي تدعي أن الكون قابل للإدراك كله لو حصلنا على الوقت الكافي للنمو المعرفي و التكنولوجي. بالطبع تملك الطبيعية الوجودية حجج قوية على صحة إدعاءها و على أساس تلك الحجج أقيمت الفكرة و أصل تلك الحجج هو الإنطباع الذي تركه النمو المتزايد و الرائع للعلوم الطبيعية و بالتالي فإن أساس الفكرة الطبيعية الوجودية هو فتح الباب على مصراعيه أمام العلم و البحث و مساعدة الناس للإعتماد على العلم و العقل في فهم أمور الكون و الحياة عن طريق التبشير بأن الوجود يمكن إدراكه كله لو إمتلكنا الوقت الكافي.
و هكذا فإن الفكرة الطبيعية لا تعتمد على فهم واضح للخواص الطبيعية التي يتصف بها الأشياء لكي ندعي وجودها او عدمها لأن فهمنا للخواص الطبيعية يتطور و يتغير و بالتالي فالقول بصفات موضوعية لما هو طبيعي هو قول قاصر و فيه تجني و لذلك فمن الأفضل لو عرفنا الطبيعي بصفات ذاتية و ليس موضوعية, فنعتمد على نقطة إرتكاز في التعريف و هي نحن. يعني لو قلنا ان الطبيعي هو القابل للإدارك و القياس او هو المعقد نسبيا و يمكن قياسه, نكون قد عرفنا الطبيعي و لم نتجنى على العلم او على الكون, و نكون قد أضفنا معلومة جديدة و نفينا معلومات خاطئة. و في النهاية يمكن تقسيم الكائنات و الظواهر إلي أشياء يمكن إدراكها و قياسها و أشياء لا يمكن إدراكها أو قياسها, الطبيعية الوجودية تدعي ان كل الموجودات قابلة للإدراك و القياس فالطبيعي هو ما يمكن إدراكه و قياسه سواء الآن أو في المستقبل.
أو يمكن تقسيم الأشياء بحسب درجة التعقيد بالنسبة للعقل البشري :
1- أشياء معقدة بشكل مطلق : مثل الآلهة و المعجزات لا يمكن إدراكها أو الإلمام بها أبدا و هي أشياء تقوم بمهمة تجهيل الإنسان إلي الأبد و هي من وجهة النظر الطبيعية غير موجودة.
2- أشياء معقدة بشكل نسبي : مثل الكائنات و الظواهر و المواد و الطاقات التي لم نعرفها بعد و لكن يمكن الإلمام بها و إدراكها لو راكمنا العلم و التكنولوجيا الكافيين.
3- أشياء بسيطة بشكل نسبي : مثل الكائنات و الظواهر و المواد و الطاقات التي عرفناها فعلا و لو بشكل ناقص مثل الفيلة و نزول المطر و الحديد و الطاقة النووية.
الطبيعية الوجودية هي روح العلم
القول بأن الشيء معقد بشكل مطلق أو أنه غير قابل للإدراك و القياس أو أننا لم و لا و لن نفهمه أبدا هو قول عاجز و كسول لا يصدر إلا من ذهن عاجز و كسول. هذا القول لا يهدف إلا لتعجيز العقل و تكبيله بإدعاء إستحالة الوصول إلي نتيجة و بالتالي فمن يصدر هذا القول ليس ضحية للكسل و العجز فقط بل هو جلاد شرير أيضا لانه يريد من كل الناس أن تكون كسوله و عاجزة مثله لذلك تجده يشكك في العقل و قدراته و العلم و إنجازاته و يحاول قتل الأمل في المعرفة لا لشيء إلا لكي يسوق طرق غريبة و غير فعالة للمعرفة مثل الوحي المزعوم أو النشوة الروحية أو النرفانا أو أيا كانت الطريقة التي لا تعتمد على البحث و الإجتهاد و الدليل الدامغ. أما الطبيعية الوجودية فتبشر الإنسانية, نعم تستطيع ان تعرف و ستعرف حتما لو بحثت و إجتهدت و إستخدمت وسائل علمية مناسبة لإيجاد الحلول لمشاكلك المعرفية و الحياتية, نعم هناك امل في أن تتخطى كل الحواجز و الصعوبات لأنه لا يوجد مستحيل على الذهن البشري إدراكه و الإلمام به.
