كيف قرا بعض الفلاسفة الاخلاق !

يقول البعض أننا نحيا في زمن لا أخلاقي ، بالقياس إلى نمط عيش كانت الإنسانية تحياه طيلة آلاف من السنين . و قد تغيرت مفاهيم الخير و الشر بين شعب و آخر ،و بين عصر و آخر لدى الشعب نفسه. ففي اغلب المجتمعات المتخلفة تسود الاخلاق الاقطاعية ، او العشائرية الرعوية مطعمة بحداثة شكلية غير ذات اهمية . انها الاخلاق الاقطاعية المسيحية او الاقطاعية الاسلامية ، أو غيرها بحسب تراث تلك المجتمعات .بينما نجد ان المجتمعات الغربية بشكل عام تعيش الاخلاق البرجوازية الحديثة ترافقها و تسايرها اخلاقا عمالية بروليتارية غير ناضجة . و لقد وجد فريدريك انجلز ان الكثير من القيم الاخلاقية ظهرت مع نمو الملكية الخاصة للاشياء المنقولة . و هو يرفض كل ادعاء يحاول ان يفرض على الشيوعيين وثوقية اخلاقية ، طارحا اياها كقانون اخلاقي يدعي امتلاك مبادىء ثابتة ، متعالية على التاريخ و الفروق القومية . و ان كل تصور اخلاقي للماضي ما هو الا نتاج للوضع الاقتصادي للمجتمع المعاصر له . و بما ان المجتمع يخضع في تطوره لتناقضات طبقية ، فقد كانت الاخلاق دوما اخلاقا طبقية . و يرى انجلس ان هناك تطورا اخلاقيا يحدث لكنه لم يخرج عن الاخلاق الطبقية .اذ لا يمكن ان يتحقق قيام اخلاق انسانية تتجاوم التناقضات الطبقية الا في مجتمع تجاوز في بناءه مجتمع الطبقات ، أي في مجتمع لاطبقي .

و يرى روسو ، ان أخلاقية أفعالنا برمتها، قائمة في الحكم اّلذي نحمله في ذواتنا .فان كان الخير خيرا بحق، لا بد أن يكون في أعماق قلوبنا، كما هو الحال في أعمالنا . و هو (روسو ) بذلك يعتبر أن الضمير هو الدليل الحقيقي الذي يهدي الانسان و يرشده ، فهو بالنسبة الى الروح كالغريزة الى الجسد .

ان ربط الفعل الاخلاقي ، بحسب وليم جيمس ،هو أنه لا يمكن لفعل ، ان تكون له ميزة اخلاقية على الاطلاق ، ما لم يقع اختياره ، أيضا ، من بين افعال عديدة ممكنة اخرى .

اما كانط فيرى ان الناس يحافظون على حياتهم بما يتفق مع الواجب . لهذا على المرء ألا يعامل الآخرين كوسيلة ، وإنما كغاية. و من يفعل الخير تجاه من يحتاجه ، بعيدا عن الزام الواجب ، يكون لعمله قيمة اخلاقية حقيقية .

لكن برتراند رسل ، ربط بين الاخلاق و السياسة ، اذ اعتبر الاخلاق محاولة لفرض الرغبات الجماعية ، لمجموعة ما ، على بقية الافراد في المجتمع . و رأى بان الاخلاق هي محاولة لاعطاء اهمية كلية ،لا شخصية ، لبعض رغباتنا . علما ان الفلسفة الاخلاقية عموما قد دأبت على كبح جماح الرغبات و تهذيبها .

و اذا كان روسو قد اعتمد على الضمير كدليل في تحديد الطريق الاخلاقي ، فقد وجه اليه فرويد صفعة فلسفية اذ يقول بان شطرا من القوانين الاخلاقية يجد تعليله في ضرورة تحديد حقوق الجماعة تجاه الفرد ، و حقوق الفرد تجاه الجماعة ، و حقوق الافراد تجاه بعضهم بعضا . اما كل ما يبدو لنا من الاخلاق غامضا ، متساميا ، صوفيا ، فمرده الى صلة قربى بالدين ، منشاه من سلطة الاب . و سمى فرويد الضمير با"الأنا الأعلى" ،و اعتبره وارث الاهل و (المربين) ، اتلذين راقبوا ،و أشرفوا على اعمال الفرد و حركاته في السنوات الاولى من عمره . و بهذا اصبح الضمير انعكاسا للتربية السابقة .

