حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $jumpsel - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Trying to access array offset on value of type null - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$forumjump_select - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined variable $avatar_width_height - Line: 2 - File: inc/functions_post.php(344) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(344) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 344 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumrcvtyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumptyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumtyls" - Line: 602 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 602 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "posttime" - Line: 33 - File: inc/functions_post.php(947) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(947) : eval()'d code 33 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 947 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval





{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
كانط والماركسية
لايبنتز غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 409
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #1
كانط والماركسية
[align=center]





عادل ضاهر



لا يوجد موقف ماركسي موحد تجاه فلسفة كنط ، ولكن بالامكان القول إن ما يصدق على العموم هو أن موقف الماركسي من كنط متناسب عكسيا مع موقفه من هيجل : فبمقدار ما يقترب الماركسي من هيجل بمقدار ما يبتعد عن كانط . في الواقع إن نقاد كنط بين الماركسيين يجدون في حجج هيجل ضد كنط الأساس لنقدهم .


ليس الغرض من هذه الدراسة تناول تطور العلاقة بين الماركسية وكنط والاشكال المختلفة التي اتخذتها لدى كل الفلاسفة الماركسيين الرئيسين الذين اهتموا بتلقيح الفكر الماركسي بعناصر كنطية . فأهمية كنط للماركسية ، في اعتقاد الماركسيين الذين يمثلون الخط الماركسي التقليدي ، لا يتجاوز كونها أهمية تاريخية ، بمعنى أن كنط مهد مع فلاسفة آخرين ، كهوبس واسبينوزا ولوك ، لنشؤ المادية التاريخية . ولكن يوجد نفر قليل من الفلاسفة الماركيسين الذين يذهبون إلى حد الاعتقاد بأن أهمية كنط للماركسية ليست مجرد أهمية تاريخية . فإن كنط ، في نظر هذا النفر من الفلاسفة ، لديه ما يقدمه إلى الماركسية ، على مستوى نظرية المعرفة وكذلك على مستوى فلسفة الأخلاق ، فإن العناصر التي تفتقر إليها الماركسية على المستويين الأخرين هي ، في نظر هؤلاء الفلاسفة ، تلك العناصر بعينها التي يمكن اشتقاقها من الفلسفة الكنطية . إن أطروحتهم الرئيسية ، إذا ، هي أن كنط ليس ، كما ادعى ديبورين (1) ، مجرد ممهد لنشوء الفكر الماركسي ، بل إنه بالاضافة إلى ذلك يقدم لنا نظرية للمعرفة وفلسفة خلقية يمكن ، عن طريق تدبرهما على النحو المناسب ، جعلهما مكملتين للماركسية.


إن هؤلاء الفلاسفة الماركسيين خرجوا ، لا شك ، عن الخط التقليدي للتفكير الماركسي حول كنط الذي يمثله انجلز ولينين في نقدهما لمفهوم الشئ - في - ذاته عند كنط وللنزعة اللاأدرية التي ينطوي عليها المفهوم . إن هذا الخط التقليدي يظهره اكسلرود (2) في سلسلة من الحجج التي صارت الأساس الذي بني عليه لينين محاولته دحض التجريبية النقدية . لقد كان الغرض من هذه الحجج البرهنة على أن العالم الخارجي ينعكس في ادراكنا أو يتطابق معها وأنه لا بد ، بالتالي ، من التمييز بين الواقع والاحساسات . إن القضية الأخيرة تمثل موقفا واقعيا على المستوى الابستمولوجي ، موقفا رافضا لكنط الذي نظر اكسلرود إلى فلسفته على أنها محاولة يائسة للتوفيق بين المثالية والمادية . إن كنط ، في نظره ، أدرك مفهوم العالم الخارجي ( الشئ - في - ذاته ) غير قابل لأن يعرف . إن محاولة كنط التوفيقية مستحيلة ، بالنظر إلى أن معرفتنا تجد أساسها إما في الوعي أو في المادة . إذن فإن كنط بناء على وجهة النظر هذه ، في نظر اكسلرود ، إن ما ينطبق على كنط هو أنه فقط في الظاهر يوفق بين المادية والمثالية ، بينما هو في حقيققة الأمر مثالي في الصميم . إن هذا الموقف من كنط صار أشبه بمصادرة من مصادرات الفكر الماركسي التقليدي.


ليس أفهوم (3) الشئ - في - ذاته وحده المستهدف من هجوم الماركسية التقليدية ، بل أيضا تميز كنط بين الكائن والواجب (4) وكما أن نقد هيجل لأفهوم الشئ - في - ذاته هو الذي شكل الأساس لنقد الماركسية التقليدية لهذا الأفهوم ، كذلك فإن عدم تمييز هيجل بين الكائن والواجب هو الذي شكل الأساس لعدم قبول الماركسية التقليدية للتمييز الكنطي بينهما . من هنا يتضح لماذا قلنا في البداية إن موقف الماركسيين من كنط يتناسب عكسيا مع موقفهم من هيجل ، بمعنى أن من يقترب من هيجل أكثر من بينهم يبتعد عن كنط أكثر . وبما أن الماركسية التقليدية ، كما هو واضح من كلامنا السابق ، وثيقة الصلة بهيجل ، يصير من الواضح أن الماركسية ذات النزعة الكنطية هي نوع من المروق في الماركسية ، إنها تشكل إنحرافا عن الخط الماركسي التقليدي .


لننتقل الأن إلى معالجة موضوعنا الرئيسي ، ألا وهو الماركسية ذات النزعة الكنطية . من الفلاسفة المهمين الذين يمثلون النزعة الكنطية في الماركسية بعض فلاسفة مدرسة ماربورج وفلاسفة المدرسة الماركسية النمساوية . ولكن أهم ممثل للنزعة الكنطية في الماركسية ، في نظري ، هو الفيلسوف الإيطالي المعاصر لوتشيوكوليتي (5) الذي يكاد يكون الصوت الوحيد بين الماركسيين الغربيين اللاحقين للماركسية النمساوية الذي نادى بالعودة إلى كنط ونبذ هيجل . إن مايميزه عن كل الماركسيين الذين أظهروا نزعة كنطية ، كما سنوضح فيما بعد ، هو محاولته إيجاد حلقة الوصل بين كنط وماركس في نظره كنط إلى الوجود على أنه شئ فو - منطقي . (Extra - logical ) إن هذه النظرة إلى الوجود هي تماما ما تحتاج إليه الابستمولوجيا الماركسية بوصفها ابستمولوجيا مادية.


ولكن قبل تناول فلسفة كويلتي ، لنعالج أولا السمات البارزة للمحاولات السابقة لتلقيح الماركسية بعناصر كنطية . هذه المحاولات السابقة نجدها لدى منظري حركة الماركسية النمساوية من أمثال ماكس آدلر وأتو باور ورودلف هفلر دنج . لقد نظر هؤلاء إلى أنفسهم على أنهم ماركسيون بكل معنى للكلمة ، ولكنهم لم يحسبوا الماركسية نسقا مغلقا على ذاته . إن ما يميزهم عن الماركسيين السابقين هو تأكيدهم وجود روابط بين الماركسية وبعض المفكرين السابقين الذين لم يعترف ماركس نفسه بأنهم مصادر لفكره . ومن السمات الأخرى المميزة لهم أهتمامهم بإعادة النظر في الأسس النظرية والابستمولوجية للماركسية ، هذه الأسس التي أظهر النقد الكنطي ، في اعتقادهم ، وجود ثغرات فيها . فعلى الرغم من قبولهم لنظرية القيمة الماركسية ولمبدأ الصراع الطبقي وللمادية التاريخية ، فإنهم لم يعتقدوا أن الماركسية تفترض ، بالضرورة ، فلسفة مادية أو أن صحتها تعتمد على الحجج الفلسفية لانجلز التي اعترضوا عليها على أساس أنها ليست نقدية بالمعنى الكنطي . إن موقفهم العام كان ترانسندنتاليا معارضا للوضعية والتجريبية . إنهم وجدوا في الماركسية نظرية علمية بالمعنى الصارم دون أن يقودهم هذا إلى اعتبارها محتضنة للمعايير التجريبية في المعرفة . ولأن الماركسية نظرية علمية ، فإنها تقوم على أسس فكرية مستقلة عن الطبقة وحتى في حقل الأخلاق فإنهم أكدوا على الطابع الفكري والكوني للماركسية . وبذلك فإنهم عاكسوا اللينينية في لجوئها إلى المصالح الطبقية .