و تلك الروح هي الروح المطلوبة للبحث العلمي بغض النظر عن صحة أو خطأ الموقف الطبيعي الوجودي. يعني حتى لو كان هناك ما يستحيل إدراكه و الإلمام به مثل الإله أو المعجزة أو السحر أو ما إلي ذلك فمجرد أن نصدق أن تلك الأشياء تستعصى على الفهم إلي الأبد يغلق باب البحث تماما أما لو عرفنا أن هناك أمل و لو كان أملا كاذبا فلن نمل من البحث و الإستقصاء حتى نعرف و نحل كل المشاكل و من يعرف .. فربما نكتشف أن ما ظنناه مستحيلا هو شيء ممكن و محتمل و ان ما كنا نعتقد أنه تعقيد مطلق هو معقد نسبيا فقط. إذن فهذا الإنطباع ضروري و تلك الفكرة (الطبيعية الوجودية) هي أساس أي تقدم علمي و بالتالي فالطبيعية الوجودية هي صحيحة عمليا و براجماتيا حتى لو لم تكن صحيحة فعليا.
أما البديل فهو القول بان الله هو من خلق و هو من أبدع و هو فقط من يعرف الوسيلة التي خلق بها و أبدع. يعني حين نتساءل كيف نشأ الكون نلجأ إلي الحل السحري لكل التساؤلات و المشاكل و نقول الله هو من فعل و لن نعرف أبدا كيف فعلها. أو كيف نشأت الحياة او كيف نشأ الوعي أو .. ألخ, كل تلك الأفعال هي معجزات خارقة للطبيعة قام بها الله و لن نعرف أبدا طريقة حدوثها. إذن علينا أن نغلق مراكز البحث العلمي و أن نغلق الجامعات و المدارس و كل ما له علاقة بالعلم و البحث العلمي و نفتح مساجد و كنائس جديدة لكي نصلي إلي الله المزعوم و نمجده, فرحانين بجهلنا و مكتفين بعقم تفكيرنا و مرتاحين للغباء الذي نعيشه.
لكن هذا ليس واقع الحال لأن هناك بشرا هم العلماء الطبيعيون تخلوا عن فكرة إستحالة المعرفة او التعقيد المطلق و تبنوا الطبيعية الوجودية عمليا في بحثهم و إجتهادهم, هؤلاء بجانب كل مؤمن بالآلهة و متدين باي دين و الذي إختار أن يكون جاهلا بالوسائل كافرا بقدرات العقل و منكرا لإنجازات العلم. و بالعلم تتقدم البشرية رغم كل المهبطات و الصعوبات العملية الموضوعية أو القوى الدينية المعادية للعلم و العلماء.
و مع تقدم العلم، يكتشف العلماء كل يوم أسباب طبيعية لظواهر لطالما عدت في الماضي محكومة بقوى الهية أو روحية، فقد اعتقد الناس قديماً ان المطر ينزل بفعل الالهة وان الالهة تسير السحاب وترسل الرعود والزلازل والبراكين بينما الامراض قد تسببها الارواح الشريرة وآمن الناس بالحسد وصلوا حين ظهور الكسوف والخسوف متعجبين من هذه الظواهر الغير اعتيادية. لقد اكتشف العلم ان كل هذه الظواهر التي عدها القدماء عجيبة لاتعدو ان تكون معلولات لقوى الطبيعة مثل القوى الكهربائية والجاذبية وغيرها. ان العلم الحديث والطريقة التجريبية تعتبر أقوى ما لدى الطبيعية الوجودية من ادلة إذ لم يثبت التاريخ وجود طريقة معرفية للحصول على المعلومات أفضل من الطريقة التجريبية، ومع ذلك، لم نكتشف اي اثر لاي ظاهرة فوق طبيعية، بل اننا مع الوقت بدأنا نغلق كل الثغرات المعرفية التي يمكن ان تملأ - بسبب الجهل والخوف - بالالهة والارواح وما شابه.
ان الاحتجاج بالعلم الحالي في سبيل اثبات رجوح الطبيعية الوجودية يمكن صياغته بالشكل التالي: لما اننا لم نكتشف حتى الآن اي دليل على وجود أسباب وقوى فوق طبيعية فانه لايوجد ما يبرر الاعتقاد بوجودها ولاننا رأينا ان أغلب ما نسب إلى الالهة والارواح بالماضي قد اتضح خطأه مع تقدم العلم بينما تستمر الطريقة العلمية بتثبيت الطبيعية، فان الطبيعية هي المنظور الاقرب للصحة.
