بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رسالة من مواطن عربي إلى المواطن المصري الأخ إبراهيم سنجاب
(حوار بشأن رسالته إلى شيخ المجاهدين وقائدهم السيد عزة إبراهيم الدوري)
شبكة البصرة

محمد زيدان

سلامي الحار إليكم وإلى أهلنا وإخواننا في أرض الكنانة العزيزة علينا وبعد،
لقد قرأت رسالتكم الموجهة في شبكة البصرة المجاهدة بتاريخ 27 صفر 1433 / 21 كانون الثاني 2012 إلى شيخ المجاهدين السيد عزة إبراهيم الدوري القائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني، وأشكركم على شعوركم النبيل تجاه العراق والمقاومة الوطنية العراقية، وأهنئكم على مشاركتم الفعالة في التصدي لنظام كامب دفيد العميل الذي آذانا أيما إيذاء نحن العرب في العراق وفلسطين، ونتمنى أن تتصدوا ويتصدى الوطنيون المصريون الأحرار شبابا وشيبا لكل من يحاول إبقاء العلاقات المصرية الصهيونية على ما هي عليه.
بادئ ذي بدء، فأنا مستقل ولا أنتمي لأي حزب سياسي، حتى لا يقال عني أني بعثي، ولقد أشرت في كتاباتي لهذه النقطة في أكثرمن مناسبة، لكني أؤمن، وهذا من حقي، أن أقف مع أي حركة سياسية أو حزب أو هيئة في وطننا تتصدى للغزو الأجنبي. وهذا بالضبط ما يفعله الوطنيون العراقيون وفي طليعتهم إخواننا البعثيون. فلو كان مثلا للإخوان المسلمين في العراق نفس موقف البعث وتضحياته لكنت من أشد الناس تحمسا لهم ودفاعا عنهم واستمامة من أجلهم، وتتبعا لمآثرهم وصولاتهم وجولاتهم، لكنهم مع الأسف سقطوا في مستقع الخيانة والعمالة وساء ما فعلوا وما يفعلون.. وإذن لا غرابة أن أقف مع البعث والمقاومة العراقية، ليس بالتعصب أو تزييف الحقائق والوقائع، وإنما بقول ما أعتقد أنه الحقيقة وأنه الأصوب، ومن حق البعثيين أن يطلبوا مني ومن غيري أن نقف معهم بنفس المستوى الذي نويته مع الإخوان المسلمين.
وأنا، كما ترى، لا أظن أن للكلمة وحدها نفس التأثير الذي يتصوره بعض إخواننا، ما لم تكن صادقة، وتعبر عن إرادة حقيقية وإيمان، فبعض الشعراء والكتبة العرب دغدغوا مشاعرنا وعبثوا بعواطفنا إلى درجة أننا رفعناهم إلى مستوى عنتر بن شداد وامرؤ القيس، وعندما وقع العدوان على أرض الرافدين واحتلت بغداد العروبة والإسلام والقيم الخالدة، جفت أقلامهم وفرت شياطينهم التي كانت تهمس لهم الشعر، بل يقال أنهم شاهدوا أحدهم على فضائية الحرة السيئة السمعة والصيت. لست أدري، ولكن هذا ما سمعت به. فهل هؤلاء الكذابون في مستوى شعراء المقاومة الوطنية العراقية؟ لا تؤاخذني، فأنا أفضل وأطرب للقصائد المرافقة لأشرطة جيش رجال جيش الطريقة النقشبندية، مع اختلاف اللهجة، لأنني من المغرب العربي، ولهجتنا تختلف بعض الشئ. إنها ترفع معنوياتي وأتذوقها وأحبها، وهي عندي أبلغ بكثير ولا أقارنها بشعر الصالونات والأكواب المنثورة على الطاولات لأبطال الكذب والبهتان. انظر أخي، كيف تجند الإعلام العالمي والعربي وإعلام حركات سياسية واجتماعية عربية وغيرها ضد البعث والمقاومة الوطنية العراقية، وكثر الدجل والتعتيم والتضليل للنيل من البعث والمقاومة الوطنية العراقية، فهل انتصر العدو الصهيوأمريكي؟ لقد انتصر البعث والمقاومة الوطنية العراقية... نعم لم تكتمل الفرحة، ولا يزال الدرب طويلا ومحفوفا بالأشواك، والعدو يبدو أنه ينوي أن يلعب " لعبة الغميضة"، فيختفي وراء أسماء ومسميات وأشكال، لعله يضلل المقاومة، وأما المقاومة فقررت أن تتعقبه حتى النهاية، فتطرده شر طردة ومعه الاحتلال الإيراني الصفوي، الأشد كفرا ونفاقا، وجشعا وقذارة.

أوافقك أخي القول بأن "ولاء أعضاء البعث لحزبهم يفوق كل ولاء". إنه- ورب الكعبة- كلام جميل لا أختلف معكم فيه، إذا كنتم تقصدون، بذلك الولاء لقيم الأمة وثقافتها وتاريخها المجيد ومستقبلها الواعد رغم المحن والشدائد، لا ما تروجه وسائل الإعلام العالمية والعربية العميلة من سموم لتزييف الوقائع وطمس الحقائق وتضليل الناس، ما أثار دهشتي واستغرابي- والحق يقال- قولكم عن إخوان أعزاء علينا من البعثيين بأنهم يمنعون غير البعثيين وخاصة من غير العراقيين من بذل الجهد لمناصرة المقاومة الوطنية العراقية داخل العراق. أشكركم جزيل الشكر على نواياكم الطيبة، وعلى محاولتكم تقديم الدعم للمقاومة العراقية. وهذا واجب علينا أولا ودين في أعناقنا نحن العرب. ما لم أفهمه، ولم يدخل عقلي ولا أتصور أنه سوف يدخل عقلي يوما أن هناك بعثيون يمنعون الناس من دعم المقاومة الوطنية العراقية. كيف يكون ذلك في أرض الكنانة؟ ولماذا؟ وهل للبعثيين المشردين والمطاردين في كل مكان سلطة في مصر حتى يستطيعون منع الناس من دعم المقاومة الوطنية العراقية؟ هل لديهم شرطة وجيش وأمن ومخابرات؟ هذا غير معقول؟ من أراد من العرب أن يدعم المقاومة العراقية فطرق الدعم غير محدودة وبالذات في أرض الكنانة، ومنها دعم أحبائنا البعثيين الذين أشرتم إلى تعرفكم عليهم، ولو بالكلمة الطيبة، فهم إخواني وإخوانك في كل الأحوال، ولو اختلفنا معهم أحيانا في أمور ليست ذات شأن يذكر.
