فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
تمهيد:
إذا كان هناك رأي سائد بأن الأخذ بالتراث لا ينتج عنه إلا التقليد والعجز عن التجديد, فإن البعض الآخر يرى أن سبب التقليد ليس حكرا على السلفيين بل أنه أشنع لدى الحداثيين؛ لأنه إذا كان أولئك يقلدون المتقدمين وتراث قومهم, فأن هؤلاء يقلدون المتأخرين وتراث غيرهم؛ رغم اعتقادهم بأن الحداثة والتقليد ضدان لا يجتمعان.
والحداثة العربية تقوم على تصور زمنيا يؤول إلى مجرد نقل الحداثة في صورتها الشائعة في الغرب, وهذا على أساس أن التقدم العربي يقتضي اللحاق بالركب الغربي, وعلية يرى بعض الفلاسفة والمفكرين العرب نذكر منهم هنا المفكر المغربي "طه عبد الرحمن" الذي يرى أن شرط التحرر من هذه الحداثة المقلدة, وتحقيق الحداثة المبدعة هو الخروج من ضيق حداثة الزمن إلى سعة حداثة القيم؛ أي الخروج من واقع الحداثة في تطبيقاتها الغربية إلى روح الحداثة في قيمها الاجتماعية, وهذا ما عبر عنه قوله: «واقع الحداثة اليوم عبارة عن نقل للحداثة الموجودة في واقع الحداثة الغربية, وهذا النقل ليس فيه ابتكار ولا جمال, ونكون مبدعين للحداثة بواسطة التفريق بين واقع الأشياء وروحها».
الشيء الذي جعل معظم المفكرين والباحثين يرونه مطلبا لا يتحقق خارج دائرة التصوف الذي تتجلى فيه مجموعة من المبادئ الإنسانية أو القيم الروحية, والتي يمكن أن يتشارك فيها الجميع- وعليه المقصود بالحديث هنا ليس فقط الجزائر أو المغرب بل كل دول المغرب العربي والعالم عموما والجزائر على وجه الخصوص من خلال كل الطرق الصوفية التي لا تمت للآخر البعيد عن كل ما هو روحي-؛ والتي يعاد من خلالها تشكل هوية الإنسان في بعدها الغائي والحياتي, في عصر سادت فيه عناوين ومفردات وتصورات مثل: (حرب القيم, صدام القيم, نمذجة القيم, شيوع العدمية, فقدان المعنى, احتضار الأخلاق, أو تهاوي معاني الاهتداء...), مما جعل هوية الإنسان مهددة في مستواها البيولوجي ومستواها الثقافي, إذ تم تشكيل الإنسان من خلال نظام الحضارة المعاصرة, وتفصيله وفق مقاساتها وفلسفتها والتي من أهم خصائصها؛ إسقاط البعد الغائي في الكون والحياة إلى درجة إن بعض المفكرين يسمونه "عصر هزيمة الإنسان" أو "عصر موته".
وفي مقدمة هذا البحث سنحاول الإجابة على جملة من التساؤلات:
- ما معنى مصطلح "التصوف", ومصطلح "الحداثة", وأين تكمن تحولاتهما عبر التاريخ؟
- من هم أهم الشخصيات المؤسسة لهما, وفيما تتمثل خصائصهما المعرفية والفكرية؟
- أين تتجلى مكامن الحداثة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر؟
- فيما تتمثل نقاط العلاقة الجدلية بين التصوف والحداثة؟
- ماهي أهم الانتقادات والحلول التي يمكن الوقوف عليها من خلال دراسة مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة, وعلاقتهما بالفكر العربي الإسلامي؟
يتبع
|
|
01-04-2012, 12:17 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
نستكمل
التأصيــل المفـاهيمي
وإذا كنا قد حددنا عنوانا لهذه المداخلة الموسوم بـ: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي ( قراءة في التصورات...وانتقادات في النتائج ), فإن الاشتغال بهذا العنوان يتطلب منا أن نحدد في البداية مصطلحا ته الأساسية؛ والتي التزمنا في تحديدها بمصطلحين أساسيين لضرورة تداولهما في مقدمة هذه المداخلة؛ و هما مصطلح: " التصوف"و "الحداثة ".
1- مفهوم (التصوف):
(في الفرنسية Mystique- وفي الإنكليزية Mystic - وفي اللاتينية Mysticus )
1-2– جنيالوجيا :
أ- في اللغة الفرنسية : ( MYSTICISME , MYSTIQUE)
هو المقابل للمصطلح الصوفية، له عدة مفاهيم منها أنه " هو المعرفة على حسبها يوجد ترتيب
للحقائق فائقة الطبيعة التي لا تستطيع الوصول بالإدراك الغريب للتجربة المؤدية إلى المعرفة العقلانية " كما أنه أيضا " حالة سيكولوجية للذين لهم الحس بالدخول مباشرة في علاقة مع الرب ".
و بمعنى آخر: " هو المعرفة أو الإيمان مضاد للعقل يرفض الذكاء و الملاحظة، و يقوم على الإحساس و الخيال ".1
كما نجدها في قاموس آخر تعني : " مجموعة الإيمانيات الدينية أو الفلسفية، و التي عن طريقها يتوصل الإنسان إلى مستوى الكمال، هذا الأخير يتمثل في نوع من التأمل يوصل صاحبه إلى المستوى الوجدانية التي يمكن أن تتيح عملية إتحاد الإنسان بربه (الإله).2
و المفهوم هنا لا يخرج عموما على أنه التأمل, أو التبصر الروحاني الخاص بالإنسان.
