كنت وحيدا لفترة
قبل خلق الكون و الملائكة كان الوجود موحشا, لا انيس ولا جليس و لا شيء لأفعله, لا شيء يضايق و لا شيء يسعد, فقط أنا و الفراغ. بالطبع لم يكن الوجود بهذة الوحشة دائما بل كان يعج بالكائنات الشبيهة بي. للأسف أنا آخر نوعي لأن كل بني قومي إنقرضوا فلم يتبقى غيري, إنقرضوا بسبب الصراع على السلطة و الثروات فتحاربوا و تطاحنوا حتى مات الجميع و لم يتبقى سواي. إسمي الحقيقي الذي كان بنو قومي يدعونني به هو "سيتا 717" و لكنني سأعرف بعد ذلك بإسم "الله".
للأسف طوال حياتي الممتدة طويلا لم أكن اتولى أي منصب كبير, كان أراذل القوم يتحكمون في و في أقداري و كنت مضطرا لنفاقهم حتى ضاق صدري ذات يوم فنفوني إلي أقاصي الكون. كان هذا لحسن حظي لأن الإنفجار الكبير الذي حصد بلايين بلايين الأحياء من بني قومي لم يحصد حياتي أيضا. لكن كنت اتمنى لو نفوا معي بعض الأحياء لكي يؤنسوا وحدتي بدلا من هذا الفراغ الرهيب. المشكلة أنني ما لم أنتحر فإن حياتي ستمتد إلي ما لا نهاية لأن بنوا قومي كانوا قد وصلوا لقمة العلم و التقنية بحيث قضوا على إنهيار خلايانا بتقدم العمر. نعم انا ابدو كشيخ في الخمسين لكني وسيم و قوي البنية بالنسبة لبنوا قومي المنقرضين و لكن لا أحد موجود لكي يراني أو يعرف عني.
خلق الملائكة
ثم واتتني فكرة .. لماذا لا أخترع كائنات حية ؟ كائنات حية ذكية لها شخصيات بحيث تفهم معنى و قيمة الحياة و الذكاء, كائنات تلتف حولي لتمجدني لأني أنا صانعها فتنافقني و تهلل لي و تسعى لتلبية طلباتي, كائنات تسليني و تصنع لحياتي معنى. و بالطبع لن أعلم تلك الكائنات شيئا عن الكون و التقنيات الحديثة لكي أظل انا الأقوى و الأقدر بينهم. بعلوم بني قومي و تقنياتهم ساكون بالنسبة لهم إلها, ليس أقل من ذلك أبدا. و لانه لا يوجد أحد غيري أستطيع أن اوهمهم بانني كلي القدرة و بانني أزلي و كل ما يحلو لي من صفات سانسبها لنفسي.
حسنا, كائنات جميلة .. كائنات ذكية .. كائنات خالدة .. كائنات من نار, كائنات إسمها الملائكة. بالطبع أنا لا أستطيع أن أقول للشيء كن فيكون و لكن أجهزتي و اداواتي تستطيع صنع أي شيء. إستغرقت في تصميم الملائكة بعض الوقت عن طريق العقل الإليكتروني و لكن بمجرد موافقتي على الشكل النهائي للملائكة تم صنعها فورا و عن طريق تقنية النانو المتطورة. و في النهاية دبت الحياة في الملائكة ..
ياللجمال .. ياللروعة, يا لها من كائنات جميلة, راحت ترفرف في الهواء لكي تشيع الدفء و النور من حولي. التفوا حولي فعلا و راحوا يتساءلون عن كل شيء و رحت أجيبهم عن كل شيء بطريقة ملفقة لكي يألهوني و يمجدوني, من فعل هذا يا الله؟ أنا فعلت, من قام بهذا العمل الجبار يا الله ؟ أنا قمت, من خلقنا يا الله ؟ أنا خلقت. و بالفعل راحوا ينافقوني و يسبحون بحمدي بعض الوقت, و لكنهم إنفضوا من حولي بعد حين و راحوا يهتمون بشئونهم الخاصة, و بعد مرور بعض الوقت راحت الملائكة تعبث بأجهزتي و أداواتي. لم تكن لي خبرة أبدا في التعامل مع الأطفال أو الحيوانات لذلك فلم أستطع أن أجبرهم على طاعتي في البداية.
