حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
مع خواطر الختيار ! - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســـــــــاحات الاختصاصيـــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=5) +--- المنتدى: الحوار اللاديني (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=63) +--- الموضوع: مع خواطر الختيار ! (/showthread.php?tid=13089) |
مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 بسم الله الرحمن الرحيم مرحبا بك اخى ايرانى قح و شكرا لكم و اليك اطناب اخر : ذكرنا ان الخليفة الثانى عمر كان من " القرآنيين " و مع ذلك يحبه السلفية الذين يكفرون القرانيين ! و من ادلة انه امام القرانيين انه منع تدوين السنة الشريفة و قد قتله كعب الاحبار اليهودى و مع ذلك ترى السلفية يدافعون عن قاتل عمر بن الخطاب ! مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 اهل السنة يعارضون القران !! الواقع اننا لا نرد على الختيار ! بل نرد على اهل السنة الذين استفاد الختيار و امثاله منهم ان اول معارضات للقران العظيم فعلها رواة اهل السنة ! و اليك ما كتبه حول ذلك بعض علمائنا و فيه الرد الكافى على اى محاولة لمعارضة القران قال السيد محمد رضا الجلالى فى كتابه العظيم " دفاع عن القرآن الكريم " : بلاغة القرآن: لا شكّ أنّ النصّ القرآني يمتاز بميّزات عن الكلام الملفوظ والمسموع والمقروء، وأنّ له بلاغةً، خضعَ لها أفصحُ الناس وأبلغهم، وقد تحدّاهم، فلم يمكنهم معارضتُه والإتيان بمثله، وصعبَ عليهم ذلك، حتّى التجأوا إلى اقتحام غمار الحروب والمواجهات المسلّحة، وسفك دماءهم، ولو أمكنهم دفعه بمجرّد الإتيان بمثله لم يركبوا الأهوال، ولم يقدّموا للصدّ عنه الضحايا والأموال. ولا ريبَ أنّ إعجاز القرآن، غير متصوّر بمثل تلك الجمل والمقاطع والكلام الذي جاءتْ به الأحاديثُ التي يتناقلها أهل الحديث، ويزعمونها آيات! بلْ على العكس، فإنّ تلك المرويّات ليستْ إلاّ عبارات هزيلةً ركيكةً، فاقدة لأيّة جماليّة، وعلى مستوىً أقلّ من الكلام المتعارف المستعمل لدى العوام، فضلا عن كلام الخواصّ. فاقرأ أيّة قطعة من «الآيات المكذوبة» التي يتناقلها أهل الحديث، ويُصرّون على قرآنيّتها، لتجدَ بنفسك هذا الأمر. مثلا: سورة البيّنة (98) ذات الآيات الثمان ، جاءت منقولةً عن مصحف اُبَيّ بن كعب بزيادة آيتين، متميّزتين عن الثمان بما ذكرنا، فهي حسب الرواية: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ .1.ƒ. رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفًا مُّطَهَّرَةً .2.ƒ. فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ .3.ƒ. وَ مَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ .4.ƒ. [* إنّ الدين عند الله الحنيفية، غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية، ومن يفعل خيراً فلن يكفره *] وَ مَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَ يُقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُواْ الزَّكَوةَ وَ ذَ لِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ .5.ƒ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَــلِدِينَ فِيهَآ أُوْلَــِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ .6.ƒ. [* لو أنّ لابن آدم واديين من مال لسأل وادياً ثالثاً، ولا يملؤ جوف ابن آدم إلاّ التراب *] إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ أُوْلَــِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ .7.ƒ. جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـتُ عَدْن تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَـرُ خَــلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُواْ عَنْهُ ذَ لِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ .8.ƒ. فليقارن قارئُ العربيّة بين الآيات الثمان ، وبين الجمل المنقولة بعد الآية الرابعة وبعد السادسة، فإنّه يعرف بذوقه الفرق الشاسع بينهما، ويعلم بيقين أنّ الزيادة لا تَمُتُّ إلى الكلام الإلهيّ بصلة لا في لفظ ولا معنىً. واقرأ آيتين في أخبار أهل الحديث، زعموا أنّهما لم يكتبا في المصحف: (*) إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم [ألا ابشروا أنتم المفلحون ] (**) [والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم اُولئك] لا تعلمُ نفسٌ ما اُخْفِيَ لهم من قُرّةِ أعْيُن جزاءً بما كانوا يعملون. (رواه في الإتقان 3/74). وبوجود مقاطع من نصّ القرآن الكريم في بداية ونهاية الجملتين المزعومتين تتبيّنُ بوضوح ركاكةُ الجمل والكلمات المضافة، وتفكُّكها، وحتّى (الصفحة44) عدم ارتباطها بالنصّ القرآنيّ المتميّز بروعته وبهائه. وهكذا، فإنّ بلاغة القرآن الكريم، أكبرُ شاهد على بطلان قرآنيّة كلّ ما ادّعي في النقول وأخبار الآحاد، وأحاديث أهل السنّة والمقلّدة، من الزيادات المدعّاة أنّها «آيات» . وبنفس هذا الدليل نردّ على دعوى أنّ هذه الآيات، قد نسخ تلاوتها، فلم تكن ممّا يُتلى في المصحف، ولا ممّا يكتب فيه، وأمّا قرآنيّتها فلا تنتفي، ولذا تبقى أدلّةً على ما فيها من الأحكام. كذا يقول أهل الحديث يتوهّمون ذلك حلاّ لمشكلتهم، وقد عرفنا أنّ بعض فقهاء أهل السنّة استدلّوا بها، لا بعنوان أنّها أحاديث، بل بعنوان أنّها في مصحف فلان، فهي قرآن بقراءة فلان، ويشهد لذلك قول بعضهم في وجه الاستناد: إنّه ليس دونَ روايته في الاعتبار، ومعنى ذلك أنّ روايته لو كانت مقبولةً فهذا أكثر قبولا، لأنّه أهمّ من الرواية، وليس وجه ذلك إلاّ اعتباره «قرآناً» لوجوده في مصحفه، وهم يقولون : إنّه منسوخ التلاوة !!. فنقول: إنّ مقولة «نسخ التلاوة» إنّما ترفعُ سؤال عدم ورودها في المصحف، وعدم تلاوتها، وهي في نفس الوقت تثبت قرآنيّتها سابقاً ونزولها وحياً قرآناً، ولذا صحّ الاستدلال بها. مع أنّ القرآنيّة تستلزمُ أحكامها وشؤونها، وأهمّها هي البلاغة القرآنيّة والروعة الإلهيّة التي يتميّز بها النصّ القرآنيّ، في كلّ آياته، حتّى آيات الأحكام. ومن الواضح ـ كما أسلفنا ـ عدم وجود ذلك في ما يدّعى فيه نسخ التلاوة، من العبارات الواردة في الأحاديث المذكورة، بل، على العكس: فإنّ ركاكتها وهزالها، وضعف تأليفها، بمستوى يأباه ذوق العارف باللغة العربيّة وآدابها، ولذلك رفض فقهاء الشيعة الاستدلال بمثل ذلك على أنّه قرآنٌ منزلٌ." يتبع باذن الله مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 و يقول السيد الجلالى حفظه الله : "الذي يُطمأنُّ به أنّ الإعجاز اللفظي هو أشملُ المنطلقات باعتبار ورود آيات التحدّي في نصّ القرآن، فقد تحدّى الباري تعالى معارضي القرآن «بمثله» و «بعشر سور» و «بسورة» و «بآية» وهذا دليلٌ صارخٌ على أنّ النصّ الموجود هو المعجز المتحدّى به، وأنّ فيه الإعجاز القرآنيّ، وأنّ القول بتغيّر القرآن يؤدّي إلى زعزعة هذا الإعجاز، وعدم استقراره، والتشكيك فيه. ولذلك كان التركيزُ على إثبات التغيير أحدَ طموحات أعداء هذا الدين، فهم يُحاولون بَثّه وتوسيع فكرته، وإثبات قائلين به حتّى من بين البائدين. والأحاديث التي يعتمدها أهل الحديث هي أفضل وسيلة يتذرّع بها اُولئك لإظهار ذلك القول. أمّا تأثير هذه الأحاديث على الإعجاز: فلأنّها تحتوي على أمرين خطيرين، هما: 1ً- زيادة الموجود على القرآن المنزل، بأنّ فيه ما ليس بقرآن منزل. 2 ـ نقيصة الموجود عن المنزل، فكلّ الموجود قرآنٌ، لكن بعض ما هو قرآنٌ لم حُذِفَ منه ولم يثبّت فيه!؟. أمّا تأثيرُ الزيادة: فلأنّ ثبوت الزيادة في هذا الموجود يسلب الثقة به فيما لو لم يُعْرَفْ موضع الزيادة، ومع معرفته: فإنّ تلك الزيادة المعيّنة قد أصبحتْ فعلا جزءً من القرآن الذي يُتحدّى به؟ فهذا إبطال للتحدّي على فرض عدم نزول هذه الريادة; لأنّ المفروض ـ على الزيادة ـكونه مثل القرآن آية أو سورة أو سوراً كما هوالمدّعى!. ولذلك فإنّ إجماع المسلمين متحققٌ على إنكار الزيادة في النصّ الموجود، ولم يقلْ بالزيادة أحدٌ: لا من الشيعة: فقد صرّحوا بذلك، بل حكموا بكفر مدّعي الزيادة في الموجود. قال الشيخ الطوسي: الكلام في زيادته ونقصانه ممّا لا يليقُ به: لأنّ الزيادة فيه مجمعٌ على بطلانها، والنقصان منه، فالظاهر ـ أيضاً ـ من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى، وهو الظاهر من الروايات. (التبيان في تفسير القرآن 1/3). وقال المحقّق السيّد محسن الكاظمي الأعرجىّ (المتوفى 1227هـ): اتفق الكلّ - لا تمانعَ بينهم - على عدم الزيادة، ونطقت به الأخبار، وقد حكى الإجماعَ على ذلك جماعةٌ من أئمّة التفسير والحديث كشيخ الطائفة فى التبيان وشيخنا أبي علي في مجمع البيان وقد اعترفَ أهلُ السنّة للشيعة بهذه الحقيقة : قال الأشعري في عنوان (اختلفت الروافض في القرآن) وذكر فرقتين: الاُولى: ـ وهم أهلُ الحديث ـ يزعمون أنّ الزيادة غيرُ جائز أنْ يكون قد كان، وكذلك لا يجوز أنْ يكون قد غيّر منه شيءٌ عمّا كان عليه . الفرقة الثانية: يزعمون أنّ القرآنَ ما نقص منه، ولا زيد فيه، وأنّه على ما أنزلَ الله تعالى على نبيّه عليه الصلاة والسلام، لم يُغيّر ولم يبدّل ولا زال عمّا كان عليه. (مقالات الإسلاميين 1/114 ـ 115). ولا من جمهور العامّة من المسلمين: فقد نَفَوْا وقوع الزيادة في هذا النصّ العظيم. إلاّ أنّ عقيرةَ أهل الحديث ارتفعتْ هنا، وبكلّ صلافة، فقد جاء في رواياتهم، ما يلي: 1 ـ زيادة الواو والألف: قال واثلة ـ عندما طُلِبَ منه أن يؤدّي الحديث باللفظ بلا زيادة ولا نقيصة ـ: هل قرأ أحدٌ منكم من القرآنَ الليلة شيئاً؟ فقلنا: نعم ، وما نحن بالحافظين له ، حتّى إنّا لنزيد الواوَ والألفَ!! فقال : هذا القرآنُ مذ كذا بين أظهركم، لا تألون حفظه، وإنّكم تزعمون (!) أنّكم تزيدون وتنقصون. (جامع بيان العلم للقرطبي 1/79). وانظر إلى كلمة «تزعمون»! فإنّها نُشير إلى استنكاره وتكذيبه لما يزعمون . 2 ـ زيادة (وما خلق): قال أبو الدرداء لعلقمة النخعيّ : تحفظُ كيف كان عبدُالله [بن مسعود] يقرأ؟ قال: قلت: نعم، قالوَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)،(وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)، (...والذَّكَرَ وَالاُْنْثَى). قال علقمةُ : فقلتُ : (والذكر والاُنثى) قال أبو الدرداء: والله الذي لا إله إلاّ هو، لهكذا أقْرأني رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فيهِ إلى فيَّ، فما زالَ هؤلاء حتّى كادوا أنْ يردّوني عنها. (أمالي المحاملي ص112 ح72). وفي (البخاري 8/77): هؤلاء يريدونني على أنْ أقرأَ: (وما خلق الذكر والاُنثى)والله، لا اُتابعهم. (أخرجه مسلم وأحمد) قال ابن حجر في (فتح الباري: 8/707) هؤلاء: يعني أهل الشام. 3 ـ ريادة (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ): روى السجستاني في (المصاحف ص65) عن ميمون بن مهران، وتلا هذه السورة: (وَالْعَصْرِ)، (إِنَّ الاِْنسَانَ لَفِي خُسْر)، (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..... وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). ذكر أنّها هكذا في قراءة ابن مسعود، أي بحذف (...وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ...). 4 ـ المعوّذتان: ومن أشهر ما نُسِبَ إلى ابن مسعود، وقد استفاضتْ به الأحاديث، قوله بأنّ «المعوّذتيْن» ليستا من القرآن وأنّه: كان يحكّهما من مصحفه، ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله، إنّما أمرَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يتعوّذ بهما. (فتح الباري 8/742). وقبل أنْ نذكر تعليقنا على مجموعة روايات الزيادة نذكّرُ بأنّ هذه الرواية بالذات تحتوي على كلمة «يحكّهما من مصحفه» وهذا يعني ثبوتَهما أوّلا في مصحفه، ثمّ إنّه كان يحكّهما، فلو لم يكونا من المصحف حسبما ادّعيَ، فلماذاكُتبتا في المصحف؟حتّى يحتاج إلى الحكّ؟بلْ في نقل آخر كان عبدُالله يحكّ المعوّذتين من مصاحفه، ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله تعالى ! (مسند أحمد 5/129). وقد اعترضَ على ابن مسعود في جحده هذا بما نصّه: جحده من كتاب الله تعالى سورتين، فَهَبْهُ لم يشهدْ قراءة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بهما، فهلاّ استدلّ بعجيب تآليفهما، وأنّهما على نظم سائر القرآن المعجِز للبلغاء أنْ ينظموا نظمه، وأنْ ينسجوا مثل تأليفه؟ (تأويل مختلف الحديث للقتيبي ص21). وقد أجاب عنه ابنُ قتيبة : بأنّ لابن مسعود في ذلك سبباً، والناس قد يظنّون ويزلّون، وإذا كان هذا جائزاً على النبيّين والمرسلين، فهو على غيرهم أجوز. وسببُه في تركه إثباتهما في مصحفه أنّه كان يرى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يعوّذُ بهما الحسن والحسين، كما كان يعوّذهما بـ«أعوذ بكلمات الله التامّة» فظنّ أنّهما ليستا من القرآن، فلم يثبتْهما في مصحفه. (تأويل مختلف الحديث ص 25 ـ 26). أقول: قوله : «والناس قد يزلّون». إنْ كان يقصدُ أنّ ابن مسعود غيرَ معصوم ويصدرُ منه الخطأ، وقد أخطأ في ظنّه أنّهما ليستا من القرآن; فليُجرِ السببَ ذاته على ما زُعِمَ أنّه قرآنٌ وهو غير مثبت في المصحف، فلماذا تلتزمون بقرآنيّة ما ورد في تلك الأحاديث وتحتجّون بها وتقولون بنسخ التلاوة، إلى غير ذلك من الأعذار الفاسدة. مع أنّ كلام ابن قتيبة فيه تدليسٌ، حيث أنّ الوارد في (البخاري، كما سبق): أنّه كان يحكّهما من مصحفه، لكنّ ابن قتيبة قال: «تركه إثباتهما في مصحفه، فلم يثبتهما في مصحفه»؟ ووجه التدليس: أنّ الحكّ من المصحف يدلّ على تعمُّد وتجاسُر على الثابت في المصحف، بخلاف عدم الإثبات. وقد ردّ ابنُ الأنباريّ على ابن قتيبة بقوله: هذا مردودٌ على ابن قتيبة، لأنّ المعوّذتين من كلام ربّ العالمين،المعجز لجميع المخلوقين، و«اُعيذكما» من قول البَشَر بَيّنٌ،و كلام الخالق الذي هو آيةٌ لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)خاتم النبيّين،وحجّةٌ له باقيةٌ على جميع الكافرين لايلتبسُ بكلام الآدميّين على مثل ابن مسعودالفصيح اللسان العالم باللغة،العارف بأجناس الكلام وأفانين القول. (تفسير القرطبي 20/251). ونقول: فإذنْ لابدّ من بطلان هذه الحكاية وطرح هذه الرواية، وأمثالها من الروايات المحتوية على جُمل وكلمات منقولة بعنوان أنّها «آياتٌ» عن ابن مسعود وغيره، لوضوح ركاكتها وتفاهتها، فلا يمكن لمثل ابن مسعود وسائر الصحابة، وذوقهم وفصاحتهم وبلاغتهم، واُنسهم بأساليب القرآن وبيانه المعجز حتّى كان ذلك سسبباًلإسلام بعضهم، أنْ يتوهّموا كونها آيات منزلة. ولازمُ هذا، سقوطُ هذه الأحاديث والحكم عليها بالبطلان والوضع من قبل الأعداء الذين يُريدون الاعتداءَ على معجزة الإسلام الخالدة إلاّ أنّ ابن مسعود هو المتهمّ في تصرّفه، ولذا قال القرطبيّ: زعم ابن مسعود أنّهما دعاءٌ وليستا من القرآن خالفَ به الإجماعَ وأهلَ البيت. 5 ـ وتركه لكتابة سورة الفاتحة: قال القرطبيّ: أجمعت الاُمّة على أنّ الفاتحة من القرآن. فإنْ قيل: لو كانتْ قرآناً لأثبتها عبدُالله بن مسعود في مصحفه، فلمّا لم يُثبتْها دلّ على أنّها ليست من القرآن، كالمعوّذتين عنده. فالجوابُ: ما ذكره أبو بكر الأنباريّ: قيل لعبدالله بن مسعود: لِمَ لمْ تكتبْ فاتحة الكتاب في مصحفك؟ قال: لو كتبتُها لكتبتُها مع كلّ سورة. قال أبو بكر: يعني اختصرتُ بإسقاطها ووثقتُ بحفظ المسلمين لها. (تفسير القرطبي 1/114). فبالله عليك، أيّها الأخ المسلمُ، هل ترضى أنْ يتحدّث أحدٌ حول نصّ القرآن بهذا الشكل، وهل مثل هذا العذر مقبولٌ في ترك كتابة سورة كاملة من القرآن؟ فضلاً عن أنْ يتصرّف بالحكّ والحذف لسورة أو آية، أو كلمة من كلماته؟؟ مع روايتهم لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): مَنْ جحدَ آيةً من القرآن فقد حلَّ ضربُ عنقه. (الكامل في الضعفاء لابن عدي 2/793). ونقل القاضي عياضُ: جميعُ مَنْ ينتحلُ التوحيد متّفقون على أنّ الجحدَ لحرف من التنزيل كفرٌ. (الشفاء بحقوق المصطفى ص1102 ـ 1103). فكيف مَنْ جحدَ حرفين، بل حروفاً، بل كلمةً، بل كلمات، بل آيةً، بل آيات، بل سورةً، بل سورتين، بل سوراً: كعبدالله بن مسعود؟ وهل يمكنُ المسلم أنْ يحكم بكفر ابن مسعود من أجل حديث مرويّ حتّى لو كان منقولا في مثل (البخاريّ ومسلم)؟ فليسمعْ أهلَ الحديث: أنّ ما في هذين الكتابين مهما كان صحيحاً، فإنّما هو بعد كتاب الله؟ فلا يكونُ ما فيهما حاكماً على ما في كتاب الله بالبطلان! 6 ـ وروى السجستانيّ عن ابن مسعود أنّه أسقطَ (ولا يلتَفِتْ منكمْ أحَدٌ) من الآية (81) من سورة (25) هود. (المصاحف ص73). 7 ـ وقولهم بعدم جزئيّة البسملة (بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ) من السور: قال الرازيّ: لو لم تكنْ التسميةُ من القرآن، لمّا كانَ القرآن مصوناً من التغيير، ولمّا كان محفوظاً من الزيادة، ولو جازَ أنْ نظنّ بالصحابة أنّهم زادوا لجازَ أيضاً أنْ نظنّ بهم النقصان، وذلك يوجبُ خروج القرآن من كونه حجّةً. (التفسير الكبير للرازي 19/160). ولا ريبَ أنّ وجود البسملة في كلّ السور ـ عدا براءة ـ مُثْبَتٌ في كلّ المصاحِف، مع ذهاب الأكثر إلى عدم قرآنيّتها؟!. ولا يتوهّم أنّ قرآنيّتها في وسط سورة النمل كاف في ذلك، لأنّ القرآنيّة (الصفحة55) داخلٌ النمل لا يستوجبُ تكراركتابتها في بداية سائر السور؟