وأعجب- أخي – لأمرك عندما تقول عن البعض منهم بأنهم " يرفعون راية التخوين لمجرد خلاف في الرأي، أو يسعى للإقصاء لمجرد انتقاد بسيط يمكن تجاوزه بقليل من الصبروالرغبة في التفاهم والوصول إلى أرضية مشتركة."، لأن تجربتي المتواضعة معهم علمتني بأنهم عكس ما ذكرت، فما من شخص يقال عنه أنه بعثي، إلا ووجدت فيه الهمة والشجاعة والإخلاص والوفاء، والتفتح على الآخر والإصغاء إليه ومحاولة التعاون معه لتحقيق الأهداف السامية للأمة، أما عملهم على ترغيب الناس في دعم المقاومة الوطنية داخل العراق فهو أمر غير خاف على أحد، ولتجدن بعضهم يعيش المقاومة ويتنفسها صباحا ومساء وفي غياهب الدجى، وإليك بعض الأمثلة الرائعة، فهذا فقيدنا- نحن العرب- الأستاذ محسن خليل رحمه الله وأدخله فسيح جنانه، سفير النظام الوطني العراقي سابقا لدى جامعة الدول العربية التي هكذا يسمونها، المعروف بهدوئه واتزانه ووداعته، وذكائه والتزامه بقيم الأمه، وابتسامته الرائعة والمتميزة.... لقد كان- رحمه الله وجعله قدوة لشبابنا- يحترق كالشمعة من أجل العراق والأمة، فكان يكتب المقالات على الأنترنات، وقرأت له ما استطعت الوصول إليه في شبكة البصرة، وكان لي شرف مشاهدته أكثر من مرة على القنوات. وكان الرجل مثالا للبعثي المتشبع بقيم الأمة وتاريخها وأمجادها. لقد تعلمت منه ومن إخوانه البعثيين الكثير من الدروس التي لم أجدها عند غيرهم. وهناك شخصية أخرى متميزة لعبت دورا مهما ورياديا في تطوير فكر المقاومة الوطنية العراقية وفي إفادة أبناء الأمة من خبرتها الدبلوماسية الطويلة، وكان لها الفضل في فضح الاحتلال الصفوي، والكشف عن مؤامراته وألاعيبه وجرائمه في العراق والأمة، وأقصد بها الدبلوماسي العراقي الفذ، الأستاذ صلاح المختار. ولقد أثبتت الأحداث أن قراءته للواقع كانت صحيحة، فبالإضافة إلى فهمه العميق لأحوال العراق وللدور الخبيث والممارسات الإجرامية لنظام الملالي، فإنه كان متابعا جيدا لما يجري في المغرب العربي، وكشف عن الأساليب الصفوية القذرة المستعملة لزرع الفتن في الوطن العربي، فتنبه حكام المغرب الأقصى للتدخل الإيراني الهادف لزرع الفتن، وأوقفوه عند حده، أما في الجزائر، فإن إيران استحلت الدم الجزائري الزكي وتدخلت فيما لا يعنيها، لتحقيق أهدافها البعيدة المدى على حساب مستقبلنا وأمننا القومي، ولقد فضحها الصحفي ورجل المخابرات الجزائري أنور مالك في سلسلة مقالات نشرها في جريدة الشروق الجزائرية http://www.anouarmalek.com. عندما أشار إلى تدريبها لإرهابيين متطرفين ومساهمة حزب الله اللبناني في ذلك لنشر الاقتتال والفتن في الجزائر. ونحن لا نبرئ جهات أخرى، ولكن لإيران الملالي في الجزائر ما يكفيها من الجرائم في حقنا بغض النظرعن اتجاهاتنا السياسية والفكرية وعن موقفنا من النظام الحاكم في الجزائر. إن النظام الإيراني عنصري، وانتهازي بلا مبادئ ولا أخلاق، همه الوحيد كما الصهاينة التوسع على حساب الأرض العربية، أما الأخوة الإسلامية فمجرد خرافة، والأهم هو النزعة الإمبراطورية الفارسية. إن الأخوة الإسلامية صادقة وتنبع من الداخل عندما تكون مع بنغلداش وباكستان وأندونيسيا وأفغانستان المقاومة والدول الإفريقية المسلمية، ودولا إسلامية أخرى شقيقة ليست لها أطماع في أرضنا. لقد بصرنا الأستاذ صلاح المختار بالدور الإيراني الخبيث في وقت مبكر، وكان من المفروض أن يصغي له الحكام وذوو الحل والعقد في وطننا العربي قبلنا نحن، وكان عليهم أن يقرأوا مقالاته ويأخذوا منها الدروس القيمة، حتى لا يعضوا على أناملهم، بعد فوات الأوان، فمن مصلحة العرب وعرب الخليج بالذات تقديم كل أشكال الدعم لجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني بكل ما أوتوا وبدون الرغبة في إملاء الشروط وتقديم المواعظ، ليس حبا في العراق والعراقيين، ولكن دفاعا عن الذات، وعن الأمن القومي الخليجي والعربي، لأن هذه الجبهة تنتشر في كل مكان من العراق، وفي جنوبه، ولها فيه أنصار كثيرون وفصائل جهادية. وهي قوية إلى حد لا يمكن توقعه، وماضية في التقوي، وتتشكل أساسا من بعثيين أشداء ورجال الجيش والأمن الوطنيين، ولا شك أنها تدعمت وتتدعم باستمرار بشباب غير معروف لدى عيون إيران وشياطينها ومليشياتها. ولك أخي العزيز مثال آخر رائع، أكن له كل الاحترام والتقدير، وأعتز به، وهو الأكاديمي الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس، كنت أتمنى استغلال كفاءته الأكاديمية وكفاءة السادة علماء ومهندسي العراق في تنشيط وتطوير البحث العلمي في أقطارنا العربية، ولم لا تطوير صناعتنا العسكرية؟ لكنه العمى العربي، فلقد تركوهم لضباع إيران الصفوية والصهاينة لتفترسهم وتطاردهم في كل ربوع العراق. هذه مأساتنا. الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين يحترق هو الآخر كالشمعة من أجل العراق، ومقالاته تملأ مواقع المقاومة الوطنية العراقية ومنتدياتها، وله صفحة على الفيسبوك طالما زرتها واستفدت منها الكثير، وأنا حريص على قراءة مقالاته ما استطعت إلى ذلك سبيلا. إنتاجه غزير وبلغة واضحة، وكأنه إعلامي متخرج من كلية الإعلام والصحافة، وليس رجل علم وحسابات دقيقة وتقانة. والقائمة تطول. أعتذر لرجال البعث ونسائه الكثيرين الذين يشهرون القلم في وجه العدوالصهيوأمريكي والصفوي بكل شجاعة ولم أتطرق إليهم. إنهم جميعا مثال للمناضلين الأشداء. هؤلاء هم البعثيون حقا، ولو كان غيرهم في مكانهم لكانت لهم مواقف أخرى، ولتعجبنا من تناقضهم الصارخ فيما بين أقوالهم وشعاراتهم وأفعالهم، والمثال الأقرب هو حركة الإخوان المسلمين في العراق وفي ليبيا، فهي ضد الغرب ومع الغرب في آن واحد، وضد الأنظمة ومع الأنظمة، أدبياتها وشعاراتها إسلامية المظهر تنتهي أحيانا بتكفير المؤمنين الصادقين، لكنها تمارس الكفر البواح بموالاتها العدو الكافر في العراق وليبيا. وبعض من عناصرها شم رائحة الكرسي كما حدث في تونس فراح "يزعبط" إلى مؤسسات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية لعل عتاة الصهاينة والمتصهينين يرضون عنه.
البعثيون وحدهم فضلوا الموت وتحمل فنون التعذيب، والتشرد والجوع والقهر والحرمان من لقمة العيش وفقدان الملجأ والدار على أن يعترفوا بالكيان الصهيوني أو يستجدوه، ويكفيهم شرفا أن مبدأهم، استرجاع فلسطين كاملة من النهر إلى البحر... مع البعثي ليس هناك سوق للمتاجرة بالمبادئ. المبادئ ما وجدت إلا لنقبل التضحية من أجلها، ففي أيهما أثق؟ هل في حركة الإخوان المسلمين أم في البعث؟ من الحماقة أن أتبع الخونة والعملاء كما في العراق وليبيا، وأصدق التلاعب والمتاجرة بالمبادئ على حساب مستقبل الأمة ودينها وقيمها. إذا كانت حركة الإخوان تعتقد أنها قادرة على الضحك على دهاقنة الغرب فتوصلهم إلى مورد الماء الغزير وترجعهم إلى حيث كانوا بخفي حنين يتضورون جوعا وعطشا، فإنها مخطئة، الغرب ماهر في عمليات الحساب..فحتى البعوض والذباب أحصى معدل حركات أجنحتها في الثانية، ولا تنفع معه إلا البندقية والثبات على المبادئ حتى النهاية.
البعثيون كما ترى وتسمع وتلمس أصحاب مبادئ سامية وبندقية. ولولا ذلك ما كنا نتكلم عنهم الآن. أقول هذا وأنا المستقل، ولو كان للإخوان المسلمين نفس الموقف لكنت معهم ولوقفت بجانبهم ولناضلت من أجل حركتهم.

أخي الأكريم وابن الكنانة العزيز، لا يهمني اكتساح بعض الحركات الشارع العربي ووصولها إلى السلطة ولو من خلال الصندوق أو تحت عباءة ما سموه الربيع العربي، فمهما فعلت فإنها لن تكبر باستمرار في عيني، الحركة أو الحزب الوحيد الذي يكبر في عيني باستمرار هو بلا منازع البعث ومعه جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني. وهذا ليس موقفا عاطفيا مجانيا،ولكنه إدراك مني لأهمية هذه الحركة العربية التاريخية المباركة، وأسألكم، هل هناك حركة أو حزب في وطننا العربي، بل وفي العالم واجه من التحديات ما واجهه البعث؟
لقد قلتم في رسالتكم كلاما غير معقول ويتناقض مع أقوال وأفعال البعث مثل قولكم: " رأيت البعض يقول إن البعثيين كيان منغلق لا يرحب بالحوار مع غيرهم سواء فى شان العراق او غير شانه..". لا أفهم كيف يكون البعث منغلقا وهو المتفتح على كل التيارات الفكرية والسياسية العربية والعالمية؟ لقد بح صوت قيادة البعث من الدعوة إلى تشكيل جبهة قومية واسعة عريضة للدفاع عن مصالح ووجود أمتنا وشعبنا العربي، ولحد الآن لم أسمع عن استجابة لهذه الدعوة الكريمة، التي تعبر عن إدراك عميق للتحديات والتهديدات الخطيرة المستهدفة لكياننا كأمة عريقة لها تاريخ وأمجاد وحضارات وثروات طائلة. وكم مرة دعا شيخ المجاهدين السيد عزة إبراهيم الدوري القائد الأعلى للجهاد والتحرير والخلاص الوطني لتكوين جبهة قومية تتكون من كل التيارات والحساسيات؟ وداخليا شكل البعث وإخوانه الوطنيون والقوميون والإسلاميون جبهة قوية نعلق عليها – نحن العرب – من العراقيين والعرب آمالا واسعة وعريضة. وتشكل هذا الجسد المجاهد لم يأت من أناس منغلقين متعصبين، بل جاء نتيجة حوار أخوي جاد وفي غاية المرونة والتفتح وتفهم وجهة نظر الآخر، وكانت الثمرة الطيبة هو النجاح المتميز في توسيع قاعدة الجبهة باستمرار، والدليل هو الرسالتان الصوتيان الاستراتيجيتان اللتان وجههما شيخ المجاهدين: عزة إبراهيم الدوري إلى العراقيين والعرب والعالم أثناء لقائه مع أبطال أمتنا جنوب العراق. وهؤلاء الأبطال هم أبناء البعث البررة الكبار الذين تحدوا الطائفية والمذهبية والمناطقية والعرقية، ومعهم أبطال آخرون في الجيش والأمن والوطنين، وقد يوجد بينهم آخرون من خيرة أبناء العراق ورجالاته لا نعلمهم.. الجبهات الغنية مثل جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني – يا أخي وابن أرض الكنانة- لا تتشكل من منغلقين ومتعصبين، بل من رجال ونساء وطنيين مؤمنين، ومتفتحين على الآخر. وإذا كنت تنظر إلى أن البعثي العراقي في الخارج غير البعثي في الداخل، فلا أظن أن هذه من خصائص البعثيين، لما يتميزون به من ثبات على المبادئ وإخلاص ووفاء واستعداد للتضحية. قد يكون هناك متساقطون، وهذا طبيعي في كل الحركات والأحزاب، والمتساقط من حزب أو حركة لا يعتبر منتميا إليها بعد خروجه منها أو تساقطه منها. نحن نتكلم عن بعثيين، لا أشخاصا آخرين. أفرضوا- أخي- أنه جاءت جماعة وسمت نفسها زورا وبهتانا البعث أو ادعت أنها تمثل أحد أجنحة البعث، فهل نصدقها؟ وما هو معيار التصديق؟ الأمر في غاية السهولة والوضوح بالنسبة للبعثيين داخل الحزب لأن لديهم نظاما داخليا يحتكمون إليه عند الضرورة، وأما بالنسبة لنا نحن، فهناك معايير نحكم على أساسها، ومنها هل هناك أنسجام وتناغم فيما بين أدبيات ومبادئ الحزب من جهة وممارسات وسلوكات مناضليه أو من يدعون أنهم مناضلوه أو يمثلون جناحا منه وخاصة في الأمور المصيرية؟ البعثي يؤمن بالجهاد لتحرير الأرض، وهو كذلك في العراق، فإذا جاءت جماعة وادعت أنها البعث أو جناحا منه، ثم ضربت عرض الحائط بمبادئ الحزب، وانصرفت عن الجهاد لتحرير الأرض وراحت تراوغ وتساوم وتبتز وتتآمر، فلا علاقة لها بالبعث، وأخشى أن من سميتهم بعثيين من هذا الصنف، فحربنا في العراق كونية وكل الأسلحة مباحة بما فيها أسلحة في غاية السرية يخوضها رجال مدربون، ولديهم المال الوفير لاستدراج الحمقى من أبناء جلدتنا إلى مستنقع الخيانة والعمالة. لقد سمعت أن بريطانيا الامبريالية المعادية للشيوعية صنعت حزبا شيوعيا في إحدى الدول لضرب نظامها الوطني، وإذا رأت أمريكا أو ربيبتها بريطانيا أن تصنع زمرة من الخونة وأن تسميهم جناحا لحزب البعث في العراق، فما المانع؟ كل شيئ مباح.. لا أحد يمنعهما. وقد يبالغون في تمجيد الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين، لكنهم في نفس الوقت يختلقون الفتن ويزرعون الشكوك في النفوس، وقد يزعمون أنهم من الجنوب وأنهم ضد الطائفية، أو أنهم من الشمال وأنهم كذا وكذا، أو أنهم يفضلون الحوار ويدعون إلى انفتاح الحزب على الأحزاب والتيارات الوطنية والقومية والإسلامية. وهناك أمور كثيرة ورهيبة لا تخرج إلى العلن. الألاعيب كثيرة ومحبوكة بمهارة، ألم ينشروا شريطا نسبوه لجيش رجال الطريقة النقشبندية؟ ألم ينشروا مجلة زعموا أنها لجيش رجال الطريقة النقشبندية؟ ألم يستحدثوا ما سموه إذاعة تكريت للتغني بأمجاد العراق الوطني قبل الاحتلال ثم فجأة ينقلب كل شيئ ونكتشف أنها امريكية وتابعة للمخابرات الأمريكية. وصدقني فإني أصبحت أتجنب مشاهدة الكثير من الفضائيات التي تدعي أنها عراقية، فإذاعة تكريت الأمريكية فرخت فضائيات وأمورا أخرى لا نعلمها...الله يعلمها.

أخي في العروبة، تمهل رويدا، ولا تتسرع، فأنا تحمست لما حدث في مصر، واستبشرت خيرا، وتعلقت عيناي لساعات طويلة وأياما بالفضائيات، بل وشهورا بما يجري بأرض الكنانة وكتبت عن ذلك في شبكة البصرة المجاهدة، وعبرت عن ابتهاجي لسقوط نظام كامب دفيد العميل، الذي أدمى قلوبنا بانبطاحه وعمالته لبني صهيون وأمريكا. ولم أهتم كثيرا بما جرى في تونس رغم أن الانطلاقة كانت منها وهي القريبة من الجزائر مسقط رأسي ورأس أجدادي منذ قرون بعد سقوط غرناطة في الأندلس حيث موطن أجدادي الأوئل من عرب الأندلس.