إغتظت جدا .. و لكنني وجدت ملاكا تبدو عليه ملامح الذكاء يلازمني و يحاول أن يرضيني بأي طريقة, و حين لاحظ ملامح الغيظ على وجهي فكر قليلا و قال : تحتاج إلي ثواب و عقاب يا مولاي. سألته : و ما الذي يعنيه هذا ؟, فرد قائلا : نظام للمكافأة لمن يطيعك و آخر للتنكيل بمن لا يطيعك. حينها فكرت, هذا ملاك ذكي و يبحث عن مرضاتي فلأعينه رئيسا للملائكة فيكون له التسلط على كل الملائكة و يجبرهم على طاعتي بأساليبه الذكية. و قد كان ..
صعود سطانائيل
سميته سطانائيل و عينته رئيسا للملائكة فحولهم إلي جيش قوي يأتمر بأمره و جعل من طاعتي و تمجيدي أمور رسمية تقليدية تؤديها الملائكة بإنتظام, بل و جعل من أدواتي و اجهزتي تابو محرم لا يقترب منه ملاكا واحدا. في الواقع شعرت بان سطانائيل شديد الإعجاب بي و يدين بالولاء لي لأبعد الحدود و لكنني لم أرتح له لأنه لم يكن يخافني مثل بقية الملائكة. كان يحبني و يحترمني و لكنه لم يكن يخافني أو يرهبني, و كانت الطامة الكبرى حين دار بيننا الحديث ذات مرة فقال من ضمن كلامه أنه يريد بعض الحرية للملائكة و أنه يعتبرني مثل أخ أكبر أو صديق مقرب.
حينها إنفعلت و صرخت : أي حرية تلك التي تريدها للملائكة ؟!! و من أنت أصلا يا حقير يا دنئ لكي أكون صديقك أو أخيك, أنت عبدي و ملك يميني, مدين لي بحياتك و طاعتك. أنا الله مالك كل شيء و خالق كل شيء و القادر على كل شيء و ..
وجدته يقاطعني لاول مرة منذ أن صنعته قائلا : لاتظن أنني أصدق هذة الدعاية الرخيصة يا "سيتا 717" ..
فوجئت بل صعقت و أحمر وجهي و نظرت له بغيظ قائلا : من اين أتيت بهذا الإسم ؟ هل تعبث بأدواتي و أجهزتي ؟, لانت ملامح وجهة و قال : يا عزيزي أنا أعرف عنك كل شيء تقريبا بما فيه تفاصيل كثيرة عن بني قومك و عن نفيك و مكانتك بينهم وقتها, أعرف عنك كل هذا و راضي بخدمتك كصديق و أخ كبير في مقابل بعض الحرية لي و لبني قومي, انا كنت عند حسن ظنك طوال الوقت و أستطيع أن أكون ألد أعدائك أيضا. ثم كشر عن أنيابه و هو يقول : فإن حاولت الغدر بي أو حتى التقليل من شاني أو رفض مطلبي بالحرية سترى مني ما لا يرضيك أو يسرك, كل طموحي أن أكون خادما لبني قومي فلا تبخل علينا ببعض الحرية, و في النهاية تستطيع أن تعتبرنا أبناءا لك أو أعداءا لك, هو خيارك .. يا مولاي.
رحت أفكر لبرهة فوجدت انني لا يجب أن أظهر العداوة الآن, يجب أن أكسبه في صفي و لو مؤقتا مادام لا يطمح إلا لدور الرجل الثاني. حينها إبتسمت له و قلت : إبني و حبيبي سطانائيل, كيف يمكن لي أن أرفض صداقتك يا حبيبي. بدا عليه الإرتياح ثم قال : أنا سعيد بك يا مولاي و تستطيع أن تعتمد علي دائما في كتمان أسرارك و صداقتك. ثم إنصرف مبتعدا.