كان للمدرسة النفعية دور حاسم في تحديد القيمة الاخلاقية للسلوك ، و ضبط معايير الفصل بين الخير و الشر ، اذ اعتمدت على ما تعتبره مبدا منبثقا عن الحياة الفعلية للانسان و تلائمها مع الطبيعة ، انه مبدأ المنفعة . فنجد جون ستيوارت مل ان تصرف الغير حين يتخذ طابعا اخلاقيا ، تحت تأثير الاحساس الاجتماعي ، فانه يتصرف في اتجاه مطابق للصالح العام لا غير .أي ان ما هو اخلاقي هو ما يقتصر على المشاركة الوجدانية الاجتماعية ،و ما يطيع اوامرها ،و يستجيب لندائها . و هو يعتبر ان الحالة الاجتماعية هي حالة طبيعية ، اذ ان التقدم الحضاري يفرض تاثيره على حياة الانسان ، مما يولد مشاعر اجتماعية متجهة صوب المنفعة العامة ،و تحقيق التوازن بين مصلحة كل فرد و مصلحة المجتمع . و لهذا يمثل الاحساس الطبيعي ، بالنسبة لجون ستيوارت مل ،مصدرا للمشاعر المبنية على اعتبار مصالح الغير جزءا من مصالح الذات .

الأخلاق ، عند هيوم " وهو من انصار الفلسفة التجريبية ،هي احساس لا حكم . اذ لا يمكننا ان نكتشف الفضيلة و الرذيلة بالعقل فحسب ، و بمقارنة بين الافكار، بل ان لا بد هناك من انطباع او احساس ، يجلبان لنا القدرة على اقامة فارق بينهما . و قرارنا حول الاستقامة الاخلاقية ، و الانحطاط الاخلاقي، هو انهما ادراكان . و بما ان الادراكات جميعها هي انطباعات ، او افكار ، فان اسيتبعاد بعضها هو حجة مقنعة لصالح البقية . و علينا معرفة طبيعة هذه الانطباعات و الشكل الذي يؤثر به علينا . فالانطباع الذي ينشا من الفضيلة ممتع ، وما ينشا من الرذيلة مؤلم و منفر .

نظرت الفلسفة الوجودية للاخلاق ، من باب ان الانسان هو الكائن الوحيد الحر . فوجوده سابق على ماهيته ، و ماهيته يصنعها حسب افعاله . فنجد سيمون دو بوفوار ، تقول بان الهاجس الاخلاقي لا ياتي الى الانسان من الخارج ، ففي داخله يجد هذا السؤال المقلق : ما فائدة كذا ؟ وهو لا يتهرب من السؤال ،و عندها نقول انه اخلاقي بالنسبة الى نفسه . اما الهرب من ذلك السؤال فما هو الا موقف اناني . فكيف يمكنني ان أشغل نفسي بامر لا يهمني ؟ انني اهتم بالآخرين ، و الآخرون يهتمون بي، انها حقيقة لا تنفصم ،و الرابط بين الانا و الآخر وثيق على قدر الرابط بين الذات و الموضوع . فالانسان في النظرية الوجودية هو مشروع قابل للاكتمال .

اما ديكارت فقد وجد أن الانسان يكون اخلاقيا عبر تطبيقه لثلاثة قواعد :
- اعمال الفكر بطريقة الكوجيتو الشهيرة(انا أفكر اذا انا موجود) .
- أن يكون واثقا من نفسه و ذي قرار صارم لينفذ ما ينصح به العقل .
- أن يكون راضيا عن تصرفه في ما يمليه عليه العقل ، حتى ولو وجدنا لاحقا اننا قد جانبنا الصواب . و الا نشعر بالندم . فعلي ان اغالب رغباتي و اغيرها ، لا ان أغير نظام العالم .

لكن نيتشه ، الذي لا يميز بين التاريخ الانساني و التاريخ الحيواني، حيث الانسان عنده حيوان قبل كل شيء ، و ليس عقلا يتحكم في الجسد ، بل جسد يستعمل العقل كاداة تساعده للوصول الى اهداف غريزية - فقد نظر الى الاخلاق على انها نوعين :
- اخلاق السادة الارسطقراطيين ،و اخلاق العبيد . فاخلاق الارسطقراطيين تولد من تاكيد فخور لذاتها ، يقوم على تقدير قيم ابتكرتها بنفسها . قيم لم تكن سائدة من قبل .
-اخلاق العبيد هي اخلاق فاسدة ، خادعة ، جوفاء، لانها تفكر لقانون الحياة ! وهي تحتاج إلى حافز خارجي ( عالم مواجه )لكي تفعل فعلها ، الذي هو ليس الا ردة فعل على الحقد الذي تحمله الدهماء الوضيعة ، تجاه واقع زائف ، و أليم ، يمثل في كل شيء "لا انا " لتلك الدهماء ، أي شيء "مختلف" عنها ، و بذلك يكون رفضها بحد ذاته ، فعل خلاق .

لاحظنا ، في بداية الموضوع ، ان الوعي الاخلاقي عند انجلز ، يرتبط بالتصور المادي للتاريخ ، بالواقع الموضوعي للاخلاق ، المشدود الى ارضية الواقع. لكن اوليدوف ذي التصور المادي ايضا، و الذي يؤمن ان العلاقات الاقتصادية تعبر عن نفسها في روابط اخلاقية تعين الصفة النوعية للوعي الاخلاقي ، و ان الاخلاق مثل سائر اشكال الوعي الاجتماعي ، الحقوقية و الدينية و الفلسفية ... تمثل احد مكونات البنية الفوقية للمجتمع من المنظور المنادي التاريخي . أي ان الوعي الاخلاقي يجسم انعكاسا لظروف البشر المادية و علاقاتهم الموضوعية في كل زمان او مكان . اذا فهو يجد ان تشكل الوعي الخلقي كنوع مميز لبنية الوعي الاجتماعي لا يغدو ممكنا ، الا عندما توجد روابط اخلاقية بين البشر يبرز الوعي الخلقي كجانب لها . لذا فان الروابط الاخلاقية تملك جانبا موضوعيا ( افعال البشر و سلوكهم ) ، و جانبا ذاتيا ( الوعي الخلقي الذي يؤثر بوصفه محصلة لسلوك ) .

