مرحبا بك يا أخ زياد .
أكثر من زميل هنا يتوهم معارك دونكيشوتية أحيانا مع بهجت الشرير .
و لكن مشكلة بهجت ليست مع أحدهم .. بل هي معي .. غريبة و مثيرة .
بهجت يا صديقي إنسان حملته معي فحيرني و أرهقني .
في طبيعتي الجينية حملت بذور الموظف المصري .. يحيا حياة خاملة و يتزوج سيدة بدينة تنكد عليه حياته ، و ينجب بعض الأبناء استجابة لهرمونات قهرية و يموت في هدوء ، يفعل كل ذلك كنموذج تجريبي تكرره الحياة كثيرا في بلادنا الجنوبية حتى تأتي بطفرة ما في بلاد الشمال البعيدة .
خلال تلك الحياة الخاملة التعسة و لكن محدودة المخاطر يأتي الموظف المصري التاريخي إلى نادي الفكر العربي ، حيث يدعي قدرات عالية و عبقرية فذة و نصاعة لغوية فائقة ( مثل المسحوقات التنظيفية ) ، فيبادله إخوانه العرب الخاملون أيضا المجاملة و يشيد كل منهم بعبقرية الاخر ، ثم يمضون إلى المقهى في هدوء و ينفض السامر ، و عندما يتذكره أحد من زملائه الخاملين سائلا عن " فلان " العبقري ، يجيبه خامل آخر " تزوج و قعد في البيت .. هاها " و يستخدم بعض الوجوه التعبيرية لأنه لا يستطيع أن ينشأ جملة كاملة بشكل سليم .
هذه هي الحياة التي كان يجب أن تقرأها الطبيعة في شفرتي الوراثية - مع بعض الأخلاق البيروقراطية المعدلة فرعونيا - و هنا بدأت المشكلة . بدأت مع ضابط اسمه جمال عبد الناصر ، هذا الرجل قاد جيلي إلى مشروعات قومية و بساتين الإشتراكية و جان بول سارتر و سلامه موسى و كارل ماركس ، ثم مضى مخلفا لنا هزيمة و كتب التسابيح و سندوتشات الفول و الطعمية و الحاج أنور السادات .
هناك من رحم ربه فظلت جيناته تعمل بهدوء منكرة العالم ،و هناك قلة نادرة تفاعل كل ذلك و القرنين 20و 21 و نزار قباني داخل روحه القلقة ، و هذا ما وجدته معي أنا البيروقراطي المصري التاريخي الموعود للتفاهة و الموت المريح .
كي تتعقد المعادلة لم يقدر لي أن أجلس على مكتبي التاريخي أبدا ، و هكذا يصبح البيروقراطي بلا مكتب فيفقد هويته الجينية ، و بالتالي يقوم بدور لم يكن مقدرا له هو أن يكون إنسانا و يصنع هويته هو بعيدا عن الأرباب . بينما كل أبناء عمومتي يصلون على النبي كل 10 دقائق كما يليق بمؤمن دلتاوي تاريخي ، وجدت نفسي محاربا كل شبابي ، في ميادين قتال حقيقية ، قروي مصري مقاتل .. كم تخطأ الطبيعة قراءة الشفرات الوراثية !. كان كل شيء يقودني إلى الإختباء في مكان ما حتى تنتهي المعارك ،و لكن شيء ما لا أدريه كان يدفعني دفعا كي أطل برأسي ثم أندفع كمقاتل قوقازي قديم ، أحمل بعض بقاياه الجينية ، و بدلا من أن أمتلك مصر كما يليق بالبيروقراطي المتعفن تركتها تمتلكني ككل غريب عنها . هذه اللعوب التي يدعرها أبناؤها تجعلنا نحن الغرباء جوابو الأفاق نعشقها ، فلا ندري هل هي من تعشقنا بكل تلك القوة و العنفوان أم خيال الوطن المفقود .
هكذا يا صديقي ظهر هذا الإنسان المقاتل في حياتي و امتلكني امتلاكا لا أجد لنفسي منه مهربا فهو طاغية حقيقي ، هذا الرجل ألهث خلفه منذ عشرات السنين ، فهو يقودني من جيش لآخر ،و من بلد لآخر ،و الأخطر من إمرأة لأخرى ، محطما آخر ما تبقى لدي من تعاليم الشيخ الحلواني ، فهو لا شيخ له ولا يستهدي سوى دواوين الأشعار و وتواريخ القتل القديمة . هذا الطاغية الذي لم أنجح ابدا في تدجينه ، قادني إلى النساء الغريبات في بلاد أكثر غربة ، و ما أخطر النساء الغريبات في البلاد الغريبة و ما أغناهن ، المرأة التي تشاركها كنوزها ستدفعك دفعا كي تشاركها تاريخها ، و آه من التواريخ المرتبكة المتقاطعة ، فالتاريخ هو أكبر محن الإنسان .هذا الرجل هو الذي كان يعيش اللحظة كثمن لمهنة الموت ، ثم يلقي إلى بتواريخ نسائه كي أتوه فيها و أتحير و أفكر كقرد هبط حديثا من شجرة الموز الإستوائية .
هذا الطاغية اعتصرني و امتصني كليمونة ثم ألقى بي إلى سلة المجتمع و مضى . هكذا وجدت نفسي في نادي الفكر ، مصري يحمل تاريخا فوضويا يليق بتتري أو مملوكي قديم . وفقا للسيناريو التقليدي يجب أن أكون كهلا متهالكا .. تافها ضحل الثقافة ، عيي لا أكاد أبين ثم أتملق إدارة النادي !. و لكني بكل ذلك الماضي الطويل الضارب في بقاع الأرض و التواريخ المهجورة دائما لا أقرأ السيناريو بل أقرأ الأشعار و أبكي مع أبله ديستويفسكي و أراقب الفتيات الصغيرات ، و تراودني أغرب النزوات ،و اخيرا أشرع بلا سبب في كتابة الأشعار . في نهاية اليوم ألقي بعشائي إلى القطة " كيكي " على سطح الجيران في كيس بلاستيك ، و أجلس لأفتح قلبي إلى شاعر سوري غريب كما لم أفعل سابقا على الملأ ، فهل المقاتل الجوال دائما يبحث عن شاعر يكتب مرثاه !. الآن أتحير أين أضع نقطة النهاية ..
هل تعتقد أن هذا الرجل سيجد رفقه ما مع أبناء البيروقراطية المصرية مهما حاول ؟.هم سيعيدون قرائته وفقا لقاموس جد صغير لأبجدية نادرة الحروف ،و بالتالي يضعونه في جملهم الفقيرة الطافية .. كذاب .. مريض نفسيا .. نرجسي .. نحن يا صديقي خارج النصوص القديمة . تلك هي مشكلتنا و مشكلتهم أيضا .