، ولذا احتجّ بعضٌ على منكري قرآنيّتها، فتحدّاهم بحذفها من أوائل السور من المصحف!. والغريبُ أنّ مالكاً قالَ عن سورة براءة، وعدم البسملة فيها: إنّ أوّلها لمّا سَقَطَ ; سَقَطَ معه البسملةُ، فقد ثبتَ أنّها كانتْ تعدلُ البقرة، لطولها! (الإتقان للسيوطي 1/184). مع أنّه لا يلتزمُ بجزئيّتها حتّى مع الفاتحة، ويكرهُ قراءتها في الصلاة! ومن هُنا نُعلنُ أنّ موقفَ الشيعة في مسألة الزيادة، بإنكارها مطلقاً، وعدم ورود حديث - ولا واحد- من طرقها، ونفيُهم لها بكلّ فرقهم، حتّى المقلّدة أصحاب الحديث منهم، دليلٌ على رعايتهم لحقّ القرآن، والتزامهم بصيانته، ويؤكّد ذلك نفيُهم للنقيصة بنفس السبب والملاك، ولا يجوزُ أنْ يُنسبَ إليهم - وهُمْ على هذا القدر من الرُشْد - قول بما يخالفُ الحقّ الذي يُثبتونه ويُسجّلونه ويُعلنونه وهو سلامةُ القرآن وصيانتُه . فلا يؤاخذون - هُمْ ولا سائر المسلمين - بكلام بعض المقلّدة منهم أو بعض أهل الحديث من غيرهم، ممّنْ لا يُفصحُ عن مراده بوضوح، بل تبقى كلماته محتملةً، وسيأتي نقدها في الفصل الرابع . وأمّا أثرُ النقصان في إعجاز القرآن : فلا يخفى أنّ القرآنَ بما أنّه كتاب الله المنزل، وهو عماد الشريعة الإسلاميّة، ودليلُ فكرها، وفلسفتُها وميثاقُها وقانونُها، فلابُدَّ أنْ يكونَ مصوناً من أيّ تغيير بزيادة أو نقصان، لأنّ احتمالَ ذلك ـ فضلاً عن تحقّقه، يؤدّي إلى سلب الثقة منه. وبذلك وردت آيةٌ محكمةٌ وهي قوله تعالى: (إنّا نَحْنُ نزّلنا الذكرَ وإنّا لهُ لحافظونَ) فأكّدَ البارىءُ تعالى على حفظه ممّا يسيءُ إليه، ويعيقُ الاستفادة منه، ويوجب تخلّفه عن أداء دوره في الهداية والدلالة والإضاءة لمن يستهديه ويستدلّ به ويستضيىءُ بنوره. وقد عرفنا أنّ احتمال الزيادة مرفوضٌ، لثبوتبلاغته الرائعة، وإعجازه المسلّم وأحكامه القطعيّة في كلّ النصّ الموجود. وكذلك النقصان، يكون احتمالُه باطلا، لأنّه ريبٌ، وهو منفيٌّ عنه بمحكم قوله تعالى: (ذلكَ الكِتابُ لا رَسْبَ فيهِ). ولأنّ القرآن حجّةٌ، ومع تطرّق احتمال النقصان، يؤثّرُ ذلك على عدم إمكان الاستناد إلى آياته، لطروّ احتمال سقوط شيء منه له دخلٌ في معناه ومطلوبه، فلا يكونُ العاملُ به واثقاً بوفاء الموجود بالمقصود، وهذا خللٌ مشهودٌ أثره عدم الحجّيّة، وهو باطلٌ بالضرورة. لكنّ أصحاب الحديث سواءٌ من مقلّدة الشيعة أم من أهل الحديث العامّة أهل السنّة، هِمّتُهم الرواية والجمع والتكثُّر من الروايات والأحاديث، وكما قال ابنُ قتيبة فيهم: لا نُخلي أكثرهم من العذل، في تركهم الاشتغال بعلم ما قد كتبوا، والتفقّه بما جمعوا، وتهافتُهم على طلب الحديث! من عشرة أوجه وعشرين وجهاً، وقد كانَ في الوجه الواحد الصحيح، والوجهين، مَقْنعٌ لمن أرادَ الله عزّوجلّ بِعِلْمِهِ، حتّى تنقضيَ أعمارُهم، ولم يحلّوا من ذلك إلاّ بأسفار أتعبت الطالبَ، ولم تنفع الوارثَ، فمن كانَ من هذه الطبقة فهو عندنا مضيّعٌ لحظّهِ مقبلٌ على ما كان غيرُه أنفعَ له منه. (تأويل مختلف الحديث ص80). فهؤلاء هم الذين كدّسوا في كتبهم أحاديثَ يظهرُ منها ذلك الهُراء، في بادئ الرأي وأوّل النظر، وأكثرُها قابلٌ لأنْ يكونَ تفسيراً ، أو سببَ نزول، أو تأويلا، أو تطبيقاً، وبعضُها ناشيءٌ من سهو النَقَلَة والرُواة، أو وجود خلل في سمعهم عند الإخذ والتلقّي، أو علّة وآفة في لسانهم عند الأداء، أو قلّة في فهمهم حيث ينقلون النصوص بالمعنى، أو تصرّف فرديّ غير لائق، كما نقلوا عن عمر أنّه أجازَ قراءة القرآن بالمعنى، يعني تبديل لفظ بلفظ مرادف له وبمعناه. في ما نقله ابنُ الخطيب (الفرقان 115) عن عمر بن الخطاب: أنّه كان يُلقّنُ أعرابيّاً قولَه تعالى: (إنّ شجرةَ الزقُّومِ طعامُ الأثيم) فكان الأعرابيّ يقول: (طعام اليتيم) فلمّا رأى عمرُ منه عدمَاستطاعة النطق بلفظ (الأثيم) قال له: (طعام الفاجر)(1) فقرأها الأعرابيّ (إنّ شجرةَ الزقّوُم طعامُ الفاجر) على معنى أنّ الفاجر هو الأثيم، والأثيم هو الفاجر. (الفرقان لابن الخطيب ص115 دار الكتب العلمية بيروت)وقد نسبوه إلى ابن عباس في (البرهان في علوم القرآن للزركشي 1/215). فهل يحقّ لمثل عمر وغير عمر أنْ يعملَ هذا التصرّفَ في القرآن؟ وهل يجوزُ لمسلم أنْ يروي هذا؟ ويعتقدَ بصحته؟ أويصدّقَ بمثل هذا العمل ويقرّه على راويه؟ بأنّه صادرٌ من عمر؟ أليس من المحتمل أنْ يكون عمرُ قد فسّر الكلمةَ للأعرابيّ، وهذا لا يعني تلقين النصَّ القرآنيّ بلفظ «طعام الفاجر»! فانظرْ ياأخي المسلم: كيفَ أنّ أهلَ الحديث، ولجهلهم بما تؤدّي إليه تصرّفاتُهم بنقل الحديث المحتوى على هذه الاُمور، ثمّ تفسيرها حسب ما يفهمون من ظواهرها، وهم مخطئون في فهم تلك المعاني، لكنّهم يجزمون بها، ثمّ يُعلنُون عن أنّ هذه المنقولات «آيات» زاعمينَ أنّهم أهلُ الحديث ويتبعونَ السنّةَ، كما جاءتْ! وبعد هذه الجريمة يُحاولون الدفاعَ عمّا أجرموا بأشكال مختلفة، سنستعرضها في الفصل الرابع. ومن هُنا نُعلنُ عن اعتقادنا بأنّ هذه الروايات كلّها أخبارُ آحاد لا حجيّةَ لها لإثبات قرآنيّة ما وردَ فيها، وإلاّ فعلى تقدير التنارل عن رفضها فهي إمّا لا يُرادُ بهاإثباتُ القرآنيّة، بل التفسير، والتأويل، والقراءة وما أشبه، أو هي ساقطةٌ مردودةٌ، لا حاجة للمسلمين إليها ولا إلى نقلها ولا إلى مصادرها. مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 و يقول السيد الجلالى ايضا : "سورتان، وسورةٌ؟ ثلاث سور، ليست في القرآن الكريم المتداول، وهي «الخلع» و «الحفد» وأيضاً «الولاية». والأوّلان ممّا روته سلفيّة العامّة أهل السنّة، في كثير من مصادرهم. أمّا الثالثة: فهي المنقولة عن مصدر مشبوه، من تأليف بعض الهندوس في الهند، نسبها إلى كتاب شيعي لم يعثر عليه حتّى الآن. فما قصّة هذه السور: أمّا الخلع والحفد: فقد نقلهما السيوطي في (الإتقان 1/227) قال: في مصحف ابن عبّاس: قراءة اُبيّ وأبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. وفيه [بسم الله الرحمن الرحيم](1) ــــــــــــــــــــــ (1) في (الاتقان 1/227): قال ابن جُريج: حكمة البسملة أنّهما سورتان في مصحف بعض الصحابة لكن المصدر حذف هذه البسملة بينهما؟! (الصفحة79) اللهمّ: إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك إنّ عذابك بالكفّار ملحق. السورتان في تراث السلفيّة وأهل الحديث من أهل السنّة :أخرج الطبراني بسند صحيح ! عن أبي إسحاق، قال: أمّنا اُميّة بن عبدالله بن خالد بن أسيد، بخراسان، فقرأ بهاتين السورتين (!): إنّا نستعينك ونستغفرك. (الإتقان 1/227). وأخرج البيهقي وأبو داود في المراسيل عن خالد بن أبي عمران أنّ جبريل نزل بذلك على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وهو في الصلاة مع قوله: (ليس لك من الأمر شيء) (125 آل عمران). (الإتقان 1/227). وتابع السيوطي ـ في عدد السور القرآنيّة وهي في قرآننا (114) ـ قال: وفي مصحف اُبي [ مائة] وستّ عشرة، لأنّه كتب في آخره سورتي الحَفَد، والخلع. أخرج أبو عبيد عن ابن سيرين، قال: كتب اُبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب، والمعوّذتين، و«اللهمّ إنّا نستعينك [الخلع]» و« اللهمّ إيّاك نعبد» [الحفد]. (الإتقان 1/226). ولم يكتفوا، ففي رواية مصطنعة نسبُوا ذلك إلى الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فيها: عن عبدالله بن زُريْر الغافقي، قال: قال لي عبدالملك بن مروان: لقد علمتُ ما حملك على حبّ أبي تراب إلاّ أنّك أعرابيّ جاف; فقلتُ: والله لقد جمعتُ القرآن من قبل أنْ يجتمع أبواك ، ولقد علّمني عليّ بن أبي طالب سورتين، علّمهما إيّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ما علمتَهما أنتَ ولا أبوك ...فذكرهما. (الإتقان 1/226). ثمّ أخرج عن البيهقي عن عبيد بن عمير: أنّ عمر بن الخطّاب قنتَ بعد الركوع، فقرأهما وفي بداية كلّ واحدة «البسملة» (الإتقان 1/6 ـ 227) وللسيوطي تأليف مستقل في هاتين السورتين باسم (إتحاف الوفد بنبأ سورتي الخلع والحفد) نسخة منه في برلين غ 438 (دليل مخطوطات السيوطيص 67 رقم 201). ======================= وأمّا سورة الولاية المفتعلة فنصّها: بسم الله الرحمن الرحيم ياأيّها الذين آمنوا بالنورين، أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذّرانكم عذاب يوم عظيم، نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم إنّ الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنّات نعيم، واصطفى من الملائكة والرسل وجعل من المؤمنين اُولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء قد خَسِرَ الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون وإنّ عليّاً إمام المتّقين، وإنّا لنوفيه حقّه يوم الدين ما نحن عن ظلمه بغافلين ياأيّها الرسول قد أنزلناإليك آيات بيّنات فيها من يتوفّاه مؤمناً ومن يتوليه من بعدك يظهرون، ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين، وجعلنا لك منهم وصيّاً لعلّهم يرجعون إنّ علياً قانتاً بالليل، ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربّه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون. والمصدر الوحيد لهذا الكلام هو (دبستان مذاهب) ولم يوجد في أيّ كتاب ـ مطبوع أو مخطوط ـ آخر غيره. وتداوله من بعده صاحب (فصل الخطاب) الذي نشره في كتابه هذا، وقال: لم أجد أثراً لها في كتب الشيعة سوى ما يحكى عن كتاب المثالب المنسوب إلى ابن شهر آشوب: أنّهم أسقطوا تمام سورة الولاية، فلعلّها!! هذه السورة (فصل الخطاب ص179 ـ 180 ح68 من الفصل الثامن) والغريب أنّ الذين نفلوا هذه السورة المفتعلة على قصرها اختلفوا في نصّها بشكل فاحش ممّا يؤكّد كونها مختلقةً! لاأصل ثابت لها حتّى عند مفتعليها! هذه نصوص السور الثلاث، ومصادرها. ومن الواضح لدى كلّ عربيّ ـ يقرأ الفصحى ـ أنّ إنشاء هذه السور