من السمات الأخرى للماركسية النمساوية محاولة أتباعها تجاوز العناصر السيكولوجية التي تلقحت بها الكنطية في بدايتها . فالكنطية في صيغتها الأصلية كانت ذات طابع سيكولوجي ، لا ترانسندنتالي . بمعنى آخر ، إن الشروط القبلية للمعرفة التي استقصاها كنط حسبها الكنطيون الأول صفات للعقل الإنساني ، فسكلجوها . إن العقل الإنساني ، حسب هذا التأويل السيكولوجي لكنط ، لا يمكن ، بحكم تركيبه ، ان يدرك الموضوع بدون فرض صورتي الزمان والمكان عليه وإخضاعه للمقولات . إن هذا التأويل لا يتجنب النسبية ، بل ينقلها إلى مستوى أعلى ، لأنه يهيئ لنا أن نتائج العلم صحيحة فقط بالنسبة لكائن له البنى السيكولوجية التي يمتلكها الإنسان ، ولهذا السبب فإن الجيل اللاحق من الكنطيين ( مدرسة ماربورغ : هيرمان كوهين وبول ناتورب ) أعطي لكنط تأويلا ترنسنتتاليا . فالصور القبلية والمقولات ، حسب هذا التأويل ، ليست بني سيكولوجية عرضية (6) . وترتبط بالنوع الانساني وحده ، بل كامنة في العقل بما هو ، وبالتالي فهي شروط لكل فعل ممكن من أفعال الاجراك . إن العقل هو الاساس للعلم الطبيعي ، وكل فكرة معقولة عن الواقع ترتبط بالوافع بوصفه معروفا . هذا لا يعني أن الواقع نسبي بالعلاقة مع الفكر اللاشخصي الخالص .


ليست المسألة الأخيرة هي التي أثارت أهتمام الماركسيين والنمساويين في مدرسة ماربورغ ، بل محاولة أتباع هذه المدرسة تأسيس الاخلاق الاشتراكية علي نظرية كنط في الفكر العملي . فقد أعتقد كوهين أن كنط زود الاشتراكية بأساس خلقي عن طريق أظهاره ، أولا ، أن الاخلاق لا تجد أساسها في الانثربولوجيا ، لأن الدوافع الطبيعية للأنسان لا يمكن أن تقود الي فكرة الانسانية والي ادراك القيمة الفريدة للفرد ، وثانيا ، أن الاخلاق الكنطية مستقلة عن الدين . الإنسان وحده مصدر القيم ، والقانون الخلقي الذي يصدر عنه قد يكون صحيحا بدون استثناء ، بشرط أن يكون قائما على المساواة بين البشر بوصفهم كائنات خلقية (اشخاصا) . إن قول كنط إن علينا أن نعامل كل شخص على أنه غاية في ذاته وليس مجرد وسيلة هو الفحوى الأساس للإشتراكية .


إن كوهين كان من بين الماركسيين الأول في مدرسة هاربورج الذين روجوا لفكرة الاشتراكية الخلقية . إن الفكرة الأخيرة يمكن ردها إلى مبدأين : أولا ، على افتراض أن فلسفة التاريخ الماركسية صحيحة وأن الاشتراكية ، بالتالي ، أمر لا مفر منه ، فإن هذا وحده لا يبرهن على أن الاشتراكية شئ حسن . هنا نجد رفضا للموقف الطبيعي في الأخلاق ، أي الموقف الذي لا يعرف المحمولات الخلقية بواسطة محمولات ذات مدلول وصفي أو تجريبي خالص ، فلا يسمح بالتمييز منطقيا بين ما هو كائن أو ما سيكون ، من جهة ، وما يجب أن يكون ، من جهة ثانية . في رفضنا الموقف الطبيعي ، في اعتقاد كوهين ، لا يعود بإمكاننا أن نقول إن الاشتراكية حسنة أو أمر يجب خلقيا أن يكون على أساس أنها أمر لا بد أن يكون . فحتى نقبل الاشتراكية على أنها أمر حسن أو واجب ، من الوجهة الخلقية ، فإننا بحاجة إلى معيار خلقي يظهر تفوقها على البدائل الأخرى ، إن هذا المعيار ، في نظرة ، هو ما تزودنا به فلسفة الأخلاق الكنطية . وهذا المعيار ، على وجه التحديد ، هو المبدأ الإنساني الذي تقوم عليه فلسفة الأخلاق الكنطية وهو المبدأ الذي يقضي بالا يعامل أي شخص علي أنه مجود وسيلة ، بل أنه غاية في ذاته . المبدأ الثاني الذي تقوم عليه فكرة الاشتراكية الخلقية هو أن الافكار الخلقية صحيحة بدون أستثناء ، أي أن المبادي والمعايير الخلقية واحدة للجميع . يتبع أن الاشتراكية ، بوصفها مصادر خلقية ، لا ترتبط بالطبقة وأن كل فرد ، بما هو ، وبغض النظر عن المصالح الطبقية ، بإمكانهأن يحافظ علي أنسانيته عن طريق أعترافه بالقيمة الخلقية للمثال الاشتراكي .