ب- في اللغة العربية :
أن كلمة التصوف و صوفية مأخوذة من الصوف, لأن الصوف كان منذ زمن قديم اللباس الغالب على الزهاد. 3
كما أنه علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، و تصفية الوطن البواطن من الرذائل و تحليتها بأنواع الفضائل، أو غيبة الخلق في شهود الحق أو مع الرجوع إلى الأثر فأوله علم و وسطه عمل و آخره موهبة.
و الصوفية اسم مشتق أما من الصفاء لأن مداره على التصفية، أو من الصفة لأنه اتصاف بالكمالات، أو من صفة المسجد النبوي, لأن الصوفية متشبّهون بأهل الصفة في التوجه والانقطاع أو من الصوف - كما هو مشار إليها سابقاً - لأنه جل لباسهم الصوف تقللاً من الدنيا وزهداً فيها اختاروا ذلك لأنه كان لباس الأنبياء - و حسب رأي ابن عجيبة الحسني- أن هذا الانشقاق أليق لغةً و أظهر نسبة؛ فيقال تصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقنص إذا ليس القميص والنسبة إليه صوفي. 4
ج- وفي الاصطلاح :
قال "خليل أحمد خليل" :« الصوفية أو التصوف: طريقة روحية دينية, أو مذهب فلسفي خاص قوامه القول: إن المعرفة اتصال مباشر بين الروح و المطلق، دون استعانة بالعقل العملي؛ أما الصوفية مذهب ديني يرمي إلى إتحاد الإنسان بخالقه من طريق التأمل و التوحد و الوجود و الفناء».5
و يقول" محمود يعقوبي" :«النظرة التصوفية هي دعوى مشاهدة حقائق الأشياء والأمور مشاهدة باطنية عن طريق الحدس و الوجدان اللذين لا يمكن التعبير عنهما باللغة و التفكير العقلي».
وعن علاقة مصطلح الإنسان والصوفية بالكمال لا بأس أن نشير هنا إلى ضبط مختصر لهذا المصطلح: فـ كمال أول ( Entéléchie ) مفردة ابتكرها " أرسطو" و عرفت في اللاتينية بعبارة المنجز، الكمال الناشئ من هذا الإنجاز و هو الشكل أو العقل الذي يجد إنجاز قوة ما.
والكمـال الأول هو الجوهر الفرد ( Monade) عند" ليبنتيز" القائل في كتابه (monadologie , p 18 Leibniz):« يمكن إطلاقه على كل الجواهر اللطيفة, أو الجواهر الفردية المخلوقة لأن فيها كمالاً معيناً و فيها اكتفاء يجعلها مصادر لأفعالها الداخلية و للآليات الذاتية اللاجسمية إذ جاز القول».6
أما "معروف الكرخي"(ت 200هـ/815 م) قال: « التصوف هو الأخذ بالحقائق و اليأس مما يدي الخلائق »، وقد انتشرت كلمة الصوفي في العالم الإسلامي بعد أن قالها " أبو هشام الكوفي"(ت 156هـ/715م).
ومن المواضيع التي اختلف فيها الدارسون هي أصل التصوف: هل هو هندي أو رهينة مسيحية، أو هل هو رد فعل لعقلية الآرية ضد الدين الإسلامي و حضارته في فارس أو هل هو امتداد للفلسفة اليونانية أم نابع من البيئة العربية الإسلامية؟ يقول الأستاذ عميراوي: « قد يكون التصوف الإسلامي مشتق من الكلمة اليونانية ( Théosophie ) التي تعني إله الحكمة، في حين يقول المتصوفة المسلمون إن التصوف مؤسس عن الكتاب والسنة وقائم على سنة الأنبياء الأصفياء». 7
|
|
01-04-2012, 12:48 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
نستكمل
1-3- كرنولوجيا:
إذا كان النظر إلى الإنسان نظرة روحية فأنها ليست وليدة التفكير الحديث أو المعاصر، ولكن ترتبط مفاهيمها بعمق التفكير الإنساني. 8
حيث نشأة الصوفية كحركة رد فعل و نفرة في مطلع العصر العباسي حينما عما الترف و كثر انغماس الناس في الإسراف و الملاذ من ذلك كله و اتجهوا إلى حياة الزهد, و لقد كان قبله العصر الأموي زهاداً لم يكن قد بلغوا من حيث التطرف و الاتجاه العقلي إلى أن يسمى تصوفاً.
والتصوف الإسلامي نشأ في بيئة إسلامية ثم تسربت إليه عناصر أجنبية. 9
نختصرها هنا :
- من المذهب الإسكندراني: الرياضة الروحية وغايتها التأمل الدائم في الله تعالى حتى تدخل النفس في حال من الذهول و الوجد.
- من الهنود: تعذيب النفس بالإيغال في التقشف و بالتطرف في العبادة مثال النرفانا ).
- من الفلسفة الصينية: انتقلت له كثير من التعابير طريق سفر, والتصوف بهذا المعنى ليس أحوالاً عارضة للإنسان, و لكنه " سفر في طريق " أو" السلوك مستمر على منهج معين ".
- من النصرانية : إنتفل إليه عنصران تعذيب النفس ( و هو شيء موجود في الهندوكية ), والتبتل أو
( ترك الزواج و ترك السعي في الدنيا ), وأثر هذا واضح في المتصوفة البغداديين, وهو مخالف للحياة الإسلامية برأي أغلب المتصوفة المسلمين أن ذاك.