ضعيف (الصفحة81) جدّاً، وأنّ منشئها قاصر عن إدراك الارتباط بين الجُمَل، وحتّى قواعد اللغة والإعراب، فضلا عن الفصاحة والبلاغة. ويكفي إلقاء نظرة إلى هذه المصنوعات لتُرفَضَ، وتُستنكرَ بشدّة نسبتُها إلى الوحي، أو مداناتها للقرآن، فضلا عن مقارنتها أو معارضتها. وهذه النقطة، أهمّ ما يواجه كلّ الهراء التي ينعق به أيُّ ناعق، بعنوان «الآيات، والسور» مموّهاً ومشوّهاً، وخادعاً للسامعين، ولكن اللغة العربية ـ التي اختارها الله للوحي والمعجزة الإلهية ـ أسمى وأغلا، وأفصح، وأبلغ وأعلا، من أنْ تشوب صفاءها أمثال تلك المحاولات السخيفة. ولكن الذي يؤسف: أنّ يدّعي الإسلام مدّع من أدعياء العُروبة، من سكّان القفار والبوادي، ومن الأعراب الذين ذكرهم القرآنُ بأنّهم أشدّ كفراً ونفاقاً وأجدر أن لا يؤمنوا بالقرآن وبما أنزل الله فيه، يوجدُ من هؤلاء مَنْ يشهّر بالثالثة «الولاية» ويعلن أنّها من صُنْع الشيعة! مع أنّ أمامَ عينه السورتان الاُخريان «الخلع والحفد» من رواية إخوانه السلفيّة السنّة! ومع أنّ مصادر السورتين وفيرة، ومصدر تلك «الولاية» ليستْ إلاّ صحيفة حقيرة، مجهولة المؤلّف ومتأخّرة، وعلى أقرب الظنّ: هي من صنع الإنكليز في الهند، ليؤجّجوا نار الفتنة بين المسلمين، ويشغلوهم ـ أيّام الاحتلال البريطانيّ ـ بالنزاع الداخليّ، عن الاهتمام بمحاربة المحتلّين ومعارضتهم، كما أنّ صنيع السلفيّة - اليوم - ينبعُ من ذلك المنبع ويجري في مجراه الدي يحدّده لهم الاستعمار الصليبيّ واليهوديّ؟!! لكنّ هؤلاء السلفيّة لا يرون «الجذع» في أعينهم، ويبصرون «القَذى» في عيون الآخرين، ويصرّون على إفكهم وزورهم بنسبة خرافة سورة «الولاية» إلى الشيعة، مستندين إلى سببين باطلين : السببُ الأوّل : ذكر النوريّ لها في «فصل الخطاب». مع أنّ النوريّ ذكر «الخلع والحفد» أيضاً، فلماذا لا يتعرّض السلفيّ لهما، أفهل يعتقد أنّهما سورتان من القرآن؟ ولو كان ينكر قرآنيّة «السورتين» لأنكر «الثالثة» بلا ضوضاء ولا تهريج. ومع أنّه قد ذكر المصدر الذي نقل عنه; فتبرّأ من عُهدته . والمنصف يعرفُ أنّ مجرّد النقل لا يعني القبول ولا الموافقة على المنقول ولا إثباتاً له ; خصوصاً من مثل هذا المصدر الحقير وبهذا النصّ السخيف . وأما نسبةُ هذه السور إلى العلاّمة المحدّث المفسّر الأديب المعمّر الشهير ابن شهر آشوب السرويّ (المتوفى سنة 588 عن مائة عام) فهي نسبةٌ باطلةٌ ظالمةٌ يكفي للردّ عليها أنْ نقرأ ما كتبه هذا الشيخ الجليل في كتابه العظيم (متشابه القرآن ومختلفه 2/77)ونصّه : قوله سبحانه إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَ قُرْءَانَهُ )( 17/ 75 ) دالٌّ على أنّ الله تعالى جامعٌ للقرآن ، وقال تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَـفِظُونَ )( )وأوّل محافظته أنْ يكون مجموعاً منه تعالى . وقال : (حم والكتابِ المُبينِ إنّا أنْزَلْناهُ) ولفظ الكتاب والقرآن يدلاّن على كونه مجموعاً منه تعالى، يقال: كتبت الكتيبة وكتبت البغلة وكتبت الكتاب، وقريت الماء في الحوض وقرى النمل وأمّ القرى والقرية . وقد ثبت أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ القرآن وحصره وأمر بكتابته على هذا الوجه، وكان يقرأ كلّ سنة على جبرئيل مرّة إلا السنة التي قبض فيها فإنّه قرأ عليه مرّتين، وإنّ جماعة من الصحابة ختموا عليه القرآن منهم أبيّ بن كعب، وقد ختم عليه ابن مسعود عشر ختمات، وإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر فضل كلّ سورة وذكر فضل قارئها، ولو لم يكن مجموعاً لم يصحّ هذا كلّه . وقيل للحسين بن عليّ(عليه السلام) إنّ فلاناً زادَ في القرآن ونقصَ منه !فقال (عليه السلام):أؤمنُ بما نقصَ وأكفرُ بما زادَ. والصحيح أنّ كلّ ما يُروى في المصحف من الزيادة إنّما هو تأوبلٌ، والتنزيلُ (الصفحة83) بحاله ما نقص منه وما زاد. انتهى كلام ابن شهر آشوب . ألمثل هذا الرجل العظيم تنسب تلك الخرافة الهزيلة !؟ لكنّ المغرض يُتابع أهداف الإنكليز الذين صنعوا «السورة»! ولهذا يقوم بالتأكيد على وجود سورة الولاية ! وهو لا يجد لها ذكراً إلاّ نقلا عن «دبستان المذاهب» المؤلّف أخيراً في الهند ـ كما شرحنا ـ . ولقد سرتْ هذه الدعاية اللئيمة ضدّ الشيعة بين السلفيّة في البلاد التي يعمل فيها الوهابيّون بشكل مُقْرف! حتّى أنّي التقيت بأحد علماء سوريا، وفي قلب العاصمة دمشق، وفي وقت متأخّر من الليل، وفي مسجد كريم من مساجدها، ففوجئتُ أنّ الرجل قال لي: هل معك القرآن المحتوي على سورة إضافية؟ فذهلتُ، ولم أطق إجابته بالكلام، إلاّ أن امتدتْ يدي إلى جيبي، وأخرجتُ «القرآن الكريم» الذي أحمله دائماً، وأدرس فيه تلاوتي اليوميّة، فقبّلته، وسلّمته إليه، فبدأ باهتمام يقلّب صفحاته من البدء إلى الختام، ومن الختام إلى البدء، وبعد الانتهاء قال: إنّ هذا قرآنُنا!فقلت له: عجباً! إنّه قرآنُنا، لقد أخرجتُه أمامك من جيبي، وبدأ مرّة ثانية يفحص من البداية وحتّى انتهى، قال: ياأخي إنّ هذا قرآننا ،فقلت له: والله إنّه قرآننا، ولقد أخرجتُه كما قلتُ من جيبي، وهذا اسمي عليه مكتوباً، فإنْ كان عندك قرآنٌ غيره، فهاتِ. وبدأ ثالثةً: يفحصُ ويفحصُ، فلمّا آيس من أنْ يجد سورةً إضافيّة، قال: إنّ هذا قرآننا : فقلتُ له: ياأخي، إنّ هذا هو القرآن الذي أدرسُ فيه، وهذه علامة الدرس عند سورة الرحمن، وهذا الأخ ـ وكان معنا صديقٌ ـ يشهدُ أنّي أخرجتُه من جيبي، وناولته إيّاك، فهل تنكر ذلك؟!فإنْ كنتَ تملك قرآناً في مسجدكم هذا، فأتِ به، وابحث عمّا تشاء فيه ، فعندها وعى الشيخ ، وانتبه !وبدأ يعتذر! فقلتُ له: عيبٌ والله، على عالم فاضل مثلك، أنْ يغترّ، ويُضْحَكَ عليه، وأنتَ في مدينة مثل «دمشق» مليئة بالشيعة، ويتردّد عليها آلاف الشيعة للزيارة، وهذه مدينة الستينب (عليها السلام) إلى جوارك، يمتلىء مسجدها ومقامها بالنسخ الكثيرة من القرآن الكريم، الذي يتداوله الشيعة وغيرهم، فهلاّ سعيتَ لرؤية الحقيقة بنفسك، وهلاّ سألتَ أحداً من الشيعة كما سألتني لتعرف الحقيقة؟ ألا تفكّر أنّك باعتقادك هذا تُهينُ القرآن، وتنسبُ إليه التحريف، وتُهينُ طائفةً كبيرةً من المسلمين بريئةً من هذا الكلام السخيف!؟. فحلفَ لي الشيخ أنّ اثنين من السلفيّة ـ الوهابيّة الاُمويّة ـ دخلا عليه المسجد أمس، وحلفا بالله أنّهما شاهدا وقرءا سورة إضافيّة للشيعة! وقد حصَّنَ الله الشيعة بالتقوى والصدق وحبّ القرآن، فهم يتحمّلون كلّ هذا الحيف والاعتداء، ولا يُحاولون أن ينشروا (سورتي الخلع والحفد) ليقابلوا السلفيّة بالمثل، لأنّ الشيعة يعتقدون بخرافة (السورتين الخلع والحفد) كما يعتقدون بخرافة (سورة الولاية) ولا ينزلون إلى المستوى السخيف التي تهبط إليه دعاة السلفيّة والوهابيّة، فى التشهير بالقرآن ونشر الدعايات المشوّهة والمضلّلة ضدّه، بل يبقى الشيعةُ محافظين على كرامة القرآن وقدسه، كما كانوا مدى التاريخ والحمد لله. 2 ـ والسبب الثاني هو محتوى ما سمّاه «سورة الولاية» حيث جاء فيهما «إنّ عليّاً إمام المتّقين» و «جعلنا لك وصيّاً» و «إنّ عليّا قانتاً بالليل، ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربّه». ومن الواضح لدى كلّ مسلم أنّ وصف الإمام علي (عليه السلام) بمثل هذه الأوصاف ليس عزيزاً في الحديث الشريف، ولئن كان الغرض السيّىء لواضع السورة، بعثه على أن استغلّ اسم الإمام وذكر بعض أوصافه لتركيز الاتّهام، من أجل تعميق الشقاق بين المسلمين، إلاّ أنّ من الغباء استغلال السلفيّة لذلك، للتأكيد على أهداف ذلك الجاهل، واعتبار هذا العمل دليلا على أنّ السورة المذكورة فعلٌ شيعيّ مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 بسمه تعالى و من المصائب التى فى كتب اهل السنة ما يسمى ب " الموافقات العمرية " حيث جعلوا عمر بن الخطاب هو المؤلف للقران العظيم ! و فى النص المؤسس لخليل عبد الكريم ما يكفى لمعرفة هذه المصيبة السنية السفيانية يقول السيد الجلالى حفظه الله : "موافقات عمر: إنّ من غلوّ أهل الحديث في الالتزام بكلّ واردة منه وانصياعهم لما يوافق هواهم في الأشخاص، ولو على حساب العقيدة ومصادرها، هو هذه القضيّة، فلو تأمّل المسلمُ ـ حقّ التأمّل ـ في ما يترتّب عليها لاستنكرها، وابتعد عن راويها، وعرف أنّ أهل الحديث يتجرّدون عن كلّ فهم، ودرك، ولا يُقيمون للقرآن ولا للرسول، ما يستحقّان من الكرامة، بمنهجهم الخاطىء في الالتزام بكلّ ما هبّ ودبّ ووردَ من الأحاديث المخالفة حتّى للكتاب والسنّة. فقصّة موافقات عمر: أصلها أنّ القومَ بلغتْهم الروايات تقولُ أنّ عمر كانَ (الصفحة37) يسبق القرآنَ في مواقع، فيقولُ شيئاً أو يحكم حكماً، فينزلُ الوحيُ القرآنيُ «موافقاً» لكلامه ورأيه. فرووا عنه ـ نفسه ـ قوله: وافقتُ ربّي في ثلاث: مقام إبراهيم، والحجاب، واُسارى بدر. (رواه مسلم). لكنّ ابن حجر يقول: والمعنى وافقني ربّي، فأنزل القرآن على وِفْق ما رأيتُ، ولكن لرعاية الأدب أسندَ الموافقة إلى نفسه. (فتح الباري/ج7). وإذا كان عمر يتأدّب للربّ والقرآن، فلماذا يتجاوز شيخ الإسلام ابن حجر هذا الأدب؟ إنّه الغلوّ في حبّ عمر! ومن الموافقات تلك: حكُم ترك الصلاة على المنافقين، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى على منافق، وعمر نهاه عن ذلك (!) فنزلَ قولُه تعالى: (ولا تصلّ على أحد منهم ماتَ أبداً)(1) موافقاًلعمر، ومخالفاً لعمل الرسول!! بينما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن ليعلم ما يُوحى إليه قبل نزول الوحي عليه، وقال الله تعالى مخاطباً إيّاهُ: (ما كنتَ تدري ما الكتاب) و(ولا تعجلْ بالقرآن من قبل أنْ يُقضى إليك وحيه). ولكنّهم رووا في عمر: عن علي (عليه السلام)، قال: ما كُنّا نُبعدُ أنْ تكون السكينةُ تنطقُ بلسان عمر! (الترمذي). قال ابن العربي: الحقُّ دائرٌ على لسان الصحابة، وخصوصاً العشرة، بيدَ أنّ ــــــــــــــــــــــ (1) ولقد اهتمّ العامّة بهذه الموافقات حتّى تعدّدت فيها المؤلّفات، منها: 1 ـ الدرّ المستطاب في موافقات سيّدنا عمر بن الخطّاب، للعمادي. ذكر في (الفهرس الشامل «علوم القرآن» 2/762). 2 ـ نظم الدرر في موافقات سيدنا عمر، لمحمّد رضيّ الدين الغزّي الدمشقي صاحب تفسير «الجامع المقتضب النافع» المنظوم في (120) ألف بيت. 3 ـ منظومة للسيوطي في موافقات عمر للقرآن. 4 ـ شرح منظومة السيوطي، لمحمّد علاّن المكّي الصديقي اُنظر (مشيخة أبي المواهب الحنبلي ص84 وخلاصة الأثر للمحبّي 4//184). (الصفحة38) عمر خُصَّ به لما كان فيه من جزالة القول، وإصابة الرأي، وترك المراعاة في ذلك. (عارضة الأحوذي 13/143).وحتّى رووا فيه مرفوعاً: إنّ اللهَ جعلَ الحقَّ على لسان عمر وقلبه. (ابن سعد في الطبقات وأبو داود وابن ماجة) وأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: إيه، يابن الخطّاب، ما لقيكَ الشيطانُ سالكاً فجّاً ـ قطُّ ـ إلاّ سلكَ فجّاً غير فجّك. (البخاري ومسلم وأحمد) و: إنّ الشيطانَ ليخافُ منك ياعمر. (الترمذي)!!! بينما يروون أنّ قوله تعالى: (ألقى الشيطانُ في اُمنيته) نزلت في الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). إنّ مثل هذه الروايات التي تنافي كرامة القرآن، والشريعة، وكرامة الرسول والرسالة، وفيها الغلوّ الواضح ; لابدّ أنْ تطرح ويُضرب بها عرض الجدار، لأنّها تخالف الوجدان والعلم والواقع. لكنّ أهل الحديث يؤمنون بها لأنّهم تلقّوها من المشايخ، وإنْ أطبقت على خلافه عقول أهل الإيمان . فكيف يتصوّر مؤمنٌ أن يكون لعمر من المنزلة، ما ليس للرسول ا! ولكن لو شككتَ في هذا، أو تساءلتَ عنه: فأنت رافضيٌّ خبيث.!! ولو أنّ الشيعة، نقلوا مثل هذا لأهل البيت، لكانوا غلاةً كفرة!!. وهذا واحدٌ من تجاوزات أهل الحديث على كرامة القرآن، لحساب الحديث الوارد عندهم. هذه قصّة بعض المصاحف المنسوبة إلى الصحابة، وقد شاهدنا ارتباك أحاديثها واضطراب متونها ومحتواها، ولم ندخل في بحث الأسانيد لأنّ الحديث عنها ذو شجون، عندما نجد الاختلافات الواسعة في الجرح والتعديل عند أهلهما، ومع أنّ تركيب إسناد يتألّف من رواة جيّدين، وتلفيق أسمائهم أمرٌ هيّنٌ على مَنْ يتّبع هواه، ويريدُ أنْ يفرض مشتهاه على أهل الحديث الذين تستهويهم هذه الصنعةُ وهذه البضاعةُ." مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 بسمه عز شأنه بعد ان تناولنا مسالة اعجاز القران اللغوى نتناول اعجازه فى ( الهدى ) قال سبحانه : "قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " سورة القصص و النص مكى و كان فى مكة اهل الكتاب من كانوا يعملون فى اسواقها و تجاراتها و قد كان اناس منهم يترددون عليها لاغراض شتى و فى الاية الكريمة تحدى لهم يتبع باذن الله مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 نصيحة : انصح كل طالب للحقيقة ان يقرا كتب العلامة الشيعى : خليل عبد الكريم رحمه الله, و التى فضح فيها ما فى كتب اهل السنة من مصائب ضد الرسول الاكرم ص و ضد القران العظيم سيما اخر ما كتب رحمه الله : الا امير المؤمنين على بن ابى طالب مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 تتمة فى خصائص القران البيانية : نهاية التشابه و نهاية التمايز [:/COLOR] الحقيقة انه لا تكرار فى القران الكريم بل هو كتاب " [COLOR=Blue]متشابه مثانى فالقران خالى من الاختلاف لانه متشابه مثانى فانك اذا قرات السورة من القران و سورة اخرى ترى بينهما من التشابه فى المقصد و الجوهر بل ربما ربايت بينهما تمام التطابق فى المبتدا و الخبر ,. فاذا ختمت احداهما و افتتحت الاخرى تتصور انك رجعت عودا على بدء لكنك لا تلبث ان تجد نفسك امام شىء جديد و هكذا ترى من تصريف السور فى الغرض الواحد و محور القران الكريم هو التوحيد و الامر يشبه ثمار الجنة فاللون واحد و الطعم مختلف قال تعالى : "وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" سورة البقرة يقول العلامة جعفر السبحانى حفظه الله : " عدم الإختلاف في الأُسلوب إنّ القرآن الكريم نزل نجوماً في مدّة تقرب من ثلاث وعشرين سنة(1)، في فترات مختلفة وأحوال متفاوتة من ليل ونهار، وحضر وسفر، وحرب وسِلْم، وضرّاء وسرّاء وشدّة ورخاء، ومن المعلوم أنّ هذه الأحوال تؤثّر في الفكر والتعقّل وفي قرائح قادة الكلام، وأصحاب البلاغة، فربما يقدر البليغ على إلقاء خطابة بليغة في حالة، ولا يقدر عليها في أُخرى. أو الشاعر المُفْلِق يجود بقريض معجِب في ظروف روحيّة خاصة، يعجز عنه في أُخرى. ذلك أمر ملموس لمن مارس إلقاء الخُطب ونظم القريض. ولكن القرآن جاء على خلاف هذه القاعدة، فلم يختلف حاله في بلاغته الخارقة المعجزة. كما أنّ الأُسلوب في جميع السور النازلة في هذه المدة المديدة، واحد. «فسورة العلق» الّتي هي أوّل سورة نزلت على النبي، نظير سورة «النصر» الّتي نزلت عليه في أُخريات أَيامه، في الأُسلوب والبيان، من دون أن يكون هناك اختلاف بينهما. ــــــــــــــــــــــــــــ 1- قدتضافرت الآيات على أنّ القرآن نزل نجوماً، وكان هذا أحد الإشكالات الّتي وجهها الكفّار والمشركون إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فقد كانوا يطلبون منه أن يأتي بكتاب مجموع مُدَوّن مرة واحدة،، وهذا ما يحكيه سبحانه مجيباً عنه في قوله: (وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَ رَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً)(سورة الفرقان: الآية 32). إنّ السور المكية الّتي تتراوح بين ثلاث وثمانين، وخمس وثمانين سورة، نزلت كلّها في ظروف قاسية كانت الرهبة فيها حليف صاحب الرسالة، وكان الإستضعاف مسيطراً على المؤمنين به، ومع ذلك فهي لا تتفاوت في بداعة الأُسلوب، وروعة النظم، وكمال الفصاحة والبلاغة، مع السور المدنية الّتي نزلت في ظروف هادئة كان الأمن والهدوء مستتبين فيها. فلم يكن لتلك الأحوال القاسية، ولا لهذه الظروف الهادئة، تأثير في فصاحة القرآن وبلاغته، وروعة نظمه، وبداعة أُسلوبه، فجاء الكلّ على نمط معجز لا يُدْرَك شأوه، ولا يُشَقُّ غُبارُه. فهذا يدلّ على أنّ هذا الكتاب، ليس وليد قريحة النبي ونتاج ذهنه وتفكّره، وإلاّ لكثر فيه الإختلاف وتفاوت في نظمه وبلاغته، فكان بعضه بالغاً حدّ الإعجاز، وبعضه قاصراً عنه. * * عدم الإختلاف في المضمون قد عرفت في القرينة السابقة أنّ المعجزة الخالدة نزلت على النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ طيلة أعوام مختلفة من حيث الشدّة والرخاء، والرغبة والرهبة، هذا من جانب. ومن جانب آخر، إنّ الإنسان جُبل على التكامل، فهو يرى نفسه في كل يوم أعقل من سابقه، وأنّ ما أتى به من عمل، أو اخترعه من صنعه، أو دَبّره من رأي، أو أَبْدَعَهُ من نَظَر، يراه ناقصاً مفتقراً إلى الإصلاح والتجديد. وهناك كلمة قيمة للكاتب الكبير عماد الدين أبو عبد الله محمد بن حامد الأصبهاني (ت 597)، يقول فيها: «إنّي رأيت أنّه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه، إلاّ قال في غده لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قُدّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أَجمل. وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر». وهذا في الكاتب الصادق، وأمّا الكاتب الّذي يبني أمره على الكذب والإفتراء في أنظاره وآرائه وأحكامه وإخباراته، فلا يمكن أن يتخلص عن التناقض والإختلاف، ولاسيما إذا تعرّض لكثير من الأُمور المهمة في مجال العقائد والتشريعات والنُّظم الإجتماعية والأخلاقية الّتي تتطلب لنفسها تبنّي أدقّ القواعد وأحكم الأُسس، ولا سيما إذا طالت على ذلك المفترى أيام، ومرّت عليه عقود، فإنّه سيرتبك ويقع في التناقض والتهافت من حيث لا يريد، وقد قيل قديماً: «لا ذاكرة لكذوب». وإنّا نرى العاِلم النابغ في علم معين، يؤلّف الكتاب ويستعين عليه بالباحثين، ثم يطيل التأمّل فيه وينقّحه ويطبعه، فلا تمرّ سنوات قليلة إلاّ ويظهر له الخطأ والإختلاف، فلا يعيد طبعه إلاّ بعد أن يغيّر منه ويصحح ما شاء. وإنّ هذا القرآن قد تعرّض لمختلف الشؤون، وتوسّع فيها أحسن التوسّع، فبحث في الإلهيات والنبوات وسياسة المُدْن ونظم المجتمع، وقواعد الأخلاق، وقوانين السلم والحرب، كما