نحو عالم عقلاني
إن القول بالأسباب الخارقة للطبيعة أو ذات التعقيد المطلق مثل الآلهة و الشياطين و المعجزات و السحر لا يعتبر تفسيرا لعدة أسباب :
1- لأن القول بالأسباب الخارقة للطبيعة لا يتضمن آلية صدور هذة الأسباب
مجرد ان ندعي أن هناك إله خلق الكون لن يعفينا من السؤال عن كيفية خلقه لهذا الكون أما القول بأن الله هو الخالق فلا يضيف جديدا لان المعلومة هي عن آلية حدوث الخلق و ليس عن من الفاعل. التفسير يجب أن يحكي لنا كيف و لا يكتفي بمن فعل الفعل فكل تفسير يحكي لنا عن الكيفية هو تفسير بمعنى كلمة التفسير أما غير ذلك فوهم التفسير أو وهم المعرفة.
2- لأن القول بالأسباب الخارقة للطبيعة لا يتضمن آلية لدراسة هذة الأسباب
لو إن هناك من يتحدث عن تفسيرات طبيعية و أسباب طبيعية لا يمكن التأكد منها أو مراجعتها فإن تلك التفسيرات تكون غير أكيدة حتى لو شرحت لنا كيفية حدوث الحدث و هو الشيء الذي ينقص نظريات نشأة الكون و الحياة حتى الآن. و بالمقابل فإن كل النظريات الدينية لا تعفي نفسها فقط من ذكر التفسير أو الآلية لحدوث الحدث بل إنها لا تذكر مطلقا أي وسيلة تجعلنا ندرس و نجرب و نراجع و نتأكد من صحة النظرية الدينية المزعومة, و هو ما يعني أن القول بالأسباب الخارقة للطبيعة يروج للجهل المركب : الجهل بالآلية و الجهل بالوسائل اللازمة للتأكد و الدراسة.
3- لأن القول بالأسباب الخارقة للطبيعة لا يتضمن فوائد عملية تنتج عن هذا القول.
مادام القول بالأسباب ذات التعقيد المطلق لا يذكر آلية التنفيذ و لا يذكر طريقة لدراسة هذة الآلية فلن نحصل على أي خير او فائدة من مجرد تسمية الفاعل بإسم الله أو يهوة. أما الأسباب الطبيعية ففضلا عن أنها تزودنا بآلية حدوث الحدث و بالإضافة لذكرها لوسائل دراسة تلك الآليات فهي تعلمنا كيفية إستغلال الطريقة الطبيعية في الفعل عن طريق تكرارها بحذافيرها أو تكرارها مع التعديل.
يعني لو قارنا بين نظرية الخلق و نظرية التطور :
الخلق يخبرنا أن الله يلعب بالطين مشكلا عروسة طينية هي آدم ثم ينفخ فيها من روحه لكي يحيا آدم لاول مرة. بالطبع لعب الإنسان بالطين لن يجعله يخلق كائنا حيا مثل الله و كأن المشكلة في من الفاعل و ليس في الوسيلة المتبعة في القيام بالفعل و حتى لو نفخ فيه فهو سينفخ في قربة مقطوعة و بالتالي فطريقة الله في الخلق ليست آلية حدوث الخلق و ليست تفسير لوجود الإنسان. الآلية تعني ان يتم ذكر كيفية الخلق, مثلا أن يقال بأن هناك كمبيوترات متناهية الصغر يملكها الله هي أحدث ما يمكن إنتاجه من النانو تكنولوجي و هي التي حولت التمثال الطيني إلي مواد عضوية حية. أو أي طريقة أخرى يمكن دراستها علميا و الإستفادة منها و لكن لا .. الله شكل آدم من الطين ثم بالسحر او الإعجاز الإلهي تم إحياء آدم. طيب أين المعلومة ؟ أين آلية خلق آدم و إحياؤه ؟ لا شيء, مجرد وهم بوجود تفسير.
أما التطور فيحكي لنا قصة ملحمية حدثت عبر ملايين السنين فعن طريق ظهور صفات جديدة و متجددة من جيل لآخر، يؤدي التطور في النهاية إلى تغيير مواصفات النوع قيد التطور مما يؤدي إلى نشوء نوع جديد من الكائنات الحية. التطور يحدث وفق ميزة قابلة للتوريث تؤدي إلى زيادة فرصة بعض الأفراد الحاملين لهذه الميزة بالتكاثر أكثر من الأفراد الذين لا يحملونها. ومع الوقت، يمكن أن تنتج هذه العملية تطور نوع جديد من الأحياء بدءاً من نوع موجود أساسا. اما الآلية فهي الإنتخاب الطبيعي او البقاء لمن هو أصلح للبقاء فالتغير التطوري يحدث من خلال الإنتاج الوفير للتنوعات و الاختلافات الوراثيّة في كل جيل. الأفراد الذين ينجون بفضل مجموعة الصفات المتكيّفة جداً و القابلة للتوريث, يكونون السبب في ظهور الجيل التالي و من ثم الجيل الذي يليه و هكذا ..
