حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
القاموس الفلسفي - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: عـــــــــلــــــــــوم (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=6) +--- المنتدى: فلسفة وعلم نفس (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=84) +--- الموضوع: القاموس الفلسفي (/showthread.php?tid=11069) |
القاموس الفلسفي - طيف - 05-11-2007 حرف التاء
التطور، التطورية يمكن القول بأن التطور هو سلسلة التحولات التدريجية والمستمرة التي بوسعها تسيير العالم الفيزيائي (والكوسمولوجي)، وعالم الأحياء، وأيضًا المجتمع. ويرتكز مبدأ التطور – وفق التصورات السائدة – إما على المصادفة، وإما على قانون يفرض عليه منحًى معينًا؛ وبالتالي فإنه لا يفترض بالضرورة ذلك التقويم الإيجابي للقيم الذي نلقاه غالبًا عندما نتطرق إلى مفهوم التقدم أو الارتقاء. وقد أيد سبنسر، في القرن التاسع عشر، نظرية التطور أو التطورية – وهو القانون الذي يحكم جميع الكائنات (المادة والروح والمجتمع) وفق مفهوم "تقدم غير منقطع" (حسب تفسير دولباخ). وبالتالي، فإنه يُفترَض فيه، بحسب رأي هذا العالِم (أي سبنسر)، أن يلهم أبحاث العلماء في مختلف المناحي؛ الأمر الذي رفضه برغسون الذي استبدل بتطورية سبنسر الميكانيكية مفهومَ التطور الخلاق évolution créatrice والوثبة الحيوية élan vital. ونشير، في النهاية، إلى أنه يمكن، على الصعيد البيولوجي الصرف، ربط نظرية التطور بمفهوم التحولية. *** ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل. تعريب: أكرم أنطاكي. مراجعة: ديمتري أفييرينوس. القاموس الفلسفي - طيف - 05-11-2007 التحولية
هي هذه النظرية التي، إذ تعارض مفهوم الثباتية لكوفييه، تؤكد على تطور الكائنات الحية – خلال الأحقاب الجيولوجية – من الأجهزة العضوية الأبسط إلى الأعقد. وبالتالي فإن مسببات تحولية الكائنات الحية تعود، وفق دُعاتها، إما إلى تغيُّر في الوسط، وإما إلى تطور وارتقاء تدريجيين بطيئين للأنواع، أو حتى إلى تغيرات مفاجئة أيضًا. وقد أصبحت هذه النظرية، التي نجد بذورها عند لوكريسيوس، أكثر تحديدًا عند ديديرو، قبل أن تنطبق انطباقًا كاملاً على نظريات لامارك وداروِن. القاموس الفلسفي - طيف - 05-16-2007 حرف الجيم
الجدلية او الديالكتيكا إن كلمة ديالكتيكا، التي نترجمها عربيًّا بـ"جدلية"، مشتقة من الفعل اليوناني dialegein، الذي يعني تحديدًا الكلام "عبر" المجال الفاصل بين المتحاورين كطريقة استقصاء وضعها زينون الإيلي، قبل أن تستكمل شكلها على يد أفلاطون. والكلمة تعني أيضًا، كمفهوم أفلاطوني، التقسيم المنطقي الذي يوصل المرء عبر المقاربة إلى اكتشاف المعاني الأساسية المجردة (أو المُثُل). ونشير هنا، للتذكير، إلى أن الجدلية، بنظر أفلاطون، جدليتان: الجدلية الأولى صاعدة (وهي تلك التي تنطلق من الواقع الملموس لتصل إلى مفهوم الخير)، والجدلية الثانية هابطة (بمعنى أنها تنطلق من مفهوم الخير