نجد محاولة شبيهة بمحاولة كوهين لجعل فلسفة كنط الخلقية جزءا من الاشتراكية العملية لدي كارل فورليندر . لقد كان الاخير واحدا من الفلاسفة المرموقين الممثلين للكنطية المحدثة في المدرسة النمساوية الذين حاولا التركيب بين كنط وماركس . ولكن أهم ما قدمه فورليندر هو هو أطروحته حول ضرورة جعل فلسفة كنط الخلقية أساسا للاشتراكية الماركية . إن أعترافه بإن طريقة التفكير الكانطية عقلية وليست تاريخية ، كطريقة التفكير الماركسة ، لم يمنعه من حاولة الدمج بين الثنين . ليس الغرض من هذا الدمج . في نظره ، الاقلال من أهمية العناصر التارنخوية التي أشتقتها من الهيجلية ، بل تجريدالماركسية من الاثار السلبية التي تركها عليها عدم تمييز هيجل بين الكائن والواجب . إن ماركس ، في متابعته هيجل بعدم التميزمحاولتنا تزويد الماركسية بعناصر كنطقية ما نجده في كتابات ماركس وانغلس من نقد لكنط . فإن ها النقد ليس ذا بال لانها لم يكونا علي أمام جيد بكنط ، أن هجوم أنغلس ، مثلا ، علي أفهوم الشئ – في – ذاته يظهر سوء فهم كبير لديه للمشكلة وإذا تجاوزنا هذه العقبات الثانوية التي تحول بينا وبين تلقيح الماركسية بعناصر كنطية ، فإن أول ما نلاحظ هو أن الماركسية بوصفها النظرية التي يجي أن يتسلح بها الوعي الطبقي لاحداث التغييرات الاجتماعية المرجوة ، لا بد لها من أن تنظر الي الاشتراكية علي انا غاية يجب الصراع من أجلها . ولكن الماركسية فشلت في تكوين هذه النظرة الي الاشتراكية ، لأنها لم تر في نظرية التقدم موقفا معياريا ، وبالتالي ، موقفا غائبا . ولذلك فإن الكانطية في نظره ، هي التكملة الطبيعية للماركسية أن قانون الامر المطلق نظر اليي الغايات والميول علي انها حسنة خلقيا الي الحد الذي يمكننا ضمنه مشمولة بنسق واحد من الغايات . أن هذا القانون لم يكن طبعا سوي تعريف صوري للشروط التي يجب أن تتوافر في اية قاعدة خلقية . فالقواعد العنيية لم تكن بطبيعتها مطلقة ولكن متغية بتغيير الشروط التاريخية . أن الماركسية أوضحت لنا ما هي الأفعال الضرورية لتحقيق الغاية المشتركة بينها وبين الكنطية ، هذه الغاية التي تتخلص في الاخاء العالمي الي الاعتراف بالقيمة الكامنة لكن إنسان . فلا تناقض هنا ، في اعتقادنا ، بين كنط وماركس ، وما هو مطلوب من الماركسية لكشف النقاب عن قرابتها من الكنطية هو أن تكشف الماركسية لكشف النقاب عن قرابتها من الكنطية هو أن تكشف الماركسية عن أحكامها الخلقية المضمرة التي لا يمكنها بدونها أن تكون مقنعة وفعالة .


إن محاولة فورليندر التوفيق بين الكنطية والماركسة تعكس الفهم كان سائدا في عصره للمادية التاريخية . فبناء علي هذا الفهم ، أن المادية التاريخية لا تقول سوي أن الشروط المادية تحدد الوعي ولكن لا تحتمه ، مما يعطي دورا للارادة في التاريخ أن هذا الفهم ، لا شك يسمح بتميز كنط الكائن والواجب ويجعل من الممكن تطبيق الافهوم الكنطي للالزام ، من –حيث إن إفهوم الاخير يستوجب القدرة علي الاختيار . وفي تأويل فورليندر هذا للمادية التاريخية الذي جاراه فيه ماركسيون اخرون من ذوي النزعة الكنطية من أمثال كونراد شميدت ولودفيك قولتمان نجده يذهب مع من جاراه إلى حد معارضة التأويل الداروني أو البيولوجي للإنسان الذي ينظر إلى الإنسان بمقتضاه على أنه كائن ينحل إلى مجموع احتياجاته الطبيعية . إن الحجة التي تقوم عليها معارضة الكنطيين الماركسيين للتأويل الدارويني للإنسان تقوم على المقدمة القائلة إن الحرية مصادرة كامنة ، بالضرورة ، في أفهوم الإنسان . هذه المقدمة ، في نظرهم ، لا بد من أن تقود إلى النتيجة القائلة إنه لا يمكن تفسير الإنسان كلية بوصفه جزءا من النسق الطبيعي ، لأن الطبيعة لا تعرف شيئا عن الحرية ، ولا يمكننا ، بالتالي ، أن نستدل من الواقع الطبيعي أنه يجب أن يكون الإنسان حرا . إن الإنطلاق من كون الحرية مصادرة كامنة بالضرورة في أفهوم الإنسان يزودنا بالاساس المطلوب للاشتراكية ، لأنه يحتم علينا أن نسلم بضرورة قيام نظام اجتماعي يؤمن الحرية للجميع بالتساوي . ولكن تحقيق الغاية الأخيرة غير ممكن في ظل نظام من الملكية الخاصة ، وبالتالي فإن الاشتراكية تصير نتيجة منطقية لمطالبنا في ان يكون بوسع الإنسان أن يحقق طبيعته الخاصة ، طبيعته العقلانية والحرة .


إن محاولات كالتي تناولتها للربط بين كنط والاشتراكية ولتزويد الماركسية بعناصر خلقية مشتقة من كنط لم تستنفد كل محاولات التوفيق بين الماركسية والكنطية . إن هناك محاولات أهم منها قام بها عدد من الماركسيين النمساويين وعلى راسهم ماكس آدلر (1873-1937) ركزت على مسألة تمتين الأساس الفلسفي للماركسية ولم تحصر أهتمامتها بالجانب الأخلاقي ، بل تختطته إلى الجوانب الابستمولوجية والانطولوجية . إن آدلر بالذات الذي سيشكل مدار تحليلنا هنا حاول أن يطبق الترانسندنتالية الكنطية على نظرية المادية التاريخية ، وادعى ، بالتالي ، أن لدى الكنطية أكثر من فلسفتها الخلقية لتزويد الماركسية بما يلزمها من عناصر فلسفية .


ما هو الأساس الذي يقوم عليه ادعاء آدلر الأخير ؟ حتى نعالج هذا السؤال على نحو مرضٍ ، لنبدأ أولا بتناول نقده للكنطيين المحدثين (ستاملر ودلتاي وريكرت) . ركز آدلر ، في نقده هذا ، على نظرة الكنطيين المحدثين إلى العلوم الاجتماعية التي يجب بمقتضاها أن نختط لأنفسنا في دراستنا للسلوك الغائي للإنسان منهجا غير المنهج الذي نستعمله في دراسة الظواهر الطبيعية . فالعلوم الطبيعية تتخذ من الكلي (7) موضوعا لها ، بمعنى أن العلم الطبيعي لا يعني بالعيني إلا من حيث كونه يمثل قانونا كليا . وهكذا فإن التفسير في العلوم الطبيعية يتخذ نمطا استنباطيا ، لأن ما نفعله في تفسيرنا للظواهر هو ردها إلى مجردات . ما يعنيه هذا، على وجه التحديد ، هو أن تفسير العلم الطبيعي لحادث عيني غير ممكن إلا عن طريق اشتقاقه من قانون كلي يندرج تحته هذا الحادث . أم العلوم الاجتماعية ، بالمقابل ، فأنها تعني بما هو فريد في نوعه ، بالظواهر التي لا تتكرر ، بالحوادث التاريخية التي لابد لها ، بالافراد والقيم والمقاصد . إن موضوع الدراسة في هذه الحالة ، كما يعتقد الكنطيون المحدثون الذين يشكلون مدار نقد ادلر ، لا يمثل نوعا من الظواهر ، ولا يمكن ، وبالتالي ، أشتقاقه من قانون كلي . إذن غرض الدراسة في هذه الحالة ليس تفسير الموضوع بل فهمه (8) .


ينطلق ادلر من رفضه لهذه النظرة الي العلوم الاجتماعية التي نجدها في الكنطية المحدثة . ولكنه ، ومع ذلك ، ظل يحتفظ بأفهوم الحقيقة الذي تميزت به الكنطية المحدثة ، أي الافهوم للحقيقة بمقتضاه أن تكون مجرد تطابق موضوع معطي باستقلال عن فعل الادراك . فان ادرلر يسلم بوجهة نظر كنط القائلة ان الموضوع هو وحده تداعيات تصورية (9) وأن هناك شروطا قبلية ذاتية للمعرفة تتمثل تي الحدس ، الزمان والمكان ، وفي مقولات الفاهمة (10) أن وجهة النظر هذه ، في اعتقاده ، لا تتعارض مع نظرية المعرفة التي تنطوي عليها فلسفة ماركس ، لأن هذه النظرية أبعد النظرية أبعد ما تكون عن الواقعية السادجة ولا ترتبط بالمادية سوي بالاسم .