و التصوف الإسلامي مر بخمس مراحل, 10 نذكرها هنا باختصار:
1- مرحلة الزهد : القرن 1 و 2 هـ إستمرت عدة قرون ( رابعة العدوية ).
2- مرحلة التصوف الخالص : القرن 3 و 4 هـ كعلم مكتمل, و طريق للمعرفة بعدما كان مجرد طريق للعبادة ( الحارث المحاسبي، البسطامي ، الحلاج ).
3- مرحلة التصوف الإسلامي السني: القرن5 هـ( القشيري و الغزالي، مذهب أهل السنة والجماعة ).
4- التصوف الفلسفي: القرن 6 و7هـ( شهاب الدين السهر وردي الإشراقي، محي الدين ابن عربي ).
5- الطرق الصوفية: و قد تكونت الطوائف الصوفية بشكل واسع كاد يعم العالم الإسلامي, وأصبح " الشيخ " ( شيخ الطائفة ) له منزلة بين مريديه, وقد اختلفت الطرق الصوفية باختلاف شيوخها.
ومن خلال المفهوم اللغوي والاصطلاحي يمكن أن نشير إلى المقصود عندنا من مصطلح الصوفية – في مقدمة هذا المقال - وهو كالآتي:« التصوف أو الصوفية: طريقة تقوم على مجموعة من الأرآء والمبادئ, قوامها أن المعرفة اتصال مباشر بين الروح والمطلق- الله- دون الاستعانة بالعقل العملي؛ أو نقول: مذهب ديني أو روحي يرمي إلى إتحاد الإنسان بخالقه عن طريق التأمل والتوحد والفناء والعمل بمدلولها يؤدي بالإنسان إلى درجة الكمال, ونطلق عليه "التصوف الإسلامي" كون هذا الأخير في مرجعيته الفكرية والعملية ينطلق من السنة والكتاب».
2 - مفهوم الحداثة:
(في الفرنسية Moderne- وفي الإنكليزية Modern - وفي اللاتينية Modernus )
2-1– جنيالوجيا :
أ- في المعنى العام:
بالمعنى العام:« ينطبق على صفة ما, ومن المرجح أن يكون تميز من وجهة النظر هذه بالانتماء
إلى المعاصرة؛ ويمكن وصف أي وقت " بالحديثة " إذا كانت تتميز على تلك التي سبقتها».11 أوخفة, بالانطباعات الراهنة, بلا حكم على الماضي وبلا تفكير فيه. أنظر: (R. Eucken, Geistige StrÖmungen de Gegenwart, Section D, §, 2, Appendice : «le Moderne»)
ب- في اللغة العربية:
- الحديث في اللغة نقيض القديم, ويراد فه الجديد ويطلق على الصفات التي تتضمن معنى المدح أو الذم؛ فالحديث الذي يتضمن معنى المدح صفة الرجل المتفتح الذهن المحيط بما انتهى إليه العلم من الحقائق, المدرك لما يوافق روح العصر من الطرق, والآراء, والمذاهب.
- والحديث الذي يتضمن معنى الذم صفة الرجل القليل الخبرة, السريع التأثر, المقبل على الأغراض التافهة, دون الجواهر العميقة؛ والمعرض عن القديم بمجرد قدمه لا لخبثه وفساده.
ومعنى ذلك أن الحديث ليس خيرا كله, كما أن القديم ليس شرا كله, وخير وسيلة للجمع بين محاسن القديم والحد
|
|
01-04-2012, 08:49 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
نستكمل
ومعنى ذلك أن الحديث ليس خيرا كله, كما أن القديم ليس شرا كله, وخير وسيلة للجمع بين محاسن القديم والحديث وأن يتصف أصحاب الحديث بالأصالة, والعراقة, والقوة, والابتكار ؛ وأن يتخلى أصحاب القديم عن كل ما لا يوافق روح العصر من التقاليد البالية, والأساليب الجامدة.12
ب- في اللغة الفرنسية:
- وحداثة: (Modernity – Modernité):
- من الحدث وتعني الحضور أو الراهنية أو الحينية (الحينونة), فالحداثة هي حركة الحدوث, التحديث والعصرنة, حركة المسار الاجتماعي, حركة تباين تعقلن وتعلمن.
- أو الحداثة هي غير مسار التصنيع ذاك أن الحداثة في أوروبا سبقت التصنيع وتقدمت عليه على المستوى الفكري, فيما تقدم مسار التصنيع في اليابان ولم توجد حداثة على صعيد الاعتقادات والعادات.
- أو الحداثة هي قطع معرفي, علمي وعلماني, مع الموروث (قطع أوروبا مع تعاليم الكنيسة) مثلا, وانفتاحه على العلوم اليونانية والعربية وإعلانها بلسان "ديكارت" : « أنا أفكر» تاريخ مولد الفرد الحر, في القرن (16م). والحداثة تقابلها الأصالة وما يتصل بها من أصوليات وحركات ارتجاعية.13
- وحديث (Moderne- Modern):
- الحديث والمحدث من الأمور والآراء هو الحديث الطارئ منها, والذي لم يكن معروفا ولا شائعا
, وهو يستعمل إما للمدح فيدل على تفتح الفكر وإطلاعه على ما جد من المعارف وإنعتاقه من التقليد, وإما للذم فيدل على الطيش والإنسان وراء كل جديد في الحاضر ومن دون تعقد في الماضي.