المجرَّد لتعود إلى الملموس أو اليومي). وقد شُرِحَتْ هاتان الجدليتان، المتكاملتان في حركتهما، اللتان تشغلان كامل حياة الفيلسوف الحق، في الجمهورية، وخاصةً في استعارة الكهف. أما عند أرسطو – الذي كان يعارض أفلاطون حول هذه النقطة وحول غيرها – فإننا نلاحظ اختزالاً في معنى العبارة: حيث تصبح الجدلية التحليلية، التي تسعى للتوصل إلى البرهان الحقيقي (عند أفلاطون)، مجرَّد استدلالات مبنية على وجهات نظر محتملة (عند أرسطو). من هذا المنظور الأرسطي، تحدث إ. كانط في كتابه نقد العقل الخالص عن مفهوم "الجدلية الصورية"؛ وكان يعني بها دراسة التوهم الذي تعتقد النفس البشرية من خلاله تجاوز حدود التجربة من أجل التوصل إلى تحديد مسبق مفترض لمفاهيم ذات علاقة بالروح والعالم والإله. وقد استمر هذا الفهم سائدًا بشكل عام في العصر الوسيط، حيث كانت الجدلية أو "الديالكتيكا" تعني المنطق الشكلي (أي ذلك المستوحى من تحليلات أرسطو)؛ وقد كانت مسجلة ضمن الـtrivium الجامعي، أي خارج ما كان يُصطلَح على تسميته بالفلسفة، مرافقةً للنحو والصرف وعلم البلاغة. لا بل إن بعضهم (كالقديس توما الإكويني ودونْس سكوتوس) كان يربطها حتى بأصداء سلبية، مازلنا نجد انعكاساتها إلى الآن، حيث مازالت الكلمة تستعمل لوصف التحليل أو الخطاب المعقد وغير المجدي. أما في القرن التاسع عشر، فتعود الجدلية على يد هيغل لتكتسب معنى فلسفيًّا جديدًا وعميقًا، مازال سائدًا حتى هذه الساعة: لأن مؤسِّس المثالية المطلقة جعل منها قانونًا يحدِّد مسيرة الفكر والواقع عبر تفاعلات النفي المتتالي للطريحة thèse والنقيضة antithèse، وحلِّ إشكاليات المتناقضات القائمة من خلال الارتقاء إلى الشميلة synthèse – تلك التي سرعان ما يجري تجاوزُها هي الأخرى، ومن نفس المنطلق. وهكذا، يتحول "الفعل السلبي" ليصبح جزءًا من الصيرورة، الأمر الذي يجعله، وفق هيغل، محركًا للتاريخ وللطبيعة وللفلسفة. ويقبل ماركس وإنجلز جدلية هيغل كطريقة، لكن (على حدِّ قولهما) "بعد إنزالها من السماء إلى الأرض"؛ فيطبِّقانها على دراسة الظواهر التاريخية والاجتماعية، وبشكل خاص على دراسة الظواهر الاقتصادية: لأن الروح أو الفكرة (من منظورهما) ليست هي التي تحدِّد الواقع، إنما العكس. وكان هذا هو المفهوم الذي طوَّره فيما بعد الماركسيون اللاحقون (كلينين وماو تسي دونغ)، الذين جعلوا من تلك "المادية الجدلية" منظومة فكرية شبه متكاملة. أما في القرن العشرين، فقد أصبحت الجدلية تعني كلَّ فكر يأخذ بعين الاعتبار، بشكل جذري، ديناميَّة الظاهرات التاريخية وتناقضاتها. من هذا المنطلق، كان مفهوم باشلار عن "فلسفة اللا" محاولةً عقلانيةً لتطوير المفاهيم العلمية، التي وصفها أيضًا بـ"الجدلية"، كي يبيِّن، في العلوم، الحركة التدرجية لنظريات سبق أن كانت مقبولة عالميًّا، ثم تمَّ تجاوزها، وذلك من خلال شَمْلها ضمن مفاهيم أوسع وأكثر انفتاحًا (كميكانيكا نيوتن وهندسة إقليدس، مثلاً، في علاقتها بنسبية أينشتاين والهندسات اللاإقليدية، ليس حصرًا). القاموس الفلسفي - طيف - 05-16-2007 حرف الدال