لقد شعرت بعنف بالخناجرالكثيرة والدامية التي غرسها نظام مبارك في ظهورنا وقلوبنا في العراق منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، فأنا عربي كما ترى، وأرفض ملوك الطوائف وجمهورياتها، - لقد أكل – مع الأسف-الصدأ مفاتيح بيوتنا في غرناطة بعد قرون من تمزق أرض أجدادي من أجل الكرسي والأطماع الذاتية. الوطن العربي جسد واحد، ما يؤذي العراقي أو المصري أو أي عربي آخر أشعربه وأتألم له، وكذلك ما أصاب العراقيين من دمار منذ العدوان التوسعي الإيراني والعدوان الثلاثيني شعرت به بقوة وتألمت له، لأنهم أهلي وقومي، وكانت خناجر نظام مبارك جد مؤلمة لنا في الوطن العربي. لهذا ابتهجت لثورة أشقائنا المصريين، وتغنيت بصمودهم وشجاعتهم، لكن الذي كان يرهبني هو الترويج الإعلامي المبالغ فيه للدكتور محمد البرادعي والتصفيق له وتسليط الأضواء عليه، وهو الشخصية التي كان لها نصيب لا بأس به في إيذائنا في العراق فله ولعمرو موسى الجامعة العربية ما يكفي من الخناجر والطعنات الحادة التي شقت قلوبنا وقلوب أطفالنا الطرية في العراق الجريح. وبالمناسبة، كان يزعجني قول الدكتورالبرادعي أنه تلقى رسالة من السفير الألماني يوم كذا وأنه اتصل بالمسؤول الغربي الفلاني، وكثرت، حسب زعمه، اتصالاته بكبار المسؤولين الغربيين وكأنه أصبح بين عشية وضحاها وبلا مقدمات رئيس جمهورية مصر العربية. إن تاريخ الدكتور البرادعي في العراق مؤذ لنا وكريه وشديد السواد، فما بالكم بتصريحاته الكثيرة المفضوحة، أثناء ما جرى في ارض الكنانة... ألم ينزل إلى الشارع وإلى ساحة التحرير في القاهرة تحت الأضواء الدافئة لقناتي الجزيرة والعربية؟ وله أنصار وأتباع كانوا يعتصمون بالميدان. الصهيوني برنار هنري ليفي، غيفارا الربيع العربي كان حاضرا في ساحة التحرير واستقبله قياديون من جماعة الإخوان المسلمين.... وهناك أمور وأمور...هؤلاء جميعا لصوص ركبوا الموجة لعلهم يعتلون رقاب أشقائنا في مصر ويمدون من عمرالانحطاط والتخلف الذي تعيشه أمتنا. الخونة والعملاء في كل مكان...
لا أخجل من تسمية العميل عميلا...حتى ولو كان أخي أو تربطني به علاقة ما، فإن لم يكن ما فعله الدكتور محمد البرادعي خيانة وعمالة، فقولوا لي بربكم: ما هي الخيانة والعمالة؟ إن لم يكن المالكي وأخواه البرادعي وعمرو موسى خونة، فمن يكونون إذن؟ هل هم ثوار ووطنيون مخلصون؟
ثم ماذا تقصدون- حفظكم الله- بقولكم أن "بعض العرب يتمسحون في ثورة مصر"؟ تمنيت لو حددتم هؤلاء العرب، فهل لمصر أموال طائلة يمكن أن ينالوا حظهم منها أم هناك أشياء أخرى؟ فإذا كنتم تقصدون عملاء مأمورين لأداء دورهم الخياني المرسوم أمريكيا وصهيونيا فأنا أتفق معكم وأشاطركم الرأي، أما إذا كنتم تقصدون الجسد العربي الذي يصاب بالسهر والحمى عندما يتأذى أحد أعضائه، فهنا المشكل، لأن العربي في المغرب أو في الخليج العربيين مثلا، عندما يقف مع أهله في أرض الكنانة لا يريد مقابلا ولا جزاء ولا شكورا، إنه فعل غريزي تلقائي فحسب. وعن الثورة، فإني تعلمت درسا لن أنساه، وهو أن الثورة في وطننا العربي، يجب أن تكون تغييرا جذريا في ذهنياتنا وحياتنا. وهذا ما كنت أطمح إليه بعد ما حدث في تونس ومصر، فقلت لعلها تنطلق وتخرجنا من عصر التجزئة وذهان القطرية القاتل، وتعيد لنا عزتنا وأمجادنا وكرامتنا المهدورة. ولقد تعلمت من أساتذتنا في مصر، أن لا مستقبل لنا في ظل التجزئة، لأنه علميا ومن الناحية الاقتصادية لا يمكن أن نحدث ثورة اقتصادية وعلمية واجتماعية ما لم نوحد وطننا العربي في إمبراطورية مترامية الأطراف، وقد يقول قائل لماذا دولة مثل سويسرا متطورة وهي صغيرة في مساحتها وقليلة في عدد سكانها؟ والجواب في غاية البساطة، وهو أن سويسرا أو أي دولة أروبية غربية تنعم بمحيط حضاري متقدم تقوده إمبراطورية قوية وإمبراطوريات أخرى أقل شأنا... أما وطننا فقصاصات ورق، ودول ضعيفة لا حول ولا قوة لها، كل منها تنفخ نفسها وتنفش ريشها وتظن أنها كذا وكذا....وترغب في لعب دور الإمبراطورية الأعظم بما فيها قطر والكويت.
يجب أن لا نفعل مثل النعامة فنغرس رؤوسنا في رمالنا، مهما تكن النوايا فإن الغنوشي مثلا في تونس، ومهما فعل لن يغير في واقع تونس شيئا نحو الأحسن، إن لم يكن التغيير نحو الأسوأ.. ثم الأسوأ. المشكل أكبربكثير من الثورات القطرية، ومن طموحات الأحزاب المحلية التي تتعثر في تخلفها وانحطاطها وانحطاط ذهنية مناضليها التي تعيش في العصرالحجري. إن من يتابع ما يجري من تطور علمي رهيب في علوم الوراثة وعلوم وتقانة النانو بتخصصاتها المتنوعة وعلوم الأعصاب والإعلام الآلي يخشى على وجودنا، فإنسان المستقبل قد يختلف جذريا عنا في الوقت الراهن، وقدراته العقلية قد تكون خارقة وأقرب إلى عالم شمهورش الطيار والجن كما نتخيله في أذهاننا أمام المدفأة في ليالي الشتاء الباردة، قد تنبت ناطحات السحب نباتا وترتفع من غير عمد وإذا شئنا ننهيها في لحظة، وتعج البيوت بالإنسان الآلي القادر على التفكير وحل المشاكل تماما مثلما يفعل الإنسان. فهل يسمح لنا الأقوياء بأن نكون في مستواهم؟ قد ينظرون إلينا كما لو كنا حيوانات بائسة في محميات خاصة يتسلون بنا في أوقات فراغهم ويقدمون لنا الأغذية من خلف السياج. أنبه..ثم أنبه.. أن العلم قطع أشواطا إلى الأمام والممكن مفاجئ لنا، ويدعم هذا التقدم العلمي والتقني الرهيب الاقتصاديات القوية التي تصنعها الامبراطوريات العظمى وحدها، لا النرجسية والذهان القطريان والعنتريات" البايخة".