والفلسفة الحديثة تبدأ في أوروبا في القرن (16م) وفي العالم الإسلامي في القرن (14م).
- تحديث: (Modernisation- Modernization):
- التحديث في الميدان التقني هو ترك استعمال الوسائل القديمة لقصورها وتعويضها بوسائل جديدة متقدمة, وفي الميدان الثقافي هو ترك الأفكار القديمة لفسادها واعتمادها المعارف الجديدة المتقدمة, وترادفها والعصرنة.14
يتبع
|
|
01-04-2012, 09:54 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
نستكمل
2-3- في الاصطلاح:
- في الفلسفة:
في تاريخ الفلسفة تعني : "الحديثة " نقطة البداية زمن الحداثة الغير الثابت والواضح :« أي يجب أن تعارض أي شيء عتيق تتبع بعكس وبدقة أكبر ظهور فكرة أخرى مثل النهضة الفكرية التي قام بها الفيلسوف " ديكارت "على أفكار القديس "أوغسطين", والذي عرف عصره "بعصر التنوير"», وما يؤكد الحداثة وجود تردد في الجمالية نفسها بغض النظر عن الخلافات بين القدماء والمعاصرين؛ والتردد مختلف مع " بود لير" :« الحديث هو الحديث», أو مع " أبو لينير" :« أن مشروع الحداثة يعني ما هو المطلوب في البحث والتقدم ». 15
2-4- كرنولوجيا: 16
في البداية كانت تعني تحديد الصفات الثابتة التي أصبحت تدريجيا " الحديثة ", ومع ذلك فإنه يمكن تحديد منشأ الحداثة في القرن (16م) في أوروبا وحدها؛ حتى لو كان التأثر لا حقا أجزاء أخرى من العالم, حتى الدعوة إلى أن "التحديث الاقتصادي"؛ وأثار هذا التقارب الحديث للبروتستانتية (وميلاد الرأسمالية), نتيجة الاكتشافات العلمية وإيديولوجية التقدم وبلغت الحداثة ذروتها في "عصر التنوير".
و لكن هذا هو التاريخ بالضبط لأن الآمال في "عصر التنوير" هي أبعد ما تكون عن ما أكدته الأحداث التاريخية أن " الحداثة " في أزمة, وتحرير البشرية منها يكون من خلال التعليم والديمقراطية والتقدم الأخلاقي والإنشاء؛ وكذبت" السلام العالمي" من خلال ما وصفه العديد من الشخصيات الاجتماعية أو الفلسفة الحقيقية ناهيك عن إثارة مشكلات في العالم المعاصر: اغتراب الإنسان في النزاع والمآل والإبادة الجماعية, وتناقضات غير قابلة للحل الاقتصادي العالمي؛ وانحرافات العقل... مثل مدرسة "هيدغر" و"فرانكفورت" و"أرندت جوناس" الذين استنكروا نتائج العدمية كل هذا نتيجة للحداثة.
ثم تطورت اللفظة من مفهوم " الحداثة " إلى مفهوم "مابعد الحداثة " وشروط " ما بعد الحداثة "
وسيلة للتخلي- بما في ذلك ( الفن حيث التخلي عن الأول على ملائمة الهندسة المعمارية)- من الأوائل خليط من الموقف لمراجع الأسلوبية المعتمدة أو الحاجة لدراسة الحداثة لفهم أسباب الفشل والآن لحماية أنفسهم.
كما يتسق سلوك " مابعد الحداثة " الذي تحكمه الغريزة الفريدة من نوعها لأحد الأنواع الحيوانية المعينة, أو كل الأعراف والمعتقدات والممارسات المشتركة لمجموعة اجتماعية؛ على رأي أكثر أخلاقية صارمة وكيفية التصرف وفقا لمعايير أخلاقية مقبولة أكثر أو أقل صراحة في هذا الوسط الاجتماعي والمقصود هنا سلوك جيدا أو سيئا.
حيث وفقا " ليفي بريل" عالم الأخلاق أو العادات في دراسة سوسيولوجية وإيجابية لكل المبادئ الأخلاقية التي تحكم المجتمع, وينبغي أن تحل محل النظرية الأخلاقية, مع اختلاف القواعد على القواعد على أن تكون غير مشروطة.