ليس في ادعاء ادلر ماركس لم يتبن الواقعية السادجة ما يثير لااعتراض . فإن ما قاله ماركس في معرض معالجته للإيديولوجيا بوصفها وعيا زائفا يكفي للبرهنة على أنه لم ينظر إلى الوعي على أنه يعكس الواقع كما هو في ذاته ، كما هو معطى باستقلال عن فعل الادراك . لكن ادعاءه بأن ماركس لم يربطه بالمادية سوى اسمها سيثير الدهشة لدى الكثيرين . كيف يجب أن نفهم هذا الادعاء الغريب ؟ إن ما قصده آدلر ، على وجه التحديد ، هو أن ماركس لم يتبن الماركسية بوصفها نسقا ميتافيزيقيا . إن المادية ، بهذا المعنى ، لا تجد أساسا لها في العلوم الطبيعية ولا في الماركسية . إن الحياد الانطولوجي هو من السمات الرئيسية للعلوم الطبيعية ولا مكان في هذه العلوم لأفهوم المادة بوصفه تجريدا غير قابل للفهم . اما التعبير "مادية تاريخية" الذي شاع في كتابات الماركسيين ، فإنه المسؤول ، في الدرجة الأولى ، عن إعطاء فكرة خاطئة عن فلسفة ماركس ، فكرة أوحت لنا بأن ماركس أعتبر التطور الاقتصادي بمثابة تطور للشروط المادية الخالصة ينعكس بصورة ميكانيكية في الحضارة . إن هذه الفكرة الخاطئة هي التي عرضت الماركسية لانتقادات مؤداها أن الماركسية أهملت دور العوامل الفردية واعتبرت التطور الاجتماعي سيرورة مستقلة عن البشر واتخذت طابعا جبريا لاغيا لحرية الإنسان وعاملت الاقتصاد على أنه وحدة الحقيقي ، مختزلة الوعي إلى مجرد ظواهر ثانوية لاحقة للاقتصاد ، إن الماركسية ، في نظر آدلر ، براء من كل هذه الاتهامات : إنها النظرية العلمية الأولى التي حاولت دراسة الظواهر الاجتماعية من منظور العلاقات العلية القائمة بينها ، مدركة تماما في الوقت نفسه أن هذه العلاقات خاضعة لتأثيرات السلوك الغائي للإنسان ، لمقاصد الإنسان وقيمه . ومن حيث هي نظرية علمية ، فإنها لا ترتبط ، لا منطقيا ولا تاريخيا ، بأي أنطولوجيا مادية أو غير مادية .


أن تأويل أدلر للمادية التاريخية يتميز بكونه محاولةلوضع التميز بين المادي والروحي موضع تساؤل . إن الخطأ العام الذي أرتكبه الماركسون ، في نظره ، هو وضع القوي الانتاجية وعلاقات الانتاج ، بما هي شروط مادية خالصة ، مقابل البني الفوقية الروحية ، بينما ما هو واضح هو أن أن علاقات الانتاج تمثل نسقا من السلوك الواعي وليست ، بالتالي ، أقل روحية من البني الفوققية ، أن القوي الانتاجية أيضا ، إذا نظرنا اليها من منظور اليها من منظور كونها عناصر في السيرورة الاجتماعية ، نجد أنها تفترض الوعي الانساني لدي صانعي ومستعملي ادوا الانتاج ، لا يوجد عوامل مادية بصورة خالصة في الحياة الاجتماعية تتطور من تلقاء ذاتها . الظواهر والتتكنيك هي تجسيدات للروح بمقدار ما هي الايدلوجيا كذلك . وماركس نفسه ، في اعتقادأدلر ، لم ينظر الي البني الفوقية بصفتها انعكاسا ساكنا للشروط الموضوعية ولا حتي نفي استقلالها النسبية . إن الوعي يتقرر بالوجود الاجتماعي ، لا الوجود المادي ، وما هو اجتماعي هو روحي .


إذا كان أدلر قد قد رفض أن يقرن الماركسية بأي موقف انطولوجي ، فأنه لم يتورع عن أن يقرنها بموقف ابستمولوجي محدد ، الا وهو الموقف الكنطي . إن كنط وماركس التقيا ، في معالجتها للسؤال الابستمولوجي الاساسي عن العلاقة بين التجربة والفكر . إن النقطة التي التقيا عندها ، هي افتراضهما وجود شروط فبلية للمعرفة ، شروط لا يكون العلم بدونها ممكنا حقائقه كلية . ولكن ما عني ماركس ليس ما عني كنط ، أي المعرفة العلمية بما هي ، بل المعرفة العلمية للظواهر الاجتماعية . إذن ما يجب أن نفهمه من كلام ادلر ، في ضوء قولنا الاخير ، هو أن موقف ماركس من طبيعة المعرفة الاجتماعية ينم عن نزعة ابستمولوجية كنطية ، بمعني أنه موقف يقضي بالنظر الي المعرفة الاجتماعية علي انها غير ممكنة الا ضمن إطار من الشروط القبلية .


إن المسألة الاخيرة هي التي قادت ادلر الي افهوم الفبلي الاجتماعي (11) أن المبدأين الاساسين اللذين يشبير اليها الاخير هما ، أولا : أن المعرفة لا يمكن أن تدعي أنها موضوعية وكلية الا إذا قبلنا مقولة الوعي الترنسنتدتالي ، هذه المقوبةالتي يزود كل فرد بمقتضاها بذخيرة من الصور الضرورة لتنظيم التجربة . ثانيا : أن الرابطة الاجتماعية يمكن فهمها فقط إذا جذرناها في وجود الفرد ولم ننظر اليها علي انها استجابة لحاجات تجريبية . وهو يعتقد أن كنط وماركس يلتقيان تاما بالنسبة لهاتين المسألتين .


أن المبدأ الذي ينطوي عليه أفهوم القبلي الاجتمماعي هو أن الفكر الانساني ، في استقصائة الاجتماعية وللعلاقاتالقائمة بينها ، يفترض مقدما صورا مؤلفة (12) مرتبطة بالتجربة دون أن تكون مشتقة منها . أنها تشكل الشروط الصورية القبلية الاجتماعية . أن هذا المبدأ في نظر أدلر ، ينطوي عليه انتقاد ماركس للاقتصاد السياسي ، أنه كان نقدا بالمعني الكنطي ، لأنه كان بحثا عن أدوات الادراك التي بدونها لا يمكن للمعرفة الانسانية للظواهر الاجتماعية أن تبلغ مستوي المعرفة العلمية ، إن قول ماركس في الجزء الثالث من رأس المال أن العلم يصبح عديم الجدوي إذا تطابقت صورة الظاهرة مع ماهيتها ، ومحاولته في مقدمته للـ grundrisse أن يظهر كيف يمكن للعيني أن يعاد بناؤه من أفكار مجردة يظهر أن ، في اعتقاد أدلر ، أن ماركس نظر الي الكلل العيني ، بما هو موضوع للمعرفة العلمية ، علي انتاج لأفهومي وليس محتوي أن ماركس احتضن المبدأ الاول الذي ينطوي عليه أفهوم القبلي الاجتماعي .


