حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/printthread.php 16 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$archive_pages - Line: 2 - File: printthread.php(287) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(287) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 287 eval
/printthread.php 117 printthread_multipage
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval
Warning [2] Undefined array key "time" - Line: 2 - File: printthread.php(211) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/printthread.php(211) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/printthread.php 211 eval



نادي الفكر العربي
القاموس الفلسفي - نسخة قابلة للطباعة

+- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com)
+-- المنتدى: عـــــــــلــــــــــوم (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=6)
+--- المنتدى: فلسفة وعلم نفس (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=84)
+--- الموضوع: القاموس الفلسفي (/showthread.php?tid=11069)

الصفحات: 1 2 3


القاموس الفلسفي - طيف - 06-10-2007

"ع"

العدالة




إذا نظرنا إليها كسلطة لتطبيق القانون، فإن في وسعنا القول بأن العدالة مستقلة من حيث الجوهر. لهذا السبب، ربما، فإن مونتسكيو، في كتابه روح القوانين، يفصل السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، حيث مفهوم العدالة يعني: احترام ضابط القانون، من جهة، وفضيلة احترام حقوق الآخرين، من جهة أخرى.



أما كمنهج ينظِّم العلاقات المتبادلة بين المواطنين في قلب المدينة، فإنه من المفترض أن تسود العدالة، سواء بشكل توزيعي يقسِّم الواجبات والامتيازات، أو بشكل تبادلي ذي علاقة بالمبادلات الاقتصادية – مع التأكيد أن مفهوم "الإنصاف" الذي تشتمل عليه العدالة يعني التعامل مع مختلف الناس ككائنات سواسية، لا فرق فيما بينها، بغضِّ النظر عن التفاوُتات الطارئة كافة. ويلاحظ روسو أنه لا يمكن، من هذا المنظور، تحقيق العدالة إلا عن طريق المساواة المدنية التي تبدأ بالتخلِّي عن الحقوق الطبيعية لصالح نظام سياسي حقيقي.

***



القاموس الفلسفي - طيف - 06-13-2007

"غ"

الغريزة، السليقة، الميل الفطري Instinct


فيما يتعلق بالحيوان، تشير الغريزة إلى ذلك السلوك التلقائي، الوراثي، والعيني، الذي يؤمِّن تكيُّفه مع البيئة المحيطة وبقائه الفردي والجماعي. لكن الدراسات الجارية، في إطار علم السلوك الحيواني بشكل خاص، بيَّنت أن وصف الغريزة الكلاسيكي (الذي نجده مثلاً عند ج.هـ. فابر)، الذي يؤكد على نظاميتها ونجاعتها، إنما يحتاج إلى المزيد من التدقيق: حيث نلاحظ أننا بمقدار ما نرتقي على الصعيد الزوولوجي (الحيواني) فإن السلوك الغريزي الذي تولِّده المنبِّهات يُظهِر المزيد من المطاوعة، وخاصة حين يتعلق الأمر بتوسُّط حركات تتطابق مع كلِّ حالة؛ ما قد يعني، بالنسبة للأنواع العليا، أن الغريزة يمكن أن تترافق مع نوع من التدريب.

أما بالنسبة لشَمْلِ الإنسان ضمن مفهومها، وحين لا يتعلق الأمر بسلوكيات أو تصرفات مكتسبة بشكل عادي أو ثقافي (كغريزة الأمومة مثلاً)، فإنه ينبغي توخِّي منتهى الحذر بسبب تواجُد معطيات طبيعية لدى الإنسان قد تتفوق على تلك المعطيات المكتسبة – ونحن نعني هنا التعريف الراسخ للإنسان.

لذا يفضَّل اليوم، في مجال علم النفس تحديدًا، الكلام على الدوافع، عوضًا عن الغريزة، كما كانت تفعل الترجمات الأولى للألماني تريخ، حين كان يذكر تلك القوى غير الواعية التي تشكِّل الشيء أو الثنائية - والتي قبلها فرويد في النهاية – والمترنِّحة بين ذلك الميل إلى تدمير الذات أو العدوانية.

[راجع: برغسون، إيروس وثاناتوس، طبيعة (بشرية)، منعكس.]



القاموس الفلسفي - طيف - 06-28-2007

" فاء "


فيثاغوراس (582–500 ق م) والفيثاغوريون




حكيم ورياضي إغريقي، ولد في جزيرة ساموس (قرب شواطئ آسيا الصغرى)، وجال في منطقة شرق المتوسط، مقيمًا، على ما يُشاع، في مصر ردحًا من الزمن، ثم هاجر إلى كروتونا (جنوب إيطاليا)، حيث أسَّس تنظيمًا ذا طابع باطني مُسارَري.

يُعتبَر فيثاغوراس، من حيث الجوهر، فيلسوف النفس – الخالدة وذات الجوهر الإلهي – التي خُلِقَتْ كماهية حقيقية، متمايزةً بذلك تمامًا عن الجسد الفاني الذي يحتضنها، ومتقمِّصةً، على التوالي، سلسلة من الأجساد، مكفِّرةً بذلك عن ذنوبها السابقة. لذا فعنده أن ممارسة الفضيلة، التي يمكن اعتبارها عملية تطهير، تحرِّر النفس من "دورة الولادات" المتتالية .

يعتقد فيثاغوراس أنه لا يمكن فصل الفضيلة عن العلم، الذي أسماه – للمرة الأولى في التاريخ – فلسفة (كلمة تعني "محبة الحكمة")، باعتباره تلك المعرفة التي تتحقق من خلال التعرُّف إلى التناغم الذي يحكم الكون؛ وهو تناغم يجد تعبيره الأكمل فيما عرَّف به فيثاغوراس بوصفه العدد، الذي يفسِّر، في نظره، النظام المتمثِّل بحركة النجوم والكواكب؛ لذلك بوسعنا أن نقول إن فيثاغوراس هو الذي أوجد بحق علم العدد. كما أنه هو واضع تلك النظرية التي باتت تُعرَف باسمه ("مربع وتر المثلث القائم يساوي مجموع مربَّعي ضلعيه القائمين"). كما اكتشف أيضًا السلَّم الموسيقي، وجدول الضرب، والنظام العشري، وجعل من الحساب علمًا نظريًّا. أما فيما يتعلق بعالم ما تحت القمر، الذي هو "عالم الكون والفساد"، عالم الأشياء الفانية، والخاضعة جزئيًّا للفوضى، فهو عالم يتناقض، على ما يبدو، مع التناغم العددي، ويتضمن قسطًا من اللامنطق، وذلك على الرغم من احتوائه تلك الروح الدائمة الحركة، التي تبقى مشعة بنارها الخالدة.



لقد كانت الفيثاغورية بحق المحاولة الفلسفية الأولى للدخول إلى عالم النفس، ولتجاوز المحسوس. وقد أعيد إحياؤها فيما بعد، ليس فقط عبر فلسفة أفلاطون، وإنما أيضًا عبر جميع أولئك الذين – كديكارت، مثلاً - حاولوا اكتشاف التناغم بين الكون وقوانين العدد الرياضي.

------------------------------------------------------------------------

المدرسة (أو المؤسَّسة) الفيثاغورية..

وأية مدرسة كانت هذه المدرسة–المؤسسة، التي هيمنت في ذلك الزمان ما يقارب الـ 25 عاماً (بشكل غير مباشر) على حياة كروتونا والعديد من المدن الإغريقية الواقعة في الأرخبيل اليوناني وفي جنوب إيطاليا.. فأقامت فيها بالإقناع ما يمكن أن ندعوه اليوم نظاماً أريسطوقراطياً وشيوعياً معاً، نظاماً قائماً على التقشف ponos والفضيلة arete، كما كانوا يقولون باليونانية.. مبدئياً، كان بوسع أيٍّ كان الانتساب إلى هذه المدرسة التي كانت مشرعة الأبواب تقبل حتى النساء والغرباء.. ولكن، في الوقت نفسه، كم كان صعباً الانتساب إليها، حيث..