إن الثورات القطرية في وطننا العربي، سموها ربيعا أو خريفا أوجحيما، ومهما كانت قوتها وإخلاص أصحابها، لن توفر العمل والخبز والمسكن ولا الأمن للشباب الصاعد. إن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تقدمه هو اليأس وإضاعة الوقت. نعم كنا نطمع في أن تكون الثورة عامة وشاملة، تغير ذهنياتنا وتخرجنا من قمقم القطرية والهبل القطري إلى عالم القوة والرفاه والسعادة والعزة والكرامة... عالم الأمة الواحدة الموحدة ذات التاريخ المجيد، لا فرق فيها بين هذا وذاك إلا بالعمل الصالح. إن الطريق إلى جهنم يمر عبر القطرية.... القطرية هي الشيطان الرجيم بعينه. إن ثورة مصر لا شيء، وغيرها لا شيء، ما لم تتحول إلى حالة ثورية عامة تعم وطننا العربي كله وتمسح الحدود مرة واحدة، وأذكركم أخي بأن الجزائر أكبر دولة في إفريقيا مساحة بعد أن تم تقسيم سوداننا الممزق الأوصال، وثروات الجزائر أكبر وثورتها المباركة معروفة وطقسها متنوع وأرضها في غاية الروعة والجمال، وفيها كل ما يغريني بأن أكون قطريا متزمتا، مهووسا بقطريتي، وكذلك العراقي لديه من الثروات الطائلة والتاريخ المشرق وفيه كل ما يغري بالهوس القطري، ورغم ذلك وإدراكا للواقع المعيش وللتحديات الكبرى، نقدر ومتيقنون بأن الجزائر أوالعراق أو أي جزء من وطني العربي الجريح والمطعون في كرامته، لن تقوم له قائمة ما لم نتوحد في إمبراطورية واحدة موحدة قوية مهابة الجانب بتاريخها وعلمها وتقانتها وعدالتها الاجتماعية بين أبنائها بلا تمييز ولا عرقية ولا مناطقية. ليطمئن الشباب العربي الثائربأن الحل لمشاكله كلها بما فيها كرامته المهدورة لا تأتي به إلا الامبراطورية العربية الواحدة.الموحدة. هذه هي الحقيقة، وهذا ما يقوله العلم، فأين الربيع العربي كما يسمى من هذا الهدف السامي؟ هل تشكل مجلس ثوري عربي واحد من بحر الظلمات غربا وإلى حدود بلاد فارس شرق أحوازنا المغتصبة؟ لحد الساعة لا أرى ولا أشاهد إلا نرجسيات وذهانا قطريا لا يقدم و لا يؤخر..إني لا أسمع إلا... نحن كذا...ونحن كيت، ونحن شعب الله المختار.. وفوق العالمين، وكأننا في انتظار من يخر إلينا ساجدا من دون العزيز الحكيم.... وكأن العالم لن يتنفس أكسجينا بدوننا... وهناك من إخواننا من يدعي القومية لكنها قومية قطرية، إذا جاز الجمع بين المتناقضات، وهذا واقع في وطني العربي الجريح، فمنهم من يقول عن نفسه أنه عروبي وقومي حتى النخاع، لكنه يشعر ويقول ما ينم عن اعتقاده بأن أبناء قطره أفضل من غيرهم لمجرد مكان الازدياد. وأسألكم أيهما أفضل ولأيهما الحق في الاعتزاز بأمجاد العراق، الموريطاني الذي قطع الفيافي ليطلب الشهادة في بغداد دفاعا عنها أم الجلبي والمالكي الخائنين اللذين أستحلا دماء العراقيين؟ شتان بين الثرا والثريا، فالموريطاني الذي فضل الشهادة من أجل عاصمته التاريخية ينتمي إلى الجسد العربي والوريث الشرعي لأمجاد الأمة كإخوانه المجاهدين العراقيين الأبطال، بينما الجلبي والمالكي ومن هم على شاكلتهما من الخونة أعداء العراق والأمة ولا علاقة لهم بتاريخ وأمجاد العراق والأمة.

أخي الكريم، وشقيقي المبجل، أرجو أن تلتمس لأخيك ألف عذر، وخاصة لمن هم في ظروف البعثيين، وأتمنى أن لا نقع فيما يسميه عالم النفس السويسري الشهير جان بياجيه بالتمركز حول الذات لدى الأطفال قبل سن السادسة أو السابعة من العمر، وهو غير الأنانية؛ فلا يستطيع الطفل تصور نفسه مكان الآخر، وكذلك نحن الآمنون قد لا نستطيع تصور أنفسنا مكان البعثيين، ولو كنا مكانهم لتغيرت وجهة نظرنا، ولربما كنا سيئين للغاية حتى لا أقول كلاما آخر. إن الحرب على البعثيين شاملة، استهدفت كل شيء، بيوتهم التي تأويهم وأرزاقهم وأرواحهم وأرواح ذويهم وذاقوا ما ذاقوا من ويلات السجون، المثاقب التي سمعت بها طالت البعثيين قبل غيرهم، وكذلك الجثث الطاهرة الملقية في شوارع بغداد ومدن العراق من شماله وإلى جنوبه فيها الكثير من جثثهم. قد يقول قائل بأن الاقتتال كان طائفيا، لكن قوائم الشهداء في الجنوب كثيرة، ولا أعتقد أنها استثنت البعثيين ومست غيرهم، ما كان يمر يوم إلا ونسمع باستشهاد بعثيين معروفين في الناصرية وكربلاء ومدن جنوبية أخرى، ثم هلا تذكرتم تهديد البعثيين وعوائلهم بالتهجير إلى الصحراء من كربلاء و مناطق أخرى جنوبية. لقد هددوا والفاهم يفهم...لماذا؟ ألم يقلها نجاد بأنه سوف يملأ الفراغ في العراق بعد رحيل الأمريكان؟ ويبدو أنهم ملأوا الفراغ في البصرة بصور الخميني وخامني وبالحرس الثوري الإيراني، وأين تقيم عساكر السادة الكرام في طهران؟ والجواب في بيوت العراقيين المستباحة. وبالأخص في بيوت من ثبت أنهم بعثيون. لقد كانت الحرب رهيبة على البعثيين في العراق وفي غير العراق، ولأننا،أنتم وأنا بعيدون عنها، فلا نقدرها التقدير الصحيح. وكما ذكرت الحرب رهيبة وشاملة فيها الخشن وفيها الناعم وفيها فنون الإغراء وحتى حرب الغواني والجنس والمال والخداع والتضليل والضغوط والتهديدات ومحاولة الاختراق والوصول إلى شبكات المقاومة الوطنية العراقية، وقد يأتي من يزعم بأنه مع المقاومة وينوي دعمها، ويقدم لها آلاف الدولارات بالفعل، ولكن إلى حين. وهناك من يدعم فصائل بعينها بشروط معينة ليزرع الفتنة بين المقاومين ويحرمهم من توحيد صفوفهم. إن الحرب ليست في استعمال الدبابة والطائرة فقط وغيرها من أسلحة الدمارالظاهر، بل فيها ما هو سري للغاية وخطير. وقد تظهر لنا الحرب في شكل رسالة بريئة موجهة إلى أحد قادة المقاومة الوطنية العراقية، وكثير هي فنون المكر والخداع للإيقاع بالبعثيين وسواهم ممن لهم علاقة بالمقاومة. لا أتهم أحدا، ولكن للبعثيين توجيهات صارمة يلتزمون بها، وإذا لم يتصرفوا معنا حسب أهوائنا ورغباتنا وأمزجتنا فينبغي أن نتفهمهم ولا نندفع فنتهمهم بما ليس فيهم.
