المصدر : منتدى ساندروز ..
مقال بعنوان : (لقد ماتت الفلسفة والعلم الذي قتلها )
http://www.sandroses.com/abbs/t214025/#post1262356
اقتباس:يقول من تربع على كرسي نيوتن في جامعة كامبريدج لمدة ثلاثين سنة، ستيفين هوكنج، في مستهل كتابه بعنوان التصميم العظيم: "لقد ماتت الفلسفة"!. وذلك في محور رده على أسئلة تتعلق بحقيقة الكون وكيف أتينا ولماذا وهل يحتاج الكون لخالق.
في السابق كانت العلوم الكونية تحتلها الفلسفة ورأينا كيف سحب علم الفلك والكون البساط من تحتها. نعرف في الأخلاق مثلاً كيف أن جيرمي بنثام صارع في تحديد مفهموها حتى وصل لمبدأ النفعية. وفي مبدأ حرية الإرادة نعرف كيف أن إيمانويل كانت و آرثر شوبنهاور تصارعوا في حصر مفهموها ومالذي يحددها. غير أن العلم الحديث بدأ يتسلل لكل هذه المفاهيم وغيرها وبدأ يفرض فهمه لها ويضع أسسه الحقائقية عليها المبنية على التجرية والملاحظة.
فعالم الأعصاب في جامعة ستانفورد "سام هاريس Sam Harris" يقول في كتابة مشهد الأخلاق The Moral Landscape بأن الأخلاق يمكن تحديدها من خلال مبدأ حساب رفاهية وصحة المجتمع والعائد العام وليس على مبدأ ويل ديورانت مثلاً في أن الأخلاق هي فقط ما يجيزه مجتمع معين يناسب وضعه. والبرفسور في جامعة هارفرد ستيفين بينكر Steven Pinker المتخصص في علم النفس والغويات والإدراك ينفي مبدأ حرية الإرادة ويقول بأنه وهم لا حقيقة له وأنه بوضع بعض الأسلاك في جسم الإنسان يمكن التنبئ بما سيفعله وأنه لا يملك حرية في فعله. وهذا الرأي يوافقه عليه أمثال دانيال دانيت وغيرهم.
المهم، هل ماتت الفلسفة؟ هل تحتضر؟ أما أنه لا غنى عنها وسوف تبقى ما بقي فضول الإنسان وأسئلة لماذا؟ يقال بأن العلم يجيب على كيف وليس على لماذا.
كل نعاة الفلسفة كما نلاحظ من الاسماء المذكورة في الموضوع (سام هاريس – دنيل دانيت – بينكر – هوكينج) ملاحدة ، وليسوا ملاحدة فقط ، بل دعاة للالحاد ، اي مؤدلجين الحاديا ويسخّرون كتاباتهم ومحاضراتهم على اليوتيوب لاجله وليس لاجل العلم .. و هذا شيء معروف .. فهم يتكلمون عن العلم لاجل الالحاد وليس العكس .. ومن هنا نفهم ان الالحاد لا يريد الفلسفة ..
هؤلاء المذكورون ، كتبهم الالحادية التي تدعو للالحاد ومحاضراتهم تطفح بها وسائل الاعلام .. اذا هؤلاء ليسوا حكماً نزيهاً .. لأنهم اصحاب قضية ايديولوجية جنّدوا حياتهم وكتاباتهم لاجلها ، و هي نشر الالحاد اعلاميا ومحاربة الاديان ، من خلال الاعلام و رفع العلم كشعار في هذه الحرب .. والشعارات لا تغني عن الحقيقة شيء .. لم يبق إلا الإستشهاد بداوكينز مع هذه الشلة ، ولا ادري لماذا نسيه الكاتب ، فهو ايضا يكره الفلسفة .. ربما سقط سهوا ..
هناك رجال علم لادينيون يثبتون وجود اله ، ويحترمون الفلسفة ، لم تُذكَر اسماؤهم في هذا المقال .. من امثال انتوني فلو ، و اينشتاين ..
السؤال هو : لماذا هذا يكون ؟ الجواب ببساطة : لأن الفلسفة تعتمد على المنطق ، و المنطق يُسقِط الإلحاد .. يريدون ابعاد الناس عن المنطق من خلال تعويمهم اعلاميا في بحار يسمّونها حقائق العلم ، وهي اذا نظرتها وجدتها نظريات وافتراضات (اي فلسفة) ، و لكنها فلسفة حميدة بالنسبة لهم ..