- وانطلاقا من القرن السادس عشر الميلادي, لفظ "حديث" أصبح مستعمل بكثرة منذ القرن العاشر في المساجلات الفلسفية أو الدينية, ويكاد يستعمل دوما بمعنى ضمني, إما لعبي (انفتاح وحرية فكرية معرفة أحداث الوقائع المكتشفة أو أحداث الأفكار المصاغة, غياب الكسل والرتابة ), حيث يشير إلى الاستعمالات الرئيسية لكلمة حديث, ويفرق بالنسبة إلى الاستعمال الراهن, من جهة بين حداثة صحيحة, تتوافق مع التشكيلات الفكرية الحقيقية, المتصاعدة والضرورية, ومن جهة ثانية حداثة سطحية (ein Flachmederne ), تقوم على جهل التراث؛ حب الجديد مهما يكن, الاضطراب, المطالبة والمزايدة.17
- وبالمعنى التقني, الحديث يتعارض مع الوسيط (وأحيانا باتجاه عكسي, مع المعاصر): "التاريخ الحديث" هو تاريخ الوقائع التالية لسقوط القسطنطينية, في سنة 1453م؛ "الفلسفة الحديثة" هي فلسفة القرن السادس عشر والقرون التوالي, حتى أيامنا مع ذلك غالبا ما يطلق على "باكون" و"ديكارت" اسم مؤسسي الفلسفة الحديثة. 18 - و عند المفكر "طه عبد الرحمن" المقصود به: "حداثة القيم" لا "حداثة الزمن" أو" روح القيم" لا " روح الأشياء", ومعنى أن الحداثة أو روح الحداثة :« هي مجموعة القيم ومجموعة المبادئ التي يكون هذا الواقع تجسيدا لها, وتطبيقا لها بمعنى ينبغي أن نبحث عن هذه المبادئ و هاته القيم التي يعد الواقع تطبيقا لها». وهذا المفهوم يعتبر مفهوم مبتذلا؛ إذا لم ننقل المبادئ التي تعرف بها الحداثة الغربية مثل (مبدأ الفردانية , ومبدأ الذاتية, وما إلى ذلك....)؛هذه مبادئ روح الحداثة عند الغرب, إما عندنا فقد حدد لها المفكر"طه عبد الرحمن" مبادئ أخرى هي(مبدأ الرشد: لا تقبل وصاية أحد على تفكيرك, ويتفق هذا مع تصور التداولي الإسلامي, ومبدأ النقد أو الاعتراض: والذي كان موجود عند المسلمين, وفي مجال
التداول الإسلامي, ويعتبره حق من حقوق المتلقي لإثبات رأيه وبمعنى آخر القدرة على مراجعة كل شيء؛ ومبدأ الشمول: أي أن الحداثة من صفاتها أنها تنتشر في المجتمعات كلها, ولا يمكن حصرها في مجال محدود ), وهذه المبادئ الثلاث ينبغي أن نأخذ ها كمسلمات في مقابل المبادئ أو المسلمات التي أخذها الغرب إذا أردنا أن نكون حداثيين.
وبمعنى آخر يقول المفكر "طه عبد الرحمن": الحداثة أو روح الحداثة :«عملية جمالية أصلا, يعني تنشأ الجديد وتولد, وتبدع, وتخرج أمورا يندهش لها الإنسان الآخر, ويتلقاها وكأنها تأتيه بقيم جديدة ».19
يتبع
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 01-05-2012, 03:39 AM بواسطة فارس اللواء.)
|
|
01-05-2012, 03:38 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
نستكمل
الحداثة (التأسيس, الشخصيات, والخصائص):
في منتصف القرن التاسع عشر تقريبا وبالضبط في باريس على يد الكثير من الأدباء السرياليين والرمز والماركسيين والفوضويين والعبثيين وهذا ما تمثله أيضا بعض الأدباء الماديين والعلمانيين والملحدين في الشرق والغرب حتى وصل إلى شرقنا العربي والإسلامي.
أ- ومن أبرز رموز مذهب الحداثة من الغربيين:
1- "شارل بود لير" (1821-1867م): وهو أديب فرنسي نادى بالفوضى الجنسية والفكرية والأخلاقية, ووصفها بالسادية أي التلذذ بتعذيب الآخرين, له ديوان شعر مترجم بالعربية من قبل الشاعر "إبراهيم ناجي", ويعد "شارل بود لير" مؤسس الحداثة في العالم الغربي.
2-الأديب الفرنسي "غوستاف فلوبير"(1921-1880م).
3-"مالا رميه"(1842-1898م): وهو شاعر فرنسي, ويعد أيضا من رموز المذهب الرمزي.
4-الأديب الروسي "مايكوفوسكي": الذي نادى بنبذ الماضي والاندفاع نحو المستقبل.
ب- ومن أبرز رموزها بالبلاد العربية:
1- "يوسف الخال" شاعر نصراني وهو سوري الأصل رئيس تحرير مجلة الحداثية, وقد مات منتحرا أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
2-" أدونيس"(علي أحمد سعيد) ( ) نصراني سوري ويعد الأول لمذهب الحداثة في البلاد العربية, وقد هاجم التاريخ الإسلامي والدين والأخلاق في رسالته الجامعية التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه في جامعة (القديس يوسف) في لبنان وهي بعنوان "الثابت والمتحول", و دعى بصراحة لمحاربة الله عز وجل وسبب شهرته فساد الإعلام بتسليط الضوء على كل غريب, حيث أستخدم "أدونيس " مصطلح الحداثة الصريح إبتداء من نهايات السبعينات(1978م), فيه لا يعترف بالتحول إلا من خلال الحركات الثورية السياسية والمذهبية وكل من شأنه أن يكون تمرد على الدين والنظام تجاوز للشريعة؛ و يعترف "أدونيس" بنقل الحداثة الغربية حيث يقول في كتابه"الثابت والمتحول" :«لا نقدر أن نفصل بين الحداثة العربية والحداثة في العالم».
3 - "عبد العزيز المقالح" وهو كاتب وشاعر يماني, وهو الآن مدير لجامعة صنعاء وذو فكر يساري.
1- "عبد الله العروي" ماركسي مغربي.
2- "محمد عابد الجابري" علماني مغربي.
3- "عبد الوهاب البياتي" شاعر عراقي ماركسي.
4- "محمود درويش" شاعر فلسطيني وعضو بالحزب الشيوعي الإسرائيلي أثناء إقامته بفلسطين المحتلة, وعاش بعدها خارج فلسطين.
5- "محمد أركون"علماني جزائر كان يعيش في فرنسا.
6- "كاتب ياسين" ماركسي جزائري.
7- "صلاح عبد الصبور" شاعر مصري مؤلف مسرحية "الحلاج".
