معاذ الخطيب: أنا أمثل التدين الدمشقي المنفتح...
الخميـس 1 محـرم 1434 هـ 15 نوفمبر 2012 م ...
الاناضول «السبيل »:
ابتسامة رقيقة لا تفارق وجهه .. صوت هادي يبعث على الطمأنينة .. شخصية واثقة من نفسها من الصعب استفزازها .. سمات تستطيع التقاطها في شخصية معاذ الخطيب رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية بمجرد الجلوس معه لبضع دقائق.
هذه السمات عندما توضع في سياق ما قاله من كلمات في مقابلة خاصة مع مراسل وكالة الأناضول للأنباء، تستطيع وبمنتهى السهولة معرفة: لماذا اختارته رموز المعارضة السورية بالإجماع ليكون رئيسا للائتلاف، رغم أنه التقى الكثير منهم لأول مره خلال اجتماعات المعارضة السورية بالدوحة التي بدأت يوم 8 نوفمبر الجاري وأسفرت عن تشكيل الائتلاف.
ففي الوقت الذي يلعب فيه نظام بشار الأسد بالورقة الطائفية، كان من الضروري البحث عن شخصية توافقية تقبل الآخر، وهو ما يتوفر في معاذ الخطيب، الذي يصف نفسه خلال الحوار قائلا: " أنا أمثل ما أحب أن أسميه بـ +التدين الدمشقي المنفتح+، الذي يقبل الآخر، ولديه قدر كبير من التسامح والفهم الواسع للإسلام ومعانيه الحقيقية".
ويبدي الخطيب سعادة بهذا التوجه الفكري، نافيا في الوقت ذاته الانتماء لأي تيار سياسي، وهو ما جعله يحتفظ بعلاقات طيبة مع الجميع، دفعت بهم نحو ترشيحه لمهمة رئاسة الائتلاف، الذي تجاوز به السوريون مرضا عمل النظام على زرعه فيهم على مدى 50 عاما وهو فقدان الثقة في بعضهم البعض.
وقال: "عندما فقدنا الثقة في بعضنا..بدأ كل منا يخون الآخر ويبحث عن مصلحته، لكننا عدنا إلى طبيعة الشعب السوري الأصيلة في مؤتمر الدوحة".
ويأمل الخطيب ان ينجح من خلال رئاسته للائتلاف في تحقيق خمسة مهام أساسية تضمنتها وثيقة انشائه، وهي العمل الإغاثي، انشاء مكتب قضائي، توحيد المعارضة المسلحة في مجلس عسكري موحد، تأسيس لجان تنفيذية للتواصل مع الداخل، تشكيل حكومة مؤقتة.
وقال: " سنعمل على تنفيذ الخمسة مهام، ولكن العمل الإغاثي سيكون هو أولويتنا القصوى " .
وحرص على توجيه الشكر للحكومة التركية، مؤكدا على أن قادتها حاولوا اقناع النظام بالعدول عن تدمير شعبه، لكنه استمر في جنونه، وقال: " زرع النظام فينا بغض تركيا .. ولكن الإنسانية والتاريخ المشترك جمعنا بإخواننا الأتراك الذين مدوا لنا يد العون والمساعدة خلال الأزمة ".
وفيما يلي نص الحوار :
*بداية: ما الذي حدث في الدوحة .. كانت كل الأخبار تتحدث عن خلافات، ثم فجأة قيل انكم اتفقتم واخترت لرئاسة الائتلاف؟
** السبب الأساسي للاتفاق انه لا يزال في بلدنا مخلصين تركوا تفصيلات الدين والانتماء ووضعوا نصب أعينهم مصلحة البلد، وهناك سبب آخر شخصي وهو أنني لا أنتمي لأي حزب، فكانت المحبة من كل الإخوة.
*لم تنتمي في حياتك إلى أي حزب أو تيار سياسي؟
**انتمائي ليس سياسي، ولكنه فكري من خلال عضويتي في جمعية " التمدن الاسلامي " ، وهي جمعية عريقة في سوريا تأسست في عام 1938، وتنشر أفكار التسامح وقبول الآخر.