كأنهم يقولون للناس : لا تعتمدوا على عقولكم – من خلال المنطق - في الفهم ، فالعلم شيء غير المنطق والفلسفة ، واقبلوه كما يقال لكم ، وثقوا بنا ، فها نحن نتكلم باسم العلم ، ولا احد يعظمه مثلما نفعل ..
في الحقيقة أن العلم و الفلسفة مثل المطرقة والسندان : لا غنى لاحدهما عن الاخر ، و بينهما تناوب ، فأحيانا تبدا الفلسفة فتثير العلم ، او يبدأ العلم فيثير الفلسفة .. العالِم نفسه عبارة عن شيئين : عالم و فيلسوف ،فهو يفكر اولا و يفترض ، ثم يذهب ليتاكد ويجرب .. قد تنتج التجربة شيئا لم يفكر به ، فيبدأ يفكر به فلسفيا ، ثم يعود الى العلم فيتأكد ، وهكذا في ديالكتيك مستمر بين الفلسفة والعلم ، إلى أن يتطابقا معا ، فتتحول الى حقيقة علمية عقلية .. فلا توجد حقيقة علمية فقط ، لا بد ان تكون الحقيقة علمية و عقلية ايضا .. لان كل من يقول : ماتت الفلسفة ، هو ينعى العقل ، اي كأنه يقول : مات العقل فلا تعتمدوا عليه ، ولا احد تعجبه هذه الدعوة التي تريد تجريدنا من عقولنا ، و نتحول الى روبوتات بأيدي ادعياء العلم ، ويحركونا كما يشاءون ..
لو توقفت الفلسفة لتوقف العلم ، ولو توقف العلم لتوقفت الفلسفة ..
هؤلاء الذين يقولون : مات عصر الفلسفة ، هم اكثر من يستخدم الفلسفة !! بل ان كثيرا مما يسمونه علما ، هو في الحقيقة فلسفة !! انظر الى نظرية التطور : بدأت بفلسفة و افتراضات ، وبدأوا يبحثون لها عن ادلة .. و كلما لم تكن الادلة مطابقة لنفس الافتراضات ، غيروا الافتراضات .. ولا تزال نظرية لسبب بسيط : وهو عدم التأكد العلمي .. حيث ينتهي الديالكتيك (الحوار المتناوب) .. اذا لا تزال نظرية التطور عبارة عن فلسفة ، وليست علما .. فالعلم لا جدال فيه ولا احد يعارض قوانين الجاذبية ولا الطاقة ولا الحركة .. لانها علم .. اما نظرية التطور فما اكثر معارضيها من العلماء ..
هل اجاب العلم عن اسئلة الانسانية الكبرى حتى يقولوا انتهى عصر الفلسفة ؟ ما دام انه لم يخبرنا فلم تمت الفلسفة بعد .. ولن تموت ما بقي الانسان ، و سيبقى الانسان بلا معرفة شافية .. ولهذا ستبقى الفلسفة قرينة للإنسان .. وهم يقولون هذا الكلام و الفلسفة تنزل بشكل شبه يومي في العالم .. و في العالم الغربي اكثر من غيره .. بل حتى فلسفات ميتافيزيقية ، مثل الرائيلية ..
ولا يستطيع الانسان ان يعيش بدون فلسفة خاصة و فلسفة عامة .. خاصة به تتعلق بنظرته لمن حوله و رؤيته لحياته الخاصة ، وفلسفة عامة عن الوجود والكون والغايات .. وما الالحاد الا فلسفة عامة يتبناها هؤلاء لأنهم غير متأكدين علميا من عدم وجود اله ، ولا احد يستطيع ان يتأكد من ذلك .. فهوكينج يقول مات عصر الفلسفة ، وهو يعيش على فلسفة الالحاد !