ج- أهم خصائص الحداثة:
- الثورة على القديم كله وعلى اختلاف مجالاته(لغة, شعر, دين,...).
- امتياز منهجا وحقائقها بالحيرة والشك.
- فصل الدين عن العلم وعن الدولة.
- قلب القيم, أو ما يسمى اليوم بحرب القيم.
يتبع
|
|
01-05-2012, 04:45 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
نستكمل
مكامن الحداثة في الفكر العربي الإسلامي:
أ- في القرآن الكريم:
تكمن حركة التحديث في التصوف الإسلامي كحركة أدبية وكلامية وعقلية نشأت في الإسلام من خلال مراحل التصوف, وتجدد معاني التوحيد الحقيقي عن طريق المعرفة أو الحب, سواء عن طريق اعتياد الزهد أو عن طريق طقوس الوجد المؤدي إلى الغياب عن الحضور, حيث كان القرآن لكل مسلم وللصوفي خاصة « قاموسه الجامع بلا منازع, ومرجع كل علومه, ومفتاح تأملاته الكون», هكذا قال"
لويس ما سينون".20
ولقد لعب الصوفية دورا هاما في تطور وتحديث علوم القرآن, فطريقتهم في التفسير شاملة, من المعنى اللغوي البسيط إلى التأويلات المصاحبة للرموز والصور الإستعارية, دون لأن يكون هنا إنكار للمظهر الخارجي لكلمات القرآن.21
2-في الفن:
عرف التاريخ الإسلامي عددا كبير من الطرق الصوفية كالقادرية و الرفاعية والسهر وردية والشاذلية البدوية والدسوقية والمولوية والنقشبندية والبكتاشية و اليونسية, وقد أنقرض بعض هذه الطرق وبقى البعض الآخر, ودلائل الحداثة في الفكر العربي الإسلامي تتضح لنا في هذا المجال مما كتبه حجة الإسلام "أبو جامد الغزالي" في كتابه "إحياء علوم الدين" في الحديث عن الطرق الصوفية والسماع لاسيما في المجلد الخامس. لكن في عصرنا الحالي غالت بعض الطرق في استعمال هذه الوسائل التي أنتجها عصر الحداثة التقنية والتكنولوجيا, مما جعل الطرق تميل على الغاية المقصودة من وجودها.
وإذا أردنا الوقوف عند بعض الفنان العرب الذين تأثروا في فنهم بالأبعاد الصوفية من كلمة ولحن وسلوك رغم عدم كونهم زهاد أو صوفية بمعنى الكلمة, نذكر الفنان السوري "بشار بن زرقان" الذي بذل جهدا كبيرا في إحياء الشعر الصوفي من خلال قصائد ( ابن الفارض, ابن عربي, ورابعة العدوية...), وموسيقى الشعر الحديث؛ وإلى جانب هذا جمع الفنان موسيقاه بالفن التشكيلي لتبرز لنا العلاقة القوية والمنافسة بين التصوف والحداثة.
يتبع
|
|
01-05-2012, 01:52 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
نستكمل
جدلية العلاقة بين التصوف والحداثة:
أ- العلاقة بين الشعر الحداثي والتجربة الصوفية:
أن التجربة الصوفية أسهمت في تفعيل المخيال الشعري, وأزكت روح الغموض فيه, وفصلت العرفانية على البرهانية والإشراق على التذكر, رغما ما يجمعهما وهو التمرد على سلطة العقل؛ والمفكر "أدونيس" كرس خطابه الشعري والنقدي لتقويض سلطات ثلاثة تتحكم في الوعي العربي سلطة (النص الديني- النص التراثي- العقل السياسي ), لذا يقول الناقد الجزائري "سفيان زدادقة" أن المفكر "أدونيس" عمل بأسلوب قائم على تفكيك الهوة بين النص والواقع نقدا – وهذا من منطلق آلية من آليات الحداثة الغربية ألا وهي آلية التفكيك- وأخطر ما عمله "أدونيس" هو نقله للخطاب الصوفي من دائرة الإلهي إلى دائرة الإنساني, مطوعا إياه لينسجم مع خطاب الحداثة السريالية ومبادئها.
ويرى الباحث"منصور إبراهيم" إن كل من الصوفية والحداثة الشعرية تبحثان عن غايات مشتركة, منها الدعوة إلى الصفاء والنقاء, فالمتصوفة والشعراء استعملوا اللغة الشعرية الإيحائية, وذلك للتعبير عن تجاربهم وأحوالهم ومقاوماتهم كل بمجاهداته الخاصة به, وبذوقه وباتصاله وبانفصاله, بل أن التكرار وهو من مميزات الشعر الحديث سمة لازمة في أوراد الصوفية وأذكارهم.22
كما أن لكلا منهما الصوفي والشاعر معاناته وقلقه, وبحثه المتواصل عن العدل والحقيقة, ولكل منهما تأمله ومكابدته واغترابه ووحدته, وترقيه للحظة الإلهام أو التجلي, بل أن هناك من رأى أن أهل الفن كأهل الطريق, وفي كليهما معاناة داخلية وصراع مع الذات للوصل إلى عمق التجربة...لكن الشاعر يتعمق الوجود كما يتعمقه الصوفي, وهنا يلتقيان وربما سمى المفكر والفيلسوف صوفيا بهذا المعنى أيضا, بمعنى إن الصوفية إذا كانت هي عمق التجربة؛ فكل صاحب تجربة ورؤية عميقة في الفن والحياة والدين, لذا فالمفكر والفيلسوف هو متصوف بهذا المعنى.23
يتبع
|
|
01-05-2012, 03:16 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
نستكمل
ب- التصوف بين ثنائية الحداثة والشعور الديني:
• البعد الإنساني في ظل تحديات الحداثة: 24
في الوقت الذي ساهمت الحداثة في إحداث نقلة نوعية في تاريخ البشرية حيث انتقلت بها من مرحلة التفكير الخرافي والأسطوري إلى مرحلة التفكير العلمي, في الوقت نفسه ساهمت في القضاء على "الشعور الديني للإنسان" ونشر الخواء الروحي والتفكير المادي لديه, ومسح هوية الإنسان وخلق أجيال ضائعة معنى للهوية والأخلاق أو الهدف من الحياة.