سطانائيل .. قائد جيوش الله الملائكية
إستمريت لفترة أدعي الصداقة لسطانائيل و أتعامل معه و كأنه ذراعي اليمنى و كاتم أسراري, في حين انني أدبر له الخطط لإفناؤه او على الأقل تجريده من صلاحياته و رتبه بدون أن يتبعه جيش الملائكة الذي خلقته. أول مهمة كانت أمامي هو أن أسحب البساط رويدا رويدا من تحت سطانائيل و قيادته للجيش الملائكي. فرحت أتودد لبعض الملائكة و حين تاكدت من غباءهم و جهلهم و بالتالي خضوعهم الكامل لي عينتهم كمعاونين لسطانائيل من أجل أن يتحكموا في الجيش و ينقلوا لي أخبار و تحركات سطانائيل أولا باول.
كانت هذة المجموعة من الملائكة المطيعة لي بقيادة ميخائيل و جبرائيل و روفائيل هم الطابور الخامس الذي يعمل لصالحي في جيش الملائكة, و كانت كل مهمتهم هو كسب أتباع جدد من الملائكة لصالحي لكي لا يجد سطانائيل أي أتباع حين أغدر به و أطيح به من رئاسة الجيش.
خلق الإنسان
بعد خلق الملائكة ثم إقتسام السلطة مع سطانائيل بدأت أشعر بالفراغ ثانية, فسطانائيل كان نشيطا و كان أدرى مني بالملائكة فتولى أمورهم و عاش معهم. اما أنا فقد إعتمدت على الملائكة الثلاثة لكي أرسخ سلطاتي بين الملائكة و من ثم وجدت نفسي أشعر بالفراغ ثانية. لذلك فكرت في إختراع كائن حي آخر بحيث يسلي وحدتي و يملأ وقت فراغي و من ناحية أخرى أقوم ببضع تجارب علمية تنقص أبحاثي على الكائنات الحية.
رحت أبحث بين المجرات حتى وجدت مجرة قريبة عليها مجموعة نجمية بها كوكب متوسط الحجم على مسافة مناسبة من النجم و في طور النشوء, كان الكوكب لا يزال ملتهبا فتركته حوالي مليار سنة حتى يبرد, ثم رأيت أنه من المناسب أن أنشيء أول حياة على هذا الكوكب. أمرت العقل الإليكتروني أن ينشيء الخلية الحية الأولى ثم أطلقتها في مياة هذا الكوكب, و لفترة راقبت الحياة الوليدة التي صنعتها و حافظت عليها من التلف أو الإنقراض المبكر, راقبتها لملايين السنين و هي تتناسل و تتفرع و تتطور. لكم فرحت بظهور التناسل الجنسي ثم بنشوء الزواحف, و سعدت جدا بالديناصورات حين نشأت و توسمت فيها خيرا و تركتها تستوطن الأرض لحوالي 160 مليون سنة.
طوال كل هذة الفترة الطويلة كنت أحافظ على كوكب الأرض من أي نيازك او إشعاعات كونية أو موجات شمسية أو أي تهديد ضد الحياة التي أربيها على كوكب الأرض. و لكن لأن الديناصورات إستهلكت مني وقتا طويلا و لم تفرز أي كائنات ذكية قررت إبادتها و ترك الفرصة لكائنات أخرى لكي تسيطر و تسود على الأرض. لم أعتقد أبدا أن الثدييات هي النوع الموعود لذلك أهملتها و لم أعرها إهتماما بينما كنت مهتما بالديناصورات بانواعها و لكن بعد ان أبدت الديناصورات تماما بدأت أتابع الثدييات و هي تزداد ذكاءا برغم ضآلة حجمها و ضعفها الجسدي. حتى بدأت أوائل الإنسانيات في النشوء و راقبت الأنواع الإنسانية و هي تتصارع مع الطبيعة و مع بعضها البعض حتى إنتصر الهومو سابيينز Homo Sapiens في النهاية.
