توكيد الذات والتفكير الابداعي
الدكتور خالد ناهس الرقاص
Khaled8581@yahoo.com
يجدر بنا قبل الخوض في غمار هذا الموضوع أن نتعرف على توكيد الذاتSelf-Assertion، بأنه عبارة عن " المهارة الاجتماعية في مواقف الحياة، والتي تشير إلى ثقة الفرد بنفسه، والقدرة على تعبير عن مشاعره الإيجابية(تقدير – ثناء) والسلبية (غضب- احتجاج)بصورة ملائمة ومقاومة الضغوط التي يمارسها الآخرون لإجباره على إتيان ما لا يرغبه أو الكف عن فعل ما يرغبه والمبادرة ببدء والاستمرار في أو إنهاء التفاعلات الاجتماعية والدفاع عن حقوقه ضد من يحاول انتهاكها شريطة عدم انتهاك حقوق الآخرين (طريف شوقي،1998 بتصرف). لذا فان جوهر توكيد الذات هو تعبير الفرد عن ذاته وما يحمله من أراء، دون انتهاك للقيم والمعايير الاجتماعية السائدة، وبذلك نجد أن توكيد الذات عامل مهم في قدرة الفرد على الإفصاح عن أفكاره الإبداعية، فمن المفترض أن العديد من الأفكار المتميزة تولد في عقول أصحابها بصورة إبداعية اعتقاداً منهم بعدم أهميتها أو لعجزهم عن الإفصاح عنها علانية لتصورهم أنها لن تلقى استحسان الآخر، نظرا لكونها غير مألوف, وهو ما يؤدى إلى احتجاب العديد من الأفكار الإبداعية عن الظهور إلى النور، و بالتالي لا تتم عملية إنضاج و إحكام تلك الأفكار من خلال عملية التفاعل Interactionبين المبدع و المتلقين, أي أنه يمكننا القول بموجب هذا التحليل أن الأفكار المبدعة قد تظل حبيسة في عقل المبدع, نظرا لانخفاض مستوى توكيده لذاته الذي يتمثل في خشيته من طرحها أمام الآخرين, والتصدي لانتقاداتهم و تفنيدها و الرد عليها, وفي المقابل بمقدورنا القول بأنه يسهل على المبدع القيام بتلك العملية حين يتحلى بقدر مرتفع من توكيد الذات، فالتوكيد بمثابة الإعلان للتعرف بالإبداع, و الترويج للانتاجات الفكرية, ومن شأن الإعلان عن تلك الأفكار أن يساعد أفراد المجتمع على تبنى تصورات إيجابية حول المبدعين, وهو ما يحسن, بدوره من تصورات المبدعين حول أنفسهم, فالحصول على تقدير الآخرين, وهو ما يستحقه المبدعون كعنصر مشجع على الاستمرار في الإبداع في المرات القادمة. ولا تتوقف أهمية التوكيد عند إعلان الفكرة الإبداعية بل فيما يتلو ذلك من تفاعل مع متلقيها، فالمبدع المؤكد لذاته لديه القدرة على تلقى نقد الآخرين بعقل رحب، وتمثله، وإدخال بعض التعديلات على أفكاره بناء عليها مما يجعلها أكثر ملائمة للواقع، وقبولا من الآخرين.