إذن فهناك آلية لحدوث الفعل يمكن دراستها و التأكد منها و مع إن التفسير بالتطور لم يجب بعد عن كل الأسئلة إلا أنه أفضل و أوفى من وهم التفسير عن طريق الخلق بالطين. و مادام الحدث طبيعي إذن فيمكن إكتشافه و دراسته و التعلم منه و تطبيقه و تكراره من أجل خير البشرية. و هو ما يحدث فعلا لأن نظرية التطور أصبحت المبدأ المركزي المنظم لعلم الأحياء الحديث، نسبة لقدرتها التفسيرية والتنبؤية العالية، و ترتبط حالياً بشكل مباشر مع دراسة أصل مقاومة المضادات الحيوية في الجراثيم، و في الحشرات، والتنوع في النظام البيئي للأرض.
نصل أوكام
بجانب كل المميزات التي تزودنا بها الطبيعية الوجودية من دعوة للبحث العلمي بدلا من تجهيل الإنسانية و مساعدتنا لإيجاد تفسيرات طبيعية تخبرنا بالآليات و وسائل الدراسة و تعلمنا كيف نستفيد من الحوادث التي تحدث لنا. بجانب كل هذا هناك أيضا دليل من المنطق يدعم التفسير الطبيعي مقابل اللاتفسير الخارق للطبيعة ألا و هو نصل أوكام :
نصل أوكام هو قاعدة منطقية من وضع المفكر الفرانسيسكاني الإنجليزي أوكام Wiliam of Ockham والذي توفي في العام 1349, وتنص هذه القاعدة ببساطة على أنه يجب عدم زيادة عدد الكيانات بغير حاجه أو كما قالها باللاتينية:
"Pluralitas non est ponenda sine neccesitate"
أي "لا تضاعف الافتراضات دون ضرورة", أو بمعنى أخر : لماذا تستخدم الأكثر بينما الأقل يكفي, أو بشكل أكثر تحديدا- ونحن نتكلم عن المنطق- أنه لا يجب أن تتصور عللا متكاثرة بينما علة واحدة تكفي, عليك أن تحاول دائما أن يكون عدد فروضك هو الحد الادنى ولا تكثر من عدد البديهيات. بذلك فنصل أوكام ليس برهانا منطقيا بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكنه عملية "إجرائية"، للتركيز على الفرضيات الأكثر صحة.
أما الطبيعية الوجودية فتعبر أفضل تعبير عن منطق أوكام في الحد من الفرضيات بغير داعي فهي حتى تفسر ما لم يفسره العلم بعد فانها تفترض عدد اقل من الفروض مما يمكن ان تفترضه المنظورات الأخرى، على سبيل المثال، تفسير ظاهرة ما بسبب فوق طبيعي مثل الالهة يحتاج شبكة واسعة من الفرضيات الأخرى والغير مثبتة تتعلق بقدرات هذه الالهة ووجودها وعلمها ومشيئتها وعلاقتها بالعالم الطبيعي ومعظم هذه الفرضيات تبقى بلا جواب أو توضع على رف عجز الإنسان عن تصور الالهة، وبما ان كل فرض قد يحتمل الخطأ وكان تقليل الفرضيات اللازمة لتفسير ظاهرة معينة مطلوباً لتقليل الخطأ الكلي حسب نصل اوكام فان الطبيعية الوجودية هي التفسير الاقل احتمالاً للخطأ وبالتالي تكون التفسير الأفضل.
و في النهاية
نجد ان الطبيعية الوجودية تدعم العقل و العلم كما يدعمها العقل و العلم على أساس أن الطبييعة الوجودية يدفعها الرغبة الدائمة للحصول على صورة شاملة وموضوعية للعالم عبر الادوات العلمية القائمة على التجربة، العقلانية، والعلم. بينما التفسيرات الما ورائية (أو الفوق طبيعية) تقوم بالعادة على ادعاءات غير تجريبية وغير علمية تسمح للإنسان بعكس مخاوفه وهمومه وطموحه ونظرته الشخصية على العالم وبالتالي ينصبغ العالم بالصبغة الذاتية للإنسان بدل الصبغة الموضوعية التي تعكس الحقيقة.
[/size]