الدولة بالعودة إلى اشتقاق كلمة "دولة" بالفرنسية état، نجدها تعني حالة سكون كمقابل لنقيضها الذي هو حالة حركة؛ أو هي تعني، بشكل أعم، حالة وجود (كأن يجري الحديث، مثلاً، عن حالة وعي). أما في الفلسفة السياسية، فإن الدولة تعني المجتمع الذي انتظم، فأصبحت عنده حكومة، وأصبح في الإمكان التعاطي معه كسلطة أخلاقية يقابل بها المجتمعات المنظمة الأخرى. هذا وتفترض الدولة وجود مؤسسات سياسية وقضائية وعسكرية وإدارية إلخ. أما أراضيها فهي تشمل جميع تقسيماتها الإدارية (كالولايات والمحافظات والمناطق والنواحي والمديريات إلخ). والدولة الحديثة، منذ جان بوفان وبداية التفكير فيها علمانيًّا، هي كيان مستقل لا علاقة له بأيِّ تفويض إلهي بالحكم للحاكم (وهو مفهوم كانت تقبل به نظرياتُ السلطة في العصر الوسيط، وعبَّر عنها آنذاك القديس توما الأكويني أو البابا غريغوريوس السابع) ولا بتفويض الطبيعة له: فكيان الدولة ذو علاقة بتاريخها وبشرعية الحاكم ليس غير. القاموس الفلسفي - طيف - 05-20-2007 الديموقراطية
هي نظام سياسي يمارس السيادةَ فيه الشعبُ، أي مجموع المواطنين، عن طريق الاقتراع العام. وبحسب روسو، فإن الديموقراطية – التي تحقق الاتحاد بين الأخلاق والسياسة – هي دولة القانون التي تعبِّر عن الإرادة العامة لمواطنيها الذين هم، في نفس الوقت، مشرِّعون ورعايا يخضعون لقوانين دولتهم. وكنقيض للاستبداد والأوليغارخية (أي حكم الأقلية)، كانت تسمية "ديموقراطية" تُطلَق على بعض نُظُم الحكم في العصور القديمة (ديموقراطية أثينا مثلاً). أما في العصر الحديث، فنحن نميز بين الديموقراطية المباشرة، حيث تمارَس السلطة بلا وسيط من قبل الشعب، وبين الديموقراطية البرلمانية أو التمثيلية، التي يفوِّض الشعبُ فيها سلطاتِه لهيئة منتخَبة (برلمان). أما تعبير الديموقراطية الشعبية، فقد كان يُطلَق على الدول التي كانت تعتمد المبادىء "الاشتراكية" المستمَدة إلى حدِّ ما من الفلسفة الماركسية. وفي شكل عام، فإن الديموقراطية، كما تُفهَم في الغرب، تقتضي فصلَ السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بعضها عن بعض، وتضمن الحقوق الأساسية للكائن البشري. *** القاموس الفلسفي - طيف - 05-20-2007 داروِن، والداروِنية
بالاستمرار على نهج لامارك، أعاد عالم الطبيعيات الإنكليزي تشارلز داروِن (1809-1882) تبنِّي فرضية تطور الأنواع، مستندًا استنادًا أساسيًّا على الفروق بين النباتات الطبيعية في جزر غالاباغوس وبين النباتات الزراعية القارية، من جهة (مما يعني أن استقلالية التطور على علاقة بالبيئة الجغرافية)؛ وعلى تجارب الانتقاء الصنعي في البستنة وتربية الحيوان، من جهة أخرى. ثم، بالاعتماد، كأساس نظري، على "قانون مالتوس" القائل بأن السكان يتزايدون وفق متوالية هندسية، بينما تتزايد الموارد وفق متوالية حسابية، تصوَّر داروِن وجود تنافس حيوي يُقصي الكائنات الأضعف: وهذا ما أسماه بـ"الانتقاء الطبيعي"، الذي