من منطلق التناغم الذي يشكّل أساس أية مؤسسة إنسانية ناجحة، ومن منطلق فهم نخبوي وأرستقراطي حقيقيين، كان تشدُّد فيثاغوراس في قبول الراغبين في الانتساب إلى مؤسسته.. وهو الذي قال يوماً إنه "ليس من أي خشب يُنحت هرمس.." لذا، كان على الراغب بالانتساب إلى المدرسة تجاوزُ مرحلة اختبارية قد تصل مدَّتها إلى ثلاث سنوات يقوم الأساتذة – فيثاغوراس تحديداً – خلالها بدراسة نفسيَّته.. وأيضاً.. كان على من يرغب بالانتساب إلى هذه المدرسة التخلِّي عن كل ما يملك لصالح المؤسَّسة التي تستثمر تلك الأملاك والأموال لما فيه الصالح العام، مع ملاحظة أنه كان بوسع الطالب استرداد كل شيء إذا ترك المؤسَّسة.. بعدئذٍ..

إذا وصل الطالب إلى العتبة، وقُبِل مبدئياً مريداً.. كان عليه أن يتجاوز مرحلة تحضيرية، قد تصل مدَّتها إلى خمس سنوات، يمتنع خلالها عن الكلام كلّياً فيصبح مستمعاًakkousmatikos ، فيُمنَع من النقاش ومن رؤية المعلِّم والتحدُّث إليه.. كان مسموحاً له فقط الاستماع إليه من وراء الستار و.. التأمُّل فيما يستمع ويتلقى من دروس منه ومن الأقدمين.. فالمريد، في هذه المرحلة، مايزال يعتبر "خارج العتبة" oi-exo حسب التعبير اليوناني.. هذا ونشير هنا إلى أن أستاذ هذه المرحلة كان هيباسيوس الميتابونطيّ الذي يُنسَب إليه كتاب في الروحانيات أو المسطيقا.. ثم..

إن تجاوز المريد العتبة وأصبح من أهل الباطن.. وأصبح في وسعه النقاش مع زملائه ورؤية المعلِّم والحديث إليه.. بدأ تعليمه الفعلي الذي كان ينقسم حسب جمبليخوس إلى ثلاث درجات..

أولاها، درجة الفيزيائيين أو الرياضيين، أو من كانوا يعرفون بالـ physikoi أو mathematikoi، حيث كان يدرس الفيزياء والفلك والهندسة والرياضيات وعلم العدد و..

ثانيتها، درجة السرَّانيين، أو من كانوا يعرفون بالـ hermetistes أو الـ sebastikoi، ويدرس فيها كافة العلوم السرَّانية، ومنها تلك المتعلِّقة بأصول الروح ومصيرها والتقمُّص.. إلخ، و..

ثالثتها، درجة عرفت ظاهراً بالاجتماعيين أو السياسيين، أو من كانوا يعرفون بالـ politikoi، وهي في الواقع درجة الكُمَّل أو الـ teleiotes، وتُدرَّس فيها تلك الصفوة من الصفوة المنتقاة لنشر المعرفة والقيادة، مبادئ القانون والوفاق الاجتماعي والتناغم الروحي.. وأيضاً..

كانت الحياة في المدرسة–المؤسَّسة تدور حول شخصية المعلِّم الذي أحيط بهالة من القداسة.. فبالنسبة لهم كان المعلِّم رسولاً فعلاً لا قولاً (كما هي الحال غالباً).. كان محظوراً التلفُّظ باسمه، وحين كان ينسب إليه قول ما كانوا يقولون: autos-epha، أي "هكذا قال هو.." و لكن هذا التقديس للمعلِّم كصفة كان يقابَل بتواضع لامتناهٍ من قبل المعلِّم كشخص، حيث يقال مثلاً إن.. في حضرة "الطاغية" ليونيداس، حاكم فيليونتي، الذي دعاه يوماً بالحكيم Sophos، أجابه إن الحكمة هي للألوهة فقط، و أنه يكتفي لنفسه بلقب "صديق الحكمة" أو philo-sophos.. فكان فعلاً، كما عبَّر هو عن نفسه، أوَّل الفلاسفة.. وأيضاً..

كانوا جميعاً يستيقظون مع شروق الشمس، وينامون مع غيابها.. يصرفون وقتهم في العمل والدراسة والتأمل والصلاة.. يراجعون أنفسهم مرتين في اليوم على الأقل، عند الصباح مبدئياً وقبل النوم حتماً.. كما علَّمهم هو حين قال في "الأبيات الذهبية" أن..



لاتدع النوم يغزو عينيك المرهقتين قبل أن تفحص كل يوم ضميرك، متسائلاً: "فيم قصّرتُ؟ وماذا فعلت؟ وأي واجباتي أغفلت؟"، و..

ابدأ من البداية، مسائلاً نفسك عن هذه المسائل واحدة واحدة.. فإذا أسأتَ التصرف، لُمْ مسلكك.. أما إذا أحسنتًه فابتهج..



وأيضاً، كانوا جميعاً نباتيين، يحظرون على أنفسهم تناول أي طعام ناجم عن قتل روح حيَّة..

وأيضاً، كانت جميع علومهم سرَّانية، يُحظَر الحديث عنها وكتابتها وتداولها خارج المدرسة.. هذا ونشير هنا إلى أننا سنناقش موضوع سرَّانية العلوم لاحقاً في سياق البحث.. أما الآن فنكتفي بالقول إن.. هذه "القاعدة الذهبية" بقيت سائدة حتى أيام أفلاطون وأرسطو.. وحتى ما نسب إلى جمبليخوس من تعليق حول مخطوط لسبوسيبوس يتعلَّق بالـ ..



الأعداد و.. الرياضيات الفيثاغورية

كل شيء كان بالنسبة للفيثاغوريين عدداً..

والحقُّ يقال، إنهم لم يكونوا ينظرون إلى العدد ككمية مجرَّدة وإنما.. كتجلٍّ إلهي وكانعكاس للواحد الأحد الذي هو منبع وأساس التناغم الكوني.. لذا.. فعلم الأعداد كان بالنسبة لهم جزءاً من عملية فهم القوى الحيَّة، إن لم نقل جزءاً من عملية فهم ذلك الفيض الفاعل في جميع العوالم ومن بينها عالمنا الإنساني..

والأعداد الفيثاغورية كانت من حيث الأساس أعداداً صحيحة وموجبة ومرتبطة بالملموس.. ففي البدء، لم يكن الفيثاغوريون، على ما يبدو، يميِّزون بين العدد وبين المحسوس، إنما..حصل هذا التمايز لاحقاً على يد أفلاطون وجماعته.. وأيضاً..

كانت الأعداد الفيثاغورية تنقسم إلى وتر (أعداد فردية) وشفع (أعداد زوجية)، و .. كانت تمثَّل بنقاط هندسية موزعة كمتتاليات بواسطة زوايا كما يلي:

.
..
...
....

حيث تمثل الأعداد الموجبة أو المربَّعة، شكلاً هندسياً متوازناً، إن لم نقل كاملاً من منطلق نسبتها التي هي n / n بينما.. تمثل الثانية أي الأرقام الفردية مستطيلاً، أي شكلاً هندسياً غير متوازن من خلال نسبتها التي هي n / n + 1 .. وأيضاً..

كان العدد الأول الـ 1 يمثِّل بالنسبة لهم أول الأرقام ورمز الألوهة.. فعنه ينبع كل شيء.. وهو، بحكم كونه رمزاً، تحدُّه نسبيتنا ومحدوديَّتنا.. منبثق عن العدم أو اللانهاية التي عبَّر عنها ابن عربي يوماً بـ"غيب الغيب" أو "الغيب المطلق" الذي ليس بوسعنا استيعابه.. أما على مستوانا فيبقى الواحد 1 هو المنطلق والأساس لجميع الأعداد.. فهو إذن محور الكون، وهو البداية و..

منه ينبع الثنائي أو الـ 2.. والثنائي هو النسبي وهو الخليقة، ويُرمَز له عادة بخط مستقيم.. ونتوصل مع الفيثاغوريين من بداية هذا النقاش الرقمي الرمزي إلى الجدول التالي الذي يمثِّل عدداً من الثنائيات الفيثاغورية..