هل اخبرنا علم الفلك الحديث عن شيء جديد و مفيد ؟ طبعا لا .. هل اخبرنا ما اصل الكون والوجود ؟ واذا قلنا "اصل" يعني "اصل" ؟ .. طبعا لم يخبرنا .. هل اخبرنا عن حياة اخرى على غير كوكبنا ؟ طبعا لا ، هل اخبرنا عن نهاية الكون ؟ طبعا لا .. اذا عن ماذا اخبرنا ؟ هو استطاع ان يرى اجراما لم تـُرَ من قبل .. واقرب شمس بالنسبة لنا تبعد مليون سنة ضوئية .. و اعمارنا بين الستين والسبعين إلى المئة ، هل توجد حياة في مجموعة شمسية اخرى ام لا .. ؟ لا احد يدري .. ومع هذا كله يقولون : العلم اخبرنا .. وسيخبرنا ، و علينا ان ننتظر حتى يخبرنا ، واعمارنا لا تنتظر ..
الفلسفة المادية من استراتيجيتها : تهويل العلم وتهويل منتجاته ، وتقديمه كإله بديل قادر على حل كل شيء وعلى معرفة كل شيء .. وهذا سخف واستخفاف بالعقول ، فالعلم مجرد علم مادي فقط مرتبط بالمادة ، ولا يمكن ان يعرف غير المادة ..
كل انسان لا يعرف نفسه .. و هم يقولون ان الانسان مادي ، و المادة معروفة و يدرسها العلم ، فلو كان كلامهم صحيحا لعرفنا انفسنا ، أو لعرفوا هم انفسهم على الاقل .. ومن لا يعرف نفسه فكيف سيعرف كل شيء ؟
هذه مجرد اثارات اعلامية وامنيات الحادية تلبس عباءة العلم لاجل محاربة الدين ، هذا كل ما في الامر .. وبما ان الفلسفة لها حتميات من ضمنها علة فاعلة وعاقلة أولى (وجود اله) ، فلهذا يحاربون الفلسفة ..
وبالنسبة لبنثام وصراعه حول مفهوم الاخلاق والحكم عليها بالنفعية ، هو صارع ، ولكن هل يعني انه حسم الامر و وصل للحقيقة عندما صارع ؟ أم ان ما حسمه هو تدخل السيد هاريس ؟ و هل هاريس هو العلم ؟ وما دخل العلم المادي بالاخلاق ؟ لا ينبغي لهاريس إذا كان رجل علم ان يخرج عن نطاق العلم الى نطاق الانسانية ، و الا فلن يسمى عالما بل باحث اجتماعي .. وما دخل الاعصاب بالاخلاق ؟ وما دخل العلم المادي بالامور المعنوية ؟ ام ان الاسماء الرنانة تكفي بموجب الثقة ؟
لو كانت الاخلاق نفعية لما سميت اخلاقا وفصلت عن المصالح المادية .. ولماذا ننظر للاخلاق نظرة اجلال مع ان العالم هاريس اثبت انها مصالح مادية ، و نحن لا ننظر الى المصالح المادية بنفس النظرة للاخلاق ؟ هذا يدل على ان الاخلاق شيء و المصالح المادية شيء اخر لا يجتمعان ابدا كما يحب هاريس ان يدجّن الاخلاق للمصالح الحسية النفعية ..
الاخلاق قائمة على فكرة التضحية بلا مقابل ، أي عكس الرفاهية تماما التي يدعيها هاريس ، فصاحب الشهامة الذي يعرض نفسه للخطر ليغيث ملهوفا ، هل يفعل هذا لاجل رفاهيته هو ؟ ام لاجل رفاهية المجتمع الذي ربما يموت في مغامرته و لا يذوقها ؟
هاريس اليهودي الذي يدعو للالحاد في اشكالية ، وهي ان المجتمع للفرد ، والفرد للمجتمع ، فاذا قام هذا الشخص بتضحيته لاجل رفاهية المجتمع ، فهو يقول ان المجتمع اوجِد لاجل رفاهية الفرد ! والفرد عرّض نفسه للخطر بسبب رجاؤه لرفاهية يقدمها له المجتمع ! ربما في قبره ! هل هذا كلام منطقي وعاقل قبل ان يقال انه علمي ؟
لا تأخذكم الاسماء الرنانة ، فتحت الجلابيب ما تحتها من سوء .. حتى الغباء .. هذا امر جيد و نقلة نوعية للملاحدة ، فكأنهم خلصوا من الطبيعة واكتشافاتها ، ثم اتجهوا لمعنويات الانسان ليثبتوها في المختبر المادي !!