يتم لصالح الكائنات ذات التفوق الفردي؛ الأمر الذي يؤدي إلى تحول النوع بكامله وتطوره بسبب تراكم الطفرات الإيجابية. ونشير هنا إلى أن داروِن، وإن لم يكن أول من تطرَّق إلى دور العوامل السلبية المتعلِّقة بالانتقاء، فإنه كان أول من بيَّن بقوة جانبه الإيجابي؛ حيث أدت البراهين الحديثة على نظرية التطور، وخاصة المتعلق منها بالإنسان والناجم عن علم الأحافير (الباليونتولوجيا) – التي كانت في بداياتها أيام داروِن –، عبر اكتشاف أشكال وسيطة بين الأنواع الحية والأنواع المتحجِّرة، إلى تفجير فضيحة آنذاك. لكن من الجدير القول هنا إن وراثة الصفات المكتسبة، كما افترضتها تحولية داروِن، لم تعد مقبولة اليوم: حيث تمَّ البرهان على أن التغيرات الفسيولوجية لا تلعب أيَّ دور في سيرورة التطور؛ إنما فقط تؤدي إليه التغيرات التي تتم على مستوى البنية الوراثية والتي تُعرَف باسم "الطفرات" mutations: وهي طفرات (ذات طابع استثنائي) تحصل بسبب تغيير في تركيبة الجينات. استنادًا إلى ما سبق، يمكن القول، إذن، بأن الداروِنية – وهي النظرية البيولوجية لداروِن – هي إجمالاً نظرية تحولية يلعب الانتقاء الطبيعي فيها دورًا هامًّا. المؤلَّفات الرئيسية: في أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي (1859)، في تنوع الحيوانات والنباتات المدجنة (1868)، في تحدُّر الإنسان (1877). *** القاموس الفلسفي - طيف - 05-28-2007 " ر "
الرواقية ربما أمكن اعتبار العقيدة الرواقية، التي تحتفظ من الصلفية بفكرة أن السعادة تكمن في التمايز عن كلِّ حالة خارجية، بأنها ابتكار جماعي. ولدت الرواقية القديمة على يد زينون الكيتيومي (335-264 ق م)، الذي كان قبرصيًّا، ثم جاء إلى أثينا، حيث تتلمذ على يد فيلسوف صلفي، حتى طفق يعلِّم تلاميذه في ظلِّ ممرٍّ مكشوف مسقوف بعقود على أعمدة (أو رواق)، ما أسمى فلسفته بـ"الرواقية" أو "فلسفة الرواق". ثم تبعه كليانثوس (331-232 ق م)، الذي كتب نشيدًا إلى زيوس. ثم أتى بعد ذلك، وبشكل خاص، تلميذه كريسيبوس (280-204 ق م)، الذي وضع منظومة العقيدة والذي يمكن اعتباره بحق الأب الثاني للرواقية. أما أكابر الفلاسفة الرواقيين إبان القرنين الأول والثاني الميلاديين (أي ما يُعرَف بالرواقية الجديدة) فقد كانوا لاتينيين، أهمهم سينيكا وإبكتيتوس والإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد طوَّروا، بصفة خاصة، حكمة تقوم على الجهد والقيمة الأخلاقية للنية. لأنه بحسب الشرع أو لِنَقُلْ المنطق الرواقي، فإن كلَّ معرفة إنما تنبع عن الحواس؛ لكن الذهن الفعَّال هو الذي يضع أولى معطيات هذا التوجُّه؛ حيث، مصادقًا على الإحساس، يتلمَّس وجود الشيء المحسوس؛ ومن ثم، عن طريق التلمُّس المتفهِّم، يشكِّل أفكارًا عامة، قبل أن يصل به الأمر إلى العلم الذي هو معرفة منهجية. أما الفيزياء أو فلسفة الطبيعة عندهم فقد تميَّزتْ بالحلولية الطبيعية؛ حيث يشكل العالم والألوهة وجهان لواقع واحد. ويخضع العالم المادي لسلطة عقل قائم كلِّي (هو الله)؛ وتحرِّكه حياة كونية خاضعة لصيرورة وقدر إلهيين يجب على الإنسان – الذي ما هو إلا جزيء من هذا الكون – أن يخضع له. ونصل هنا إلى مفهوم الحكيم الرواقي الذي يعيش في تناغم مع عقله، أي مع الطبيعة، بحيث يجد راحة نفسه (أو الـ"أتاراكسيا" ataraxia وفق المصطلح اليوناني) عبر الابتعاد عن كلِّ ما يكدِّره، وخاصة عبر الابتعاد عن الأهواء، التي كان الرواقيون يتعاملون معها كنوازع غير طبيعية، إن لم نقل كعلل نفسية. من هنا تأتي الفضيلة – المستندة استنادًا أساسيًّا على انعدام الأهواء أو الـ"أباثيا" apathia – وما تستدعيه من تحكم بالإرادة وبالمحاكمة الداخلية من أجل قبول القدر والترفُّع المتسامي عن الأشياء وسفالات البشر، الأمر الذي كان يؤكد عليه بقوة الرواقيون الرومان. لقد كان للحكمة الرواقية أثرها الكبير جدًّا على مرِّ القرون: فالموضوعات المنبثقة من الرواقية قد ألهمت، إضافة إلى العديد من الكتَّاب الكبار، كمونتين وكورنيي وألفريد دُهْ فينيي وميترلينك، العديد من الفلاسفة، كديكارت وكانط. ونسجل أخيرًا أنه كان للأخلاق الرواقية أثرها الكبير على الأخلاق المسيحية، بشكل دفع هذه الأخيرة أحيانًا باتجاه التشدد، وخاصة حين يتعلَّق الأمر بقضايا الجنس. القاموس الفلسفي - طيف - 05-28-2007 " س "
السفسطة والسفسطائيون السفسطة عبارة عن محاجَجة تبدو وكأنها موافقة للمنطق، لكنها تصل في النهاية إلى استنتاج غير مقبول، سواء لتعذُّره، أو لاستعماله الإرادي المغلوط لقواعد الاستنتاج. وبالتالي فإنه يمكن اعتبارها قولاً مموَّهًا، أو قياسًا له شكل صحيح، لكن نتيجته باطلة، والقصد منه تضليل الآخرين – مشيرين هنا إلى أن ابن رشد كان يسمي السفسطة بالمغالطة والقياس السفسطائي بالقياس المغلوط. هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أنه كان يوجد تقليديًّا فرق يميز بين السفسطة وبين المغالطة: ألا وهو الرغبة الإرادية في التضليل (لدى السفسطة)، بينما تبقى المغالطة لاإرادية. كما أنه من المكن أن تُستعمَل السفسطة في النقاش بهدف إحداث صدمة لدى المستمع لدفعه إلى التعمق في حججه الفكرية. خاصةً وأن تسمية "سفسطائي" كانت تُستعمَل في بداية الأمر للدلالة على صاحب مهنة الكلام، ولم تكن تُستعمَل البتة بمفهومها المنتقص الذي أضحى شائعًا فيما بعد – وقد ظلَّ هذا المفهوم شائعًا حتى جاء أفلاطون الذي دمغ السفسطائيين بتلك السمعة السيئة التي جعلتْهم مجرَّد مشعوذين، إن لم نقل مجرَّد سطحيين "أصدقاء للمظاهر"، غير مهتمين كثيرًا بالحقيقة؛ الأمر الذي يميِّزهم، بحسب أفلاطون، عن الفلاسفة. وبالتالي، كان علينا انتظار مجيء مدارس النقد الحديثة لنتبيَّن بأن ما تركه هؤلاء لم يكن بالشيء المحتقَر إجمالاً، خاصةً حين يتعلق الأمر بقضايا اللغة: لأنهم كانوا في الحقيقة أول من اخترع علم اشتقاق الكلمات (الإيتيمولوجيا) ووضع القواعد اللغوية؛ كما أنهم كانوا أول من حاول دراسة مختلف أنواع الحجج وتحليل مختلف أنواع البراهين. وبصرف النظر عن معرفتهم في هذا