في محاضرة لودفنغ فتغنشتاين عن الاخلاق عام 1929 ، ينطلق فتغنشتاين من تصور للعالم على انه مجموع " وقائع و حالات " تتالف من اشياء بسيطة يمكن ان نطلق عليها اسماء . و هي تنتظم و تعبر عن جمل اولية ـ تصف كل منها "واقعة " ممكنة ،و تشكل "معناها" و اطلق عليها اسم "ملفوظ وقائع" ، حيث تحمل هذه الوقائع صيغة منطقية و تصويرية . فيقول ،" كل حكم قيمة نسبي هو مجرد ملفوظ للوقائع ،و يصاغ على نحو يفقد أي مظهر لحكم القيمة . أي انه لا يمكن لاي ملفوظ وقائع ان يكون حكم قيمة مطلق ، او ان يلزم عنه ذلك .

لكن كارل راديموند بوبر ، و الذي رحل عام 1984 ، يرى بان القيم الاخلاقية مرتبطة بالحياة . لان تلك القيم تنشأ مع المشكلات ،و لا يمكن ان نحصل عليها من الوقائع . و يذكر في فلسفته مصطلح " العالم الاول " الذي يعني له عالم الأشياء و الموضوعات الفيزيائية . و يذكر "العالم الثالث" على انه عالم المشكلات و النظريات و الاستدلالات النقدية . وهو عالم من نتاج الفكر الانساني ،و نتاجات تطور اللغة الانسانية .و يرى ان تاريخ العالم الثالث هو تاريخ افكارنا و الطريقة التي تم فيها ابداع تلك الافكار. و من سمات " العالم الثالث" : الاستقلالية و الازلية . و عندما يتحدث عن القيم يقول بان القيم تولد مع المشكلات ،ولا قيم دون مشكلات تسبب ظهورها . و يرى بانه يمكن الافتراض أن الانسان ، او الحيوان، او النبات ، في صدد بحثه عن حل لمشكلة ما ، قد يتوصل الى قيم معينة يتبعها ،و يجدها هامة و ضرورية ، حتى و ان لم يكن واعيا لوجوده تماما . و بهذا يكون توقعنا التاريخي هو وحده الذي يخص مشكل الشخص ،و هو ينتمي الى " العالم الثالث " . اما اذا نظرنا الى المشكلف و اكتشفناه على اسا نقدي او موضوعي ، ففي هذه الحالة يمكننا اعتبار المشكلة بانه ينتمي الى " العالم الاول " . و قال بانه سبق ا القول لبعض بان القيم لا تظهر في الواقع الا مع الوعي . و هذا ليس رأيي . فانا اعتقد ان القيم تظهر مع الحياة . اما اذا وجدت حياة دون وعي ، و هذا وارد ، فانا أقول انه سيكون ثمة قيم موضوعية ، حتى دون وعي . اذا ، فان بوبـر يرى ان هناك صنفان من القيم ، قيم نشات بالحياة ،و قيم نشات بالفكر الانساني ، و قامت على حلول سابقة لمحاولة حل مشاكل يمكن ان تكون قد فهمت جيدا . ان عالم القيم يعلو على عالم الوقائع دون قيم . و ان رغم ان القيم لا تنتمي الى العالم الثالث فانها تهيمن على النواة الحميمة لذلك العالم ، بما هي قيم الحقيقة الموضوعية و تطورها ، مع انها لا تنتمي الى تلك النواة . ان هذه القيم الموضوعية تخترق العالم الثالث البشري، الفكري ، و انها القيمة الاسمى فيه .

المراجع :
مقالات متنوعة من النت ، موثقة بمراجعها .

:Asmurf:

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	كيف يمارس الفلاسفة الجنس؟	بسام الخوري	10	5,943	05-16-2012, 03:19 PM آخر رد: Narina
	الفلاسفة الأعلام	عادل نايف البعيني	21	21,237	07-10-2010, 06:00 PM آخر رد: دعاء ياسر
	ابن رشد ليس آخر الفلاسفة	الموجة الثالثة	10	3,441	05-23-2008, 04:44 PM آخر رد: ابن نجد
	حل لقضية شغلت كثيراٌ الفلاسفة والمفكرين	نبيل حاجي نائف	12	3,346	07-06-2006, 10:33 PM آخر رد: توما الرائى
	أكثر ما يغيظني في الفلاسفة	الموجة الثالثة	3	1,517	06-28-2006, 12:54 AM آخر رد: العقيد