abdou
here one articel about the same issue but in syria
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=71153
بؤساء سوريا.. لم يموتوا ولم يعيشوا ..لكنهم اخترعوا حياتهم تحقيقات
أعمالهم حرة جداً..واللافتات الانتخابية.. خيما يسكنوها
د.دعاس : لو أصيب بهذه الجراثيم والأمراض آخرون لأودت بحياتهم!!
لا شيء يوحي بأن عينيك ستقعان على مكان مماثل.. كأنك تكتشف شيئا منسيا يخرج من زمن آخر،
على مشارف المخيم الذي اخترعوه ومنحوه أوصافاً واسما، تتساءل هل هو خطأ الطبيعة التي شحّت عليهم في موطنهم الأصلي فحرمتهم من قطعة أرض يزرعونها أو حتى يقطنون فيها؟.
أم هو خطأ الدولة التي لم توفّر لهم في مسقط رأسهم أي فرصة للحياة أو مورد رزق يعتاشون منه أيا كان شكل هذا المورد؟ ام خطأهم أنهم ولدوا هنا في هذه البلاد التي ضاقت بأهلها فأصبحت طاردة أبنائها يهيمون بوجوههم أصقاع الأرض لعلهم يقعون على ما يشبه الحياة..
إنها الأسئلة الأولى التي تتداعى إلى ذهن أي منا عند وقوع نظرة على هذه المستوطنة التي يبدو بأنها أقيمت على عجل وغصباً عن الطبيعة نفسها.. وبنفس الطريقة التي ينبت فيها العشب بين مفاصل صخرة..أو ربما بنفس البساطة التي تنبت فيها زهرة على مزبلة!! نعم..
قد يبدو المشهد صادماً للوهلة الأولى, ولكن استسلام هذه الكائنات لقدرها بهذا الشكل الغريب سيبعد عنك أية آثار للصدمة لتبدأ بعد ذلك رحلة البحث عما يشبه الحياة.. وليس من الضرورة أن تجده هناك!
صاخور دمشق!
أكثر من ألف كائن بشري.. هجروا مناطقهم الأصلية في ريف حلب طلباً لأي مورد رزق قدموا بمعظمهم من منطقة تدعى "الصاخور".. وأسس الرعيل الأول منهم الخيمة الأولى في مخيم(يبعد 15 كم عن دمشق) سيطلقون عليه فيما بعد مخيم الصاخور..
بدأت الحكاية بثمانية خيم فقط، وهكذا فإن أبناء الجيل الأول وجدوا لهم مستقراًَ هنا في ارض لا تتجاوز مساحتها الهكتارين فنقلوا البشرى لأهاليهم وأقاربهم القابعين هناك بانتظار الفرج , فلبى هؤلاء النداء ليصبح عدد الخيم اليوم أكثر من مئة.. معظمهم من الصاخور والبعض الآخر من قرى مجاورة لم يفوتوا فرصة الالتحاق بمكتشفي المكان يقول علي محمود محمد : خرجنا من قرانا قبل أكثر من 15 سنة .. اتجهنا أولا إلى الكسوة ثم تركناها لنتجه نحو الحرجلة.. ليتم في كل مرة إخلاؤنا لغير سبب, نجد أنفسنا أخيرا هنا.. وها نحن نقيم هنا منذ أكثر من عشر سنوات والحمد لله بتنا ننعم ببعض الاستقرار.
سوريون بامتياز..
هم ليسوا من البدو الرحل, إنهم من ( تركمان ) حلب .. "لكننا سوريون ولدينا هويات سورية وكلنا أدى خدمة العلم" بهذه العبارة يؤكد كامل محمد الشقيق الأصغر لعلي على هويته السورية!!
ليس هذا فقط , فهم أيضاً مواطنون سوريون صالحون وهم ممتنون للغاية من الحكومة التي لم تطردهم حتى الآن من مستقرهم الأخير هذا.
يقول كامل محمد : "نحن نسكن الآن على ارض هي ملك الدولة , لكن الحمد لله لم يطلب منا حتى الآن مغادرة هذا المكان , لابل إن مسؤولاً كبيراً يملك هذه الأرض, وهو من يمنع إخلاؤنا بالقوة عنها.."
يتحدثون عنه وكأنه قديس أو اله .. دون أن يعرف احدهم ماهيته أو من هو؟! فهو القوة كلية القدرة التي تمنع عنهم حتى الآن الترحيل..
يضيف شقيقه علي : " سمعنا أن بعض الجهات والبلديات حاولت إثارة موضوع سكننا هنا لكنه لم يسمح لهم بالاقتراب منا !!"
لكن بلدية صحنايا مع ذلك لم تتركهم بحالهم فقد أرسلت أكثر من دورية للتحرش بهم والحصول على ما تيسّر من إتاوات, ولكن أية إتاوات هذه التي يمكن أن تحصل عليها من أشخاص لا يملك معظمهم ما يقتاتون به!!