أما قولكم أنهم :" يريدون منا أن نكون بعثيين أولا يحق لنا أن ندافع عن العراق...ّ" فعمر تجربتي طويل، إذ شاركت في النشاطات الداعمة للعراق منذ مطلع التسعينات، وكان لي شرف الاحتكاك بالإخوة العراقيين بعثيين وغير بعثيين، ولم أجد فيهم – ومعذرة- ما تصفه بهم، وشاركت بجهدي المتواضع على الأنترنات من خلال شبكة البصرة المجاهدة بعد أشهر من انطلاق المقاومة الوطنية العراقية، ولم أجد من إخواني البعثيين سوى التشجيع، ولم ألمس فيهم من يريد أن يفرض علي لأكون بعثيا حتى أدعم المقاومة الوطنية العراقية، وأشعر بتواصل روحي فريد معهم، بل وبنوع خاص ومتميز من القرابة العائلية، وأكاد أرى وأسمع نبضات القلوب في الصدور... تلك القلوب المؤمنة الثائرة والعامرة بالمحبة والإخلاص والوفاء. هذا هو البعث العظيم الذي أعرفه وهؤلاء هم البعثيون، فمن أين جاءت هذه الأوصاف الشاذة والغريبة؟ يمكن أن تنطبق على رهوط الإخوان المسلمين والدعوة وجماعة الصدر في العراق، ولكنها أبدا....ثم أبدا لا تنطبق على البعثيين، إنهم أشرف وأنبل وأسمى بكثير. ومعذرة، فمكانتهم العالية تزداد علوا عندي باستمرار، وهذا ليس موقفا عاطفيا استلهمته من أشعار مظفر النواب، أو من مواعظ القرضاوي المتشنجة في قناة الجزيرة الصهيوأمريكية الهوى. إنه والحمد لله حصيلة تتبع ودراسة متأنية ورصد طوال سنوات لأفعال البعث ومواقفه الشجاعة، ووصلت إلى قناعة ربما تكون مفاجئة لكم أخي.
بأنه- أي البعث- الحركة العربية الوحيدة الفكرية والعقائدية التي فهمت الواقع الحضاري والتاريخي العربي وأعدت مشروعا فكريا استراتيجيا واقعيا متكاملا لتوحيد شعبنا وأمتنا في إمبراطورية عزيزة مهابة الجانب، وبأنه الحزب الوحيد الذي دافع عن الإسلام بشراسة وقدم مائات آلاف الشهداء في تصديه للمجوسية الفارسية المتبرقعة بعباءة المذهبية الزائفة. وهنا أكاد أجزم أنه الحركة الإسلامية الوحيدة في وطننا العربي، إذا كان القصد بكلمة " الإسلامي" الدفاع الحقيقي عن الإسلام في ساحات الوغى وفي المخابر وورشات التصنيع العسكري، والتمسك بحقنا التاريخي بفلسطين والقدس الشريف، وفوق ذلك الثبات على المبادئ والصدق والوفاء والاستقامة، والتقدم نحو المشانق بخطى ثابتة ومتزنة راضين بما قدر الله لهم.
دعك من الشعارات الفضفاضة والتطبيل والتزمير الفضائي المستحدثين ولغة الترويج والتهريج، فمصيرنا مهدد، ووجود نا كتاريخ وأمة مهدد، بل وجودنا الجسدي في خطر، ومن قال أنه لن يأتي يوم يكون فيه مصيرنا كمصير الهنود الحمر في أمريكا الشمالية أو أسوأ؟ هناك كثيرون في العالم من هم على شاكلة السيدة "أولبرايت" المسؤولة سابقا في الحكومة الأمريكية أو من هم أقذر منها بدرجات. إن موت ملايين الأطفال في العراق بالنسبة لها لا شيء... مجرد أرقام لأنهم ليسوا صهاينة ولا غربيين... لقد استحلت الصهيونية المجرمة- وهي المرأة التي يفترض فيها الحنان والمحبة - دماء فلذات أكبادنا التي تمشي على الأرض، فماذا نحن فاعلون؟ أقول هذا لأنه في مثل ظروفنا كأمة وشعب لا تنفع إلا لغة البعث الواقعية المستندة إلى العلم والمعرفة العلمية والقائمة على النظرة الاستراتيجية الثاقبة ثم الإخلاص والوفاء والصدق والأمانة والإستقامة. الصناديق والديمقراطية وحرية التعبير....وغيرها مجرد ألفاظ في وطننا العربية وكثير من الحركات الهلامية تركبها لتفرض سيطرتها على الرقاب فتستعبدني وتستعبدك وتحرمك من الحرية الفردية البسيطة التي كنت تتمتع بها في ظل حكم الأنظمة المستبدة، وقد تتدخل في أبسط أمورك الشخصية لو أتيحت لها الفرصة. ويا حبذا لو كان لها مشروع حضاري مستقبلي واضح المعالم،... فنحن نقبل كل شيئ من أجل توحيد أمتنا وشعبنا ولو غيبنا في غياهب السجون أو قتلنا شر قتلة. مصير أمتنا فوق وجود نا كأفراد زائلين.