المضمار أو ذاك، كان السفسطائيون سادة فنِّ الكلام. وبالتالي، ومن هذا المنطلق، كانوا وقتذاك، على ما يبدو، قادرين على بيع خطبهم حول أيِّ موضوع بأثمان غالية، حتى وإن كانت تلك الخطب تتعلق بمواضيع متناقضة. من هنا يمكن اعتبارهم بحق مؤسِّسي فنِّ الخطابة أيضًا. فهم ما كانوا ليترددوا البتة في استعارة الحجج والأمثال من مفكرين سابقين أو حتى من الأساطير (التي كان بروذيكوس، المحبِّذ للنقد الديني، يعتقد أنها مجرد سِيَرٍ ذاتية مجمَّلة)، محوِّلين كلَّ شيء إلى مناسبات لإلقاء خطبهم الجميلة؛ الأمر الذي أدى، بسبب موقفهم النقدي، من جهة، وغير الامتثالي، من جهة أخرى، إلى تبنِّي السياسيين لهم وإلى استقطابهم عداء الأثينيين، وعلى رأسهم سقراط (الذي كان يُعتبَر واحدًا منهم). كان أشهرهم غورغياس (485-380 ق م)، الذي كان متأثرًا بأمباذوقليس، وبروتاغوراس الأدبيري (480-411 ق م) الذي، مستوحيًا هيراقليطس، كان يرفض كلَّ حقيقة مطلقة ويقبل مبدأ التحول؛ فالإنسان، في نظره، كان مقياس كلِّ الأشياء. القاموس الفلسفي - طيف - 06-10-2007 سقراط (469–399 ق م)
مازال سقراط، الذي يمكن اعتباره أبا الفلسفة الغربية، شخصية يكتنفها الغموض بشكل عام؛ وذلك عائد، ربما، إلى أنه لم يترك لنا أيَّ أثر مكتوب. فقد عرفناه إما من خلال المشنِّعين عليه (كأرستوفانِس في كتابه السحب الجشاء Les Nuées)، الذين صوَّروه كشخص مثير للسخرية و/أو كسفسطائي خطير، و/أو من خلال أتباعه المتحمِّسين (ككسينوفانِس وأفلاطون وأرسطو)، الذين صوَّروه، وفق المنقول المعروف، كـموقظ استثنائي للنفوس وللضمائر. لذلك نرى أفلاطون (الذي كان تلميذه) طارحًا عقيدته على لسانه؛ فسقراط كان بطل معظم حوارات هذا الأخير. من تلك الحوارات الأفلاطونية نذكِّر تحديدًا بـدفاع سقراط وفيذون، اللذين تَرِدُ فيهما كلُّ المعلومات المتعلقة بحياة أبِ الفلسفة وموته. ونتذكَّر هنا، للطرافة، ما جاء على لسان ألكبياذِس في نهاية محاورة المأدبة، حين قارن بين قبح سحنة سقراط العجوز وبين جمال أخلاقه، مشبهًا إياه بالتمثال المضحك لسيليني الذي كان يتوارى خلفه أحد الآلهة. ولد سقراط في أثينا من أب نحَّات وأمٍّ قابلة؛ وقد مارس في البداية مهنة والده، مكتفيًا بالعيش عيشة بسيطة برفقة كسانتيبي، زوجته التي لا تطاق، حتى وقع ذلك الحدث الذي أيقظ موهبته الفلسفية، حين أخبرت البيثيا، كاهنة هيكل ذلفُس، أحدَ أصدقائه ذات يوم بأن سقراط هو أكثر البشر حكمةً؛ الأمر الذي دفع به، وقد بدا مشكِّكًا في ذلك بادئ الأمر، لأن يندفع في محاولة تلمُّس أبعاد تلك الكلمات التي حدَّدتْ مسار حياته. وهكذا بدأ مسيرته، متلمسًا طريقه من خلال مواطنيه، محاولاً استكشاف مكامن تفوُّقه المفترَض – ذلك المسار الذي أوصله إلى تلك النتيجة التي مفادها أن "كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئًا، بينما يعتقد الآخرون أنهم يعرفون ما لا يعلمون". تلك الحقيقة التي جعلت من فكره الثاقب أمرًا مزعجًا، حينما يقارَن بالامتثالية الفكرية