وائل قنديل يكتب :
ولما كان يوم عيد ميلاد الحاكم العسكرى ارتفعت فى سماء المحروسة أعلى سارية فى العالم تحمل علم البلاد ابتهاجا بالحرية، فى اللحظة ذاتها كان نفر من أشرف وأصدق العباد يساقون إلى التحقيق والحبس، بينما انشغل ثلة من طالبى القرب بإطلاق حملة تجمع مليون توقيع لترشيح العسكرى رئيسا دائما للدولة.
لا أعلم من هو ذلك العبقرى الشرير الذى لم يجد فى أيام السنة الطويلة إلا يوم ميلاد المشير طنطاوى لكى ينصب فيه أعلى سارية ترفع العلم المصرى، بالتزامن مع إحالة الثائر الحقيقى علاء عبدالفتاح وزملائه للتحقيق أمام النيابة العسكرية، والإعلان عن حملة المليون توقيع للمشير رئيسا للجمهورية.
غير أنى أتذكر جيدا أن أجواء كهذه سادت قبل شهور قليلة، وربما أسابيع من اندلاع ثورة 25 يناير، ولعلك تذكر تلك الحملة الهزلية التى انطلقت فى النصف الثانى من عام 2010 تطالب بجمال مبارك رئيسا للجمهورية، وتغرق الشوارع بملصقات فاخرة ولافتات فى القرى والنجوع تعلن تأييدها لترئيس ابن الرئيس.
فى ذلك الوقت اكتفى معسكر جمال بالصمت على ما يجرى، وأقصى رد فعل صدر عنهم أنهم قالوا إنهم غير مسئولين ماليا ولا سياسيا عن هذه الحملة، فيما تطوع قائدها بالإفصاح أكثر من مرة عن أن نشاطه محل ترحيب من الذين يغازلهم.
غير أن الإجراء الطبيعى المحترم كان يتطلب أن تمتد يد محترمة لتوقف هذا العبث، وأن يصدر نفى ورفض قاطعان من بيت الرئاسة لهذا السيرك المثير للضحك، لكن الصمت كان عنوانا وحيدا لموقف الرئيس وولده، والصمت فى مثل هذه الحالات الفجة من النفاق علامة رضا وقبول.
ولو رجعت بالذاكرة إلى الفترة من أغسطس 2010 وحتى اندلاع ثورة 25 يناير، ستكتشف أننا نعيش هذه الأيام أجواء مشابهة تماما، مع تغييرات طفيفة فى الأسماء، حيث اختفى «كردى» جمال مبارك، وظهر آخرون يريدون المشير، لكن الحملات واحدة، والشعارات تقريبا واحدة.
ولعلك تتذكر أيضا أن المخلوع وولده كانا دائمى النفى لمشروع التوريث، لكن الواقع كان يثبت يوميا أن المشروع ينطلق بأقصى سرعة على الأرض ويدهس فى طريقة الكثير من الرموز والمعانى والقيم المحترمة.
ولأننا لسنا فى عصر المخلوع وولده ــ أو هكذا يفترض ــ فإنه لا يليق بالمجلس العسكرى أو المشير طنطاوى أن يلتزما الصمت أمام دوران عجلة حملة المشير رئيسا، خصوصا أن المجلس نفى غير مرة التفكير فى البقاء فى الحكم، وأكد فى أكثر من مناسبة أن رئيس مصر القادم مدنى وليس عسكريا.
ولا يكفى فى هذه الحالة أن يقال إن المجلس العسكرى لا علاقة له بمثل هذه الحملة، فضرورات الاستقامة الأخلاقية والسياسية تتطلب من المجلس المحافظة على تعهداته التى قطعها على نفسه، بشأن مدنية الدولة، التى عرفها بأنها تعنى أنها لا عسكرية ولا دينية، ومن ثم فإن مصداقية المجلس على المحك مرة أخرى.