راقبت تطور الإنسان لملايين السنين
الغدر بسطانائيل
راقبت الحياة على الأرض و رعيتها حوالي 3.5 مليار سنة ثم حين بدأت الحياة تثمر ذكاء و وعي من خلال الإنسان تنبه لي سطانائيل. كان سطانائيل خالدا بعكس الإنسان الذي جعلته فانيا بحيث أستطيع قمع أي تمرد يقوم به هو الآخر و لكن سطانائيل أحب الإنسان جدا و راح يساعد الإنسان على تحسين أحواله و صنع الحضارة و هنا كان قد طفح بي الكيل. هو لا يريد الحرية و العلم له فقط بل و لكل كائن حي أقوم بإختراعه و هنا قررت أن الوقت قد حان لأغدر بسطانائيل.
إستدعيت سطانائيل لكي أختلي به و أقتله بينما يقوم ميخائيل و جبرائيل و روفائيل بالإنقضاض على بقية أتباعه من الملائكة. لكن الوغد تنبه للمكيدة و فر من الفخ الذي نصبته له ثم نظم جيوشه و راح يحارب الملائكة التابعين لي بقيادة ميخائيل. كاد سطانائيل أن يهزم ميخائيل فعلا بقوته و براعته في القتال و إستنجد بي ميخائيل فتعاونا معا و لكننا لم نستطع هزيمته, و هنا أثبت العقل الإليكتروني أنه خير عون في السلم و الحرب لانه جعل سطانائيل و جيوشه يفران من أمامي لكي لا يسحقا.
سطانائيل يحارب ميخائيل
هرب سطانائيل إلي كوكب الأرض يحاول تحرير البشر و لكني سلطت على الكوكب أقوى أسلحتي المدمرة فخربت الكوكب بما عليه من حياة, و مات آخر بشري على كوكب الأرض. و هنا سقط سطانائيل على وجهة ممسكا بجثة أحد البشر و بكى طويلا .. بكى كما لم يبكي من قبل. ثم تمالك نفسه و أعلن أنه لم يعد يدعى سطانائيل بل إبليس لأنه سيمكر بي و سيقاتلني حتى أموت كما مات الإنسان. و من يومها و إبليس عاجز عن أن يواجه جيوشي و عقلي الإليكتروني بشكل مباشر و لكنه يمارس حرب العصابات معي و مع ملائكتي من أجل هزيمتي و تحرير كل الكائنات الحية من حكمي و تسلطي.
أعادة خلق الإنسان
لم يكن إبليس يدري أنني أستطيع أعادة كل شيء كما كان على كوكب الأرض و أنني لم أكن أستهدف البشر بأسلحتي بل إبليس و ملائكته. و بالفعل رحت أعيد بناء الغلاف الجوي على الأرض و من ثم الأرض نفسها و كما تقول القصص الدينية عن هذة اللحظة : في البدء خلق الله السماوات و الارض و كانت الارض خربة و خالية و على وجه الغمر ظلمة و روح الله يرف على وجه المياه. كان هذا بالفعل حال الأرض وقتها و لكن هذة لم تكن بداية الزمان بل و لا بداية الإنسانية بل هي إعادة بعث الحياة على كوكب الأرض.
كان إعادة إعمار الأرض مهمة سهلة, عندي عقل إليكتروني جبار و ملائكة لا تعجز عن فعل شيء فيكيفي أنت أقول للشيء كن فيكون. "ليكن نور" هكذا قلت, فقام العقل الإليكتروني و الملائكة بشفط الغيوم و السحب الداكنة التي تمنع أشعة الشمس من الوصول إلي الأرض. "لتكن طبقات من الغلاف الجوي لتحمي الكائنات الحية على الأرض من أشعة الشمس المضرة" هكذا قلت, فتولى العقل الإليكرتوني و الملائكة الأمر. و هكذا إستمر الحال حتى إنبعثت الحياة مرة أخرى في شرايين الأرض. و جاء دور الإنسان فقمت بإستنساخ الإنسان الميت و الذي لم يكن قد تعفن بعد لأنني قمت بحفظه سريعا, ثم قمت بإحياؤه و إطلاقه في الأرض.