للكثير من معاصريه. فقد كانت نقاشاته التي لا تنتهي تلقى اهتمامًا كبيرًا من قبل الشبيبة، مما أثار قلق أولياء الأمور، الذين سرعان ما اتَّهموه بالإلحاد وبالتجديف وبإفساد أبنائهم؛ الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى محاكمته والحكم عليه بالموت – تلك المحاكمة الشهيرة التي حاول سقراط عبثًا الدفاع عن نفسه خلالها (راجع دفاع سقراط لأفلاطون). كانت فلسفة سقراط، أولاً وقبل كلِّ شيء، إجابة على طروحات أناكساغوراس، الذي كان يعتقد بأن فطنة الإنسان إنما تعود فقط لامتلاكه يدين (أدوات عمل). أما سقراط فقد كان يعتقد بأن فطنة الكائن البشري إنما علَّتُها تلك الروح العاقلة القوَّامة على الجسد، والتي تشارك الإله في طبيعته. انطلاقًا من هذه القناعة ومن هذا الاعتقاد انبثق العديد من تعاليمه؛ لأنه إن كانت نفس الإنسان ذات أصل إلهي (ونشير هنا إلى أن سقراط، خلافًا للمعتقدات السائدة، لم يكن يعتقد بأن الآلهة تعاني من انفعالات بشرية)، فإنه يصير بوسعنا قبول ذلك المفهوم الداعي إلى ضرورة تفهُّم أفضل للنفس، أي "اعرف نفسك"، العبارة المنحوتة على واجهة هيكل ذلفُس، التي اتخذها سقراط شعارًا: "حياة لا يُفحَص عنها لا تستحق أن تعاش". لأن أكثر ما يشدِّد العزيمة، حينما يتعلق الأمر بفناء الجسد، هو الإيمان بخلود الروح (راجع فيذون لأفلاطون). ونشير هاهنا، بالإضافة إلى ما سبق، إلى شجاعة سقراط وهدوئه قبل أن يجرع كأس السمِّ الذي وضع حدًّا لحياته؛ ونستذكر أقواله حين قارن نفسه بالبجعة التي تغني قبل أن تموت، ليس لأنها تخاف الموت، وإنما بدافع ما تتطلَّع إليه من سعادة ومن أمل. يعتقد سقراط أن الكرامة الحقيقية للنفس إنما تنبثق من العلم الذي هو ميراثها الحق. لكن العلم الذي يعتقد به لم يكن يرتكز، كما هي حالنا اليوم، على ظواهر العالم الخارجي: فقد اتخذ سقراط، منذ البداية، موقفًا معارضًا من منظِّري الطبيعة لافتقارهم إلى الحسَّ الإنساني؛ واتخذ أيضًا، في الوقت نفسه، موقفًا معارضًا من مذهب السفسطائيين، الذين لا يمتلكون موهبة الحسِّ العلمي. فقد جمع سقراط بين المبادئ المقبولة للفيزياء وبين إتقان الجدل – جمع ما بين الشكل العلمي للمذهب الأول وبين الهمِّ الإنساني للثاني – جاعلاً من علم الأخلاق في القلب من مسعاه الفلسفي. لأنه، وفق مفهومه، بات يجب على الروح، التي تخلَّت عن محاولة فهم الكون، الهبوطُ إلى أعماق نفسها، كي تستنبط الحقائق الأساسية الكامنة في تلك الأعماق على شكل حالات بالقوَّة (راجع النظرية الأفلاطونية المتعلقة بالتذكُّر reminiscence)؛ الأمر الذي يجعل النفس قادرة على الإحاطة بالمعرفة، بدون أن تقع أسيرة للأشياء الخارجية (وهذا ما سيبرهن عليه لاحقًا كلٌّ من ديكارت وكانت). إذ إنه أضحى من واجب العلم الرافض للانفعالات البشرية أن يركِّز على ماهية المعاني المجردة (أو الـconcepts)، التي كان سقراط أول من اكتشف مفهومها. فعن طريق السكينة والاستقرار الداخليين، نتوصل إلى استنباط جوهر الأشياء، ونتمكَّن من التعبير