• الشعور الديني والتصوف: 25
لقد أختلف الفلاسفة والمفكرون حول سبب نشوء الأديان, فإذا كان البعض يرجعه إلى الخوف فالبعض الآخر يرجعه إلى الرغبة في رضي الله وحبا له وعشقا فيه لذاته سموها بعبادة الأحرار, فإن ثورة الحداثة التي أنهت التفسير اللاهوتي للعلم والكون ساهمت في قيام المجادلات اللاهوتية العقيمة وزاد الأمر حدة الأحزاب الدينية التي تشكلت عبر الخلافات السياسية ومناطق النفوذ الاقتصادي والسياسي مما أفقد الناس الثقة في الكثير من المسائل الدينية المرتبطة بالإيمان.
وعليه فأن الخطر الذي تواجهه المجتمعات العربية الإسلامية لا ينحصر في الحركات الأصولية أو التعصب الديني بقدر ما ينحصر في أمراض الحداثة حسب وصف المفكر "علي حرب" في الديار العربية والمفكر الفرنسي "جاك دريدا" في الديار الغربية وغيرهم, من اللذين نبهوا من خطر الحداثة على مستقبل البشرية؛ إذ رأوا في التصوف والعرفان البديل الروحي في الرد على التنظيمات الدينية المتطرفة والتي فجرت الرأي العام ضد الإسلام والمسلمين خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
والمسعى نفسه أكدته دراسة قدم أوراقها الباحث "عبد الله الوازني " في ندوة: التصوف في الميزان, عنوانها, الخطاب الصوفي المعاصر- المبادئ والآليات والتحديات- متمثلا في التحذير من الميل الجارف الذي يقوم به من يسمون أنفسهم "الحداثيون" الذين يقتبسون نظام فكري معين من عالم الغرب ويلصقونه بكلمة إسلام مثل: (الديمقراطية الإسلامية, الإشتراكية الإسلامية, العقلانية الإسلامية....), وإن كان هذا بحجة الحداثة والتجديد هذه المحاولة التي تجعل الإسلام مقبولا عن طريق إلباسه مظهرا حديثا أو عصريا هي خيانة بحق الإسلام, لأنها تنقله من دستور جامع للمبادئ ذي نظرة شاملة للعالم إلى مجرد صفة للصق به مدلولا مخالفا في ميدان الحضارة الغربية التي خالفت مثل هذه التعابير.
ج- الفرق بين الحداثيون والمتصوفة:
يرى الباحث "عبد الله الوازني" أن مدعي الحداثة الذين صوروا الإسلام, كأنه كائن محنط لا روح فيه أو ميت يراد منه العيش عنوة بإلباسه لباس العصر, وبين من يدعون إلى تأصيلا لأصول كالمتصوفة الذين أيقنوا إن دين الإسلام هو الذي أبدعه الحق سبحانه وتعالى المعروف بإتقان كل شيء أبدعه, الحداثيون لا يرون الحداثة في الخروج عن الشعر التقليدي إلى الحر, أو الاستعاضة بالعامية عن الفصحى على سبيل المثال, بل الحداثة في نظرهم أوسع وأشمل فهي ثورة على القديم كل القديم؛ بما في ذلك الدين واللغة, بل وحتى الأعراف والتقاليد فنظرة الحداثيين إلى الدين مثل نظرة لا تعترف له بالقداسة والعصمة لا في أخباره ولا في أحكامه.
د- التصوف بين الحداثة والقدم:
قال الإمام "الغزالي" في سيرته الذاتية في كتاب"المنقذ من الضلال":« ثم أني لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية, وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل؛ وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفوس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة حتى يتوصل بها إلى تحلية القلب عن غير الله وتحليته بذكر الله ».
أما سلطان العلماء" العز بن عبد السلام" كان يقول: « كل الناس قعدوا على رسوم الشريعة (أي صورها), وقعد الصوفية على قواعدها التي لا تتزلزل, ويؤيد ذلك ما يقع على أيديهم من الكرامات والخوارق, ولا يقع ذلك على يد عالم ولو بلغ في العلم ما بلغ إلا إن سلك طريقهم».
والإمام"مالك"كان يقول: «من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق, ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق, ومن جمع بينهما فقد تحقق», وهو قول مروي بالأسانيد الصحيحة المتواترة عن الإمام مالك.