1. لامحدود / محدود
2. مفرد / مزدوج
3. واحد / عدد
4. يسار / يمين
5. ذكر / أنثى
6. سكون / حركة
7. منحني / مستقيم
8. ظلام / ضوء
9. خير / شرّ
10. مستطيل / مربع

أما الثلاثي 3، وهو أول عدد كامل يلي الواحد، فقد كان يمثل عند الفيثاغوريين البداية والنهاية وما بينهما.. وهو عدد فردي، يجمع العددين الأول والثاني.. وهو غير قابل للقسمة. ومن هنا.. يعيدنا إلى الألوهة كرمز.. وأيضاً..

من قلب ذلك الثلاثي 3 الذي عاد إلى البداية 1.. و/أو.. من تلك الخليقة، إن لم نقل ذلك الثنائي 2 المتوالد، كان الرابوع أو الـ 4.. رمز عالمنا المادي والمجسَّم من حيث الشكل.. ونتذكر "أبياتنا الذهبية" التي تقسم بـ ..



..الذي أعطانا الرابوع، مبدأ الطبيعة الأزلية..



وأيضاً، فإن جمع الأرقام الأربع الأُوَل، 1 و 2 و 3 و 4، يعطينا الـ 10.. الرابوع tetraktis المقدَّس عند الفيثاغوريين.. وتلك، من خلال الرابوع، تعيدنا من جديد إلى الـ 1.. ففي الرابوع تتمثل حسب الفيثاغوري أرشيتياس التارانتي.. الأعداد والأبعاد والعناصر والأشكال والمواهب.. كما يلي..

الاعداد _ 1 , 2 , 3 , 4
الابعاد _ نقطة , خط , سطح . مجسم
العناصر _ نار , هواء , ماء , تراب
الاشكال _ رباعي الوجوه , مثمن , عشروني الوجه , مكعب
المواهب _ فكر , علم , رأي , أحساس


ونتابع التحليق مع الأرقام الفيثاغورية، فنشير، باختصار شديد، إلى أن هذه المدرسة كانت أول من أعطانا ما نعرفه اليوم في الرياضيات بـنظرية النسب الرياضية (b - m = m - a)والنسب الهندسية

(a / m = m / b) و التناغمية (m - a / b - m = a / b) .. وأيضاً..

من خلال ما يعرفه العامة بنظرية فيثاغوراس .. أو AB² +AC² = BC² أي مجموع مربعي ضلعي مثلث قائم يساوي مربع الوتر، توصَّل الفيثاغوريون إلى معرفة العدد غير الصحيح.. الأمر الذي كان يشكِّل في حينه مأزقاً فلسفياً لايمكن استيعابه.. كما لايستوعب الكثيرون اليوم القصد العميق لمفهوم الفوضى أو الـ entropy في الكون.. فالعدد غير الصحيح كان ربما أول تعبير فلسفي واقعي ملموس لهذه الفوضى المفترضة، وكما تبدو من منظورنا.. ونسجِّل هنا أن هذا الاكتشاف تحديداً كان ما دفع زينون وجماعته في حينه إلى معارضة المدرسة الفيثاغورية ومفاهيمها الثورية.. وأيضاً..

كان الفيثاغوريون أول من عرف ما ندعوه اليوم بالنسبة الذهبية أو العدد الذهبي أو 1.618 الذي فتن العديد من العلماء، بدءاً من أفلاطون، مروراً بليوناردو دافنشي، وصولاً إلى المعماري المعاصر الكبير لوكوربوزييه.. فالعدد الذهبي أو الـ modulor قد يكون أصدق تعبير رياضي لهذا التناغم الكوني الذي يستوعبنا.. وهذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه قليلاً من خلال ما سيتيسَّر لنا عرضه عن..




الموسيقى و علم الفلك الفيثاغوريين

حيث تقول الأسطورة إن فيثاغوراس اكتشف النوطة الموسيقية من خلال إصغائه ذات يوم إلى تواترات أنغام مطارق الحدَّادين.. وهذا الحديث قد يكون صحيحاً، وقد يكون مجرَّد أقصوصة.. ولكن..

مما لاشك فيه، أن الفيثاغوريين كانوا أول من اكتشف سرّ وأول من وضع أسس النوطة الموسيقية التي أضحت معتمدة من بعد وبقيت حتى يومنا وحيث الـ ..



Ut = 1, Re = (2/3)2, Mi = (2/3)4, Fa = 3/2, Sol = 2/3, La = (2/3)3, Si = (2/3)5





من خلال اكتشاف نسبة الـ 2/3 وتشعباتها.. وأيضاً..

كما أوضح أفلاطون في مؤلفه الرئيسي الجمهورية، حاول الفيثاغوريون تعميم مفهوم التناغم الموسيقي على الكون برمَّته.. فالكون، كمفهوم، كان بالنسبة لهم رديفاً للتناغم.. أفلاتعني كلمة Kosmos – وهي تلك التسمية اليونانية التي أطلقوها على الكون – النظام والجمال؟ لذا نراهم..

يضعون فرضية تناغم الكرات التي تحدث عنها لاحقاً أفلاطون وأرسطو.. وحيث كانت مجالات تباعد النوطات الموسيقية الأساسية السبع متوافقة مع حركة وتباعد الكواكب السبع عن الأرض وبعضها بالنسبة لبعض.. فالعدد عندهم كان يسود في كل مكان ويسود في الكون.. وأيضاً..

يلاحظ العلماء اليوم أن الفيثاغوريين قد تجاوزوا قطعاً ما كان متبعاً في زمانهم من حيث الرصد الظاهري للكواكب والنجوم وحركتها وتسجيلها.. وأنهم توصَّلوا إلى فهم نظري متكامل تجاوز بكثير الفهم التقليدي الذي كان سائداً في حينه والذي جعل من الأرض مركزاً للكون.. فاستبدلوا به فهماً رياضياً هيأ منذ ذلك الحين الطريق للمفهوم اللامركزي الذي اعتمده كوبرنيكوس لاحقاً جداً (أي بعد 2200 سنة).. لا بل أكثر من ذلك، يعتقد بعض العلماء اليوم أن فيثاغوراس كان أول من تحدث عن كروية الأرض والكون.. أفلم تكن الكرة بالنسبة له هي الجسم الأكمل؟ أو لم يكن تلميذه فيلولاوس أول من قدَّم فهماً كروياً مركزياً لكون تتحرك مكوِّناته في الأثير بتناغم موسيقي حول كرة نارية مركزية اعتبروها في حينه مركزاً للعالم؟

و أيضاً.. مع مفهوم الأثير، يكون الفيثاغوريون قد تجاوزوا في حينه مفهوم العناصر الأساسية الأربعة.. فإذا كانت النار بالنسبة لهم ممثَّلة رمزاً بالإله آرِس (مارس)، وكانت الأرض ممثَّلة بهاذِس (العالم الأسفل)، والماء بكرونوس (الزمن)، والهواء بذيونيسوس، فإن الأثير الممثَّل رمزاً بزفس أبي الآلهة يستوعبها جميعها..

وأخيراً وليس آخراً، نلاحظ أن المدرسة الفيثاغورية قد ربطت بشكل غير قابل للانفصام بين مفهومين أساسيين يبدوان بالنسبة لنا اليوم متعارضين أقصد مفهومي..



العلم و الدين
ِ

ففيما مضى، في زمن غابر كما يقال، كانت العلوم مرتبطةً بالمعرفة كمفهوم مقدَّس.. فعلوم تلك الأزمنة، كما نعرِّف بها اليوم، كانت علوماً منقولة sciences traditionnelles..

"منقولة".. بمعنى أنها كانت تنطلق من قاعدة تراثية عريقة.. أي من قاعدة تربط كما يعرِّفها رونيه غينون العلوم بمجموعها بمبدأ متعالٍ transcendant، إن لم نقل ألوهي.. يقول غينون:



كانت الفيزياء بالنسبة لأرسطو تابعة للميتافيزياء، بمعنى أنها لم تكن مستقلة عنها إنما، كانت مجرّد تطبيق على صعيد الطبيعة للمبادئ العليا ومجرّد انعكاس لقوانين هذه المبادئ العليا. أما العلوم الحديثة [أو الدنيوية profanes حسب جينون] فهي تدعو خلافاً لذلك إلى عزل العلوم من خلال رفض كل ما يتجاوزها.