لنتقل الان الي المبدأ الثاني الذي ينطوي عليه افهوم الاخير توصل الي رابطة بالاستمولوجيا الماركسية ، أن المبدأ الثاني يفترض ضرورة الوعي . أن ضرورة الوعي ، في نظر أدلر ذهب الي حد الاعتقاد بأن غياب الوعي مستحيل علي مستوي التصور ، لان الواقع الذي يفترض تصوره بدون الوعي هو شئ معطي للوعي لا يمكنه ن يعرف بالضرورة أذن في حاولتنا في تصورغياب الوعي لا مهرب من افتراض وجود الوعي وهذا يعني ان الكائن الواعي لا يمكنه أن يعرف ما معني أن يكون الوعي غير موجود : أن غياب الوعي لا يمكن ان يكون جزءا من محتوي الوعي . لا يعني هذا أن وجود الوعي ضروري انطولوجيا ، أي أن الوعي ضروري ، بوصفه جوهرا ، بل ما يعنيه هو فقط أن الوعي ضروري فكريا .


والكلام علي الوعي ، في هذه الحالة ، لا يعني ، بالنسبة لأدلر ، الكلام علي الذات التجريبية أو الذاتية العرضية ؛ إنه اتلوعي ، بعامة ، الوحدة الترنسندالية للوعي الذاتي الاستنباطي (13) أن الوعي بهذا المعني هو ما يرتبط بالمبدا الثاني الذي ينطوي عليه لأفهوم الاجتماعي الفبلي . فعندما نكتشف في وعينا حكما صحيحا ، فأننا نكتشف في الوقت نفسه الطابع الاجتماعي لذاتنا . ان هذا الادعاء يقوم علي افهوم ادلر في الحقيقة ، هذا الافهوم الذي يكون للحقيقة بمقتضاه طابع كلي ، شمولي . أن ننظر الي حكم ما علي أنع يعبر عن حقيقة ، ليس لنا وحدنا ، بل بالنسبة للكل ، بغض النظر عن الظروف الزمانية والمكانية . ولذلك فأننا نتوقع من الاخرين أ يعترفوا بأنه يعبر عن حقيقة . من الواضح ، أذن انطلاق من فهم ادلر للطابع الكلي الشمولي للحقيقة ، أن أكتشاف الذات لحقيقة ما في وعيها في الوقت نفسه أكتشاف لما يتجاوز حدود هذه الذات ، بالضرورة ، ويشير الي وجود ذوات أخري مماثلة لها . هذا لا يعني أن وجود الاخرين ، وبالتالي وجود الرابطة الاجتماعية هو شئ تشتقه الذات المدركة بأفعال الادراك . فكل ذاتية تجربية ، في اعتقاد أدلر ، تفترض الوجود الاجتماعية في كل فعل من افعالها ز أن مشكلة الانانة (14) إذن لا يمكن أن تنشأ ، لأن الواقع الاجتماعي ليس شيئا نشتقه من معطيات تجريبية مباشرة ، بل أنه معطي بصورة مباشرة للذات المدركة من خلال عناصرها الترتسندنتالية .


يعتقد أدلر أن المفهوم الماركسي للانسان علي انه كائن اجتماعي لا يمكن تدبره علي النحو المناسب بدون تجذيره في مقولة الوعي الترانسندنتالي . إن محتوي وعي يفترض مسبقا متحدا انسانيا . أن ماركس عبر عن هذه الفكرة ، في نظر أدلر ، عن طريق وصفه محتوي الفرد علي أنه ، بالضرورة ، مجتمع .(15) أن اللغة ذاتها التي نستعملها للتعير عن هذا المحتوي هي موروث أجتماعي . إن حياة المجتمع ليست شيئا ثانويا بالعلاقة مع الافراد الذين يكونون هذا المجتمع ، فالإنسان اجتماعي بحكم ماهيته . يقودنا هذا المفهوم الماركسي للإنسان ، في اعتقاد آدلر ، إلى المبدأ الثاني للقبلي الاجتماعي الذي تكون الرابطة الاجتماعية بمقتضاه مجذرة في وجود الفرد بوصفه ذاتا مدركة ، وليست موجودة استجابة لحاجات تجريبية . إن هذا يعني أن إمكان العلاقات الاجتماعية وصورة (Form ) الحياة الاجتماعية مفترضان بصورة سابقة في دراستنا لأي شئ و لا يمكن ، بالتالي ، تفسيرهما سببيا . بيد أن هذا لا يعني ، في نظر آدلر ، العودة إلى نظرية الكنطية المحدثة في طبيعة العلوم الاجتماعية ، هذه النظرية التي لا تري في مقولة السببية ، كما بينا ، مقولة مناسبة لدراسة الظواهر الاجتماعية . إن دراسة الظواهر الاجتماعية ، في نظره ، مثل دراستنا الظواهر الطبيعية ، تفترض خضوع موضوعها لقوانين سببية ، ففي الحالتين يتخذ التفسير نمطا استنباطيا ، بالمعنى الذي أوردناه ، ويصبح الهدف ، بالتالي ، الكشف عن القوانين الكلية التي تتحكم بالظواهر وتجعل من مجموعها برمته نسقا مغلقا . وفي الحالتين أيضا ، إن موضوع الدراسة ممكن فقط بسبب الانتظامات الصورية للفكر ، بمعنى أن لدينا في الحالتين شروطا قبلية مكونة للموضوع .


إن نظرية آدلر ، كما يمكن استخلاصها من المبدأ الثاني الذي ينطوي عليه أفهوم القبلي الاجتماعي ، هي أن الوعي الترانسندنتالي ، لعدم كونه "روحا" جوهريا ، وبالتالي لا يمكن إلا أن يوجد في وعي الفرد على نحو يجعله مساويا بالضرورة لكل وعي أخر ، لا يبدو أكثر من مجموعة الأحكام التي تكون المعرفة الضرورية ، أي الأحكام التي تكون المعرفة الضرورية ، أي الأحكام التركيبية – القبلية بالمعنى الكنطي . ولكن هل يمكن ، فعلا إسناد هذا الأفهوم للوعي الترانسنتدنتالي إلى ماركس ؟ لا يكفي لغرض الإجابة بالايجاب عن هذا السؤال أن نقول مع آدلر إن فكرة الإنسان المجتمع تضمنت لماركس أن الفرد ، بما هو ، حامل للوجود الاجتماعي ولا يعرف ذاته إلا من خلال المجتمع فإن القول الأخير ، كما نبهنا كولاكوسكي ، ليس فيه ما يشير إلى كيفية حصول التجتمع . كذلك ليس في فكر ماركس ما يوحي بأن التجتمع لا يمكن تفسيره تاريخيا ، أي أن تفسيره لا يمكن أن يتم إلا عن طريق اللجوء إلى الوعي الترانسنتندالي . أما بالنسبة للشروط القبلية للمعرفة الاجتماعية فلا جدال في أن ماركس أعترف بشروط كهذه عن طريق تميزه بين ماهية الشئ والظاهرة . كذلك فإن اعترافه بوجود شروط كهذه واضح من اعتقاده بأن السيرورات الاجتماعية لا يمكن إعادة بنائها نظريا عن طريق تجميع الملاحظات المفردة ولكن فقط عن طريق استعمال أدوات أفهومية سابقة على الملاحظة ولكن ماركس لا يوضح من أين تأتي هذه الأدوات أو كيف يمكن تسويغ استعمالها . وما دام الأمر كذلك ، فإنه ليس أمرا مقبولا هنا أن نقفز إلى النتيجة أنها كصور الحدس أو كالمقولات الكنطية .


