صدر كتاب حديث بعنوان "الاختلاف في الثقافة العربية الاسلامية: دراسة جندرية" للكاتبة آمال قرامي، عن دار المدار الإسلامي. و"الاختلاف" في العنوان يأتي بمعنى "التمييز". والدراسة تنطلق من المقولة التالية: أن الاختلاف بين الذكر والانثى منشأه ثقافي أكثر منه طبيعي. ومن هذه المقولة، تصبح لكل ثقافة نظرتها الخاصة للذكر والانثى ورسم الحدود والتفاضل بينهما. ومن هذا كله، تأتي الدراسة لتسلط الضوء عن مظاهر الاختلاف في التراث بين الذكر والانثى.

الكتاب ضخم جدا، ويقع في ألف صفحة، وكنت أتصفحه قبل قليل، ووقعت على فصل الاختلاف بين الذكروالأنثى في الجماع، ووجدت فيه من الأمور الطريفة ما أردت مشاركتكم إياه.

في عملية الجماع: لمن الحق في المتعة؟ وكيف يتم تحصيل هذه المتعة؟

تأتي النصوص الدينية آمرة الرجال بأن لا يتعجلوا، وان يدعوا النساء يقضين حاجتهن. ولكن ثقافة الذكور، ربطوا بين الحث على قضاء المرأة لحاجتها وإنجاب الولد. فالرجل لا يهتم بقضاء المرأة لحاجتها، إلا لكون الإنزال أمر ضروري للحمل. قيل أن الزوجة "إذا لم تنزل لم يكن ولد". وهناك أمر آخر يجعل الذكور حريصين على أن تقضي المرأة حاجتها، وهي خشيتهم على ان تلتفت لغيرهم... أما اعتبار قضاءها لحاجتها حقا إنسانيا لها كما هو للذكر، فهذا قد يكون قريبا من غير المفكر فيه!

ومن مظاهر الذكورية، أن العلماء اعتبروا المرأة التي ترى رجلا فيعجبها، ثم تستعيده في مخيلتها أثناء مواقعة زوجها إياها، صورة من صور الزنا. في حين أن السنة أمرت الرجل الذي يرى أمرأة فتعجبه أن يواقع أهله ليذهب ما في نفسه!

ومن هذه المظاهر، ما اختلف فيه العلماء من الحد الادنى لما تحتاجه المرأة من الجماع، فمن قائل أنها مرة في كل طهر، ومن قائل أنها مرة لكل شهر، وهناك من ألغى الحد الأدنى، معتبرا أن النكاح حق من حقوق الرجل، لا يلزم به!

وكتب الفقه تصور العملية الجنسية أنها حق خاص للذكر، فله أن يستمني على يد امرأته، وله أن يجمع زوجاته في فراش واحد إن كن لا يمانعن في ذلك، كما أنه له التمتع بين الإليتين من دون إيلاج، وله مداعبة الحائض بما فوق الإزار، وأنه يجوز له وطئها في بطنها. بل حتى في حال مجامعة الحائض، لم يرتب الفقهاء على ذلك كفارة، بل عليه الاستغفار والتصدق. وتتضح الصورة أكثر عندما نجد من يفتي بأن المرأة التي يواقعها زوجها نهار رمضان لا تجب عليها الكفارة، بما يوحي للكيفية التي يرى بها وضع الذكر في الجماع بانه "فاعل" وما المرأة إلى مجرد "مفعولة به" لا حيلة لها ولا اختيار! بل يصل الأمر لحد تفضيلهم نكاح المرأة المصابة بالحمى، لاعتقادهم أن كلما ارتفعت حرارة المرأة كلما كان التمتع بها ألذ، وكذلك كان احتمال الحمل بالذكر أكثر. وانطلاقا من ربط الحرارة باللذة والذكر، فضل الكثير أن يغضب الرجل امرأته، فجماعها وهي غاضبة، ألذ وأضمن لإنجاب الذكر!

ومن أهم مظاهر الذكورية هو التعدد، وفيه تأكيد على أن الذكر هو مركز العملية الجنسية. وبغض النظر عن الظروف التي أحاطت بآيات التعدد، فإن الممارسة النظرية الفقهية والعملية، قد استغلت هذه الايات أيما استغلال لتكريس التفوق الذكوري.
هذا المجتمع الذكوري أثر على نظرة المرأة لنفسها، فصار همها الأساسي أن تشبع رغبة الذكر أكثر من همها في إشباع رغباتها هي، وهكذا ترد العديد من الوصفات التي تطيب رائحة الفرج وتضيقه وتسخنه، وذلك من أجل أن يحب الرجل العودة إليها والخلو معها. بل تقييم المرأة لنفسها، وتقييمهن لغيرهن يكون بمعيار ذكوري: هل تخلى عنها زوجها أو تزوج عليها أو لم ينظر لغيرها؟ وهكذا يتحول الهدف من الزواج بالنسبة للمرأة إلىتقديم كافة التنازلات من أجل عدم حدوث الإهانة الكبرى: الزواج عليها!

وفوق هذا وذاك، نجد المجتمع الذي أباح للرجل لعب الدور المركزي في العملية الجنسية، والتسري بما لا عدد له، والتعدد. يواجه المراة بمجموعة من القيود. فطول بظر الأنثى دليل على توقد شهوتها، ومؤشر على أنها ستنحرف إما إلى زانية أو إلى سحاقية، ولهذا كان يجب قطعه او تقصيره... فيما يسمى بالخفاض. فلكي يثبت الأهل أن بنتهم لا تتوفر على بظر طويل يقومون بممارسة طقس الخفاض، لصون عفة المرأة ونسبها. يقول أحد الشعراء في وصف جارية:
فاحشة النقصان لكنها
قد كملت بالبظر تكميلا
أزرى بها الله فلم يعطها
إلا بطول البظر تفضيلا
إذا بدا الفيل وخرطومه
قلنا أعارت بظرها الفيلا

تقول آمال قرامي: "وهكذا كان من واجب المرأة أن تستجيب للمعايير التي ضبطها المجتمع وان تحافظ على قيمة الستر التي قامت عليها الانوثة. فتقطع جزءا من البظر إمعانا في حجبه عن عين الرجل حتى لا ينطبق برغبته او يذكره بوجود وشائج تصل الانوثة بالذكورة... كما أنه محاولة لتصميت المرأة في حد ذاتها... وفق هذا الطرح يصبح الخفاض فداء تدفعه الانوثة لفائدة الإعلاء من شان الذكورة".

وبقطع البظر، تنحصر متعة المراة من الجماع، باللذة المهبلية، دون اللذة الفرجية! و" يتم تحويل المراة من ملك مشاع يمكن أن يستمتع به الاجانب إلى جسد مملوك معد لاستهلاك رجل واحد...".

أخيرا، هذا تراث حيّ، أي أنه ليس مجرد فتاوى وقصص تذكر في جوانب وهوامش وذيول كتب صفراء لا يقراها إلى ذوي اللحى. بل هو تراث يعيش معنى، في تحركاتنا في احتكاكاتنا مع بعضنا، في علاقاتنا مع بعضنا ذكورا إناثا. واكتشاف هذا التراث، ثم محاكمته، ثم تجاوزه ... هو مهمة ثقافية أصيلة، محلها العمل والسلوك، قبل النظر والفكر. وهذا الاستحضار إن لم يكن برسم المراجعة النظرية العملية، أضحى ضربا من ضروب التفنن في جلد الذات، وإهانتها أمام سطوة صورة الآخر الذي لا يتبدى إلى متربعا في علوّه القيمي والاخلاقي والفكري!

وصباحكم ذكورة:P