أعمالهم حرة!!
ماذا تعملون لكسب رزقكم ؟ سيجيب الجميع بأنهم يعملون بالأعمال الحرة ولكن أية أعمال حرة هذه التي تجعل صاحبها في هذا الحال؟
يقول حسين الأحمد : معظمنا يعمل ( بويجية ) وقسم آخر يعمل في بيع اليانصيب فيما قسم ثالث هم من المراهقين والأطفال يعملون في جمع القمامة وفرزها وبيع ما تجود به عليهم..
وفعلاً يتوجه عشرات الرجال كل صباح قاطعين أكثر من 15 كيلومتراً باتجاه العاصمة يسعون إلى رزقهم.. والأجر على الله كما يقول حسين, إذا وفّقنا نجني في اليوم ما بين 100 و 200 ليرة أجلس في المرجة أو الحمرا أو الصالحية بانتظار زبائني وأتقاضى عشر ليرات أو 15 ليرة على كل زوج أحذية,ولكن هناك من يناولني بقشيشاً وهذا ما يجعل مردودي أفضل.. أما كامل فيؤكد : أعمل في بيع اليانصيب ومعي مجموعة من أهالي المخيم, فإذا وفّقت أبيع منها عشرة أوراق وربحي من كل ورقة أبيعها 25 ليرة " الحمد لله ساترها ربك ".
لكن الطامة الكبرى كما يؤكد هؤلاء عندما يتم القبض عليهم من قبل الشرطة السياحية . فهم كما تعتقد وزارة السياحة يسيئون إلى السياحة في سوريا, ويعطون للسياح صورة سيئة ومشوهة عن هذا البلد!!
يقول علي الأب لسبعة أولاد أكبرهم في العاشرة : قبضوا عليّ بينما كنت في المرجة, اخذوا " صندوق البويا " وأودعوني في سجن الأحداث بدنّون , بقيت هناك لمدة (22) يوم وكانت التهمة الموجهة اليّ "تسوّل" ولم يخرجوني إلا بعدما دفع أهالي المخيم 7 آلاف ليرة "رشوة " .. ويضيف علي: خلال (22) يوماً قاربت أسرتي من الموت فأنا معيلها الوحيد ولولا مساعدة أهالي المخيم لهم ومشاركتهم بالطعام لماتوا جوعاً .. ولكن أي جوع هذا الذي يتحدثون عنه , خطرت في بالي هذه الفكرة وأنا أراقب زوجة علي التي كانت منهمكة بطبخ المجدرة وقد أضافت لها دبس البندورة لتكون الوجبة الشهية لأسرة مكونة من تسعة أنفار, يحيط معظمهم بالبابور وكل منهم يخطف ما تيسّر من ( المرقة) التي تغلي غير عابئين بسخونتها التي يطفأها ظمأهم لأي شيء يشبه الطعام.. يقول الأب مازحاً : تفضلوا شاركونا بوجبتنا فهذه الطنجرة هي بمثابة اللحمة لدينا!!
ويقاطعه شقيقه قائلاً : بائع اللحمة الوحيد الذي كان يبيع اللحم مشوياً على منقل يأس من إمكانية أن يتجرأ أحدهم على شراء ( سندويشة ) من اللحم , فيما عشرات الأطفال يتحلّقون حول الموقد يختلسون النظر إلى نوع من الطعام لم يألفوه من قبل ولكن رائحته تشي بأن طعمه قد يكون لذيذاً إلى درجة أن معظمهم يحلمون بأنهم عندما يكبرون سيحصلون على المال لشراء ( سندويشة لحمة)!!
النساء يقشرن الاحذية..!
في الوقت الذي يغادر آخر الرجال ارض المخيم كل صباح تسرع النساء إلى بمزاولة أعمالهن حيث تتجمع ثلة منهن فوق كومة من الأحذية المستعملة غنموها من أكوام النفايات ليقمن بتقشير الحذاء وفرز النعال لبيعها , هنا يبدو التكامل واضحاً بين عمل المرأة, فبعض الرجال وكثرة من المراهقين يعملون على جمع الأحذية القديمة والأدوات البلاستيكية لتقوم النساء بعد ذلك بإتمام المهمة وفي النهاية يباع الكيلو الواحد من هذه النفايات بعشر ليرات!!
إلا أن بعض النساء وجدن لأنفسهن عملاً أكثر سهولة ربما , لكن لن يكون أكثر مردوداً بالتأكيد فتركيّة هي أرملة استثمرت تحويشة عمرها ( ألف ليرة ) لتحول جزءاً من خيمتها إلى ما اتفق على تسميته دكّاناً , لكن مشروعها هذا ما كان له أن يبصر النور الاّ بعد عملها لأكثر من خمس سنوات في تقشير الأحذية وبالتالي تجميع هذا المبلغ .