وما يتجاوز علومنا "الدنيوية" فعلاً اليوم كان وما زال وسيبقى.. ذلك الأساس المقدَّس الذي لاندركه.. وفصل هذا الأساس المقدَّس عن العلوم يعني عملياً (أيضاً حسب غينون) ".. تفريغ العلوم من مضمونها العميق.. وتسطيحها.." من خلال جعلها تطبيقية فقط وبالتالي بلاغاية حقيقية..

وهذا يشكل كما نتلمس اليوم، جانباً أساسياً من جوانب أزمة عالمنا المعاصر.. ولكن..

لماذا وكيف حدث ذلك؟.. ربما لأن الإنسانية أخطأت المسار عموماً؟.. أو ربما لأن أبناء المعرفة من البشر اختاروا طريقهم من خلال العقل وحده فتجبَّروا؟.. أو ربما لأن القوَّاّمين على الشرائع رفضوا العقل وحجبوا الحقيقة فضلُّوا، وضلَّلوا؟.. أو ربما لهذه الأسباب مجتمعة؟.. ولكن، وأيضاً، وخاصة.. لأن هذا كان قطعاً قدر الإنسان الذي حمل، بمشيئة الله، الأمانة.. وكما جاء حقاً في الكتاب الكريم..

إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وقبلها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً..

المهم أن انفصالاً معيناً مترافقاً مع جهالة معينة قد حصل فأوصلنا إلى ما أوصلنا إليه.. كما حصل أيضاً، منذ بدء الخليقة الواعية وحتى الساعة، أن سعى أبناء المعرفة، على مرّ العصور، إلى جمع ما يصوِّرهما الفهمُ الظاهر للأشياء بالنقيضين وأقصد.. المعرفة والدين.. إن لم نقل.. العقل والإيمان..

العقل من خلال العلوم والمعرفة والسعي الدؤوب لإعادتها إلى قدسيَّتها البدئية.. والإيمان من خلال الأديان والسعي الدؤوب المستمر لإعادتها من حيث الجوهر إلى وحدانيتها..

وهنا، تحديداً، كانت المحاولة الفيثاغورية ملفتة للنظر حيث.. كان الفيثاغوريون انطلاقاً من تفهُّمهم العميق للأصول المشتركة لجميع الأديان.. ينظرون إليها جميعاً، كجوهر وكعمق، انطلاقاً من مستويات المعرفة وتفاوتها عند البشر.. ونفصِّل هذه النقطة الهامة قليلاً حيث..

بالنسبة لهم كان النظر إلى الألوهة من خلال المشاعر والأحاسيس سرعان ما يؤدي من خلال تعدُّد مظاهر هذه المشاعر والأحاسيس ولاتناهيها في العدد إلى.. تعدد الآلهة.. كفهم كان مسيطراً عند أغلبية الشعوب والأمم البدائية.. ولكن..

إن نظر الإنسان إلى الألوهة من خلال النفس العاقلة وجد أن المظهر سرعان ما يتغير فيصبح.. ثنائياً ومزدوجاً.. أي خيراً وشراً، وروحاً ومادة، إلخ.. وكما كان يعتقد في زمان فيثاغوراس مثلاً الزرادشتيون.. وأيضاً..

إن ارتقى الفهم فأضحى من خلال الروح والنفس والمادة مجرداً.. أصبح فهم الألوهة معه ثلاثي التجلِّي.. كما كانت الحال في زمن فيثاغوراس عند الهندوسية التي اعتمدت مبدأ ألوهة مثلَّثة التجلِّي وممثَّلة بـ .. برهما و فشنو و شيفا.. وأخيراً..

إن ارتقى الفهم عند أبناء المعرفة في جميع الملل.. من خلال تلك الإرادة الواحدة الجامعة التي تتجاوز الجميع.. سرعان ما يعود فهم الألوهة أحادياً.. كما كانت حال جميع العارفين قبل فيثاغوراس وبعده.. وكما كانت وأضحت الحال مع الديانات التوحيدية الكبرى الثلاث.. ولكن..

قد يعترض البعض هنا قائلاً إنه.. إذا كان ما عرضناه يمثل الفهم الفيثاغوري للألوهة والعلم فما الداعي، إذن، كما سبق و أشرنا، إلى هذا الإصرار الكبير من قبل المعلِّم وأنصاره على ما سبق وعرَّفنا به بوصفه..




الديموقراطية و الأرستقراطية..

حيث، كما سبق وأشرنا، كان فيثاغوراس يتعامل مع "الديموقراطية" كوسيلة وليس كغاية بحد ذاتها.. كوسيلة بمعنى أنها مجرد أداة.. ربما أفضل أداة يستطيع المجتمع الإنساني بواسطتها ومن خلالها تأمين تكافؤ حقيقي في الفرص بهدف الوصول إلى مبتغاه.. أما المبتغى الاجتماعي، أما الغاية الاجتماعية للديموقراطية، فقد كانت بالنسبة لفيثاغوراس.. النخبوية أو "الأرستقراطية"..

وفهمه للأرستقراطية أو للنخبوية كان مبنياً، كما سبق وبينَّا، على تملِّكها التصاعدي العميق للمعرفة المقدَّسة من خلال سرَّانيتها.. وعلى الأخلاق من خلال الدين والعبادة الحقيقيين.. وكما تقول "الأبيات الذهبية" أنْ..



لاتفعل أي شيء بلا علم، به وتعلَّم ما ينبغي أن تعلم.. فتلكم قاعدة الحياة الهنيئة و..

باشر عملك بعد أن تسبِّح الآلهة حتى تتوفَّق فيها فـ..

إذا ملكت هذه المبادئ عرفت جوهر الآلهة الخالدة والآلهة الفانية، والفوارق بين الأشياء والروابط التي تشدها بعضها إلى بعض..

وعرفت حدود الحلال، حيث الطبيعة هي هي في كل شيء، وبذلك لن تأمل فيما لا أمل فيه ولن يخفى عليك شيء..



فالافتقاد العملي لهذه المبادىء الخالدة هو الذي شكَّل، ربما، على مرّ العصور.. جانباً أساسياً من جوانب الأزمة الإنسانية.. وأستذكر ما أورده بهذا الخصوص رونيه جينون إذ قال:



لعل الفردية individualism هي من المسبِّبات الأساسية للانحطاط . وما نقصده بالفردية هو نفي أي مبدأ متعالٍ يفوق الفرد مما يعني، عملياً، حصر الحضارة في مختلف مجالاتها بما هو بشري فقط ليس غير […] فالمجتمع الإنساني المؤلف ".. من المجموع الحسابي لأفراده يصبح غير خاضع لأي مبدأ سام يعلو بمضمونه على الأفراد، وبالتالي يسوده قانون العدد الأكبر.." ذلك القانون الذي يعني عملياً ".. قانون المادة، إن لم نقل قانون القوة الغاشمة.



ونسجل هنا أن ما كانت المدرسة الفيثاغورية تسعى إليه أساساً كان القضاء على هذه الفردية من خلال المعرفة والمحبة التي تستلزم "الاشتراكية"، وحيث "يفترض أن تكون جميع الأشياء مشتركة بين الأصدقاء"، كما قال المعلِّم ذات يوم..

النهاية..

تلك النهاية الّتي يمكن تلمّسها ربما من خلال "الأبيات الذهبية" التي عكست بمرارة ما شعر به المعلِّم وتلاميذه في أيامهم الأخيرة تقول إن..



لسوف تعرف البشر، ضحايا المصائب التي ينزلونها بأنفسهم، وعلى بؤسهم، على العاجزين، لا بالنظر ولا بالسمع، عن إدراك الخيرات القريبة منهم إلى هذا الحد، إذ.. قلة من بينهم تعرف كيف تنجو من الشقاء..

ذلكم هو القضاء النازل بنفوس الفانين.. فهي كالكريَّات تتدحرج هنا وهناك معرَّضة لآلام لاتنتهي، فـ ..