إذا تعمقنا أكثر في دراسة الفروقات بين كنط وماركس ، على المستوى الابستمولوجي ، فإننا سنجد أنه من الصعب جدا تحقيق مشروع آدلر الذي يقضي بتلقيح الفكر الماركسي بعناصر ترانسندنتالية . لإغذا أخذنا مفهوم التاليف (16) الكنطي ، فإننا نجد أنه يشكل له نشاطا من أنشطة الفاهمة ، بينما التأليف عند ماركس هو نشاط عملي ، بمعنى أنه دالة للعمل الإنساني .إن تشديد ماركس على النشاط العملي للإنسان ، هو ما يشكل ، في الواقع ، نقطة التحول الأساس في نظرية المعرفة الماركسية . إن النشاط العملي للإنسان ، في اعتقاد ماركس ، عامل هام من العوامل المحددة لسلوكه بوصفه ذاتا عارفة . ولذلك فإننا نجد أن مصادرات الابستمولوجيا الماركسية الاعتقاد بأن العلاقات القائمة بين الإنسان ومحيطه هي علاقات قائمة بين الإنسان ذي الماهية الاجتماعية ، من جهة ، وموضوعات حاجاته ، من جهة ثانية . فالإنسان إنما يبدأ احتكاكه المعرفي بالأشياء وتفاعله مع الطبيعة عن طريق سعيه لتأمين حاجاته فعالم الأشياء ، في نظر ماركس ، هو عالم موجود للإنسان "من حيث هو مجموعة من الاكتفاءات الممكنة لحاجاته" من هنا نفهم قول ماركس إن الطبيعة بما هي أو باعتبارها شيئا مجردا لا تربطه بالإنسان رابطة "هي لا شئ للإنسان" . إن هذه الفكرة تظهر أيضا في قول ماركس "عندما تسأل عن خلق الطبيعة والإنسان، فإنك تجرد من الإنسان والطبيعة . إنك بهذا تفترض عدم وجودهما ، ومع ذلك تطلب من أن أبرهن على أنهما موجودان . والأن أقول لك : تخل عن تجريدك ولا بد أيضا لك أن تتخلى عن سؤالك".


إن تصورنا للواقع وللعلاقات القائمة ضمنه غير ممكن في الابستمولوجيا الماركسية إلا في سياق جدلية العلاقة بين الذات (الوعي الغائي) والموضوع . فالموضوع من حيث هو موضوع للمعرفة الإنسانية ، وبالتالي يشكل واقعا للإنسان له سماته وقوانينه الخاصة هو كذلك من ضمن تجسده أولا في موضوعات للنشاط الغائي للإنسان . فالوجود في ذاته ، في نظر ماركس ، أي الوجود قبل تحوله إلى موضوعات للنشاط الغائي للإنسان هو خارج إطار الوعي الإنساني رمة ، وبالتالي فهو لا يعني شيئا للإنسان ، أنه هو واللاشئ صنوان ، بالنسبة للإنسان ، هذا لا يعني أنه لا شئ بالمعنى المطلق ، بل لا شئ فقط للإنسان . إنه يتحول إلى شئ عيني محدد للإنسان له خصائصه وعلاقاته وقوانينه التي يمكن إدراكها عن طريق التصور والتجريد بتحوله ، أولا ، إلى حقل للنشاط العملي الإنساني . ففي معالجة الإنسان للطبيعة ومحاولته فهمها تتحدد علاقته بها بالشروط الثقافية لوجوده . هذه الشروط هي التحقيقات المادية القائمة على نشاط الإنسان الاجتماعي والتحقيقات الاجتماعية والروحية المشروطة بما حققه الإنسان ماديا فالطبيعة ، إذن ، لا تمتثل في الوعي الإنساني بما هي ، بل بوصفها شيئا ذا معنى عيني محدد . هذا المعنى لا يتحدد بشروط موضوعية خالصة ، بل إن له أيضا شروطا ذاتية لارتباطه بالثقافة . ولذلك فهو معنى قابل لأن يتطور ويتعدل وفقا لتطور الإنسان الثقافي . وبما أن الثقافة هي أصلا تحقيقات الإنسان المادية وما يرافقها من تحقيقات اجتماعية وروحية ، فلذلك تجد أساسها في النشاط العملي للإنسان . من هنا يتضح أن تحول الطبيعة إلى موضوع للمعرفة منوط باكتسابها أولا معنى عينيا عن طريق تحولها إلى موضوع للنشاط العملي .


يتضح من هذا التحليل أن ما يتموضع بالعلاقة مع الذات العارفة ليس الطبيعة المجردة ، بل الطبيعة المؤنسنة والطبيعة المؤنسنة هي الطبيعة بعد أن حولها الإنسان إلى امتداد جزئي لوجوده عن طريق قيامه بالعمل المنتج . فالإنسان يمتلك الطبيعة تدريجيا عن طريق نشاطه العملي . هذا الامتلاك الذي يحصل أولا على صعيد بيولوجي وينتقل من ثم إلى صعيد اجتماعي ، يحصل أصلا كما يقول كولاكوسكي باعتباره "تنظيما للمادة الخام للطبيعة - تنظيما يجري وفقا لسد الحاجات . والادراك الذي يدخل بصفته عاملا من عوامل هذا الامتلاك لا يمكنه أن يشذ عن هذه الحتمية الشاملة" إن الوعي من حيث هو عامل جوهري في المعرفة لا يمكن أن يكون قد نشأ في الأساس إلا بعمل الحاجات العملية . وهكذا يتحول الإدراك ذاته ، في نظر ماركس إلى وسيلة صالحة لسد الحاجات فالطبيعة تظهر للإنسان كشئ معاكس للدوافع الإنسانية مما يفسر أهمية سد الحاجات مداورة للإنسان . فإذا كانت الطبيعة شيئا معاكسا للإنسان ، فمن الضروري أن يكفيها ويطوعها الإنسان لتأمين سد الحاجات . ولذلك يصير كل إمكان من إمكانات الإدراك الإنسان تجسيدا لتحقيق الإنسان احتكاكا شاملا بين وعيه الذاتي ووعيه لهذا التضاد الخارجي ، بينه وبين الطبيعة . هذا الاحتكاك هو ما يحدد مسرى العمليات الفكرية . ومن هنا يتضح ، بالنسبة لماركس أنه لا معنى للكلام على قدرة مفترضة للإنسان على تخطي مقومات هذه العلاقة بينه وبين الطبيعة "بحيث يصل إلى حدث الذات الخالصة بوصفها شيئا مستقلا بمعنى مطلق أو حدث الوجود في ذاته بوصفه شيئا مستقلا أيضا بالمعنى المطلق" فما هو معطى موضوعا للمعرفة هو معطى للوعي الإنساني بما هو حاصل النشاط الإنساني في محاولته إزالة التضاد نسبيا بين الوعي والطبيعة وفاقا لمبدأ سد الحاجة.