عنه بواسطة التعريفات. وكان هذا ما فعله سقراط – ممهدًا بذلك الطريق للنظرية الأفلاطونية التي ستليه – حين حاول، على سبيل المثال، تعريف مفهومي "الشجاعة" lachès و"الصداقة" lysis. وبما أن موهبة (فنَّ) العيش السليم، كطريق إلى السعادة (والخير هو السعادة وفق المأثور القديم)، مرتبطة بمعرفة النفس، فإنها، متجاوزةً حذاقة السفسطائيين، تكشف ضلال البشر الذين لا يهتمون، في معظم الأحوال، إلا بالأشياء التافهة الزائلة (كالثروة، والسمعة، إلخ)، ويتجاهلون ما هو أساسي، أي الحقيقة الكامنة في نفوسهم. وتبدأ المعرفة، بحسب سقراط، بفعل تطهُّر (سبق أن دعا إليه الأورفيون والفيثاغوريون)، يُظهِر، من خلال التخلُّص من الأفكار المسبقة بإظهار بطلانها، مختلف الخصال الحميدة (كالاعتدال، والعدالة، إلخ)؛ تلك التي، إنْ أحسن المرء استعمالها، تتحول إلى فضائل؛ إذ "لا أحد شرير باختياره"، وإنما بسبب الجهل. هذا وترفض طريقة سقراط لبلوغ المعرفة كلَّ وحي يتجاوز العقل – فـ"شيطان" سقراط هو في المقدرة على الإقناع، وليس في الإبداع – وتعتمد الجدلية dialectique؛ لأن هذه الأخيرة، عِبْر مرحلتيها اللتين هما التهكُّم والتوليد (الذي هو، على طريقة سقراط، استيلاد الحقيقة من النفس maïeutique) تسمح – وسط أجواء من الصداقة – باستخلاص نقاط التلاقي بين المتحاورين، أي الحقائق الكونية المتعارَف عليها وفق متطلَّبات المنطق. لقد كان سقراط بحق مؤسِّس فلسفة الأخلاق وأول منظِّر للعقلانية (الأمر الذي سيُكسِبُه عداء نيتشه). كما كان داعية إلى حرية الرأي والتفكير الفردي؛ مما جعل منه، بالتالي، مثالاً يُحتذى في كلِّ موروث فلسفي لاحق. القاموس الفلسفي - طيف - 06-10-2007 "ط"
اليوطوبيا أو الطوباوية Utopia من اليونانية u-topos، أي "ليس في أيِّ مكان" – وهو التعبير الذي استخدمه بالمعنى نفسه توماس مور (في كتابه يوطوبيا: أو حول الدستور الأمثل للجمهورية، 1516) ليصف مدينة مثالية وخيالية في نفس الوقت؛ حيث نجد أن ما يتضمَّنه هذا الكتاب من أوصاف – ومنها بعض ملحوظات أفلاطون – إنما يستعملها لنقد النظامين الملكيين الإنكليزي والفرنسي آنذاك؛ وفي نفس الوقت، لرسم لوحة لمجتمع بالمقلوب: حيث يُحتقَر الذهب ويحيا الناس نوعًا من الشيوعية السعيدة. ونستنتج من هذا المثال، أول ما نستنتج، أنه ليس بوسع هذا البنيان اليوطوبي أن يقوم إلا على جزيرة محمية ومنعزلة في الوقت نفسه. كذلك، إن وسَّعنا المفهوم، فإنه يصير بوسعنا أن نشمل فيه كلَّ مجتمع خيالي غير قابل للتحقيق – مع التأكيد أنه يمكن أن تكون اليوطوبيا، في الوقت نفسه، محرِّضًا للفكر السياسي (كمدينة أفلاطون الفاضلة، ومدينة الشمس لتوماسو كامبانيلا، وفالانستير شارل فورييه، مثلاً). وبوسعنا هنا أيضًا، وتحديدًا، أن نميز، من جهة، بين اليوطوبيا التي تُستعمَل لوصف نظام سياسي يعمل وفق ميكانيكية الساعة، لكن على حساب الفرد وحريته، ومن جهة أخرى، بين اليوطوبيا المضادة التي تبني هي أيضًا مدنها المثالية، لكن على أساس الرغبة والحلم. |