إن ما يهمني حاليا ليس ما يسمى بالربيع العربي ولا كل فصول السنة، وإنما زوال الفصل الأخير من مأساتنا التي استمرت قرونا ثقيلة ومضنية منذ سقوط غرناطة موطن أجدادي العرب الأوائل، إن انحطاط الأمة وتمزقها قاس ومؤلم جدا، ويحفر في أفئدتنا جروحا وأخاديد عميقة من هول ما مررنا ونمر به. دموع أحفاد أبوعبد الله بن الأحمر كأبيهم آخر ملوك الطوائف في غرناطة لم تجف بعد، ولن يمسح الدموع الجارية على الخدود إلا وحدة أمتنا وشعبنا في أمبراطورية مترامية الأطراف. فهلا فهمتني أخي ابن الكنانة العزيزة.....البعث واضح، غاياته وأهدافه واضحة. الدولة التي يعمل من أجلها واضحة الحدود والمعالم، فهو حركة عربية قومية، هدفها الأول الحفاظ على الوجود العربي والهوية العربية...هويتي وهويتكم...وجودي وو جودكم... كرامتي وكرامتكم. إنه حزب إيمان ومحبة وتدين، وليس إلحاد وتهتك. أدبياته تصرح بهذا...ثم أفعاله وما أكثرها. ومن أغرب الأمور أن هناك من يدعي الدفاع عن الإسلام وهو يعمل على قبره بأفكاره الهدامة. لكن البعث وبوعيه التاريخي وتمسكه بقيم أمته الخالدة، يعمل على توحيد أمتنا وشعبنا العربي لنكون أقوياء أعزاء، وفي ذلك حفاظ على أهم قاعدة انطلق وينطلق منها الإسلام الرسالي إلى العالم أجمع، وأقصد بها اللغة والثقافة العربيتين. لو تهاونا أو أضعنا وقتنا في الجري وراء الحركات الهلامية لفلتت منا فرصة ثمينة، كان يجب أن نستثمرها في تحقيق أهدافنا ومنها توحيد الأمة وتحقيق نهضة علمية وتكنلوجية عملاقة.
تخيل أننا تمسكنا بالذهان القطري، وضللنا نجرجر سراويلنا المهلهلة أو أنصاف السراويل خلف أمثال الدكتور محمد البرادعي والمالكي ومقتدى الصدر وكبار الدجالين وأبا جهل والحركات الهلامية المضللة، والعالم يتطور ويصنع الأشياء في مستوى النانو، أي يتعامل مع الأشياء عند الواحد على المليارمن المتر، ويذهب بعيدا في استغلال خصائص ما هو أدق وألطف من البروتونات والنيوترونات. ويجعل الأشياء تنتقل لحظيا من مكان إلى مكان teleportation على نحو أسرع من جن سيدنا سليمان عليه السلام. إنها الحقيقة وليس خيالا علميا. والسؤال: ما مصيرنا ومصير لغة الإسلام وثقافة الإسلام التي تجعلنا نشعر عند قراءة آيات الذكر الحكيم انها نزلت ساخنة توا من السماوات العلى؟ البعث يا أخي يجاهد وقد م التضحيات الجسام دفاعا عن لغة الإسلام وثقافة الإسلام باستماته من أجل أمته العربية وقيمها الخالدة وثقافتها ومستقبلها، إن ذلك البعثي العراقي الذي تصادفه مشردا هائما على وجهه في شوارع القاهرة، فضل أن يكون الضحية على أن يقبل الذل والهوان. كان من الممكن له لولا المبادئ أن يبني القصور في جزر الكراييب وينعم بحياته هادئا منعما إلى أن يأتيه هادم اللذات ومفرق الجماعات، وإن شاء يزوج قططه وكلابه ويصرف على أعراسها الأموال الطائلة كما فعل بعض أبناء جلدتنا في الخليج العربي.
البعثيون- يا شقيقي المبجل- تحملوا ما لم تتحمله الجبال من الأهوال، وهم صامدون موحدون في جسد واحد، ومقاومتهم ومقاومة شركائهم الحضاريين الرائعين في جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني تزهو وتكتسح ما لم تصل إليه من ساحات، كل شيء بحساب، لأن من يتصدى لأعظم وأشرس إمبراطورية في التاريخ ويمرغ أنفها في الوحل في بلاد منبسطة ويصنع سلاحه بيده ويطوره باستمرار حسب الحاجة والظروف والإمكانيات، لا بد وأن يكون دقيقا في حساباته، ماهرا في توظيف عبقريته.
البعث موحد كالجسد الواحد وأقوى أكثر من أي وقت مضى، فدعك من أسطورة الأجنحة، والمناورات هنا وهناك، ومقالة هنا وهناك على النت، والأقاويل الفارغة التي تدسها المخابرات الغربية ومخابرات إيران ودول الجوار في وسائل الإعلام العربية البائسة.
أخي العزيز وشقيقي المبجل، البعث لا يريد الجدل العقيم ولا الاشتباك اللفظي مع الآخرين، ولا إضاعة الوقت فيما لا يعود بالنفع على الأمة، وكثيرا ما امتلأت الصحف والفضائيات وصفحات النت بما يستفز البعثيين، لكنهم إلتزموا رباطة الجأش والتحكم في الأعصاب، واقتداء بالبعث والبعثيين فإنني دخلت معكم في حوار أخوي صادق، لعل الله يهدينا لما فيه الخير لأمتنا، فتحياتي إليكم وإلى أبناء أرض الكنانة المباركة صغيرهم وكبيرهم، وعاشت مقاومتنا العربية في العراق وفلسطين والأحواز وفي كل شبر من أرضنا المغتصبة، وعاش وطننا العربي محررا موحدا. وأختمها بتحياتي الخاصة وسلامي الحار لكل البعثيين في أمتنا العربية المجيدة. والسلام.
المواطن العربي: محمد زيدان

شبكة البصرة

الخميس 3 ربيع الاول 1433 / 26 كانون الثاني 2012