سند هو بائع أيضا أسس لنفسه ( وهو المتزوج حديثاً ولديه ولد واحد ) مشروعه الخاص ( دكان أيضا) , محتوياته بمعظمها مخصصة للأطفال .. وتستطيع أن ترى أن قيمة محتويات الدكان بأكملها لا تتجاوز الـ 500 ل.س !! وهو راض عن سير العمل معتبراً أن " الله ساترها معنا " لدرجة انه يقوم ببيع بعض الأطفال بالدين !! "فهؤلاء أهلي وأقاربي جميعاً كيف يمكن لي أن احرمهم من قطعة بسكويت اشتهوها ؟! "
خدمات لا يحلمون بها !
كيف يمكن أن تسأل عن أي خدمات في مكان تبدو الحياة فيه بحد ذاتها ترفاً؟ ولكن مع ذلك تعالوا نتغاضى عن كل منطق ونسألهم.. من أين تشربون ولا أرى أية تمديدات أو صهاريج؟ ومن أين تستمدون الكهرباء ولا أرى أية مصابيح أو حتى أشرطة كهرباء؟ وأين تعلمون أولادكم وانتم بعيدون عن اقرب تجمع بشري كيلومترات عديدة؟
وكما توقعت كانت الأجوبة مصحوبة بنوع من التهكّم من صاحب السؤال تقول إحدى النساء المنخرطات في الحديث : المياه تأتينا بالصهريج ولكننا ندفع ثمنها لنملأ بعض الأواني المتوفرة لدينا , أمّا الكهرباء فهي خدمة لا قبيل لنا بها ولا مجال للحصول عليها, ورغم وجود بعض التلفزيونات في بعض الخيم الاّ أن أصحابه يتعاملون معه كصمدية أكثر من كونه مصدراً للأخبار والمعلومات عن هذا العالم الذي يعتقدون بأنه مخيمهم!!
يتدخل أحد الشبان ( محمد أحمد ) :لا كهرباء لدينا وأقرب شبكة تبعد عن المخيم مئات الأمتار , ولذلك فنحن سنحتاج للوصول إليها إلى أشرطة قد تكلّف الواحد منا مئات الليرات وهو ما لا قدره لنا عليه خاصة أن بعضنا جرّب ذلك فقامت دوريات البلدية بقطعه ومصادرته وتغريم هؤلاء بآلاف الليرات!!
ولذلك فان كل مجموعة منا اتفقت فيما بينها على شراء ( موتورات كهربائية ) نستخدمها عند الضرورة فقط, والضرورة هنا لا تشمل ما بعد السابعة مساءاً وذلك أن المخيم بعد هذه الساعة يكون أشبه بمقبرة لا صوت فيها ولا حركة كما يؤكد محدّثنا
ونسأله : أتنامون في هذه الساعة الباكرة للنهوض باكراً إلى أعمالكم وأولادكم للالتحاق بالمدارس؟
أية مدارس يجيب كامل محمد؟ ألا ترى أننا لسنا ممن يرتادون المدارس؟! ويضيف بشيء من التفاخر :" أنا الوحيد الذي وصلت إلى الصف السادس ولكن ليس هنا , بل في حلب أما الباقون كباراً وصغاراً فلا يعرفون ماذا تعني المدارس!!!
ويستلم عبد الرحمن الحديث قائلاً: كيف لنا أن نرسل أولادنا إلى المدارس واقرب مدرسة هي في صحنايا على بعد كيلومترات ؟ ثم إننا لا نعرف متى يتم إخلاؤنا عن هذا المكان ؟ وتضيف أم خضر: المدارس تكلّف مصاري ومن أين نأتي بالمصاري ونحن لا نشبع الأكل إلا بطلوع الروح؟!
في الهواء الطلق !
سيثير انتباهك وأنت قادم أو ذاهب من والى المخيم حركة ذهاب وإياب لبعض الرجال يختفون خلف أكوام التراب, وحركة مماثلة للنساء في الاتجاه المعاكس , وعندما تسأل سيأتيك الجواب: إنها أماكن قضاء الحاجة!!
وباعتبار كل شيء في هذا المخيم متروك للقدر فمن الطبيعي إذن التماهي مع الطبيعة في هذا الأمر أيضا , لكن الناس هنا وجدوا نوعاً من التنظيم الفطري , أو قانوناً كأي مجتمع آخر ولكن بحدود الممكن فأعدوا قانونا يقول إن الرجال يحصلون على الجهة الشرقية بينما تكون الجهة الغربية بمساحاتها الأكثر حشمة مخصصة للنساء, والأطفال ماذا عنهم ؟ اتفق الجميع على ما يبدو إن الأطفال بإمكانهم قضاء هذه الحاجة في أي مكان يريدون أو يصلون إليه لابأس , ولذلك سيكون عليك كزائر أن تصادف العديد من حقول الألغام التي زرعها أولاد لايوجد ما يفرزونه أصلاً!!