*ولكن البعض يقول أنك تنتمي لما يمكن تسميته بـ "الإسلام الاجتماعي"؟
** قد يكون ذلك، ولكني أحب مصطلح آخر، وهو أني أمثل ما يمكن تسميته بـ " التدين الدمشقي المنفتح".
*تقصد الذي ينفتح على الآخر؟
** بالضبط .. فالسوريون بشكل عام والدمشقيون على وجه الخصوص لديهم تسامح يعيش في أعماقنا .. تأتي علينا أوقاتا بسبب مشاكل معينة تضيق مساحته، لكن يعود مره أخرى لاتساعه.. وهذا يجعلهم يعيشون المعاني الحقيقية للدين.
*وهل ستقيكم مساحة التسامح هذه من خطر النزاعات الطائفية المحتملة بعض سقوط بشار الأسد؟
** نظام الاسد اجتهد في وضع الطوائف في مواجهة بعضها البعض وحاول أن يلهب الروح الطائفية، لكنه فشل .. والحامل الاجتماعي الذي سنعمل على تدعيمه سيكون هو الحامي بعد سقوطه ان شاء الله.
*بعض التحليلات تقول ان هناك ثمة اتفاق حدث بالدوحة على أن يكون شخص مسيحي هو "جورج صبرا"، رئيسا للمجلس الوطني، وأن يكون شخص قادم من خلفية اسلامية وهو معاذ الخطيب رئيسا للائتلاف المعارضة الجديد، ما قولكم؟
** ثق تماما أن تماما اغلب الموجودين رأيتهم لأول مره.. فعلى حد علمي لا توجد صفقات، وإذا كانت هناك فأنا غير مسئول عنها، ولكن تستطيع القول أن الروح التي كانت سائدة هي المسئولة عن ذلك.
·ولكن سمعنا عن خلافات حدثت بينكم؟
** حدثت خلافات ولكن تم احتوائها .. وسأحكي لك قصة أحد الأطراف المشاركة تعصب بعض الشيء، وكان يقف حائلا أمام الاتفاق .. تعرف كيف تم احتوائه ؟ .. تم احتوائه بعناق من أحد المشاركين، فالشعب السوري منذ زمن لم يحب بعضه البعض، ولم يعانق بعضه البعض.. وأحد المهام التي سأعمل عليها هي إعادة بناء جسور الود والمحبة.
*ولماذا وصل الشعب السوري لهذه الحالة؟
** النظام السوري أجتهد على مدى 50 عاما في تمزيق الناس ووضعهم في موضع الشك، وهذا عمق من الذاتية والفردية لديهم، فبدأ كل شخص يبحث عن نفسه ومصلحته الشخصية، لذلك الناس يستغربون لماذا المعارضة غير متفقة؟ لأن أعضائها عانوا من هذا المرض الذي زرعه النظام، فهم لم يعرفوا الوحدة، ومن جهل شيء عاداه، كما يقول الإمام الشافعي، ولكن استطيع القول ان العلاج بدأ من مؤتمر الدوحة بالاتفاق على تشكيل الائتلاف.
*ولكن هناك مشكلة قد تعوق روح الوحدة التي تسعى إليها، وهي أن وثيقة تأسيس الائتلاف لم تتضمن أي شخصية عسكرية؟
** اجتماعات الدوحة سياسية وليست عسكرية.. ولكن كانت تعقد بالتوازي معها اجتماعات عسكرية، وستعقد اجتماعات أخرى من أجل تشكيل مجلس عسكري موحد، وهو أحد الأهداف التي يسعى لها الائتلاف.
*وماذا عن الأهداف الأخرى؟
** العمل يجري ليل نهار على عدة محاور، هي العمل الإغاثي، تشكيل مجلس عسكري، مكتب قضائي، لجان تنفيذية للتواصل مع الداخل، وتشكيل حكومة مؤقتة، وكلها نشتغل عليها جميعا، مع إعطاء الأولوية للعمل الإغاثي، فلدينا عائلات كانت تقطن في 3 ملايين بيت تم تدميرهم.
