إرهــــابي

عندما هويت عليها بعصايا الغليظة غير آسف، فهي على كلّ حال ضرب غير مبرح، نظرت إليّ بحنق و تلفظت وهي تطبق على الكلمة بقسوة الانتقام : إرهابيّ
بهت ساكنا مصدوما، الصور بارحتني بتشنج وهي تعجزني، كان شعور بالانتفاء الساخر يطبق على حنجرتي، فتناثر سبابي اللعين يفرغ آلامي العميقة، طلقتها، ثمّ خرجت ...
قلت له بغيض : نعتتني بالإرهابي
قال لي : و ما الضير في ذلك ألسنا كلّنا إرهابيين، ألا يطالعك هذا النعت في كلّ مكان
- و لكن ليس من زوجتي
- بل حتّى من إبنك لو لزم الأمر، فلا فرار من الأمر، لقد قرّ القرار و ما عليك سوى الاتباع، يا بني
- هكذا
- أتشعر بخلاف هذا
- ولكن ...
- أنت الآن تعاند
- حسنا، كيف يمكن أن أصلح الأمر
- أمري للّه، تعالى للبيت و سنصلح الأمر
رمقتني باشمئزاز، توهمت أنّه الأسف عينه، همست لها برجاء : حقك عليّ، فأنا إرهابيّ ابن إرهابي، لما لا، تقبلي فقط عذري الأبدي.
ضحكت و استمرت الحياة

الحزام الناسف

زعق مثقف القبيلة في موكب احتفالي بآلهة الشمس، و هو يتقي نظرات التحذير التي تلمع من عيني القائد الأعظم : عليكنّ أيّتها السيدات بالسفور.
في الخيمة الدائريّة و سط الصحراء البعيدة وقف القائد الأعظم يحدث مثقف القبيلة بنفاد صبر، كان غاضبا إلى الحدّ الذّي جعل الجلّاد يحضر سيفه و الصليب و يوقد نارا ...
القائد الأعظم : ويحك، أتدعو النساء إلى السفور.
المثقف : يا قائدي المعظم، النساء يتخفين وراء برقعهنّ و حجبهنّ و أرديتهنّ ...
القائد الأعظم : حسنا، و ما العيب في ذلك، ألست أنا من أمرهنّ بذلك.
المثقف : نعم، و لكن هذا جعلهنّ يتمتعن بفضاء حرّ يتوارى عن رقابتك، فيجعلنه مكانا آمنا لأحزمتهنّ الناسفة؛ لذلك دعوتهنّ لنزع هذه الحريّة التي لم تعد على القبيلة إلّا بالوبال.
القائد الأعظم ينادي وزيره الأكبر : فلتبلغ الناس قانوني الأسمى بسفور النساء، و لتجعل مثقفي هذا وزيرا للداخليّة و الدفاع ...

عجوز البئر

توقف الجميع عند البئر ينتظرون دورهم، كانت العجوز الخاملة تنوح بؤس فقد الابن الوحيد في حرب الفئران المتمردة. أشفق الجميع عليها شرّ العطش، قرروا مساعدتها و لكن اختلفوا في الكيفيّة حتّى تصارعوا باللكمات، قال كبيرهم : أملؤ دلوها أنا
قال صغيرهم : بل يسكب كلّ منّا بعض الماء في الدلو حتّى يمتلئ
قال ولي القرية : أنا الأحقّ بالملء و إلّا حقّت عليكم اللعنة
قال متمرد القرية : في الخطب مؤامرة
قال فقيه القرية : ما كان على العجوز الخروج من دارها
قال سفيه القرية : لقد شاهدتها في وضع فاحش مع خبّاز القرية
قال خبّاز القرية وهو يوجه الحديث إلى السفيه : تلك زوجتك
تقدّم مجرم القرية من العجوز، و حملها بين ذراعيه؛ ليلقي بها في النهاية إلى قاع البئر، عمّ الصمت المكان إلّا من استغاثة العجوز وهي تنازع...
قال شاعر القرية : فلنحتفل منذ اليوم بذكرى وفاة عجوز البئر

غمثبصعك

ألقى الورقة في خبث على الطاولة، تناولتها في حركة آليّة، كانت مرقونة على آلة كاتبة بدت بعض حروفها غير واضحة. قرأتها في صخب الاهتمام الفضوليّ
" عليك بكتابة الكلمة المذكورة في أسفل الورقة ألف مرّة ثمّ مررها إلى ثلاث من معارفك، ستعاقب أشدّ العقاب إن أهملت كتابتها أو تمريرها؛ ستعاني الفشل المنكر، سيصيبك مرض مقزز، ستحرم نهائيّا من الصفاء ...
الكلمة : غمثبصعك
لا تسرف في الأمل بالنجاة؛ فاللعنة قد تصيبك حيثما كنت "
مزقت الورقة ببلاهة الانتقام، و انحسرت إلى سخريتي المتغافلة، و انتهى المطاف إلى لا شيء...
عفوا كدت أن أنسى أن أقول لك : أني كنت أعاني من عقاب الورقة حتّى قبل أن أمزقها.

الأديب طارق
قرأت أقاصيصك القصيرة جدا
ومع أنني لا زلت غير قادر على استيعاب هذا النوع من القصص إلاّ أنني وجدت في بعضها نقلة نوعيه سواء في الفكرة الملتقطة أو في طريقة العرض والسرد مما يدعو لأن نقف أمام هذه الظاهرة الأدبية باحترام
فالقصة الأولى فيها لقطة جميلة ورائعة وتوصيف جيد لحياة رجلنا الشرقي ، وهذه الهوس في طبيعتنا الإرهابية.
وفي الثانية تكريس للأولى من حيث معالجة فكرة الإرهاب والأحزمة الناسفة وربطها بالحجاب والسفور؟؟ انتهاء برفع الحجاب
بأمر سلطاني
وهذا أعادني لمقطعات شعرية قلت في إحداها

"حجاب"
في شرقنا
أمام فحولة الرجال
والقوّامين على النساء
لا تجد المرأة حريتها
إلاّ من خلف حجاب



بوركت كاتبا ومبدعا

محبتي ومودتي