أمراض " صاخورية" جداً !
بحكم كل ما تقدم وباعتبار إن لاشيء يمكن أن يدلك على وجود حياة في هذا المكان سيكون بحكم المنطق هذه المرة أن يكون المرض هو الأكثر حضوراً هنا , تستطيع رؤيته على ملامح كل البشر رجال, نساء, شيوخ, أطفال وخاصة الأطفال .. ربما استطاع معظمهم تحدّي الأمراض التي قد تكون مرعبة بالنسبة لغيرهم, ولكنهم بالمحصلة يموتون ( ناقصين عمر ) يستطيع ايّاً كان إن يلاحظ إن متوسط الأعمار هنا لا يتجاوز الأربعين.. وكأننا في اشد دول افريقيا فقرا .. ترى الرجل منهم فتعتقد أن عمره خمسين عاماً لتفاجأ عند سؤاله أن عمره ثلاثين!!
أما وجوه الأطفال وهيئاتهم المختلفة عن كل ما رأيت سابقاً فتقول للناظر إليها " نحن نعيش من قلة الموت " أو غصباً عن الطبيعة..
ويؤكد ذلك الطبيب عبد الحكيم دعاس الذي يعاين أطفالهم مجاناً : الأطفال هنا مختلفون عما نراهم في أماكن أخرى فلو كانت هذه الأمراض والجراثيم موجودة في مكان آخر لأودت بمعظمهم مضيفاً : لقد تآلفت أجسامهم مع الجراثيم والحشرات , فحتى الطعام الذي يتناولونه قد يسبب حالات تسمم تؤدي إلى الموت , جميعهم يعانون من انتانات معوية وتنفسية وأمراض جلدية لا تعد ولا تحصى بدءا بالجرب مروراً بجبة حلب ووصولاً إلى التجفاف ويبدو أن حبة حلب أبت إلا أن تذكرهم بمسقط رأسهم حلب فهي الجامع بين عدد كبير وخاصة الأطفال تترك دون علاج حتى تأكل من وجوههم ما تبقى منها..
نعمة الانتخابات واللافتات !
خيمهم ليست كباقي الخيم خاصة ليست كخيم البدو الأكثر اتساعاً, المميزة الهوية والمفتوحة, هنا الخيمة مغلقة وقد فصّلت على شكل غرفة ويجاورها مطبخ أحياناً .. ولكن خلطة المواد المؤلّفة لنسيج هذه الخيم متنوع بشكل كبير فمن الأقمشة المهترأة إلى ألواح الخشب والكرتون , إلى أكياس النايلون والتوتياء كلها جمعت ووصلت مع بعضها لتشكل مسكناً يضم بين جنباته ما لا يقل عن سبعة أنفار وذلك أن الأسرة الصغيرة يصل عدد أطفالها في اقل تقدير إلى سبعة أطفال في حين يتجاوز عدد الكثير من الأسر الأخرى العشرة!!
هذا المسكن لا يحمي ساكنيه حرّ الصيف أو برد الشتاء. لكنه مصنوع ربما لهدف واحد هو ( السترة )..
قبل نحو سنة وتحديداً مع انتخابات مجلس الشعب الأخيرة شهد المخيم إعادة بناء جديدة جاءت على معظم خيمه.. فبعد انتهاء الانتخابات استطاع سكّان المخيم الفوز بعدد كبير من اللافتات لعدد كبير من المرشحين استخدموها في ترقيع وتجديد أسقف وجوانب خيمهم , لا بل إنها أعطت خيمهم لوناً يشبه الحياة بعد أن كانت الأقمشة المستخدمة سابقاً داكنة غالباً أما من الأصل أو بفعل تراكم الأوساخ..لتتحوّل هذه الخيم إلى ألوان زاهية وكأنها قوس قزح على الأقل من الداخل.. لابل استطاع بعض المحظوظين من سكان المخيم استخدامها في توسيع مساكنهم وإضافة مساحات جديدة أملاً في استيعاب المزيد من الأطفال القادمين بقوة الطبيعة..
لكن المفارقة لم تكن في تغيّر ألوان الخيم بل فيما كتب على هذه اللافتات التي باتت جزءاً من مساكن المخيم حيث تقول إحداها :" معاً في مسيرة الإصلاح ومكافحة الفساد والقضاء على الفقر والجوع" لكن من المؤكد أن أهالي المخيم الأميين لم يقرؤوها أو يفهموا معناها وبالتالي لم يجدوا فيها أكثر من أقمشة لترقيع خيمهم البالية ..