الله يستنسخ الإنسان و يعيد إحياؤه
تجربة رقم 1
بعد ذلك راقبت الأجناس البشرية و هي تنتصب و تصنع الأدوات و تغير من عاداتها الغذائية و الإجتماعية, و حين بدا لي أن الإنسان سيتفوق على بقية الكائنات الحية و سيسود بدأت أقوم بأول تجاربي عليه. كان إختبارا للذكاء و لإرادة الحرية و حب المعرفة بداخل هذا النوع الوليد, فقد أتيت باحد الازواج البشرية الذين أتسموا بالذكاء و سميت حيوان التجارب الأول هذا "آدم" و سميت زوجته "حواء". وضعتهم في متاهة هي عبارة عن حديقة كبيرة مليئة بما لذ و طاب من المأكولات و الفاكهة, و كنت قد وضعت في الفاكهة و المأكولات نوع من المخدر يسبب اللذة و المتعة الشديدة و يشوش على العقل و الإرادة. و كانت المخدرات في أشجار الجنة كلها ماعدا الشجرة الوحيدة قليلة الثمر التي في وسط الحديقة و التي سميتها أنا شجرة الوعي و سمتها حواء بعد ذلك شجرة معرفة الخير و الشر. و كانت شجرة بها فاكهة مرة المذاق و لكنها تحتوي على دواء يكفي لإفاقتهم من المخدر و تعطيل شعورهم باللذة و التشويش.
حين ذاقا من أول ثمار الجنة أدمنوا تلك المخدرات و المتعة التي تأتي بها, فراحا يجربان كل أشجار الجنة حتى وجدا شجرة الوعي بالصدفة البحتة و بعد أسابيع من العيش في حديقتي الكبيرة. و حين تفتحت أعينهما و عرفا الفخ الذي وقعا فيه حاولا الهرب من المتاهة و لكنها كانت محاطة بسور ذهبي عظيم من معدن صلب جدا. كانا مضطرين للأكل من الثمار المخدرة ليسدا جوعهما, و لكنهما كانا يأكلان من شجرة الوعي لكي يستنيرا و يصيرا قويان على التفكير المنظم و التركيز. كانا قد قررا الهروب من تلك الجنة الملعونة المغيبة للوعي فأصبحا يصومان عن الأكل لفترات طويلة ليفطرا على شجرة الوعي قليلة الثمار و التي لا تشبع كثيرا.
بعد ثلاثة شهور إستطاعا إكتشاف مخرج من المتاهة بدون أي أدوات ليهربا من الجنة جريا فلا ينظران خلفهما. لقد وفرت لهما في تلك الجنة الأمان من الحيونات المفترسة و من كافة الأخطار الطبيعية و وفرت لهما الطعام و الشراب و المتعة و أخذت منهما الحرية و الوعي, لكنهما تمردا على ما اعطيتهم طمعا في الوعي و الحرية المحرومين منها. في الواقع كانت جنة المتعة تلك هي أبلغ تعبير عن الحالة الحيوانية التي كان عليها الإنسان, و لذلك كان التغلب على سجن المتعة هذا لا يتم إلا بحب الوعي و الحرية و قد كان. لقد إختار آدم و حواء الوعي و الحرية و رفضا القفص الذهبي الذي وضعتهما فيه حتى لو وفرت لهما كل الملذات الحيوانية, لقد رفضا تلك الحيوانية و إختارا الإنسانية الحقة و نجحا في أول إختباراتي.