من الواضح ، إذن ، أن النشاط العملي ، في نظر ماركس ، هو حلقة الوصل الأساس بين الذات العارفة وموضوعها فمنذ اللحظة التي يبدأ فيها الإنسان بالسيطرة على الطبيعة ومقومات وجوده - منذ تلك اللحظة يجد الإنسان نفسه أمام عالم من الأشياء مثقل بيني ليست قائمة فيه وفاقا لنظام طبيعي مستقل كليا عن الوعي الإنساني ، بما هو وعي غائي . هذه البني هي في الواقع حصيلة تفاعل الإنسان مع الطبيعة في محاولته إزالة التضاد بينه وبينها . فعالم الأشياء ، إذن كما نراه في ضء كونه حقلا للنشاط العملي للإنسان ، هو عالم منظم وفق مقولات إنسانية . هذه المقولات لا هي موجودة بالتقليد ولا هي ناشئة عن اتفاق جماعي واع . إنها بالاحرى تنشأ وتتبلور في سياق النشاط الإنساني المتجه تلقئيا نحو نفي التناقض والفوضى في عالم الأشياء . إن الوعي الإنساني ، إذن ، ينتظم الطبيعة في سياق فاعليته العملية وخارج هذا الوعي بما هو وعي اجتماعي لا يمتلك الوجود صورا جوهرية خاصة به . هذه الصور تظهر بعامل تنظيم الإنسان للمادة الذي هو أساسا تنظيم عملي .


لا شك أن نقطة البداية للإبستمولبوجية الماركسية ، كما توضحت من خلال شرحنا السابق ، تبرز "الجانب الفاعل" للمعرفة وهو نفسه الجانب الذي أكد عليه كنط والمثاليون الألمان بعده من فيتشه إلى هيجل. فإن هناك نزعة كنطية واضحة في افتراض ماركس أن الموضوع لا يمكن أن يدرك إلا بوصفه ذا بنى ذاتية . فإن افتراضا كهذا يعني على القل أن الذات العارفة ليست مجرد مركز لتلقي النتائج الموضوعية بل أنها من الزاوية الابستمولوجية ذات فاعلة والمعرفة من هذا المنظور ، ترتكز على تفاعل الذات مع الشروط المادية المحيطة بها ، حيث أن هذه الشروط تشكل المواد الخام التي تتكون منها موضوعات المعرفة عن طريق فاعلية الذات لا نعتقد إذن أن هناك اعتراضا على حسبان المنطلق الأساس للأبستمولوجيا الماركسية هو المصادرة الكنطية القائلة أن الذات تؤدي دورا فعالا في تكوين الشروط الضرورية لتحويل الأشياء إلى موضوعات جاهزة للمعرفة .


ولكن ما هو واضح أيضا ، في ضوء تحليلنا السابق ، هو أن الاعتراف بوجود نزعة كنطية في فهم ماركس للمعرفة لا يعني تحذير المعرفة ، بناء على المفهوم الماركسي ، في الوعي الترانسندنتالي . فإن النشاط التأليفي في النظرة الماركسية هو ، كما رأينا ، نشاط عملي ، في المقام الأول ، والذات المكونة للموضوع هي الذات الاجتماعية ، ولذلك فإن الكلام على نشاط الذات العارفة في هذه الحالة ، وحتى الكلام على نشاطها التأليفي ، هو كلام ذو مدلول وأبعاد اجتماعية وثقافية . هذا يشكل فارقا جوهريا بين ماركس وكنط ، لأن الذات العارفة في المفهوم الكنطي تفعل في فراغ اجتماعي . كذلك لا يبدو أن كلام ماركس على الوجود في ذاته ، الوجود قبل تحوله إلى موضوعات للمعرفة – له نفس مدلول كلام كنط على الشئ – في ذاته.


فإن الشئ – في – ذاته ، حسب التأويل السائد لفهم كنط له هو وجود ميتافيزيقي مستقل بصورة مطلقة ، بمعنى أنه ليس في متناول الإدراك الإنساني حتى من حيث المبدأ . ولكن ماركس ، في ربطه موضوع المعرفة بالذات العارفة على النحو الذي شرحناه ، لم يذهب إلى حد تبني الثنائية الكنطية المطلقة – هذه الثنائية التي يظهر من خلالها الوجود منقسم إلى عالمين : عالم خاضع للفاعلية الإنسانية ، عالم منفصل عنها بصورة مطلقة . فما قصد إليه ماركس من وراء ربطه موضوعات المعرفة بالذات العارفة وفالعليتها العملية هو التدليل على أن الوجود (الطبيعة ) بما هو وجود مادي مستنفذ في كونه حقل نشاط الإنسان .


لابد عند هذه النقطة من تحليلنا من أن نواجه باعتراض الفيلسوف الإيطالي المعاصر كوليتي الذي أشرنا إليه في بداية هذه الدراسة . إن اعتراضه سيقوم على الافتراض سيقوم على الافتراض بأن التأويل الشائع لأفهوم الشئ – في – ذاته الكنطي ليس ، بالضرورة ، التأويل المعقول لهذا الأفهوم وأن أي تدبير لهذا الأفهوم يحتفظ بغرض كنط الأساس لا بد أن يظهر أنه لا يشكل أي عقبة في طريق أي محاولة لبناء أبستمولوجيا مادية كالتي يفترض إسنادها إلى ماركس .


يجد فكر كواليتي جذوره في فكر أستاذه جالفانو ديللا فولي (17) لقد أظهر الأخير منذ البداية عداء لهيجل إلى حد إنكاره أي فضل لهيجل على ماركس . إن هذا العداء لهيجل أنعكس بشكل واضح وقوي في فكر كوالتي الذي حاول البرهنة بصورة منهجية وكاملة على أن هيجل ما هو إلا مفكر حدسي مسيحي غرضه النظري الأساس إفناء الواقع الموضوعي وتجريد العقل من قيمته لإعلاء شأن الدين . ولأسباب كهذه فإن هيجل ، في نظر كواليتي ، كان طرف نقيض من ماركس . ولكن كنط بالمقارنة مع هيجل ، يمكن اعتباره بحق السلف الفلسفي لماركس ، لأنه في إصراره على استقلالية الواقع الموضوعي وعدم قابليته لأن يستنفد في أي تصور إدراكي له كان كنط يؤسس نظرية في المعرفة مستبقة لنظرية ماركس ، أي للنظرية المادية في المعرفة ، على الرغم من أن ماركس لم يع أبدا إلى أي مدى كان مدينا لكنط.


السؤال الذي يعنينا هنا هو السؤال التالي : ما هي الحجج التي بنى عليها كوالتي أدعاءه بان نظرية المعرفة الكنطية هي استباق لنظرية المعرفة الماركسية ؟ إن هذه الحجج يمكن اختصارها على النحو الأتي : إن كنط ، في اعتقاد كواليتي ، أكد بشكل قاطع عدم قابلية رد الواقع إلى الفكر الأفهومي وأسبقية الواقع على الفكر وأكد الفصل المطلق بين التضاد الواقعي أو الحقيقي والتضاد المنطقي . ولأسباب كهذه فإن كنط هو السلف الحقيق للمادية وليس هيجل ، حيث أن الأخير ، حسب تأويل كواليتي لفلسفته ، استهدف أن يبني كيف أن ما هو أفهومي يستوعب أو يستفيد ما هو واقعي ، مما يعني إفناء المتناهي والمادة ذاتها .