الشقاق، رفيقهم الفاجع، يودي بهم من حيث لايدرون.. الشقاق الذي يظهر لدى ولادتهم، الذي يجب الامتناع عن إثارته، وتجنُّبه بالانقياد له..



فالأسطورة تقول إنه.. في عام 500 قبل الميلاد، حصل في مدينة سيباريس الغنية المجاورة لكروتونا، التي كانت تحكمها ككروتونا نخبة أرستقراطية عريقة، تمرَّد قائد طاغية يدعى تيليس استولى على السلطة هناك.. فأعدم وقتل الكثير من معارضيه الفيثاغوريين.. لكن.. بعضاً منهم تمكن من الهرب إلى كروتونا حيث طلبوا حق اللجوء..

ويُمنَح هؤلاء الفارين من سيباريس إلى كروتونا حقّ اللجوء، رغم معارضة بعض أعضاء مجلس شيوخها، نتيجة التدخل المباشر لفيثاغوراس.. مما أثار غضب طاغية سيباريس الذي أعلن الحرب على كروتونا..

وكان أنْ ربحت كروتونا (التي كان يقود جيشها البطل الأولمبي والفيثاغوري ميلون) في حينه تلك الحرب التي فُرِضت عليها ولكن..

كنتيجة لتلك الحرب.. ازدادت قوة "الحزب العامِّي" المعارض للنخبة الفيثاغورية الحاكمة وازدادت شقة الخلاف بين أبناء المدينة.. وطبعاً، تجلى الخلاف حول غنائم الحرب والأراضي المستولى عليها من سيباريس التي طالب "الحزب العامِّي" بضرورة توزيعها على أفراد الشعب، بينما عارض مجلس الشيوخ الذي كان يقوده الفيثاغوريون ذلك مفضلاً أن تُستثمَر للصالح العام..

وكان يقود ذلك "الحزب العامِّي" في حينه ابن عائلة كروتونية غنية يدعى سيلون سبق أن رفض فيثاغوراس انتسابَه إلى مدرسته بسبب عنفه وسوء أخلاقه.. مما أدى إلى تحوُّله إلى عدو لدود للفيثاغوريين.. ويحرض سيلون العامَّة من خلال استثارة أحطِّ غرائزها على التخلُّص من فيثاغوراس وجماعته..

وكانت مجزرة أودت بحياة معظم هؤلاء.. وكانوا مجتمعين في منزل القائد ميلون.. وحيث، كما تقول الأسطورة، لم ينج منهم إلا إثنان..

وتشتَّتت الطائفة بعد أن فشلت من خلال نظامها السياسي الذي كان قائماً على العمل والفضيلة في إصلاح المدينة..

أما فيثاغوراس – ولم يكن أحد الناجين – فلا أحد يعرف ما حلَّ به.. حيث يقول بعضهم، ومنهم هيبوليتوس ونيانتيس، أنه قتل في حينه مع رفاقه في منزل ميلون على يد المتمرِّدين.. ويقول بعضهم الآخر، ومنهم ساتيروس، إنه تمكن من الهرب واللجوء إلى معبد في ميتابونتي حيث قضى آخر أيامه في الصلاة صائماً حتى وافته المنيَّة.. وتختلف الأقاصيص، لكنها.. تتفق جميعها على غموض نهايته حيث..

لم يجد أحد جثمانه الذي يقول أتباعه إن الآلهة حملته إلى أعالي جبال الأولمب.. حيث مازال إلى يومنا هذا يتابع سعي أبنائه المستمر في سبيل الحقيقة..

تلك الحقيقة التي تعلو على كل شيء.. والتي مع خاتمة "الأبيات الذهبية" كانت وستبقى تؤكد، رغم كل شيء، لجميع المريدين الذين آمنوا بها أن..



"..البشر من سلالة إلهية وأن الطبيعة المقدسة ستدلُّهم وتكشف لهم كلّ أسرارها.."

أكرم أنطاكي









القاموس الفلسفي - طيف - 07-02-2007

"القاف"

القبَّالة

هي كلمة عبرية تعني، أول ما تعنيه، مؤلَّفًا مجهول التاريخ، يتضمن عناصر نقلية سرية، كان معاصرًا في بداياته للديانة العبرانية الشعبية.




أو لنقل: هو عقيدة دينية وفلسفية تستند إلى "كتاب الإشراق" أو سِفْر الزاهر (وهو مؤلَّف جُمِعَ حوالى العام 1275) الذي يفسِّر التوراة من منظور باطني، ويصوِّر الألوهة وكأنها سلسلة متدرجة من التجلِّيات المتتالية التي تنبثق عن ماهيتها كلُّ الأشياء. وبهذا يكون الله هو ذلك الكائن الذي لا يمكن وصفُه (إين سوف) والذي يتجلَّى عن طريق جحافل من رؤساء الملائكة. كما وترتبط بهذا الجانب الديني المحض رمزيةٌ معقدة من الحروف والأرقام، إضافة إلى نظرية معقدة في المقابَلات الكونية وإلى تفسير لمفهوم الإنسان كصورة مصغرة عن العالم وموازية للعالم الأكبر.



مراتب التجلِّي الكوني بحسب القبالة

وبينما حارب هذه العقيدة العديدُ من الفلاسفة اليهود (وخاصة منهم ابن ميمون) لأنها تتعارض مع التعاليم التلمودية، فقد أسَرَتْ القبالة، في المقابل، عقول وقلوب عدد من إنسانيي عصر النهضة (بيكو ديلاميراندولا، على سبيل المثال)، وطبعت بطابعها الفلسفة الهرمسية للقرنين السادس عشر والسابع عشر؛ كما أنها ساهمت لاحقًا في تشكل مختلف أشكال الحلولية.



القاموس الفلسفي - طيف - 07-06-2007

"ميم"

لامارك (1744–1829)



هو جان باتيست مونيه، شوفالييه دو لامارك. عالم طبيعيات وأحد المؤسِّسين الرئيسيين للبيولوجيا المعاصرة. قادتْه تأملاته إلى رفض ثباتية كوفييه، الذي كان يعتقد بالصفات الثابتة للكائنات الحية التي خُلِقَتْ خلقًا منفصلاً ومستقلاً، فعمَّق التصورات التي سبق أن عبَّر عنها بوفون، مؤكدًا، من جهة، على وحدة الحياة – كمفهوم مُعارض تمامًا للاعضوية – كثمرة لنظام متدرِّج وتراتبي، ومن جهة أخرى، على فكرة تحول الأنواع بفعل الظروف الخارجية المحيطة التي بوسعها أن توقف طبيعة انتشار الحياة أو تغيِّرها. استعاد لامارك إحدى أفكار ديديرو التي تقول بالوحدة الجدلية يبن الأجهزة والحاجة، مؤكدًا على أن بوسع الوسط الخارجي أن يغيِّر أو يولِّد حاجة مستمرة، تفعل فعلها على العضو، وتؤدي إلى إيجاده حتى. فكما أن بوسع عضو أن يضمحل ويختفي نتيجة قلة استعماله أو عدمه، فإن استعماله المكثَّف والمستمر يطوِّره: فالزرافة، مثلاً، المضطرة، بسبب وجودها في ظروف مناخية جافة، إلى رعي أوراق الأشجار، تبذل جهودًا استثنائية من أجل ذلك، مما انعكس استطالةً استثنائية في رقبتها وقوائمها.

وترتكز هذه التحولية على قانون الوراثة الذي قبله معظم علماء الطبيعة حينئذٍ – حتى جاء فايتسمان الذي نقض هذه التصورات نقضًا نهائيًّا. أما اللاماركية الحديثة، التي تفترض أيضًا وراثة الصفات المكتسبة، فهي ترتكز على الفكرة القائلة بأن التطور الفردي هو غالبًا نتيجة مباشرة لتأثير الوسط المحيط.

المؤلَّفات الرئيسية: نظام الحيوانات اللافقرية (1801)، أبحاث على تنظيم الأنواع (1802)، فلسفة علم الحيوان (1809).