آدم و حواء يأكلان من شجرة الوعي
تجربة رقم 2
كانت التجربة الثانية هي إختبار لإستراتيجية "فرق تسد" على النوع البشري بحيث أتعرف على مدى قوة و ترابط العلاقات البشرية و في نفس الوقت أختبر ميل الإنسان إلي العنف. كان ذلك بعد إكتشاف الإنسان للزراعة, بحثت عن اخوين يبدو أنهما مترابطين و متحابين, احدهما يعمل بالرعي و إسمه هابيل و الآخر بالزراعة و إسمه قايين. إنتظرت حتى رايتهما مجتمعين في مرة ثم ظهرت لهما لأول مرة في تاريخ الإنسانية, بالطبع كان ظهورا عظيما و إستعراضا مهيبا لأني أردت أن أعرفهما على مفهوم الإله لاول مرة, هذا المفهوم المتناقض و الغامض و الذي قررت وقتها أن أستخدمه في معظم تجاربي كهوية إفتراضية اخفي بها هويتي الحقيقية.
بالطبع إنبهرا بظهوري العظيم و سجدا, ثم رحت أتكلم في شموخ مصرحا بانني خالق الكون و الحياة و الإنسان و أنني قادر على كل شيء .. ألخ. و في النهاية طلبت منهما أن يقدما لي أفضل ما عندهما ليحصلا على الأمان و الرضا مني, و أخبرتهما أنني لن أرسل نار آكلة إلا على الهدية التي تعجبني فقط أما الهدية التي لن تحوز رضاي فلن ألتفت اليها. بالطبع قدم لي هابيل أفضل خروف لديه كهدية بينما قد لي هابيل من أفضل مزروعاته, و بالطبع لم تكن تلك الهدايا لها أي قيمة بالنسبة لي و أنا القادر على خلق الحياة و هندسة الكواكب و لكني قررت أن أقبل عطية هابيل و أرفض عطية قايين لأرى كيف سينقلبا على بعضهما.
و بالفعل أصاب الغرور و العنجهية هابيل و راح يتعامل مع قايين بكبرياء زائد, بينما الأخير قد حمى غضبه و إغتاظ غيظا شديدا حتى انه في النهاية دبر مكيدة لهابيل و قتله. و مرة أخرى كررت التجربة على أخوين آخرين و آخرين و هكذا, و لكن النتيجة كانت متشابهة .. فشلا ذريعا للنوع البشري في الحب و التعايش و التسامح. في كل الاحوال كان الذكور يتقاتلون على النساء و على السلطة و هو عنف مفهوم و مبرر بالنسبة لبدائيتهم و بساطة تفكيرهم, و لكنني كنت قد إخترعت سببا إضافيا للقتال و العنف بين بني البشر ظل مسيطرا على ميولهم و نوازعهم, إنه القتال من أجل رضا الله .. أنا.
دين الله
لفترة طويلة كنت أقوم بتجاربي على بني البشر و لفترة طويلة ظننت أن إبليس لم يعد مهتما بهذا الجنس, و لكنني تنبهت له حين وجدته يوحي الي الإنسان بالتفكير و العقلانية و يوعز له بالتحرر و الإنفلات من القيود التي أضعها له. إكتشفت محاولات إبليس الحثيثة حين بدأ البشر ينخرطون في الفلسفة و يحاولون تعلم أسباب حدوث الظواهر الطبيعية, و أنا أستطيع أن أتحمل أي شيء إلا الفلسفة و العلم من هذا الجنس الفاني أيضا. يعني ألا يكفي تمرد الملائكة الذي كاد أن يودي بحكمي بسبب الذكاء الزائد و حب الحرية من إبليس اللعين.
و هنا تفتق عن ذهني فكرة لئيمة ماكرة, الدين. عقيدة مقدسة تؤبد للناس الأخلاق و المعرفة فتحرمهم من أي تقدم أخلاقي أو معرفي, و كل من يعارض له الويل في الدنيا و العذاب في الآخرة. العقيدة المقدسة هي الحل, هي التي ستحجب عن البشر شمس الحرية و نور المعرفة. لكن علي الآن أن أبني مكان لأعذب فيه المخالفين و المعترضين, مكان مخصص للتنكيل بإبليس و ملائكته و أتباعه من بني البشر. بالإضافة لجنة أخرى تكون مكانا لمكافأة المطيعين الخاضعين من البشر بحيث تعفيهم تلك الجنة من أن يقوموا بأي عمل أو يبحثوا في علم أو يثوروا من أجل حرية. إنها خطة محكمة لا تتفق إلا عن ذهن محتال ماكر و لنرى يا إبليس من منا الأكثر إحتيالا و مكرا.