أن المسألة الرئيسية التي يثيرها كواليتي في مجمل الحجج التي يلجأ إليها لتسويغ أطروحته هي أن نظرية المعرفة الكنطية لا تسمح برد الوجود إلى الفكر وأن هذا نقيض المثالية وفي صميم المادية . إن نقد العقل المحض ، في نظره ، يقدم أدلة كثيرة على أتجاه كنط في اتجاه الأطروحة المادية وبعيدا عن المثالية . فمن النقاط الرئيسية في فلسفة كنط مثلا ، نقده للحجة الأنطولوجية التي تشكل محاولة لاشتقاق وجود الله منطقيا . لكن هذا يعني ، بالنسبة لكواليتي ، أن كنط رفض رد الوجود إلى أفهوم . حتى نفهم ما الذي قاد كواليتي إلى هذه النتيجة ، يجب أن نعيد إلى الذاكرة أن البرهان الأنطولوجي على وجود الله يمكن اختزاله إلى القياس الشرطي التالي :

 إذا كان الله موجودا في الفكر ، إذن الله موجود في الواقع

 الله موجود في الفكر

 إذن الله موجود في الواقع


إن المقدمة الشرطية لهذا البرهان تفترض أن وجود الله متضمن منطقيا في أفهوم الله ، والرد الكنطي علي هذا البرهان ينطلق من رفض هذه المقدمة علي أساس أن الوجود ليس محمولا منطقيا ، أي أنه ليس في أي حالة من الحالات متضمنا في أفهوم . والسبب الذي يعطيه كنط لهذا الافتراض الاخير هو أن وجود الموضوع ، أي موضوع معطي بصورة سابقة منطقيا علي محمولاته ، كائنة ما كانت هذه المحمولات . فالوجود هو الشرط الذي لا غني عنه للحمل ، وبالتالي وبالتالي فإن نسند محمولا ما الي موضوع ما يحتم وجود هذا الموضوع ، مما يجعل الوجود أمرا خارقا . إذن لا مهني لأن نفترض أن الوجود محمول منطقي ، وبالتالي لأن نفترض أنه يكون متضمنا في أفهوم . إن الوجود هو ما ينطبق عليه أفهوم معين أولا ينطبق ، هو ما نلجأ اليه للتحقيق من صحة أو عدم صحة أفهوم ما . إذن هو نفسه لا يمكن مطلقا أن يكون أفهوم أو جزءا من أفهوم .


إن ما يوضحه التحليل السابق لموقف كنط ، في نظر كوليتي ،هو عدم حسبان كنط للوجود محمولا منطقيا يقوم علي أعتقاد كنط الراسخ للوجود طابعا فو –منطقيأو فو – أفهومي (extra-conceptual ) إن الاعتقاد الاخير مفترض ، ليس فقط في نقد كنط للبرهان الانطولوجي بل في نقده للفكر الدغمائي ، بعامة ، وفي فصله الواضح بين الامكان الواقعي والامكان المنطقي ، وبالتالي رفضه رد الي سيرورات منطقية .


ففي نقد للفكر الدغمائي الذي يشكل نقده للبرهان الانطولوجي جزءا منه نراه يتجه بصورة معاكسة للمثالية وفي أتجاه المادية . الدغمائية هي الميتافيزيقا والخيرة هي وحدة الفكر والوجود .إن مضامين الميتافيزيقا ، حسب تأويل كوليتي ، يفترض فيها أن تكزن موجودا مقدما ومن المستحيل ، ضمن إطار الميتافيزيقا ، أن نطرح السؤال بخصوص أصل المعرفة التي في حوزتنا . ولكن الفكر النقدي بالمقابل،- الفكر الكنطي ، علي وجه التحديد ،- يفترض فرق حقيقي وليس فقط فرقا صوريا أو منطقيا بين الوجود والفكر . ولذلك فبالامكان ، انطلاقا من مسلمات هذا الفكر ، طرح مشكلة أصل المعرفة ، بوضفها مشكلة " نقدية " الي الحد الذي لا تكون عنده معطاه بصورة مسبقة . وهذا يفترض مقدما أن العنصرين اللذين يتوحدان منذ البداية في الميتافيزيقا لم يكونا دائما متحدين ، أي يفترض ، بأختصارد ، أن للمعرفة مصدرين : عفوية العقل والمعطيات التي أتفق أنها معطاه لحواسنا (29) .


أن نقد العقل المحض ، في أعتقاد كوليتي ، وضع للمرة الاولي الاسس لنقد الدغمائية الميتافيزيقيا أو المثالية ، وهذا الاسس تتلخص في اثنين : أولا ، إن ما هو مدرك بالحواس هو ذو طابع إيجابي . ما يعنيه هذا ، بالنسبة لكوليتي ، هو أن المدرك بالحواس ، بعامل طابعه فو – منطقي- ، يجعل من المستحيل رد علاقة الوجود بالفكر الي مجرد علاقة تماسك الفكر مع ذاته . ثانيا ، بالنسبة لاستعمال المنطق الي ما هو انطولوجي ، لأنة ليس سوي محاولة تعسفية لرفع ما هو زهني أو ذاتي الي مستوي العالم ، أي تحويل الافهوم الي أساس الواقع . (30) .


إن موضع الإدراك الحسي ، الشئ المفرد أو الحقيقي ، في اعتقاد كنط ، غير مستنفد في كونه موضوعا للفكر والإمكان المنطقي ، بالتالي ، ليس الإمكان الحقيقي . هذه النتيجة ، في نظر كولبتي ، مترتبة على الحجة الكنطية التالية : إذا صح أن ما يتفق أو يتعارض مع أفهوم معين يتفق أو يتعارض مع كل موجود جزئي يندرج تحت هذا الأفهوم ، فإن العكس لا يصح . بمعنى أخر ، لا يمكننا أن نسلم هنا بأن ما ليس متضمنا في أفهوم كلي ليس متضمنا أيضا في الأفهومات الجزئية التي تندرج تحت الأفهوم الكلي ، فالافهوم الجزئي هو جزئي تماما لأنه يتضمن في الكلي . ولكن هذا الشئ الأكثر الذي يتضمنه هو دالة للطابع فو – المنطقي للوجود العيني والحقيقي .


إن هذه النتيجة هي أيضا ما يصل إليه كنط عن طريق نقده لخلط ليبنتس ما هو منطقي بما هو أنطولوجي . إن هذا الخلط الذي نجده في الميتافيزيقا التقليدية ، بعامة ، يتخذ شكل خلط بين التضاد في الواقع والتضاد المنطقي . إن كنط ينطلق من مبدأ عدم التناقض ، مثلما يفعل ليبنتس ، ولكن بينما نظر الأخير إلى مبادئ الفكر على أنها أيضا مبادئ الفكر سوى على أنها مبادئ عقلية خالصة . إن هذه المبادئ التي يمكن ردها كلها إلى مبدأ واحد هو مبدأ عدم التناقض لا تستلزم أكثر من اتساق الفكر مع ذاته . لكن اتساق الفكر مع ذاته ، بالنسبة لكنط ، هو شئ غير تطابق الفكر مع الواقع . إذن فإن عدم وجود تناقض منطقي لا يمكن أن يعني وحده عدم وجود تعارض في الواقع.


المهم لأغراض كواليتي هنا أن تميز كنط بين التضاد المنطقي في الواقع يقوم علي أفتراض عكس نا تفترضه الاطروحة اله
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 02-29-2008, 05:22 PM بواسطة لايبنتز.)
02-29-2008, 05:16 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  هل الشيوعية والماركسية سيعودان ؟ علي هلال 5 1,668 01-23-2012, 06:07 AM
آخر رد: علي هلال
  المياتافيزيقا بعيون كانط رشيد عوبدة 9 2,631 08-21-2011, 01:34 PM
آخر رد: Kairos
  الواقع الفيزيائي بين كانط ولابلاص مصطفى قشوح 0 1,451 05-06-2011, 03:38 PM
آخر رد: مصطفى قشوح
  كانط في فضاء هابرماس لايبنتز 1 1,558 03-20-2008, 07:34 PM
آخر رد: لايبنتز
  منزلة كانط في مدرسة فرانكفورت لايبنتز 5 3,440 03-13-2008, 06:36 PM
آخر رد: لايبنتز

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS