العراق ومؤامرات بلاد الأندلس

قرأت بشئ من الذهول ما كتبه الشيخ جلال الحسناوي عن الأندلس بموقع " كتابات" بتاريخ 30 يوليو 2004. ودار بخلدي سؤال بسيط: هل سوف يأتي اليوم الذي يعترف فيه المسلمون بأخطائهم، حتى يتسنى لهم أن يتعلموا منها؟ فالحياة كلها تجارب، والتجارب بحكم كونها خوضاً في عالم المجهول، لا بد أن يكون فيها الصواب وفيها الخطأ كذلك. وبما أن الإنسان يتعلم من أخطائه، فلا بد من الاعتراف بالخطأ أولاً لكي نتعلم منه. ولكن إذا أصرينا على التظاهر بأننا لا نخطئ، فلن نتعلم أبداً. ومأساة المسلمين عامة، والعرب خاصةً، أنهم دائماً يجدون من يلومون إذا أتت الرياح بما لا تشتهي السفن. والحائط السميك الذي يتكلون عليه، ولا ينهد أبداً، هو حائط المؤامرات. فهناك مؤامرات الصهاينة، ومؤامرات الغربيين على الإسلام، ومؤامرات الأمريكان على العراق، والقائمة تطول. والآن أضاف لنا الشيخ الحسناوي المؤامرات على بلاد الأندلس.

ولكي نعرف ماذا حدث في الأندلس وماذا أدى إلى انهيار الدولة الإسلامية، لا بد من معرفة تاريخ الأندلس. وسوف أحاول اختصار الخمسمائة عام التي دامتها دولة الأندلس في صفحتين أو ثلاثة. ففي عام 681 ميلادية، وقف القائد العربي عُقبة بن نافع على جواده، على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في المغرب العربي وشهر سيفه وخاض بحصانه في البحر إلى أن بلغ الماء بطن الحصان، وقال: " الله أكبر... لو لم يقف هذا البحر عائقاً في طريقي، لركبت إلى ممالك الغرب لأعلّمهم أن الله واحد، وأحكّم السيف في رقاب من يعبد غير الله ". فالهدف الرئيسي من فتح إسبانيا كان نشر الإسلام وتحكيم السيف في من لا ينصاع لدين الله.

وفي عام 711 م غزا طارق بن زياد إسبانيا في جيش يتكون من سبعة آلاف رجل ونزل بما يُعرف الآن بجبل طارق، وبعث مغيث الرومي ليحتل قرطبة. وكان جيش طارق يتكون من البربر والعرب. وعندما انضم القائد الأكبر موسى بن نصير إلى خالد، فتح الجيش الإسلامي جنوب وأواسط إسبانيا دون أي مقاومة تذكر وتجمع المسيحيون في الشمال الغربي من إسبانيا خلف الجبال وأصبح نهرا إبرو Ebro و دويرو Duero هما الحدود الفاصلة بين دولة المسلمين في الجنوب، ودولة المسيحيين في الشمال. ومنذ البداية كانت دولة الأندلس تحمل في طياتها بذور فنائها، لأن الجيش الفاتح كان يتكون من المقاتلين الفرسان من البربر ومن الجنود العرب. وكعادة العرب منذ أيام قريش وبني أمية، فقد اضطهد العرب البربر وعاملوهم معاملة المواطنين من الدرجة الثانية، وأعطوهم الأراضي الجبلية شبه القاحلة بينما أخذ العرب الأراضي الخصبة والمدن الغنية مثل قرطاجة Granada، تماماً كما فعل بنو أمية مع الموالي الفرس. وبما أن البربر كانوا حديثي عهد بالإسلام، دفعتهم عاداتهم القبلية القديمة إلى القتال مع العرب وبين أنفسهم كذلك على مدى السنوات. ونتيجة لهذه الصراعات كانت هناك ثلاثة فترات فقط في تاريخ الأندلس ساد فيها الهدوء بالقوة: الفترة الأولى كانت في القرن العاشر، في خلافة قرطبة, والفترة الثانية كانت في القرن الحادي عشر في دولة المرابطين الذين أتوا من المغرب لنجدة المسلمين، والفترة الثالثة كانت في القرن الثاني عشر في دولة الموحدين المغاربة كذلك. وفي الفترات التي تخللت هذه الدول كانت الحروب الأهلية هي الطابع العام في الأندلس
وما فعله المسلمون الأوائل في الأندلس لم يحببهم إلى قلوب المسيحيين. وبما أن الهدف الرئيسي من الغزو كان نشر الإسلام وتحكيم السيف في رقاب من لا يعبد رب المسلمين، فقد ذكرت المدونات التي كتبها المسيحيون حوالي العام 756م أن موسى بن نصير قد حرق المدن وعذّب كبار رجالات العهد البائد وقتل الأطفال وحتى النساء المرضعات. وقد عزا المسيحيون سقوط دولتهم لعدم تمسكهم بقيمهم المسيحية وإهمالهم لدينهم، ووطنوا أنفسهم على الرجوع إلى أصول دينهم حتى يزيل ربهم عنهم بلاء الاحتلال. ورغم أن الحكام المسلمين لم يجبروا المسيحيين بالسيف على اعتناق الإسلام، إلا أنهم جعلوا حياتهم جحيماً لا يطاق بسبب الاضطهاد و بفرض الضرائب التعسفية زيادة على الجزية . واستعمل الحكام المسلمون كل ريع الدولة في بناء القصور الفخمة مثل مدينة الزهراء التي بناها المعتصم لزوجته ومثل قصر الحمراء. واستعمل المسلمون المسيحيين في تصميم وبناء هذه القصور، بينما عاش المسيحيون أنفسهم في فقر مدقع كنتيجة مباشرة للضرائب العالية. ونتيجة لهذا الفقر، مع ازدياد اضطهاد المسلمين لهم، دخلت أعداد كبيرة من المسيحيين الإسلام للخروج من هذه الحلقة المفرغة. وقد سمى الإسبان هؤلاء المسيحيين الذين أسلموا Mozarabes أي "المستعربون". وحتى يجبروا بقية المسيحيين على الدخول في الإسلام فقد لجأ العرب إلى تشويه سمعة القساوسة وأصدروا قوانيناً تمنع دخول النساء المسيحيات والصبيان الكنائس إلا يوم الأحد، وقالوا إن القساوسة كلهم زناة وأهل لواط ويستعملون الكنائس لصيد النساء والغلمان، لذلك منعوا النساء من دخول الكنائس إلا يوم الأحد. أما النساء المسلمات فقد منعن منعاً باتاً من دخول الكنائس لأي سبب من الأسباب. وأصدروا كذلك قانوناً يحرّم على المسلم تدليك اليهود أو النصارى في الحمامات العامة أو تنظيف مراحيضهم، لأن المسيحيين واليهود أنسب إلى مثل هذه الأعمال لأنهم حقراء بطبعهم (كما زعموا).

ببداية القرن التاسع الميلادي أصبح غالبية المسلمين في الأندلس من المواليد المحليين بعدما كانوا من شمال أفريقيا. وبالطبع فإن الأطفال الذين ولدوا مسلمين لأبوين كانا في الأصل مسيحيين، كان ولاؤهم للإسلام أكثر من ولاء آبائهم، ولكن رغم ذلك لم يكونوا مساوين للعرب أو حتى للبربر، في معاملة الدولة لهم. ونتيجة لهذه المعاملة نشأت طبقة من القساوسة المتعصبين لدينهم وحاولوا التعبير عن سخطهم بالسلاح الوحيد الذي كان متوفراً لهم- سلاح الشهداء. اخذ هؤلاء القساوسة بالذهاب إلى ساحات المدن الكبرى والتهجم على الإسلام وعلى الرسول محمد. وبالطبع كان يُقبض على الواحد منهم ويقطع رأسه للمساس بالرسول. وفي أقل من شهرين أعدم المسلمون ثلاث عشرة رجلاً وامرأة من قساوسة الكنيسة الذين سماهم المسيحيون " الشهداء". وأدت هذه الإعدامات إلى تظاهرات جمة قمعها الحكام العرب بقسوة بالغة واصدروا بعدها قوانيناً فُصل بموجبها الموظفون المسيحيون من وظائفهم، وطاف مهندسو الدولة على كل الكنائس ليدققوا في تاريخ بنائها، وهدموا كل الكنائس التي بُنيت حديثاً أو بدون إذن، وفرضوا على المسيحيين لباساً معيناً في الأماكن العامة. وزحف المنصور بجيشه شمالاً ودمر الهيكل المسيحي في سانتياجو حيث دُفن أخ المسيح، كما يعتقد الإسبان.

وكنتيجة مباشرة لهذه المعاملة غير الكريمة بدأت الدولة المسيحية في شمال إسبانيا بالهجوم على المسلمين في الأندلس. وفعلاً استطاع القائد " الفونسو" السيطرة على بعض القرى والمدن الصغيرة في المناطق الجبلية، وعندما استولى على " توليدو" أرسل العرب إلى يوسف بن تشفين، الذي نصّب نفسه " أمير المؤمنين " في مراكش، لمساندتهم ونصرة الإسلام. وفي عام 1091 دخل يوسف مع المرابطين وهزموا المسيحيين. ومن يومها أصبحت الأندلس تحت حكم دولة المرابطين.

وفي هذا الأثناء توالت على الأندلس عدة دول من العرب والبربر، وأصبح حكامها يتآمرون ضد بعضهم البعض، وسمم بعضهم البعض أو قتلوهم غدراً. وفي فترة من الفترات تولت "نصر" أم الخليفة هشام زمام الحكم لأن ابنها الخليفة كان عمره سنتين فقط، فقضى عليها ابن عامر وحجب الخليفة عن الناس وألزمه الإقامة في القصر وجلب له لعب الأطفال ليشغله بها. وبهذا بدأت الدولة العامرية. وأراد ابن عامر أن يبني لنفسه مجداً ، فخاض حروباً بلغت خمسين واقعة، أدت إلى فقدان العديد من الرجال والأيدي العاملة. وبنى لنفسه قصراً ينافس قصر الزهراء وسماه قصر "الزاهرة". وقُتل ابن عامر في إحدى المعارك، فتقسمت الأندلس إلى دويلات سُميت " دول الطوائف ". وثارت الفتن بين ملوك هذه الطوائف مما أدى إلى استنجاد بعضهم بملوك الفرنجة الذين فرضوا عليهم دفع مبالغ طائلة من المال لحمايتهم.

و في قرطبة عادت الخلافة إلى الأمويين وتولاها الخليفة محمد المهدي، ولم يلبث أن ثار عليه ابن عم له يدعى سليمان بن الحكم وألتف حوله البربر. واستعان كلٌ منهما بملوك الفرنجة، فانتصر سليمان وقتل المهدي، وسمى نفسه الخليفة " المستعين بالله ". وأقطع المستعين زعماء البربر الذين ناصروه إقطاعات واسعة أدت إلى ثورة بقية الولاة العرب الذين أعلنوا انفصالهم عن قرطبة، وبذلك انفرط عقد الدولة الأموية. وتعاقبت على قرطبة عدة دويلات عربية مثل دولة بني حمود الإدريسي ودولة بني جهور. ودفع ضعف وفساد دولة الأندلس أحد الشعراء ( ابن عمار) لأن يقول:

مما يقبح عندي ذكر أندلس أسماء معتضدٍ فيها ومعتمد
اسماء مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ

وأدى ضعف دولة الأندلس إلى تحالف ملوك الفرنجة الذين قرروا الهجوم على المسلمين، فأتى "الموحدون " من المغرب لنصرة المسلمين وأسسوا دولة الموحدين بالأندلس. وفي نفس الوقت توحد الإسبان وخاضوا حرباً ضروساً ضد الموحدين في معركة عرفت بمعركة " العقاب" تم النصر فيها للإسبان. في هذا الوقت دعا البابا " أيربان" Urban إلى الحروب الصليبية لتحرير القدس من المسلمين، فشجعت هذه الدعوة الملك الكاثوليكي " فردناند" وزوجته الكاثوليكية الملكة " إيزابيلا" لتكوين جيش مسيحي ضخم بدأً زحفه من شمال البلاد وأخذ القرى والمدن الصغيرة من العرب على مدى عدة سنوات، وأخيراً حاصر العاصمة قرناطة Granada التي استنجد حكامها بالاسطول العثماني الذي كان في المياه الإيطالية، فلم يسعفهم، واستعانوا بالمغرب كذلك فلم يعنهم أهلها، مما أضطرهم إلى تسليم المدينة للملك فردناند، على أن يُسمح للمسلمين الذين أرادوا الخروج إلى المغرب بالخروج بسلام، وعلى أن يُسمح للباقين بمزاولة شعائرهم الدينية دون تدخل. ودخل الملك فردناند قرناطة وانتهت دولة الأندلس في عام 1492م وهاجر أغلب المسلمين إلى المغرب.

وبعد هذه النبذة القصيرة عن تاريخ الأندلس، دعنا نقرأ ما كتب الشيخ الحسناوي. ففي البدء يقول: " من منا لايعرف بلاد الاندلس , اسبانيا حاليا, تلك الدولة الاسلامية التي امتدت جذورها الى داخل اوربا لتكون منارا للاسلام ومنبع للعلم والحضارة الاسلامية0 فنرى ان عشرات من المدارس الاسلامية وفي مختلف العلوم قد انتشرت في ربوعها ولا تزال اثارها موجوده لحد الان0 وقد انجبت تلك الدولة العديد من العلماء وفي مختلف العلوم منها الطب والرياضيات والفيزياء والفلك والتفسير والفقة وغير من العلوم والنظريات والافكار الفلسفية 0 حتى بدأت هذه الثقافة تسيطر على باقي الثقافات الموجوده في بلاد الافرنج انذاك " وكون الأندلس امتدت إلى داخل أوربا، فهذا أمر مفروغ منه. ومن المسلّم به كذلك أن بعض الفلاسفة ظهروا في الأندلس منهم أبو الوليد أحمد بن رشد (1126-1198) ومعيد الدين بن العربي (1165-1240) وقد استفاد هؤلاء الفلاسفة من فلسفة أرسطوطاليس وأصبحوا أعلاماً في الفلسفة يشار إليهم بالبنان. أما العلوم الأخرى مثل الفلك والفيزياء والرياضيات فقد نبق فيها علماء من الأندلس غير أنهم لم يبلغوا شأن من سبقهم فيها من الإغريق، أمثال فيثوغراس Pythagoras أو حتى من سبقهم من المسلمين الفرس في الدولة العباسية.، ولا ننكر أنهم أضافوا إلى تلك العلوم. و كان المسلمين فضلٌ على الأوربيين في العلوم بسبقهم بترجمة العلوم والفلسفة الإغريقية التي كانت غير معروفة في أوربا في ذلك الوقت. ولكن معظم الترجمة قام بها العباسيون في بغداد. والأندلس لم تخل من التزمت الديني الذي أدى إلى هجرة العقول منها لأنها اضطهدت غير المسلمين. فمثلاً ظهر في الأندلس الفيلسوف والطبيب الذي لا يشق له غبار – الحاخام موسى بن ميمون (1135-1204) الذي برع في الطب والرياضيات والفلسفة، لكنه اضطر للهروب من الأندلس عندما قامت دولة المرابطين الذين اضطهدوا اليهود. وحتى ابن العربي هاجر من الأندلس إلى بغداد. فقول الشيخ إن " الأندلس أصبحت مناراً للعلم والحضارة" قول لا تسنده الحقائق.
ويستمر الشيخ الحسناوي فيقول: " مما دعى ببلاد الفرنج للوقوف بوجه هذه الافكار والعلوم للقضاء عليها واخراج المسلمين من بلاد الاندلس 0 فبدأت المؤامرات تحاك ضد الاندلس من قبل الافرنج لاخراج المسلمين منها والقضاء عليهم 0 علما انهم ابعدوا قرار الحرب وذلك لما يملكه المسلمين من قوة ودفاع عن الدين والعرض 0 فجعلوا سياق عمل مؤامراتهم على اربع محاور 0
المحور الاول :- اشاعة الفاحشة داخل المجتمع المسلم 0
المحور الثاني :- نشر دور اللهو والدعاره والبغاء 0
المحور الثالث :- صناعة رجال دين سوء يعملون على بث الفتنة والفرقة وسط الناس 0
المحور الرابع :- التشكيك برجال الدين المخلصين لابعاد الناس عنهم وتصفيتهم جسديا بعد ذلك 0 "
فالفرنجة لم يقفوا في وجه العلوم ولم يحاربوها، وإنما حاربها المسلمون أنفسهم وحرق شيوخهم المكتبات في قرطاجة لأن كتب الفلسفة والفلك التي بها تتعارض مع علومهم الدينية مما جعلهم يخشون على الشباب المسلم من فساد العقيدة. ولم يكن علماء الأندلس الوحيدين الذين حرقوا الكتب، فقد حرق عمرو بن العاص مكتبة الإسكندرية وحرق الأمويون والعباسيون كتب المعتزلة. ولم يبعد الفرنجة قرار الحرب إطلاقاً وإنما كانوا يشنون الهجمات باستمرار على القرى والمدن الصغيرة مما جعل حكام الأندلس يستعينون بالمغرب أكثر من مرة. أما المحاور التي ذكرها الشيخ فلا أساس لها في أرض الواقع وإنما هي نظرية المؤامرة المشهورة. فالمحور الأول: إشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلامي، فمتى كان المجتمع الإسلامي خالياً من الفاحشة؟ فمنذ أيام الرسول (ص) في المدينة كانت الفاحشة متفشية فيها وكان الرجال دوماً يتهمون زوجاتهم بالخيانة مما أدى إلى نزول الآية " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ". وعندما نزلت هذه الآية تدفق سيل المعترضين، ومنهم شيوخ القبائل، الذين قالوا لا يُعقل أن يجد الرجل منا رجلاً آخراً على زوجته فيذهب لإحضار الشهود. ولما كثر المعترضون نزلت آية الملاعنة " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين " (النور 6). فهذا يدل على أن الخيانة الزوجية كانت متفشية في مجتمع المدينة، وإلا لما كثر عدد المحتجين على الآية الأولى. وفي الخلافة الأموية والعباسية تفشى الانحلال في جميع طبقات المجتمع حتى وصل إلى قاضي القضاة في بغداد، يحيي بن أكثم، فقال فيه الشاعر:
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها وقاضي قضاة المسلمين يلوط
فهل كان مسلمو الأندلس أكثر ورعاً من مسلمي جزيرة العرب حتى يقول الشيخ الحسناوي إن الإسبان تآمروا على نشر الفساد في دولة الأندلس؟
أما المحور الثاني: نشر بيوت اللهو والدعارة، فالدعارة هي أقدم حرفة في العالم وكانت موجودة حتى قبل الميلاد وذكرت في التوراة وفي القرآن عندما نهى الله المسلمين من إجبار فتياتهم على البغاء. ولكن رغم المنع الصريح استمرت الدعارة في المجتمع الإسلامي، فكانت هناك دعارة في الدولتين الأموية والعباسية، وكانت هناك دعارة في الخلافة العثمانية، وهناك كذلك دعارة في كل الدول المسلمة الحديثة، بما في ذلك الإسلامية منها (إيران والسودان). وبما أن آلاف الجنود من المغرب دخلوا الأندلس بدون زوجاتهم فكان لا بد من انتشار الدعارة واللواط. وربما ساعد على انتشارها أن المسلمين سبوا أعداداً هائلة من النساء المسيحيات مما أعطى بعض القادة كمية كبيرة من السبايا تفوق حاجتاهم الجنسية، فوظفوا البقية في الدعارة. ويجب إلا ننسى أن البربر كانوا حديثي عهد بالإسلام وما كانت تردعهم الموانع العقيدية.
والمحور الثالث: خلق رجال دين سوء يعملون على الفتنة، فقد رأينا أن المسلمين لم يكونوا في حاجة إلى المسيحيين ليساعدوهم في خلق الفتنة التي كانت أصلاً متفشية بينهم، فتآمروا على الخلفاء والحكام، وتآمر الخلفاء أنفسهم ضد بعضهم البعض.
والمحور الرابع عن تصفية رجال الدين المسلمين المخلصين، فقد حدث العكس هنا وصفى المسلمون القساوسة المسيحيين بالإعدام وبإدخالهم في الإسلام أو اضطرارهم إلى النزوح شمالاً للعيش في المملكة المسيحية، ولم تحدث أي تصفية لرجال الدين المسلمين. أما ما قاله الشيخ عن صناعة الخمر وتوزيعها مجاناً على المسلمين لإفسادهم، فهذا لعمري افتراء لا يدعمه أي مصدر أعرف عنه. وملايين المسلمين الآن يشربون الخمر، فهل أدى هذا إلى سقوط دولهم؟ فحتى لو شرب مسلمو الأندلس الخمر المجانية، فكيف يؤدي هذا إلى سقوط الدولة إذا كان الخلفاء مستقيمين وبعيدين عن الفساد؟
وحقيقة الأمر أن دولة الأندلس انهارت من الداخل كما انهارت الأمبراطورية الرومانية وكما انهارت الدولة الأموية والعباسية وكل الحضارات السابقة، إذ لا شئ يدوم على نفس المنوال. " وتلك الأيام نداولها بين الناس" ( آل عمران 140)