***


المادة


كانت المادة، التي التبست عند المفكِّرين الإغريق الأوائل بالطبيعة phusis، تعني بشكل أولي ما يجب تحويله بفعل العمل الإنساني. لكننا نلاحظ هنا أن أرسطو قد جعل منها، بشكل أكثر تحديدًا، مفهومًا مجردًا عارَضَ به الصورة (الشكل) من أجل التأكيد على ذلك الكمون في موضوع الجسم الذي تجسِّده تلك الصورة.

أما ديكارت فكان يطابق بينها وبين الامتداد الذي، بغضِّ النظر عن صفاتها السطحية (كالطعم واللون إلخ) غير القابلة للقياس، يجعل من واقعها ذلك الشيء الذي يمكن قياسه رياضيًّا.

أما إن أخذنا الصورة من خلال مفهوماتها الخاصة، فإن المادة تعني، وفق الأخلاق الكانطية (نسبة إلى كانط)، مضمون فعل لا يكفي أخذه بعين الاعتبار لضمان أخلاقيَّته؛ وهو، وفق المنطق الصرف، ما يُعلَن عنه كحكم أو كقضية.

***


المادية

المادية الجدلية (الديالكتيكية) والمادية التاريخية



تعرَّف المادية بكونها كلَّ عقيدة لا تقبل غير المادة – والفكر هو أحد صفاتها – كجوهر أو كحقيقة.

وقد كانت الأبيقورية في العصور القديمة من أولى المنظومات الفلسفية المادية وأكثرها تجانسًا، بكلِّ ما في الكلمة من معنى، وخاصة فيما يتعلق بذلك الجانب المثير للجدل والمرتبط بلامبالاتها بالأمور الدينية والروحية. وقد تراجع هذا المنحى في القرون التي تَلَتْ، حيث جعل انتصارُ المسيحية من قبيل الخطر كلَّ تلك المناحي التي كانت تدعو إلى مثل ذلك التخلِّي عن فكرة الإله. لكن بدءًا من القرن الثامن عشر، بدأ العديد من الكتاب والفلاسفة يتجرؤون من جديد على طرح مفاهيم مادية متماسكة، ذات بُعد لاديني في معظمه (كهيلفيتيوس ودولباخ ولاميتري وسواهم)، وعلى التأكيد عليها. وقد صُنِّفَتْ هذه النظريات حينذاك بالميكانيكية، كما ستُصنَّف لاحقًا أفكارُ فويرباخ بالمقارنة مع المنظومة الجدلية للماركسية، لأنها كانت تتجاهل مبدأ الفعل وردِّ الفعل، ولا تقر إلا بما في الطبيعة من تغيرات كمِّية.

في القرن التاسع عشر، أدان أوغست كونت المادية لأنها، على حدِّ زعمه، تُنزِل الأعلى إلى الأسفل. لكننا نلاحظ، في المقابل، أن هذا المفهوم (أي المادية) قد ساد في فروع عدة من العلم: كالبيولوجيا التي رفضت كلَّ غائية وأعادت تفسير كلِّ شيء استنادًا إلى مسبِّباته الفيزيائية والكيميائية؛ أو كعلم النفس، حيث صار الوعي مجرد ظاهرة طارئة، وصار النفساني مجرد اشتقاق لما يمكن مراقبته فيزيائيًّا (كبسيكولوجيا السلوك، على سبيل المثال).

أما المادية الجدلية – وهي المنظومة الفلسفية لماركس ولأتباعه – فهي تتعامل مع الكون ككلٍّ ماديٍّ متماسك وديناميٍّ، مؤكدة على تبادل التفاعل بين العناصر (حيث يصبح كلُّ فعل سببًا بدوره، والعكس صحيح)، وحيث يؤدي تراكُم التغيرات الكمية للحياة إلى تغيرات نوعية في الوجود؛ مما يعني، ضمن إطار ذلك التصور للواقع، الحلَّ التدريجي للتناقضات الداخلية كأساس للتاريخ.

من تصور كهذا جاءت المادية التاريخية كمفهوم (ماركسي) مطبَّق على التاريخ كتحصيل حاصل وكإحدى النتائج الرئيسية للمادية الجدلية. لذلك نراها تركز على أهمية العامل الاقتصادي في الوجود الإنساني ( لأن ما يعرِّف بالإنسان عمليًّا هو ما ينتجه من أدوات كينونته)، وتؤكد على أن ما يميِّز التاريخ هو الصراع الطبقي، الناجم أيضًا عن العلاقات الاقتصادية بين البشر. لكن يبقى أن هذه البنية التحتية الاقتصادية لا تعيِّن تعيينًا ميكانيكيًّا تطورَ البُنى الفوقية: فبالعكس، يجب التفكر في تفاعلها المتبادل، وذلك على الرغم من بقاء العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم في نهاية الأمر.




القاموس الفلسفي - طيف - 07-06-2007



كارل ماركس (1818-1883) والماركسية



اقتصادي وفيلسوف ألماني. ولد في مدينة تريف من أب كان رابانيًّا يهوديًّا. ثم، بعد أن أنهى دراساته الجامعية في العام 1843، تزوج من ابنة عائلة أرستقراطية معروفة هي جيني فون ويستفالن. لم يمكِّنه اضطهاد الحكومة البروسية للـ"الهيغيليين اليساريين" الذين كان ينتمي إليهم (مع برونو باور، الذي اتَّهمه ماركس لاحقًا بـ"الثوري الكاذب" وبـ"ذيل البرجوازية") من متابعة دراسته الجامعية؛ مما دفعه لأن يتوجه نحو الصحافة: حيث كتب بادىء الأمر (1842) في الجريدة الرينانية Gazette rhénane، قبل أن يؤسِّس (1844) في فرنسا الحوليات الفرنسية–الألمانية Les annales franco-allemandes – فرنسا التي اضطر إلى تركها بعدئذٍ بسبب صداماته مع السلطتين الفرنسية والبروسية، فطلب اللجوء إلى إنكلترا التي كان سبقه إليها صديقُه ومعاونُه فريدريك إنجلز، والتي مات في عاصمتها لندن، بعد أن ساهم مساهمة فعالة في تأسيس الأممية الأولى.

عند نقطة تلاقي الفلسفة الألمانية مع الاشتراكية الفرنسية ومع الاقتصاد السياسي الإنكليزي، وضع ماركس، الذي استلهم من جدلية هيغل ومادية فويرباخ، أسُس ما سيصطلح بعدئذ على تسميته بـالاشتراكية العلمية.

فكما فعل هيغل، قام ماركس بتحديد التناقضات القائمة ثم بتجاوزها، رافضًا المثالية: فالطبيعة، في نظره، وُجِدَتْ قبل الفكر، وهي تعمل بذاتها منذ البدء، ولها جدليتها. وتتعارض مادية ماركس الجدلية مع مادية فويرباخ البسيطة والميكانيكية، التي تصور عالمًا خاضعًا دومًا للمؤثرات الميكانيكية نفسها. لهذا نراه يحاول تفسير التحولات الطبيعية المتتالية والمتصارعة فيما بينها حتى يتم تجاوزها من خلال ظهور واقع جديد أرقى، وفق مبدأ التغير النوعي والتطور من خلال قفزات. ونشير هنا إلى أن ظهور الفكر، عبر سياق التطور الطبيعي، يتخذ بنظر ماركس أهمية خاصة. فالأفكار وليدة الدماغ، الخاضعة في ولادتها لشروط مادية خاصة معينة، ليست حتمًا هي التي تسيِّر العالم؛ إنما – وهذا ما يقبله ماركس – هنالك فعل متبادل بين الإنسان، الذي هو نتاج الطبيعة، وبين الطبيعة التي في وسعه التأثير عليها – ما يبدو وكأنه توفيق بين تلك المزاعم التي تقول:

"ليس وعي الإنسان هو الذي يحدد شروط معيشته، إنما ظروف حياته الاجتماعية هي التي تحدد وعيه"؛
"حتى الآن، كان كل ما فعله الفلاسفة هو تفسير العالم بطرائق مختلفة؛ أما الآن فقد أصبحت المهمة هي تحويله" (الفرضية الحادية عشرة حول فويرباخ).
وكانت هذه المبادئ العامة هي القاعدة والأساس الذي بُنِيَتْ عليه المادية التاريخية، التي ما هي في الحقيقة إلا التطبيق على صعيد المجتمعات البشرية لمبادئ المادية الجدلية. لأنه بغضِّ النظر عن نظرنا إليها كفلسفة للتاريخ (مثلها مثل غيرها) أو كأساس للاشتراكية العلمية – وذلك وفق المنظور الذي نتبناه – فإن المادية التاريخية تنطلق من تعريف أساسي للإنسان يقول بأن "في وسعنا تعريفه بوعيه، بعواطفه، وبكلِّ ما نريد، لكن في الحقيقة، هو يعرِّف بنفسه على أرض الواقع بدءًا من تلك اللحظة التي ينتج فيها وسائل عيشه"، وبالتالي، يؤمِّن معيشته. من هنا تأتي الضرورة، بالنسبة للمجتمعات كافة، لأن تنتج الخيرات التي تلبِّي حاجاتها المادية. من هذا المنطلق يعتبر ماركس أن تطور قوى الإنتاج هو حجر الزاوية لكلِّ تطور تاريخي، لأن الأنساق الاقتصادية هي التي تحدد، في جميع العصور، وجود طبقات اجتماعية متناقضة (الصراع الطبقي)، من جهة، وهي التي تشكِّل، من جهة أخرى – على شكل قوى إنتاج وعلاقات إنتاج – البنية التحتية للمجتمع، كمسبِّب أو كأساس للـبنية الفوقية الإيديولوجية (كالمعتقدات الدينية، والأخلاقية، والجمالية، والحقوقية، إلخ)، التي في وسعها أن تؤثر سببيًّا، في المقابل، على القوى الاقتصادية. فالإيديولوجيا التي تعبِّر عن وعي المجتمع لذاته، في مرحلة معينة من مراحل تطوره، تعكس أيضًا – وإنْ بإخفائها – الصراعات الطبقية لهذا المجتمع من خلال تبيان نفسها كمَوْضَعَة معكوسة للعلاقات الواقعية، وذلك عن طريق الطبقة السائدة التي تفرض رؤيتها للأشياء على أولئك الذين يُفترَض ألا يشاركوها تلك الرؤية: من هنا يمكن لنا القول بأن الارتهان الديني يغذيه "المستغِلون" الذين يوحون للفقراء بالخضوع، على أمل أن يتمتعوا في الآخرة بما ليس في وسعهم التمتع به في الدنيا؛ على سبيل المثال: "الحقوق الطبيعية" المتضمنة في إعلان حقوق الإنسان والمواطن ( كالمساواة، والحرية، والأمن، والملكية) لا تعني في الواقع إلا الإنسان البرجوازي، المحدَّد بدقة من خلال طبقته. وأخيرًا، فإن "الوهم الطبيعي" الذي ينكر مسيرة التاريخ (الاقتصادي والاجتماعي) يشكل اعتقادًا فكريًّا لصالح الطبقة البرجوازية الرأسمالية.

درس ماركس تناقضات النظام الرأسمالي، المستند إلى قانون المنافسة، التي تجعل العمل أقل فأقل كسبًا، وتزيد من لاإنسانيته، واستنتج أن هذه التناقضات، التي هي المسبِّب الرئيسي لمتناقضات تزداد تفاقمًا بين الطبقات الاجتماعية المتناقضة، ستؤدي في النهاية إلى زوال الرأسمالية، بعد الثورة البروليتارية، واستبدال الاشتراكية، ثم الشيوعية العالمية، بها. فهكذا يتحقق معنى التاريخ عبر جهود البشر من أجل تجاوز مصاعبهم المعيشية، ما ينعكس، من خلال تلك المسيرة المحتمة للسيرورة التاريخية، على شكل منظومات إنتاج متتالية، تتطابق في المحصلة مع التوصل الحتمي إلى التحرر النهائي للإنسان في مجتمع لاطبقي.

رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي

لم يصدر من هذا العمل الرئيسي خلال حياة ماركس إلا الجزء الأول في العام 1867، وفيه حلَّل "تطور نظام الإنتاج الرأسمالي". أما الجزء الثاني ("محاكمة دورة رأس المال") والجزء الثالث ("محاكمة مجمل الإنتاج الرأسمالي") فقد قام إنجلز بتحريرهما استنادًا إلى الملحوظات والهوامش التي تركها ماركس، وطُبِعا ونُشِرا عام 1885 وعام 1894 على التوالي. أما الجزء الرابع من المؤلَّف ("نظريات القيمة الزائدة")، فقد حرَّره كاوتسكي ما بين عامي 1904 و1910، استنادًا أيضًا إلى ما تَرَكَه ماركس من وثائق (كان عنوان طبعته الفرنسية هو تاريخ العقائد الاقتصادية).

بمناسبة صدور الطبعة الفرنسية الأولى من عمله (1873)، نبَّه ماركس القارئ قائلاً: "لا يوجد طريق ملكي إلى العلم؛ فقط يواكب الحظَّ ليصل إلى ذرى قممه المضيئة مَن لا يخشى إجهاد نفسه في تسلق دروبه المتعرجة." وقد كان الهدف من هذا العمل – الذي برهن عن علميته واستند إلى كمية هائلة من المعطيات الرقمية – دراسة قوانين تطور النظام الرأسمالي، وفي المحصلة، تناقضات هذا النظام. فقد فَضَحَ المؤلِّف لاأخلاقية نظام التبادل الرأسمالي القائم على مبدأ أن على المال أن يولِّد دائمًا المزيد منه: لأن ربَّ العمل لا يشتري في الحقيقة "نتاج عمل" عمَّاله، وإنما يشتري "قدرتهم على العمل"، ما يخلق شكلاً جديدًا من العبودية، ألا وهو استغلال الإنسان للإنسان. فالقيمة التجارية لما ينتجه العامل كأجر لعمله هي أكثر مما يتقاضاه. ويُدعى ذلك الربح الذي يحققه ربُّ العمل نتيجة لهذا الفرق بـ"القيمة الزائدة". إن بحث الرأسمالي الدائم عن الربح – الذي يجد دائمًا وسائل وطُرُق جديدة لزيادة موارده من خلال الاكتشافات المتجددة باستمرار – على حساب البروليتاريين، هو "الخطيئة الأصلية" لهذا النظام، حيث يؤدي خفض الأجور إلى حدِّها الأدنى إلى انخفاض القدرة الشرائية – ومنه إلى الكساد والبطالة – خاصةً وأن المنافسة تتطلب دائمًا زيادة في الاستثمارات (رأس المال الثابت)، مما يقلِّل من نسبة الربح؛ كما أنه يولِّد تجمعات تؤدي إلى زوال أرباب العمل الصغار الذين سرعان ما يتحولون إلى بروليتاريا. لذا فإن مصير الرأسمالية هو أن تنتهي بحكم تناقضاتها الداخلية: فاحتكار رأس المال لا يتوافق مع متطلبات الإنتاج؛ وهذا ما سيؤدي في النهاية إلى اقتصاد جماعي. ونشير هنا إلى أن أهمية مؤلَّف رأس المال بالنسبة للاقتصاديين، حتى المعادين منهم للماركسية، مازالت كبيرة.

من أهم أعمال ماركس الأخرى: الفرق بين فلسفة الطبيعة لديموقريطس وفلسفة الطبيعة لأبيقور (1841)؛ نقد فلسفة الحق لهيغل (1844)؛ بؤس الفلسفة (1847)؛ العمل المأجور ورأس المال (1849)؛ مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي (1859)؛ الصراع الطبقي في فرنسا (1849-1850)؛ برومير ولويس بونابرت (1852)؛ الحرب الأهلية في فرنسا (1871).

ومن أهم أعماله بالتعاون مع إنجلز: العائلة المقدسة (1845)؛ الإيديولوجيا الألمانية (1846)؛ بيان الحزب الشيوعي (1848)؛ نقض برنامجي غوتا وإيرفورت (1875-1891).

