اللامعقـــــــــول .
" قوة الشيطان في الشر مطلقة و لكنه عديم الجدوى في الخير ".
عندما ظهر مسرح اللامعقول في أوروبا في الستينات كان ذلك تجديدا مذهلآ و تحديا لكل قواعد المسرح و المنطق معآ ، لهذا لم يستمر مسرح اللامعقول طويلآ فالحياة في النهاية معقولة ، و لكن لأن المصريين لا يمتلكون مسرحآ جادآ فهم يمارسون اللامعقول في الحياة ذاتها ، و أيضا في تحد تام للمنطق و لكل قواعد و قوانين الحياة الطبيعية .
1- نشاهد في مصر مسرحية تتكرر بنفس المشاهد و الحوار تقريبا و بلا نهاية ، ما يختلف فقط هو مكان المسرح ، فالمسرحية تعرض في مسرح متجول و تطوف بمختلف الشوارع و الميادين ، خاصة فيما يعرف لدينا في مصر بوسط البلد . التحرير ، البالون ، العباسية ، شارع مجلس الشعب ، شارع محمد محمود ، القصر العيني ، و أحيانا ينتقل المسرح لعرض نفس المسرحية في المحافظات الأسكندرية و السويس و قنا ... و البقية في الإنتظار .
2- تعرض المسرحية بأسماء متعددة و لكنها تعود غالبا إلى اسمها القديم " سلمية .. سلمية " ،و المسرحية من ثلاثة فصول .. الفصل الأول مليونية لهدف مرتجل و لكنه بالقطع " ثوري " ، الفصل الثاني يمتلأ أحد الشوارع و الميادين بالصبية و البلطجية و "الثوار" و بائعي الخردة و تجار المخدرات ، الفصل الثالث اشتبكات " سلمية .. سلمية" بين المتظاهرين وقوات ما تنتهي بقتلى و مصابين . هؤلاء القتلى ضحايا لطرف ثالث " مجهول من الناس بالضرورة " ، بينما الجميع أبرياء و أحباب ماشاء الله و ينتهي المشهد و الجميع يهتف : (الجيش و الشعب و الطرف الثالث ايد واحدة) !.
3- خلال هذا العرض المسرحي الممل و بعده تنهار البورصة المصرية و تذبح السياحة و يتعطل ملايين الناس و يفقدون وظائف ،و تتنافس الفضائيات في الكذب و الخداع و النفاق و الإتجار بدماء المصريين و مصيرهم ، بينما يشرح لنا الأخوة العرب كعادتهم ما يجب علينا عمله ، كما لو كانت بلادهم في ربيع ديمقراطي دائم .
4- ظهر الأمل بانتهاء عرض هذه المسرحية اللامعقولة و المملة مع أول انتخابات ديمقراطية و شفافة في مصر ربما منذ دخولها إلى العصر الحديث ( في الحقيقة أن هذا العصر هو الذي مر بها ) ، جائت هذه الإنتخابات رائعة و شارك فيها أعداد غير مسبوقة من الشعب و أعطت تفويضا للقوى الإسلامية ، هذا التفويض واضح و حاسم ولا شك فيه حتى لو كان لا يلائمنا نحن ، فهو يلائم الأغلبية الشعبية ،و هذا ما يعول عليه في الديمقراطيات . و لكن من اعتقد مثلي بقرب انتهاء المسرحية كان واهما ، فهناك من هو مصمم على تكرار عرض المسرحية المقرفة إلى مالا نهاية أو نهاية مصر ذاتها .
5- المدهش و اللامعقول في الأمر أن ما يحدث في مصر هو أمر بلا نظير في العالم كله ، جماعة لا تمتلك أي تفويض شعبي من أي نوع ،و لا جدارة ولا برنامج ولا إنجاز تستطيع بسهولة واضحة أن تختطف القرار الوطني و تقرر ما تراه حتى بلا أي منطق ،و تقود البلاد إلى كارثة واضحة للجميع .
6- مما يزيد الأمر غرابة و سخرية هو وجود طوابير طويلة من الصحفيين و الإعلاميين المرتزقة و المنافقين و المدلسين الذين يشيدون بالمسرحية الممجوجة خالية المقاعد و التي يعرف الجميع أنها ممولة بالكامل من أعداء البلد .
7- كي يزداد الأمر غرابة ولا معقولية نشاهد على المسرح قوة عسكرية مهيبة و لكنها تقوم بدور كوميدي ، فنفاجئ بأفرادها ينزلقون على المسرح و يتهتهون فيضحك الجمهور بدلآ من أن يثير مشهدهم الرهبة و الإحترام . و مخلصين لتقاليد المسرح اللامعقول تظهر لنا شخصيات مثل البرادعي ، عالم جليل يلبس شورت قصير و يقول " لازم أولع في وزارة الداخلية و أبنيها من تتتانيي .. يايايا ممم منى " ، بينما ينط أمامنا ممدوح حمزة لابسا طرطورا و ماسكا قيثارة نيرون و يهدد ليس بقفل قناة السويس فقط بل بإغلاق محطات الكهرباء و الماء أيضا .
8- المدهش أن النهاية أيضا لا تتغير ..حرائق و قتلى ، ثم مؤتمر صحفي لجنرال يمتلأ صدره بالنياشين و يفتح جهاز تسجيل ليقول نفس الكلام منذ العرض الأول .. أقصد الحريق الأول ، ثم يعلن ان كل الناس حلوين في عينيه حلوين ،و لكن المجرم هو طرف ثالث ، مشكلته أن اسمه "اللهو الخفي" لهذا لا يراه أحد ،و لكن بمجرد ان يخلع " طاقية الإخفاء " سيتم القبض عليه فورا و التحقيق معه .
9- كل شيء يتكرر بلا تغيير المواقف و الخسائر و الطرف الثالث و الخسائر الإقتصادية و حتى التغطية الإعلامية المنحرفة و المرتزقة و الجبانة . الجديد فقط هو التحول لتدمير أهداف إنسانية و تاريخية نحن مجرد أمناء عليها لأنها ملك العالم كله و الأجيال المقبلة .
10- اللامعقول ليس فقط ما يحدث على المسرح بل بين الجمهور أيضا ، فالشعب الذي سرقت إرادته لا يتحرك بل يكتفي بالبكاء و لطم الخدود ، و القوى التي فوضها الشعب ممثلا له تقف عاجزة لا تفعل شيئا سوى التنديد بالممثلين المجانين أحيانا !. كأنما الشعب فوضها بالبكاء و الشكوى نيابة عنه .
11- ما العمل .. لدينا قوة شيطانية قادرة على الشر المطلق و لكنها لا تعرف كيف تفعل شيئا خيرا فالشيطان يخرب كي تبني الملائكة . في المقابل لدينا مجلس أعلى عاجز عجزآ مضحكا و مؤلما ،و لدينا شارع إسلامي قوي و هناك قوى شرعية منتخبة بشكل دستوري و مفوضة بشكل حاسم . و لم يعد لدينا سوى أن نختار ..و أن يحسم الجيش و الشعب و ممثليه أمرهم " إيد واحدة " هذه المرة و يحرقون المسرح و القردة التي تعتليه مرة واحدة و للأبد .. فقد قرفنا ولن نضيع البلد من أجل هؤلاء الأطفال الشياطين و إعلامهم الرجيم .