هـ- الصوفية بين تناقضات السياسية واختلافات الحداثة:
يعد الباحث "محمد الحجاج" - الخبير الاجتماعي المتخصص في الصوفية بالمغرب الأقصى- أن رهان مواجهة الحركات الإسلامية شكل واحد من أهم مكونات السياسة الدينية للدولة لموجهة التيارات السلفية وتوظيف الدبلوماسية الصوفية في العديد من القضايا السياسية نوعا من الحداثة الدينية أو إستراتيجية تحديث الإسلام كرد فعل على أسلمة الحداثة في ظل الأصوليات المتطرفة, مما جعل العديد من الدول العربية تدخل في سياسة دولية أمريكية لمواجهة الإرهاب, والخطر يكمن هنا في توظيف الدولة للتصوف في الحد من خطر الحركات الإسلامية كنموذج لإسلام منفتح ومسيس.
- وما الذي يصمن ألا تنجرف هذه النزعة الصوفية إلى نزعة متطرفة تخيب كل الآمال السياسية المعقودة عليها فيوقفنا الراهن بحسب تعبير الأخصائي المغربي.
ويعتبر الباحث في الحركات الإسلامية "محمد ضريف" أن " الطريقة البودشيشية " على سبيل المثال امتلكت أكثر من غيرها سلطة معنوية يضرب لها ألف حساب, وصار مريدوها بالملايين داخل المغرب وخارجه بل باتت لها علاقات وطيدة مع هيئات دبلوماسية لبلدان عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
والدور المهم الذي أدته الولايات المتحدة في تشجيع الطرق الصوفية في العديد من البلاد العربية والإسلامية, لا سيما المغرب الذي يشتهر بإيوائه لمئات الأضرحة والطرق الصوفية لاعتبارات كثيرة أهمها : محاولة الحد من انتشار ما يسمى بتيار السلفية (الجهادية) المخالفة للشريعة, التي ترغب في محاربة أمريكا ذلك التصوف هو دين شعبي مسالم بالنسبة للأمريكيين, مثال: مؤسسة "راند" الشهيرة التي تبحث على توسيع قاعدة الصوفية في العديد من الدول ومن بينها المغرب, والعمل الجاد على إدخال الفكر الصوفي في المناهج الدراسية للطلبة, وأهم زوايا تتلقى المساعدة من طرف الولايات المتحدة هي الزاوية البودشيشية المعروفة جدا.
يتبع
|
|
01-05-2012, 03:52 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
فارس اللواء
باحث عن أصل المعارف
المشاركات: 3,243
الانضمام: Dec 2010
|
الرد على: جدلية العلاقة بين الحداثة والتصوف في الفكر العربي الإسلامي
نستكمل
و- مواقف غربية من الحداثة الصوفية:
• الاجتهاد الروحي وما بعد الحداثة: 26
يقول الأديب الفرنسي "أندريه مالرو" : «أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرنا دينيا, أولن يكون», والتي استوحى على منوالها الباحث الجامعي الفرنسي " أريك جفروا" – باحث متخصص في دراسة التصوف الإسلامي – والذي لا يخفي انتمائه إليه, وقد ألف كتابا بعنوان "الإسلام سيكون روحيا أو لن يكون", وهو في هذه الدراسة يتجاوز المنحى الأكاديمي الوصفي والتجربة الباطنية ليقدم مشروعا كاملا و متكاملا, لإحياء علوم الإسلام, وتجديد أو تحديث مقربة التدين من خلال نموذج "الاجتهاد الروحي" الذي يقدمه بديلا من "الاجتهاد الفقهي" المحدود, ويراه المسلك الملائم لحقيقة "ما بعد الحداثة".
وهو ينطلق هنا من التراث الصوفي العريق ككتابات "ابن عربي","ابن تيمية", والأدبيات الإسلامية الحديثة (محمد إقبال, محمد أركون, نصر حامد أبو زيد, والجابري....), وهذا من خلال التركيز على ثلاث إشكاليات جوهرية:
- الأولى: "قلب القيم" في التجربة الإسلامية, أو ما يسميه البعض اليوم "بحرب القيم".
- الثانية: تتعلق بإمكانية إخراج التصوف من قالبه الباطني لتطبيع وضعه المعرفي داخل الحقل النظري تأويليا وإبستومولوجيا, فالتصوف عند "جفروا" ليس عادة لغة رمزية شاعرية يحتكرها خاصة الخاصة, وإنما يتأسس على مجموعة من الأدوات النظرية والمنهجية التي يمكن أن تصاغ بلغة مفهومة للجميع.
- الثالثة: تتعلق بالمرور من الحداثة الفاقدة للروحية إلى مابعد الحداثة المستعيدة للروحية , والواقع أن"جفروا" ليس أول من طرح هذا التصور بل سبقه إليه بعض الفلاسفة والمفكرين لعل أبرزهم هو الفيلسوف الإيطالي "جاني فاتيمو" الذي أعتبر أن انهيار الميتافيزيقا يدشن أفقا جديدا للروحية بدل القضاء عليها.
ودراسة "جفروا" تنتهي باستلزام منطقي مفاده إذا كانت الحداثة قامت على فكرة اليقين التجريبي، فإن عصر ما بعد الحداثة أنهى اليقينيات الوضعية والتحديدات الحتمية فاتحا أفقا جديدا للحدس الروحي؛ وإذا كانت الحداثة أعلنت مركزية الإنسان وحولته إلى إله مطلق, فإن مابعد الحداثة, أعلنت نهاية الإنسان , وفرضته على الوعي بتناهي ومحدودية حاملة إياه على إعادة صلته بالمطلق , كما أن العولمة وفرت للإنسان المعاصر سوقا روحيا رحبة يسهل منها ما لم تكن متاحة له.
يتبع
|
|
01-05-2012, 04:38 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
|