*البعض قال ان العمل الإغاثي قد يعطل تشكيل الحكومة؟
** المشاورات بشأن تشكيل الحكومة بدأت من الآن، وهي حكومة مؤقتة ستمارس عملها حتى سقوط بشار الأسد، لتنتهي بعدها مهمتنا ومهمتها، وتقوم حكومة انتقالية تتولى المسئولية، وتهيئ الأجواء لانتخابات حرة ونزيهة تنتج حكومة منتخبة.
*وأين سيكون مقرها؟
** هذه مسألة فنية بحتة .. قد تكون في الداخل أو الخارج .. أو جزء في الداخل والآخر في الخارج حسب الظروف، وحسب ما يخدم الشعب السوري.
*وهل سيكون لك دور في الحكومة سواء المؤقتة أو الانتقالية؟
** لا دور لي في الحكومتين، فهناك من هم أقدر مني على تولي هذه المهمة .. انا في مهمة محددة وهي قيادة الائتلاف لحين سقوط النظام، وإذا لم انجح في تقديم شيء خلال شهر أو شهرين على الأكثر سأترك مكاني وأبحث عن وسيلة أخرى لخدمة الشعب السوري.
*ما هو تقييمك لما قام به الأخضر الإبراهيمي حتى الآن ؟
** الابراهيمي استاذ في السياسة لا خلاف على ذلك .. وهو يعالج الأمور بطريقة يظن أنها مجدية ويظن انها في الصالح .. وانا لا أملك إلا أن أقول : دعه يجرب " ، ولكن لن نعول عليه كثيرا، لأن الشارع هو من سيقرر.
*هناك تسريبات تقول انه لعب دورا لعدم صدور بيان قوي من الجامعة العربية بشأن الاعتراف بالائتلاف كممثل وحيد للشعب السوري؟
** ليست لدي معلومات قطعية بذلك .. وأنا أحب ان اتعامل بما هو معلوم لدي، وفي هذا الإطار فإن هناك دولتين عربيتين أبديا عدم موافقة وهما الجزائر والعراق، ولكن دعني اتجاوز فكرة الإعتراف وأقول نحن نحتاج لما هو أكبر من ذلك، نحن نحتاج لدعم سياسي وعسكري أكبر، فنحن طماعون ولكن في الحق.
*سمعنا أن إيران وجهت دعوة لكم لحضور مؤتمر تنوي عقده لحل الأزمة السورية؟
** إيران وروسيا تحاولان كسب الوقت ومد عمر النظام، وأنا أقول لهما " أنتهى عصر كسب الوقت"، ولن أكون سببا في إطالة عمر هذا النظام ولو دقيقة، لذلك فموقفي لا ذهاب إلى طهران أو موسكو، وإذا قرر الائتلاف ذلك بالإجماع سيكون صوتي لا.
*وهل ينصرف نفس الأمر على بشار الأسد ؟
** نعم، فمن ثوابت الائتلاف : "لا مفاوضات مع بشار الأسد"، فأي مفاوضات ستكون محاولة لتضييع الوقت.
*ولكن كان لك موقف سابق لا يستبعد التفاوض مع بشار لحقن الدماء؟
** كان ذلك موقفي في مبادرة طرحتها في ديسمبر الماضي للبحث عن مخرج للأزمة.. وكان التفاوض في هذه المبادرة مشروطا برحيل النظام، غير انه تجاوز كل الخطوط الحمراء، بشكل لم يجعل هناك مجالا للتفاوض.
*أخيرا: وما هو تقييمك للدور التركي في الأزمة؟
** دعني أتكلم بصراحة .. نظام الاسد أدخل في ذهن الشعب السوري ان تركيا دولة استعمارية، وبعد ان حصل من قادة تركيا على مكاسب، خفف من هذه النغمة حتى كادت تختفي، وما ان ظهرت بعض الخلافات السياسية حتى عاد وكرر هذه النغمة مره أخرى.. لكن أزمة الشعب السوري أثبتت كيف انه يجمعنا انسانية وتاريخ مشترك.. كما اني أعرف ان قادة أتراك لعبوا دورا كبيرا في محاولة اقناع الأسد بالعدول عن جنونه ، لكنه أصر على ذلك.