ونشير هاهنا إلى أن العقيدة الماركسية، كعقيدة منفتحة، مبنية على أساس المادية الجدلية والمادية التاريخية، لا تحتاج لأن تثبت أهميتها فيما يتعلق بالفكر الثوري في القرن العشرين. لذا نلاحظ أنه، كاستمرارية لماركس وإنجلز، اللذين تصورا (بيان الحزب الشيوعي) ضرورة وجود حزب ثوريٍّ ومارسا نشاطًا نضاليًّا عبر الأممية الأولى التي ساهما في تأسيسها، قام لينين بتأسيس ذلك الحزب على قاعدة الدمج بين الحركة العمالية والنظرية العلمية، مؤكدًا على موضوعة تضامن بروليتاريي العالم (الواردة في البيان) التي جعل منها الفكرة الأساسية للأممية الثالثة (1919): حيث يجب على البروليتاريا في جميع البلدان أن تناضل، دون أيِّ تحديد لأيِّ شكل مسبق، ضد هيمنة البورجوازية. ويكون الإنسان الجديد في النهاية – وهو نتاج مجتمع بلا طبقات – محققًا لكامل تفتحه ومتحررًا من قانون الربح.

ومن خلال تأكيده على أن الإمبريالية هي المرحلة النهائية للرأسمالية، عارض لينين إصلاحية كاوتسكي (1854-1938)، الذي كان يعتقد أنه سيكون من نتائج عالمية الاحتكارات ترسيخُ الرأسمالية وفتح المجال أمام تطور تدريجي نحو الاشتراكية، مما يجعل مفهوم الثورة غير مُجْدٍ.

ونعدِّد أخيرًا بضعة من أهم المفكرين الماركسيين الكثر خلال القرن العشرين، الذين حاولوا إما إيجاد حلول للمصاعب النظرية للمنظومة، وإما تجديد تحليلاتها وتطويرها، بحيث تكون أكثر انسجامًا مع الواقع، أو من أجل المزيد من الفعالية السياسية: كالإيطالي أ. غرامشي (1891-1937) الذي، مثله كمثل الهنغاري ج. لوكاتش، سلَّط الضوء على أهمية فكرة المجموع ووضع نظرية التطبيق العملي (أو الـpraxis)، عبر التوحيد بين النظرية والتطبيق من خلال الجمع بين السياسة والفلسفة كأساس لنظريته الثورية.







القاموس الفلسفي - طيف - 07-10-2007


المذهب الإنساني



تاريخيًّا، هي الحركة الأوروبية التي انطلقت في إيطاليا منذ القرن الرابع عشر وفي فرنسا منذ نهاية القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر والتي أعادت اكتشاف مؤلفات العصور القديمة ونصوصها وعارضت من خلالها، بالتالي، الذهنية المدرسية المتحجرة للقرون الوسطى. وسواء كان هذا التيار الفكري الرئيسي "مسيحيًّا" (فدعا إلى التوفيق بين العهد القديم وبين أدب العصور القديمة) أو "متوثنًا" (فاستفاد من النماذج القديمة للتشكيك بالقيم المسيحية)، فإن هذا المنحى طوَّر الروح النقدية، ويسَّر تحرر الفلسفة من سطوة اللاهوت، وانطلق يبحث عن الحكمة التي تجمع بين تذوق المعرفة (كمونتيني مثلاً)، من جهة، وبين حب الحياة والتأكيد على كرامة الإنسان (كرابلي ليس حصرًا)، من جهة أخرى.

ما بين القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر، تميَّز المذهب الإنساني في فرنسا بدراسة "العلوم الإنسانية" (كنصوص أدبية وفلسفية) وتطابق مع المنحى الكلاسيكي الذي كان يرفض كلَّ تطرف ويدعو إلى "الحس السليم" والصفات الحضارية التي كانت تُنسَب إلى الإنسان النبيل.

أما اليوم، ففي وسعنا، بصفة عامة، إطلاقُ صفة "الإنسانية" على كلِّ موقف أو فكر يؤكد على أن الكرامة الإنسانية هي القيمة الأسمى، ويفترض، بالتالي، ضرورة تشجيعها والدفاع عنها ضد كلِّ طعن صادر عن السلطات السياسية أو الاقتصادية أو الدينية (وذلك على الرغم من أن في وسعنا الحديث هنا عن مذهب إنساني مسيحي) إلخ. لذلك، ومن هذا المنظور، في وسعنا تلمُّس اتجاه إنساني لدى مناحٍ فلسفية متنوعة (كالشخصانية والوجودية السارترية إلخ)، وإن كنا نلاحظ، في الوقت نفسه، عدم الفعالية الجلِّي لمنحى كهذا في تاريخ المجتمعات الإنسانية. كذلك فإن هذا التصور، الذي يبدو وكأنه يفترض تعريفًا مسبقًا للإنسان، قد ينجم عنه، وإنْ كخطر احتماليٍّ مفارق، استبعاد بعض البشر الذين لا ينطبق عليهم تعريف كهذا من الإنسانية وفقًا لمفهومها النبيل. ونتفهم، من هذا المنظور، نقد ماركس ونيتشه في وقتهما للمفهوم الكلاسيكي للمذهب الإنساني انطلاقًا من تصور مختلف لما يفترض أنه الإنسان. وهكذا أيضًا، فإنه يمكن اعتبار الماركسية (كالفرويدية أو كفكر هيدغِّر إلخ)، بالمثل، بأنها ضد المذهب الإنساني، من جهة (من منظور أنها رفض الواقع الذي توصَّل إليه الإنسان تاريخيًّا)، أو بأنها إنسانية، من جهة أخرى (من منظور ما تفترضه الأفضل للإنسان مستقبلاً).

***


الموت


يُقصَد بالموت التوقُّف الفيزيائي للحياة. لكنه، كمفهوم في حدِّ ذاته، مرتبط بالفرد وبالنوع. لأنه، إن كان الحيوان لا يعرف أنه سيموت، فإن الأمر مختلف جدًّا عند الإنسان: فإن لم يكن بوسعنا اختبار الموت اختبارًا مباشرًا، فإنه يظهر كهتيكة، وكتعبير عن عنف جذري وغامض يهدِّد دائمًا التنظيمَ الكوني الذي أقامه البشر بعملهم. كما أنه يهدِّد الإنسانية في حدِّ ذاتها أيضًا، سواء كان على هيئة موت بيولوجي أو موت روحي أو نفسي (لهذا السبب نرى بعض المجتمعات – الأزتيك مثلاً – يصوِّره كبوابة إلى القدسي).

لنأخذ الأمر الآن من حيث انعكاسه كمجموعة سلوكيات اجتماعية (العناية التي تولى، على سبيل المثال، للجثمان والتي تعبِّر عن إرادة منع انتشار الموت): نلاحظ بأن الانعكاس الفلسفي للموضوع قد سعى جاهدًا لنفي الطابع الصَّادم للموت، بمعنى التحلُّل الكامل للكائن (بحسب أبيقور)، أو بمعنى "المعبر"، أي كبوابة نحو ما يتجاوز الحياة (وفق الأفلاطونية و/أو المسيحية).

فقد صوَّر أفلاطون الموت كخلاص يسمح للنفس بأن تتحرَّر من سجنها الجسدي وأن تتعرف إلى مصيرها. من هنا جاء قوله: "تعلُّم الفلسفة هو تعلُّم كيفية الموت." كذلك أيضًا، ومن المنظور نفسه، صورت المسيحية الموت كغرفة انتظار – إن لم نقل كبوابة – تنطلق النفس منها نحو الحياة الأبدية. من هذا المنظور المسيحي كانت دعوة بَسكال للبشر، "الذين هم جميعًا محكومين بالموت"، على حدِّ قوله، أن يتجنبوا إضاعة الوقت وأن يفكروا بالخلاص. لكن هذا كلَّه لا يمنع من أن حتمية الموت يمكن أن تعاش كنوع من أنواع العبودية – حتى وإن حاولنا أن نعزِّي أنفسنا قائلين، على غرار شوبنهاور، بأن انتصار الموت ليس كاملاً في النهاية، لأنه يجنِّب النوعَ الفناءَ من خلال ضمانه للبقاء.

من هذا المنظور، أليست الحكمة الحقيقية للإنسان الحرِّ، بالتالي، كما قال سبينوزا، هي في "تأمل الحياة، عوضًا من تأمل نقيضها"؟