وفي جانب آخر يعد التوكيد قوه دافعة للفرد على عدم الإذعان للأفكار المسبقة، الاستقلالية المعرفية للمبدع، وعدم مسايرة المألوف في المجتمع مادام غير مقتنع به، ولديه المبررات الموضوعية لذلك، حتى لا يصبح أسيرا له، سواء في المجال الشخصي أو المجتمعي، فعلى سبيل المثال، عدم الاختلاف مع الآراء الرائدة, وغير الدقيقة, العلماء عظام في التاريخ الفكر الإنساني, وما أدى إليه ذلك من تأخير التقدم العلمي لسنوات طويلة, وليس أدل على ذلك من الأيمان المطلق الذي شاع في العصور الوسطى, لقرون عديدة, بالفكرة غير العقلانية القائلة بأن (أرسطو لم يترك للآخرين شيئا) (-------) وهو ما حدا بهم إلي معارضة الأفكار المناقضة له مع أنها أكثر صحة, ولا ننسى ذلك المصير الأليم الذي حاق بعالم الفيزياء كوبر نيكوس في القرون الوسطى الذي وكد ذاته بشدة , وأصر على الإعلان بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس مخالفا ما نادي به أرسطو حيث دفع حياته ثمنا لتوكيده العلمي, واختلافه مع رمز يحيط به هالات متعددة من الإجلال العلمي حيث أعدم حرقا على الرغم من صواب رأيه في تلك المسالة . تكشف هذه الواقعة, ومثيلاتها, عن أنه في ظل الثقافات غير المؤكدة ينخفض احتمال ظهور محاولات الإبداع، في شتى مجالاته, نظرا لسيطرة بعض المسلمات التي تكف التوكيد على المناخ الفكري العام مثل الاعتقاد بكمال الأوائل و عجز المتأخرين. ومن ثم يجب علينا لكي ندفع عجلة التقدم للأمام أن نتدرب على أن نؤكد ذاتنا مع رموز التراث العلمي ورواده الأوائل أو المعاصرين بحيث لا نتأثر بالأسماء الرنانة بل بمدى دقة ما طرحوه من أفكار فقط . أي أن يتبنى المؤكدون بأنه لا سلطان في العلم سوى سلطان العقل, ويجب أن يتحرر من نفوذ الشهرة الشخصية العالم.
ومن هنا فإن بروز المبدعين المؤكدين يعد ضروريا حتى يتمكنوا من الإفصاح عن أفكارهم المبدعة, التي قد تتعارض مع الأفكار السائدة, وعلى الرغم من أن هؤلاء يكونون قلة عادة, إلا أن تأثيرهم يتناسب عكسيا مع عددهم, وتشكل إبداعاتهم . دوما . نقطة تحول في حركه الفكر و الحضارة الإنسانية بوجه عام , وليس أدل على ما ندعي من ذلك التحول الفكري للحضارة الذي أسهم فيه علماء مبدعون أمثال: أديسون, والطبيب أبن سينا، وجراهام بل, والإمام البخاري، و الخوارزمي، وابن خلدون, وأرسطو، ابن النفيس،.... وغيرهم.
من خلال الأدوار التي يمارسها التوكيد في الإعلان عن الأفكار الإبداعية والاستقلالية الفكرية الإبداعية. الأمر الذي يعكس أهميه التوكيد كمكون أساسي في برامج تنمية المهارات الإبداعية(الطلاقة-المرونة- التفاصيل-الأصالة-استشعار المشكلات)، فعلي سيبل المثال استخدام أسلوب العصف الذهنيBrian storming الذي ابتكره أوسبورن والذي يشترط اشتراك الفرد في جماعة للتفكير في حل مشكلة ما في ظل شروط معينة(انظر : زين العابدين درويش،1983..لتفصيل أكثر حول هذا الأسلوب التدريبي)، وبالتالي هذا الأسلوب يحتاج أن يتصف الفرد بمستوى مرتفع من توكيد الذات، مما يكفل له الإفصاح عن ما يدور في عقله من أفكار دون الخوف من نقد الآخرين. من هنا يجب علينا الاهتمام في برامج تنمية مهارات التفكير الإبداعي الاهتمام تعزيز توكيد الفرد لذاته.
مراجع للقراءة:
1. طريف شوقي(1998). توكيد الذات: مدخل لتنمية الكفاءة الشخصية،دار غريب: القاهرة.
2. زين العابدين درويش(1983). تنمية الإبداع. دار المعارف: القاهرة
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 12-24-2007, 03:31 PM بواسطة سيناتور.)
|