جالس أنا على كرسيّي كالأسد بعد عناء يومٍ طويل في سهول سيرينجيتي الحارة في ملاحقة الظباء، منهكٌ بعد وجبة غدا/عشاء دسمة استهلكت كل ما بقي فيّ من قوى ... مرتاحٌ ها هنا أرتشفُ من "كاس" البيبسي على يميني، والسيجارة من على شمالي ... والقانون يصدحُ من حولي بأحلى الأنغام وأجملها
نسمةٌ باردةٌ كنسيم الربيع في بلدة أم قيس الجبلية، أكادٌ مع كل نسمة تُداعب رقبتي أشتمُّ رائحةَ أعشاب الربيع ورحيق نداه، أكادُ أشتمُّ رائحة الترب، تتراءى لي أغصان الزيتون مثقلة بثمار الجنّة
لن أفسد اللحظة بالبكاءِ على الأطلال وعلى ما مضى، بل سأستمتعُ بها لأبعد الحدود ... سأرحلُ عن جسدي لأزور مدينتي ... الآن ...
منيرةٌ هي كالعادة في المساء، منيرةٌ بأضواء السيارات المزدحمة في شوارعها الضيقة، بضحكات البسطاء من أهلها، بزقزقات العصافير تتجمع على شجرة النخيل التي تكاد تكون الوحيدة في المدينة كلها، أمام جامع أبي بكر الصدّيق (الشيشان) تغنّي أغاني المساء كما هو وديع الصافي يصدحُ من سمّاعات كمبيوتري
دعوني أهرولُ إلى منزلي، ذلك البيتُ العتيق المتهالك! ... ياااااااااااااه!!! لا زالت المياهُ تسيل من ثقبٍ في أحد الخزانات لتسيل على الحارة وتحول باب منزل الجيران إلى مستنقع وها هي شجرة العنب (الدالية) في "البرندة" الأمامية لا زالت راسخة في مكانها رغم أنها ما عدت تثمر، لكنها لا زالت تثمر ورقا أخضر رائعا لذيذا كل سنة، كالأم التي تنتظر ابنها الغائب عنها
دعوني أقتحم البيت لأرى ما في داخله
هههههههههههههههههههههههههه
كما كنت متوقعا بالضبط قرّةُ عيني أمي جالسةٌ أمام التلفاز تغمس أكياس الشاي في الإبريق الذي يغلي على "الصوبة"، وفي يدها الأخرى تحمل المريمية لتضفي على الشاي نكهة أخرى أروع، عدا عن نكهة عرق أمي التي لا يعادلها نكهة على وجه الأرض ... مقابلها تجلس قرةُ عيني الأخرى، أبي حبيبي وتاج رأسي، وكعادته في مساء يومٍ بارد ينكمشُ على نفسه ويغفو، ممسكا الريموت كنترول للتلفاز في يدهِ مرغما الجميع على مشاهدة ما رست عليه يده خلال آخر تقليبة بين القنوات وكلما حاول أحدهم اختلاس الريموت من يده ينتفض مثل الأسد في عرينه ليصيح "كاعد بحظر"
تقول أمي "يا ابو ابراهيم انت نايم ومش عم تحضر، خلي الولاد يحطوا على اللي بدهم ياه" ... وطبعا الجواب جاهز كما عهدناه من الحج "أنا مغمض عني وكاعد بسمع سماع" ثم يبتسم ويرجع لغفو مرة أخرى كأنه يلعب لعبة
الشاي اختمر، والعائلة اجتمعت لشرب فنجان مسائي حول نار المدفئة وأمام شاشة التلفاز ... "أبو ابراهيم ... أبو ابراهيم" تنادي أمي بصوت خفيف كأنها لا تريدُ إزعاج نوم الحج المسالم، لكنها في نفس الوقتِ لا ترضى أن تصبّ لنفسها قطرة قبل أن يتذوق الحاج الشاي ويقول لها "يسلمو دياتك يا أم ابراهيم"
أريد أن أكبر لأعيش لحظة مماثلة مع امرأة مثلها أمي ... يُقالُ أن الرجل يبحثُ في المرأة التي يريد أن يتزوجها عن صفات أمّه ... والله لا ألوم نفسي ولا ألوم الرجال بتاتا
تشربو شاي؟:D
:redrose:
02-29-2008, 12:40 AM
{myadvertisements[zone_3]}
العلماني
خدني على الأرض اللي ربّتني ...