عصور الظلام الدينية و حرق الكفار
و بالفعل حولت منطقة الشرق الأوسط بالذات إلي حقل تجارب ضخم فظللت أرسل الدين يلو الدين و النبي يلو النبي فنجحت الأديان نجاحا باهرا, بمجرد أن يظن الناس أنهم يعلمون عن الكون علوما مقدسة فإنهم يهملون البحث العلمي تماما. و لمجرد أن هناك أخلاق متعالية مكتوبة في الكتب فإنهم يهملون التقدم الأخلاقي تماما. لقد أرسلت عصا إلي أمير فرعوني يدعى موسى هي قمة التكنولوجيا تتيح لموسى أن يتحكم في الكثير من ظواهر الطبيعة. أنا أملك عصا شبيهة بتلك العصا هي ما يجعلني أتحكم في العقل الإلكتروني الخاص بي و بدونها لا يمكن لهذا العقل أن يتعرف علي و بالتالي سأفقد التحكم به. أما عصا موسى فهي صورة مصغرة من هذة العصا و لكنها أتاحت له القضاء على جيش فرعون و التخلص من التهديد التنويري الذي تبنته مصر لفترة.
بعد ذلك بفترة طويلة أوحيت لفتاة يهودية أنني أريدها أن تنجب لي إبنا لي و جعلتها تنجب فعلا عن طريق تقنية الإستنساخ و هو ما أنتج طفل سمته يسوع, يشبهها و لكن له صفات وراثية معدلة. هذا الطفل حين كبر كان يستطيع شفاء بعض الأمراض بقواه العقلية فقط, كانت خدعة ماكرة لكي أوهم الناس بألوهية هذا الشخص بحيث يصدقوا بعد ذلك دينا من أسوأ ما مر على البشرية. دين خرافي رهباني تسلطي يقتل أي رغبة في البحث العلمي أو النمو الأخلاقي.
بعد ذلك أرسلت جبرائيل إلي أحد البدو الأعراب يدعى محمدا و اوعزت له ببعض الكلام المتقعر على أساس أنه كلام مقدس, و لكي أبهره و أدعم رسالته جعلته يسافر إلي في عقر داري عبر ملايين السنين الضوئية ثم أعدته بعدها بدقائق بعد أن أصبح مبهورا مبهوتا مما رأى. بعد ذلك ساعدته لكي ينتصر في أغلب معاركه و فتوحاته بحيث يقتسم العالم بالإسلام مع المسيحية و الهنودسية و بقية الديانات الرجعية.
و لفترة طويلة سادت الظلامية العالم, ساد الجهل و التخلف و الطغيان و الظلم و الكبت حتى ظننت أن الأديان هي الجواد الرابح في معركتي مع إبليس. لقد إنقلبت الحرب الطاحنة بيني و بين إبليس إلي معركة أشبه بالشطرنج يغلب فيها من يحقق أهدافه لبني البشر. أنا أريد للبشر أن ينقرضوا ذاتيا بدون أن أستخدم ولا سلاح واحد من أسلحتي الفتاكة, فقط لكي أثبت لإبليس أني أنا المتحكم في كل الكون المنظور. و طبعا إبليس يريد للبشر الحرية و العلم و لو إني لفترة شعرت أنني كدت أكسبه, خصوصا بعد إنتشار وباء الطاعون في أوربا. لكن مع بزوغ عصور التنوير و العقل و النهضة عاد إبليس إلي نشاطه و مساعدته للناس.
عصر العلم
لفترة ظننت أنني سانتصر, لولا دخول البشر لعصور العلم و الحرية. لقد ظلوا يرزحون تحت وطأة الدين و الخرافة و الجمود الأخلاقي عصورا و عصور حتى إنفك الحصار و تسلل نور الشمس إليهم. حاولت أن أقوم بصحوة لأدياني القديمة أو إبتداع أديان جديدة فما كان من إبليس إلا أن أوحى للبشر بالإلحاد.
بالطبع أنا من صنعت البشر و لكن فكرة الإلحاد تكرس الدفاع عن العلم و الحرية كلاهما, و إبليس يعلم أنني لا أستطيع ان أظهر للبشر بعد أن تنامى وعيهم و أصبحوا قادرين على التمييز بين التقدم العلمي و العمل الإلهي. على الأقل لو ظهرت أنا فسيظهر إبليس أيضا و يفضح خططي المسيئة كل الإسائة إلي البشر. على أي حال لم تكن هذة هي طريقة اللعب, أنا لعبت بالأديان و إبليس لعب بالإلحاد و هكذا نكون متعادلين, و الآن الإنتصار يعتمد على من سيلعب جيدا.
عصور العلم و الإزدهار
لكن الفتوحات العلمية توالت و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تم تفعيله فعلا. بل إن البشر إستطاعوا القضاء على الجهل و الفقر و أغلب الأمراض و ظلوا يكافحون الموت نفسه من أجل نيل الخلود. ثم راحوا يستعمرون الأقمار و الكواكب و حضارتهم تنمو و تتضاعف و سطوتي عليهم تنقص و تتضاءل. و عند حد معين شعرت بانني ساهزم في تلك اللعبة اللعينة و لذلك قررت قلب الطاولة على الجميع. قررت إعلان الحرب على كل البشرية و كل العصاة من الملائكة. لقد ظلت حضارة البشر تنمو لمليون سنة حتى إقتربت كثيرا من الوصول لإمكانيات و علوم حضارتي القديمة التي أتيت منها و لذلك قررت أن أنهي تلك اللعبة و أزج بالجميع في جهنم الذي أعددته لكل معارض لي يرفض الخضوع لإرادتي.
الله آتي بجيوشه على السحاب
يوم القيامة
إستدعيت كبار جنرالاتي ميخائيل و جبرائيل و روفائيل و أخبرتهم أنني قررت القيام بحرب شاملة ضد البشر من ناحية و ضد إبليس و ملائكته من ناحية أخرى, و أنني أريد زج الجميع في معتقلاتي الجهنمية. و بالفعل جيشنا الجيوش و حشدنا الأسلحة و رحنا نحارب على الجبهتين, و لكن بمجرد أن بدأت الحرب ظهر إبليس للبشر و أعلنوا التحالف المقدس ضد الله .. ضدي أنا. و بالتكنولوجيا البشرية و بقوة الملائكة إستطاعوا تهديدي فعلا و دحر العديد من جيوشي و لولا أنني إستعنت بالعصا الفائقة التي أتحكم بها في العقل الإليكتروني الجبار لما إستعطت هزيمتهم قط.
نعم, لقد هزمت إبليس و ملائكته و البشر أجمعين و جعلتهم أسرى لي و وقودا لجهنم, حتى إنني قيدت إبليس بالسلاسل و وضعته في وسط جهنم لكي يتعظ كل ساكني الجحيم منه, لقد إنتصرت أخيرا و هزمت كل أعدائي. بعد ذلك جلست على عرش عظيم و رحت أتسلى بمحاكمة مليارات المليارات من البشر و الملائكة, تماما مثلما ذكرت الأديان القديمة. و يا لسخرية القدر. بلايين البلايين من الأرواح إصطفت أمامي في يأس تنتظر الفرج بينما أنا سيد الكون و رب العالمين أحاسب الجميع على كل شيء. في الواقع لقد تسليت كثيرا بخلقي لعالم البشر و عالم الملائكة و أفكر في خلق عوالم أخرى. و ربما أجد متعة أكبر من متعة هزيمة إبليس صنيعة يداي.
ميخائيل يهزم إبليس أخيرا و يكبله في جهنم
تمت.