المشاركات: 4,079
الانضمام: Nov 2001
أبا إبراهيم، يالله عقبال ما تكبر مع أم ابراهيم سوا:D
أغنيتك ذبحتني:icon_cry:
:97:
ليلى مين أحمد منيب؟:D
حبيبي يا عبدو:redrose:
البارحة على فكرة اتصلت بالأهل، وفعلا كان الوضع كما توقعت ... قعدة الشاي واستيلاء الوالد على الريموت لينام على صوت هيكل:lol22:
(f)للزمان الجميل بأهله وذكرياته، وشايه:D
لستُ أدري لماذا ذكّرتني نسائم الليل البارحة بحيفا، رغم أنني لم أرها يوما ولم أعشها إلا أنني قادرٌ على رسم صورة ولا أروع لها، أحسُّ بشيءٍ في داخلي يشدّني إليها ... كم أتمنى لو أزورها يوما:redrose:
02-29-2008, 12:09 PM
{myadvertisements[zone_3]}
ابن حوران
عضو رائد
المشاركات: 776
الانضمام: Aug 2003
بما أن التجلي يستمر لليوم الثاني:Dوبما أنني رجعت إلى أيام الطفولة
خلونا نجهّز قعدة بالله يا جماعة لو سمحتوا بدي أخرفكم خريفية حلوة:aplaudit:
جيبو الطبلية بالله وكل واحد يشلح من رجله ويتربّع ... كل واحد يفت خبز بصحن ويصب عليه الشاي ويبشر جبنة بيضا فوق المواضيع مع شوية سكّر لنأكل أحلى أكلة على وجه الكرة الأرضية كلها ... وأحضروا الصوبة حاكم البردات بيقرصوا قرص
جاهزين للقصة؟
كل واحد ياكل لقمة من الفتة، بدي الصحون تخلص كاملة هه:bouncy:
هاظ كان يا ما كان، في سالف العصر والأوان ... كان في كرية كان يعيش فيها الحطاب وأمه واخوانه الصغار، وبرات هالكرية كان فيه غولة دايرة في الغابة، وكان الكل يخاف منها، وكانت دايما تطب على البيوت اللي فيها ولاد بتلعب وبتكردن أهاليها وتسرك خبزاتهم
والله بيوم طلع الحطاب يحطّب في الغابة وكعدت امه تدير بالها عالبيت وعلى ولادها الكرود ... أجت الأم بدها تروح تجيب مية من النبعة الكريبة، وكالت لولادها يكعدوا هاديين وبدون كردنة بلاش تيجيهم الغولة ... بس الولاد كبر عزهم ان شاء الله ما ردوش على إمهم وكلبوا البيت فوكاني تِحتاني
رجعت الإم عالبيت لكت الخبزات رايحات، وهي اللي كعدت من الصبح تعجن العجينات وتخبزهن ... استنت الإم لحد ما أجا الحطاب وخرّفته أنو الغولة سركت الخبزات ... هاظ الزلمة كان في مخ وطار وحلف يمين إلا يروح يسلخ الغولة بدن ويرجع الخبزات.
طلع هالحطاب هو وامه يدوروا على بيت الغولة ... لكيوها ساكنة في نص الغابة وكاينة جوات البيت وثكبتها طالعة من خزك في الباب!!! ... فكروا فكّروا والا الكاروطة ام الحطاب طلعت بفكرة ... كامت جابت شوية حطب وحطّتهم تحت ثكبة الغولة النّابزة من خزك الباب، وولعوا هالنار
ما فيش دكيكتين والا طلعت هالغولة وثكبتها ملهلبة وكاعدة تصيح وتدور في الغابة "طفوووووووونييييي طفووووووونيييي" وما حداش سائل بيها ... وأخذت أم الحطاب الخبزات ورجعتهم للبيت وعملت منهن فتّة خبز وشاي وأكلوها سوا
خلصتوا الفتة يا كواريط؟:D
الله يرحمك يا ستي يا فلحة ويرحم قعدات فتة الخبز والشاي في المطبخ ... الله يرحم أيام المِخلمة :redrose:
02-29-2008, 07:53 PM
{myadvertisements[zone_3]}
-ليلى-
عضو رائد
المشاركات: 3,167
الانضمام: Feb 2005
أحمد منيب مطرب وملحن مصرى نوبى.ولد أحمد منيب في 4 يناير/ كانون الثاني عام 1926 ، أي بعد بناء سد أسوان بسنوات قليلة، وقد عاش مخلصاً لذلك الشجن الصافي لتلك الجماعة،جماعة النوبة.