وصف الموجودات السماوية والأرضية، من شمس وقمر وكواكب ورياح، وبحار ونبات، وحيوان وإنسان، ووصف أهوال القيامة ومشاهدها. ومع ذلك لا تجد فيه تناقضاً واختلافاً، أو شيئاً متباعداً عند العقل والعقلاء. والعجب أنّه ربما يستعرض حادثة واحدة، فيطرحها مرتين أو مرّات، كقصة الكليم، والمسيح، ومع ذلك لا تجد فيها اختلافاً في الجوهر. والحاصل أنّ الكتاب الّذي يستعرض جميع الشؤون المرتبطة بالإنسانية، كمعرفة المبدأ والمعاد والفضائل الأخلاقية والقوانين الإجتماعية والفردية، والقصص والعبر، والمواعظ والأمثال، وينزل في مدّة تعدل ثلاثاً وعشرين سنة، على اختلاف الأحوال والظروف ومع ذلك لا تجد في معارفه العالية، وحكمه السامية، وقوانينه الإجتماعية والفردية، تناقضاً ولا اختلافاً، بل ينعطف آخره على أوله، وترجع تفاصيله وفروعه إلى أصوله وعروقه. إنّ مثل هذا الكتاب، يقضي الشعور الحي في حقّه أنّ المتكلم به ليس ممّن يحكم فيه مرور الأيام ويتأثّر بالظروف والأحوال، بل هو الله الواحد القهار. ولعلّ قوله سبحانه: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)(1)، ناظر إلى كلتا القرينتين، ويبين أنّ مقتضى الطَبع ــــــــــــــــــــــــــــ 1- سورة النساء: الآية 82. ( 375 ) الإنساني الناقص إذا خلا من التسديد، العجزُ عن الإتيان بكتاب على سبك واحد، ومضمون يؤكّد بعضه بعضاً، فكيف إذا كان يعتمد في ادّعائه على الكذب والإفتراء، فإنّ هذا سيكون وجهاً آخر لوقوعه في التهافت والتناقض. والعرب أحسُّوا بالإستقامه في أُسلوب القرآن، ومرور الزمن قد أثبت عدم التناقض والتهافت في ما يدعو إليه. وأمّا «كثيراً» في قوله سبحانه: (اختلافاً كثيراً)، فهو وصف توضيحي لا احترازي، والمعنى: لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً، وكان ذلك الإختلاف كثيراً على حدّ الإختلاف الكثير الّذي يوجد في كل ما هو من عند غير الله. ولا تهدف الآية إلى أنّ المرتفع عن القرآن هو الإختلاف الكثير دون اليسير(1). * * * ــــــــــــــــــــــــــــ 1- لاحظ الميزان في تفسير القرآن، ج 5، ص 7. مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 بسمه جل سلطانه اشرنا الى ان محور الكتاب العزيز هو : التوحيد و هذا بحث قيم للسيد القائد على خامنئى حول التوحيد : "روح التوحيد رفض عبودية غير الله آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظله) بسم الله الرحمن الرحيم يوم نهض نبي الإسلام لحمل رسالة تحرير الإنسان، وأعلن شعار "لا إله إلا الله" واجه معارضة حادة ومقاومة عنيفة؛ وكان في مقدمة هذه الجبهة المضادة رؤساء القبائل ووجهاؤها، وكان بقية المعارضين تابعين ومطيعين لهؤلاء السادة والكبراء. هؤلاء واجهوا الرسول، واجهوا الفئة المؤمنة ـ في البداية ـ بأبسط الأسلحة العدوانية، بالهمز واللمز والاستهزاء، ثم عمدوا إلى أسلحة أشد وأفتك كلما ازدادت الحركة التوحيدية قوة وبلورة. وهكذا كررت هذه الجبهة المضادة خلال الأعوام الثلاثة عشر قبل الهجرة تلك المشاهد المخزية في تاريخ الصراع بين الحق والباطل. هذه الحقيقة التاريخية تستحق مزيداً من الدقة والإمعان لأنها تشكّل مؤشراً هاماً للتعمق في فهم الإسلام، وفي فهم التوحيد الذي يشكّل العمود الفقري للإسلام. إنه لمؤسف جداً، بل إنها لمأساة، لكل دعاة تحرير الإنسان أن نشهد انحراف مفهوم التوحيد في عصرنا، فهذا المفهوم يشكّل أعمق أسس محتوى الأديان، ولا يناظره مفهوم آخر في عمق اتجاهه نحو تحرير الإنسان وإنقاذ البشرية المعذبة على مسرح التاريخ. الرسالات الإلهية عامة عملت خلال التاريخ ـ على ما نعلم ـ على تغيير المجتمع، ودفعه في اتجاه يخدم مصالح الإنسان وينقذ المستضعفين والمسحوقين، ويقضي على كل مظاهر الظلم والتمييز والعدوان. المحتوى الأخلاقي لكل الأديان الكبرى، كما يقول "أريش فروم"، يتكون من التطلع نحو: العلم، والحب الأخوي، والتخفيف من الآلام، والاستقلال، والشعور بالمسؤولية (وهناك طبعاً تطلعات سامية شريفة أخرى لا نتوقع من باحث مادي أن يدركها). كل هذه التطلعات والآمال تتلخص في مبدأ التوحيد. والأنبياء كانوا يطرحون كل أهدافهم من خلال شعار التوحيد، كما كانوا يحققون تلك الأهداف أو يمهدون لتحقيقها في أعقاب كفاح ينشب تحت راية هذا الشعار. إنه لمؤسف حقاً، لا للموحدين فحسب بل كل المتبنّين لهذه الآمال والأهداف، أن يبقى محتوى التوحيد مجهولاً أو محرَّفاً أو سطحياً لا يتجاوز الإطار الذهني، خاصة في عصر تتصاعد فيه ضرورة الاتجاه نحو تلك الأهداف أكثر من أي وقت مضى. ذكرنا أن المجابهات التي شهدها عصر فجر الإسلام تستطيع أن توضّح حقيقة هامة بشأن مفهوم التوحيد. هذه الحقيقة هي أن شعار "لا إله إلا الله" اتجه أولاً لمقارعة أولئك الذين حاربوه وعادَوه، وهم: أفراد الطبقة المسيطرة المقتدرة في المجتمع. رد الفعل الذي يبديه خصوم كل حركة في المجتمع يعـبّر دوماً بوضوح عن الاتجاهات الاجتماعية لتلك الحركة، ومدى عمق تأثير هذه الاتجاهات؛ كما يمكن فهم الاتجاه الطبقي والاجتماعي للحركة من خلال دراسة طبيعة أعدائها وانتماءاتهم الطبقية، ويمكن قياس عمق تأثيرها عن طريق فهم مدى تصلّب الأعداء تجاهها. من هنا، فإن دراسة جبهة أتباع الدعوات الإلهية وجبهة أعدائها، واحدةٌ من الطرق الموثوقة في فهم هذه الدعوات بشكل صحيح. حين تشاهد أن الفئات المقتدرة كانت دوماً سبّاقة في محاربة الرسالات الإلهية، نفهم بوضوح أن هذه الرسالات تعارض بطبيعتها هذه الفئات، تعارض تجـبّرها وترفها، بل تعارض أساساً هذه الطبقية التي جعلت هذه الفئات متميزة عن غيرها. قبل أن ندرس التوحيد من هذا المنظار، منظار مقارعته لكل ألوان السيطرة الاجتماعية، لابد من الإشارة أولاً إلى أن التوحيد لا ينحصر في إطار نظرية فلسفية ذهنية ـ كما هو شائع ـ بل هو نظرية أساسية حول الإنسان والعالم، ومنهج اجتماعي واقتصادي وسياسي للحياة. يندر أن نجد في قواميس الألفاظ، الدينية وغير الدينية، لفظة مثل لفظة "التوحيد" في استيعابها للمفاهيم الثورية البنّاءة، ولأبعاد الحياة الاجتماعية والتاريخية للإنسان، لم يكن من الصدفة أن تبدأ كل الدعوات والحركات الإلهية في التاريخ بـإعلان توحيد الله وحصر الربوبية والألوهية به. أبعاد محتوى التوحيد نلخصها فيما يلي: مع خواطر الختيار ! - AL-MOFEED - 03-03-2007 أ/ التوحيد على صعيد التصور (النظرة العامة للكون والحياة): يعني وحدة جميع العالم وانسجامه وائتلاف أجزائه وعناصره مبدأ الخلقة واحد، وجميع المخلوقات من ذلك المبدأ الواحد، وليس هناك آلهة متعددة في خلق العالم وإدارته، وهذا يستتبع وحدة جميع أجزاء العالم في التكوين والاتجاه. {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} (المُلك:3). {أوَ لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى} (الروم:8). العالم المتحرك ـ انطلاقاً من هذا التصور ـ قافلة متصلة الأجزاء، كاتصال حلقات السلسلة الواحدة، وكارتباط أجزاء الجهاز الواحد العاملة في اتجاه واحد، وكل جزء من هذه الأجزاء يكتسب معناه الواقعي ويتضح واجبه من خلال فهم مكانته في مجموع هذا التركيب، كل الأجزاء يعاون بعضها الآخر، ويكمّل بعضها الآخر في هذا السير التكاملي الحثيث، وكل واحد منها آلة ضرورية في هذه المجموعة، وكل توقف وفساد وركود وانحراف في أي واحد من هذه الأجزاء يؤدي إلى بطء وفساد وانحراف في جميع الجهاز، وبهذا الشكل ترتبط جميع الذرات مع بعضها برباط معنوي عميق. ويعني أن للعالم هدفاً ويقوم على أساس حساب وانضباط دقيق، وأن لكل واحد من الأجزاء روحاً ومعنى العالم له خالق حكيم، وبناءاً على هذا فإن لأصل الوجود ـ كما لكثير من أجزائه ـ حكمة وغاية واتجاه وهدف. {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين...} (الأنبياء:16). العالم بمجموعه ـ انطلاقاً من هذا التصور ـ ليس بالحائر العابث، بل هو مثل ماكينة مصنوعة ومرصودة للعمل من أجل هدف معيّن، يمكن السؤال عن هدفه ولا يمكن السؤال عن أصل هذا الهدف. إنه قصيدة ذات مضمون ينبغي التأمل والتدبر فيها لفهم مضمونها، ولا يمكن اعتبارها إطلاقاً صوتاً منطلقاً من حركة عشوائية. ويعني أبعد من ذلك خضوع كل عناصر العالم وكل الأشياء لله فلا يوجد بين هذه المجموعة عنصر شاذ متمرد، كل قوانين الطبيعة وكل ما يخضع لسيطرة هذه القوانين منصاع لله وعبد له. فوجود القوانين التكوينية والطبيعية على ساحة الكون لا يعني نفي ربوبية الله ومبدئيته. {إن كل مَن السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً} (مريم:93). {بل له ما في السماوات والأرض كلٌ له قانتون} (البقرة:117). {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} (الزمر:67). ب/ التوحيد على صعيد فهم الإنسان: يعني وحدة أبناء البشر وتساويهم في ارتباطهم بالله إنه رب جميع الناس، وليس لأحد ـ بسبب طبيعته الإنسانية ـ علاقة خاصة متميزة به، ولا لأحد معه قرابة، ليس إله شعب خاص أو قبيلة معيّنة، ولم يختر شعباً معيّناً ليكون ذلك الشعب سيداً والباقي مَسُودين. كل الناس أمام الله سواسية، وليس لأحد عند الله كرامة خاصة، إلا بالعمل الصالح، أي بالسعي والمثابرة على طريق خدمة الناس والعمل بأحكام الله المؤدية إلى سمو الإنسان. {وقالوا اتخذ الله ولداً، سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون} (البقرة:117). {فمَن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون} (الأنبياء:94). {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لِتَعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (الحجرات:13). ويعني وحدة أبناء البشر وتساويهم في الخلقة والتكوين الإنساني. الإنسانية عنصر واحد يسري في جميع أفراد النوع البشري بشكل متساوٍ، ليس هناك آلهة متعددة خلقت فئات بشرية متعددة. ولذلك فلا توجد ثمة اختلافات وفواصل منيعة في الخلقة، كما أن إله الطبقة الاجتماعية العليا ليس بأقوى من إله الطبقة الاجتماعية السفلى. كل الناس مخلوقات الإله الواحد الأحد، وكلهم متشابهون في جوهر خلقتهم. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} (النساء:1). ويعني تساوي أبناء البشر في الإمكانات المتاحة لهم من أجل السمو والتكامل. البشر متشابهون في جوهرهم الإنساني وطبيعتهم الإنسانية، وهذه الطبيعة الإنسانية جُبِلت بيد بارئ حكيم؛ فليس هناك إذاً فرد عاجز ذاتياً عن ارتقاء مدارج الصراط المستقيم نحو السمو والتكامل. من هنا، فدعوة الله دعوة عامة ولا تختص بشعب معيّن أو فئة خاصة. الظروف المختلفة لها آثارها المختلفة على الإنسان، لكن هذه الظروف الطارئة لم تستطع أن تصنع من الإنسان بشكل دائم شيطاناً أو مَلَكاً، وتغلّ يديه، وتسلب اختياره، وتسدّ الطريق أمام انتخابه وتغيّره. {وما أرسلناك إلا كافة للناس} (سبأ:28). {وأرسلناك للناس رسولاً} (النساء:79). {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً * فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيُدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً} (النساء:174ـ175). ويعني حرية جميع الناس من قيود الأسر ومن قيود العبودية لغير الله وهو تعبير آخر عن ضرورة العبودية لله أفراد البشر الراضخون بشكل من الأشكال تحت سيطرة غير الله (سيطرة فكرية وثقافية، أو اقتصادية، أو سياسية) هم مستعبدون لعباد من أمثالهم بالمفهوم الواسع للعبادة. هؤلاء قد اتخذوا لله أنداداً. والتوحيد يرفض هذا الشكل من الحياة، ويعتبر الإنسان عبداً لله فقط، ويحرره من العبودية والرضوخ لكل نظام، بل لكل عامل مسيطر يضع نفسه مكان الله. فالتوحيد يعني التسليم لله وحده، ويستتبع ذلك رفض كل سلطة غير سلطة الله مهما كان شكلها ونوعها. {إنِ الحكم إلا لله، أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيّم} (يوسف:40). {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه} (الإسراء:23). والتوحيد بالمعنى المتقدم يعني تكريم الإنسان وتثمينه. فالعنصر الإنساني السامي أعظم من أن يخضع ويرضخ لأحد غير الله؛ فالوجود المطلق والجمال المطلق هو وحده الذي يستحق عبادة الإنسان وثناءه وتعشّقه. وهذا النزوع المتسامي هو درجة من درجات السمو. لا شيء ـ غير ذات الله تعالى ـ يتمتع بمنزلة يستحق فيها عبادة الإنسان ودعاءه. كل الأصنام الجامدة والمتحركة التي فرضت نفسها على فكر الإنسان وقلبه وجسمه، واغتصبت حاكمية الله في حياة إنسان هي رجس وأوثان تُبعد الكائن البشري عن طهره ونقائه الفطري، وتذلّه وتصدّه عن حركته. ولابد للإنسان ـ إن أراد استعادة مكانته السامية ـ أن يجتنب هذه الأوثان ويغسل عن وجوده عار التلوث بعبوديتها. {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومَن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح من مكان سحيق} (الحج:30 ـ31). {لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً} (الإسراء:22). {ولا تجعل مع الله إلهاً آخر، فتُلقى في جهنم ملوماً مدحوراً} (الإسراء:39). يعني وحدة وانسجام حياة الإنسان ووجوده. حياة الإنسان مركّبة من الذهن والواقع، من الفكر والعمل؛ وإذا خضع واحد من هذين الجانبين ـ بأجمعه أو بقسم منه ـ لأعداء الله، أي إذا أصبح الذهن إلهياً والواقع غير إلهي، أو أصبح الواقع إلهياً والذهن بعيداً عن الله. الإنسان في مثل هذه الحالة كمؤشر مغناطيسي ظهر في مجاله المغناطيسي عنصر غريب. المؤشر عندئذ إما أن ينحرف عن اتجاهه الطبيعي انحرافاً تاماً، أو يبقى يتأرجح يمنة ويسرة. أي سوف ينحرف الإنسان عن الصراط المستقيم المتناسب مع طبيعته الإنسانية، ينحرف عن الله. {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء مَن يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردّون إلى أشد العذاب..} (البقرة:58). ويعني انسجام الإنسان مع العالم المحيط به. الساحة الكونية الفسيحة تزخر بقوانين الخليقة، ولا تغرب أدنى ظاهرة طبيعية عن إطار هذه القوانين. وبانسجام هذه القوانين وتعاضدها والتقائها ينتظم شكل الكون ويسود في العالم هذا النظام الرائع المشهود. الإنسان جزء من هذه المجموعة وتتحكم فيه قوانينها العامة، إضافة إلى قوانين خاصة. غير أن هذه القوانين الخاصة متناسبة ومنسجمة أيضاً مع قوانين الظواهر الأخرى. أما الإنسان، خلافاً لسائر الظواهر الأخرى المسخّرة للحركة على طريقها الطبيعي الفطري، يتمتع بقوة إرادة وقدرة اختيار. وعليه أن يطوي طريقه الفطري الطبيعي عن اختيار، لأنه طريق سموّه وكماله. وهذا يعني أنه قادر على الانحراف عن هذا الطريق الطبيعي. {فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر} (الكهف:29). التوحيد يدعو الإنسان إلى السير على طريقه الطبيعي الفطري المنسجم مع كل الكون، وبذلك يربط الكائن البشري ـ باعتباره عضواً أصلياً من أعضاء هذا الكون ـ في عمله وسعيه بسائر أجزاء الكون، ويخلق بذلك وحدة وانسجاماً تامـّين. {أفغير دين الله يبغون وله أسلم مَن في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون} (آل عمران:78). {ألم تر أن الله يسجد له مَن في السموات ومَن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس} (الحج:18). ج/ التوحيد على صعيد المناهج الاجتماعية (الاقتصادية والسياسية...): يسلب من كل مصدر غير الله صلاحية الانفراد بوضع مناهج مستقلة لشؤون الحياة والإنسان. فالله خالق الإنسان والكون والمصمم لهذا النظام الكوني المنسجم، والعالم بـإمكانات الإنسان واحتياجاته. الله يعلم بما ينطوي عليه الكائن البشري من ذخائر دفينة وطاقات مكنوزة، وبما ينطوي عليه الكون من كنوز وإمكانات، ويعلم ميزان وأبعاد استثمار هذه الكنوز والإمكانات، ويعلم كيف تلتقي هذه جميعاً مع بعضها. من هنا فهو وحده القادر على وضع منهج لطريقة الحياة، ولعلاقات الإنسان، ومنهج حركته في إطار نظام التكوين. وهو وحده القادر على وضع قوانين الحياة وتعيين شكل النظام الاجتماعي. اختصاص هذا الأمر بالله نتيجة طبيعية ومنطقية للخالقية والألوهيـة. فكـل تدخـل مـن الآخريــن ـ إذاً ـ لتعيين المسيرة العملية للبشرية هو تدخل في حاكمية الله، وادّعاءٌ للألوهية، وباعثٌ على الشرك. {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً} (النساء:65). {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرة من أمرهم ومَن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً} (الأحزاب:36). يسلب حق الولاية على المجتمع وحياة الإنسان من غير الله. ولاية الإنسان على الإنسان لو قامت على أساس حق مستقل وبدون مسؤولية، لاستلزمت الظلم والطغيان والعدوان. الفرد الحاكم والجهاز الحاكم لا يستطيع أن يتخلص من الانحراف والطغيان والإفراط إلا إذا كانت زمام الأمور معطاة بيد هذا الفرد أو هذا الجهاز من قبل سلطة عليا ضمن إطار مسؤوليات متناسبة. وهذه السلطة العليا في المدرسة الدينية هي الله المحيط بكل شيء علماً. {لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض} (سبأ:3). {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين} (الحاقة:44). هذه السلطة العليا لا تنطلي عليها خدعة كما قد تنطلي على الجماهير، ولا يمكن اتخاذها وسيلة للسيطرة والتجبّر كما تُتخذ الأحزاب، ولا يمكن المساومة معها كما يمكن مع علّية القوم وزعمائهم. وبنظرة أعمق: لو استلزم نظم الحياة انتهاء كل أجهزة الحياة الاجتماعية بنقطة واحدة، وتفرد قوة مسيطرة بمسك زمام جميع الأمور، لما كانت تلك القوة المسيطرة سوى خالق الكون والإنسان. فالحكم حق خاص بالله، ينفّذه مَن عيّنهم الله، أي أولئك الذين تتجسّد فيهم أكثر من غيرهم تلك المعايير والخصال المحددة في الإيديولوجية الإلهية. وهؤلاء منفّذون وحفَظَة للقوانين الإلهية. {قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض وهو يُطعِم ولا يُطعَم قل إني أُمرت أن أكون أول مَن أسلم ولا تكونن من المشركين} (الأنعام:14). {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} (المائدة:55). {قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس} (الناس:1ـ 4). ويعني اختصاص المُلكية المطلقة الأصلية لكل نِعَم الكون وذخائره بالله. ليس لأحد أن يملك ويتصرف مباشرة ومستقلاً؛ كل شيء أمانة بيد الإنسان لاستثماره والاستعانة به على طريق السمو والتكامل. ليس للإنسان المنـعَّم أن يفسد ويتلف نِعَم هذا العالم التي هي ثمرة سعي آلاف الظواهر والعناصر في هذا العالم، أو أن يهمل هذه النِعَم أو يستثمرها في طريق غير طريق السمو الإنساني. ما في يد الإنسان، وإن كان ملكاً له، فهو عطاء إلهي. من هنا، ينبغي أن يتجه استثمار هذا العطاء على الطريق الذي عيّنه الله، أي في طريقه الطبيعي الأساسي، في الطريق الذي خُلِق من أجله في الحقيقة. واستثمار هذا العطاء الإلهي في غير هذا الطريق انحراف عن اتجاهه الطبيعي، إنه الفساد. دور الإنسان إزاء هذه النِعَم الإلهية المتنوعة هو استثمارها بشكل صحيح، وفتح مغاليق كنوزها، وقبل ذلك إحياؤها والبلوغ بها إلى درجة الكمال طبعاً. {قل لمن الأرض ومَن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكّرون} (المؤمنون:86 ـ87). {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} (البقرة:29). {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} (هود:61). {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصَل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة} (الرعد:28). ويعني أن أفراد البشر متساوون في حق استثمار نِعَم الحياة. الإمكانات والفرص متكافئة أمام جميع البشر ليستثمر كلٌ منهم هذه النِعَم قدر حاجاته وضمن إطار سعيه وعمله. هذه الساحة الكونية لا توجد فيها منطقة خصوصية محصورة بفئة معيّنة. الجميع يستطيعون أن يستثمروا نِعَم الحياة المتنوعة قدر همّتهم وإرادتهم، دون تمايز بينهم في العنصر أو الموقع الجغرافي والتاريخي، بل وحتى في الانتماء الإيديولوجي. {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً}. {والأنعام خلقها لكم}. {لكم فيها جمال}. {تحمل أثقالكم}. {أنزل من السماء ماءاً لكم}. {ينبت لكم به الزرع}. {وما ذرأ لكم في الأرض}. {لتركبوها}. {لتأكلوا منه}. وكل هذه الآيات، من مطلع سورة "النحل" تخاطب جميع البشر دون أن تتجه في خطابها إلى فئة خاصة أو طائفة خاصة، وهي جاءت في سياق آيات أخرى تخاطب جميع البشر أيضاً مثل: {ولو شاء الله لهداكم أجمعين}. {وإلهكم إله واحد}. هذا جانب من المحتوى العميق الواسع للتوحيد. ومن خلال هذا الاستعراض السريع يتضح بجلاء أن التوحيد ليس بالنظرية الفلسفية الذهنية غير العملية المعزولة عن الحياة وعما يرتبط بحركة المجموعات البشرية وبحركة الفرد ونشاطه. التوحيد لا يكتفي باستبدال معتقد بمعتقد آخر.. بل إنه من جهة: نظرة عامة للكون والحياة، تشتمل على مفهوم خاص للعالم وللإنسان ولمكانة الإنسان بين ظواهر العالم ومكانته في التاريخ، ولإمكاناته واحتياجاته ومتطلباته الذاتية، ولاتجاهه ومراحل سموّه وكماله. ومن جهة أخرى: منهج اجتماعي شامل متناسب مع طبيعة الإنسان، ويستطيع الكائن البشري في إطاره أن يسمو على مدارج كماله بسهولة وسرعة. إنه أطروحة خاصة للمجتمع تتضح فيها الخطوط العامة والأساسية للكيان الاجتماعي. من هنا، حين يرتفع نداء التوحيد في المجتمعات الجاهلية (المجتمعات القائمة على أساس الجهل بحقيقة الإنسان) والمجتمعات الطاغوتية (القائمة على أساس المعاداة للقيم الإنسانية الحقة) فإنه يحدث تغييراً شاملاً، ينير القلوب المظلمة، ويحيي النفوس الهامدة، ويبعث هزة في جسد المجتمع الراكد، وينظم الشؤون المبعثرة المتناقضة لذلك المجتمع. يحدث التوحيد تغييراً في المحتوى النفسي، والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، وفي القيم الأخلاقية والإنسانية. وبعبارة قصيرة: يهاجم التوحيد الوضع الجاهلي القائم، والسلطة التي تحمي هذا الوضع، والجو الذي يغذي هذا الوضع ويمدّه بالحياة. التوحيد ـ إذاً ـ ليس فقط أطروحة ترتبط بمسألة نظرية محضة أو مسألة ذات إطار عملي محدود، بل إنه أيضاً طريق جديد أمام الإنسان، يستهدف تقديم أسلوب آخر للعمل والحياة، وإن استند إلى تحليل ذهني ونظري. انطلاقاً من هذا الفهم لمحتوى التوحيد، نعتقد أن هذا الأصل يشكّل حجر البناء في صرح الدين، ومحتواه الأساس، والقاعدة التي يقوم عليها. فهم التوحيد على أنه نظرة لما وراء الطبيعة، أو أنه على أحسن الأحوال أطروحة أخلاقية عرفانية، هذا الفهم لا يتناسب إطلاقاً مع الإيديولوجية الإسلامية الحية التي تنطوي على أطروحة كاملة للحياة الاجتماعية. كان هناك على مر التاريخ طبعاً أفراد ـ مع إيمانهم بالله وبالتوحيد ـ غفلوا أو تغافلوا عن المحتوى العيني والعملي ـ وخاصة الاجتماعي ـ لهذه العقيدة. هؤلاء وطّنوا أنفسهم على المعيشة في كل زمان ومع كل الظروف بحيث لا تكاد تميّزهم عن الكافر بالتوحيد؛ أي أن هذه العقيدة لم تبعث فيهم شعور التعارض مع الوضع غير التوحيدي القائم، ولم يثقل كاهلهم عبء الشرك المستفحل في مجتمعهم. في مطلع الإسلام، كان هناك مجموعة من الحنفاء يعيشون في مكة مركز الوثنية وعاصمة أصنام العرب الكبرى. لكن وجودهم لم يكن له أدنى تأثير على الجو الفكري والاجتماعي، لأن مفهوم هؤلاء الحنفاء عن التوحيد لم يتعدّ أذهانهم وقلوبهم وإطار حياتهم الخاصة، ولم يكن له أدنى تواجد في تلك المتاهات الجاهلية، ولا أقلّ تأثيراً على الحياة المؤسفة القائمة هناك. هؤلاء الذين يُسمَّون بـ"الموحدين" كانوا يعيشون مع غيرهم على ساحة واحدة ويطوون مسيرة تلك الحياة بنفس طريقة غيرهم دون أن يزعجهم شيء. هذا الفهم الذهني للتوحيد يتميز بهذه الصفة من الخمول والانعزال عن الحياة، وخاصة الحياة الاجتماعية. في مثل هذه الأجواء، أعلن الإسلام مفهوم التوحيد باعتباره عقيدة ملتزمة وتنظيماً للحياة وأطروحة جديدة للمجتمع. وبهذا الشكل أعلن هويته باعتباره دعوة انقلابية لكل مخاطبيه، المؤمنين منهم والكافرين، فكل مَن سمع نداء الإسلام علم أنه نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي جديد لا يتلاءم إطلاقاً مع الأوضاع التي كانت قائمة في العالم آنذاك، بل إنه يستهدف إزالة الوضع القائم وإبداله بوضع آخر. بسبب هذه الأطروحة، اندفع المؤمنون صوب الدعوة باشتياق ولهفة وولع شديد وأسلموا لها، ولهذا السبب أيضاً هبّ المعارضون والكافرون ليقاوموا نداء التوحيد بوحشية وضراوة، وليصعّدوا عداءهم يوماً بعد يوم. هذه الحقيقة التاريخية، بمقدورها أن تكون معياراً لتقييم صحة أو عدم صحة ادّعاء التوحيد في كل زمان ومكان. من الصعب أن نصدّق وجود التوحيد في نفوس قوم يشبهون موحدي مكة قبل ظهور الإسلام. التوحيد المهادن.. التوحيد المداهن مع كل الأنداد والآلهة المزيفة.. التوحيد الذي لا يعدو أن يكون فرضية ذهنية، ليس إلا نسخة ممسوخة لتوحيد الأنبياء.. ومن الطبيعي أن يخلو مثل هذا التوحيد من ديناميكية دعوة الأنبياء. من خلال هذه الرؤية نستطيع أن نفهم سبب انتشار نور الإسلام وتقدّمه في العصور المتقدمة، وسبب تراجعه وتقهقره وضعفه في العصور المتأخرة. إسلام رسول الله (ص) كان يضع التوحيد أمام الناس باعتباره طريقاً ومسلكاً، وإسلام العصور التالية طرح التوحيد باعتباره نظرية يدور حولها البحث والجدل في المجالس والمحافل. كان الكلام هناك يدور حول تصور جديد للعالم ونظرية جديدة لحركة الحياة، وهنا الكلام يدور حول مسائل كلامية فرعية خالية من كل عطاء حي. كان التوحيد هناك يشكّل الهيكل العظمي للنظام القائم، والمحور لكل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ وهنا يتمثل في لوحة فنية جميلة معلّقة في صالة، الهدف منها إكمال مظاهر الزينة في الصالة. وأي دور فعال يمكن أن نتوقعه من مثل هذه الظاهرة الكمالية؟! مما تقدّم يتضح أن التوحيد من منظار عملي أطروحة للمجتمع ومنهج للحياة وقاعدة للنظام الذي اعتبره الإسلام متناسباً مع طبيعة الإنسان ونموّه وسموّه؛ وهو من منظار نظري يشكّل القاعدة الفكرية الفلسفية لذلك النظام. بعد هذه التمهيدات، نستطيع أن نعود إلى بداية المقال، وندرس المسألة من الزاوية الخاصة التي استهدفناها فيه. قلنا: إن المجابهات الأولى التي واجهها نداء التوحيد انطلقت من ذوي القدرة والسلطة في المجتمع، وهذا مؤشر يثبت أن الضربة التي وجهها هذا الشعار اتجهت أول ما اتجهت وأكثر ما اتجهت نحو تلك الفئة المقتدرة المسلّطة، أو نحو الفئة المستكبرة على حد التعبير القرآني. وقلنا: إن الدعوات التوحيدية في مختلف عصور التاريخ، ما أن انطلقت في المجتمع حتى اتخذت موقفها الواضح من المستكبرين. وعلى أثر هذا الموقف، انقسم المجتمع إلى فئتين متناقضتين: الفئة المعارضة المستكبرة والفئة المؤمنة المستضعفة. وقلنا أخيراً: إن رد الفعل الذي تبديه هاتان الفئتان تجاه رسالة التوحيد هي الخاصة التي تميـّز التوحيد الحقيقي الأصيل. أي أن التوحيد ـ متى ما أُعلن بمفهومه الأصيل وبشكله الصحيح ـ يواجه هذه المجابهات وردود الفعل الاجتماعية. والآن علينا أن نتفحص أبعاد التوحيد لنرى أي بُعد من هذه الأبعاد يتعارض مباشرة مع مصالح الطبقة المستكبرة ويصطدم مع وجودها. بعبارة أخرى: علينا أن نفهم تلك النظرة التوحيدية التي تستثير المستكبرين وتدفعهم إلى اتخاذ موقف المجابهة الحادة. تفهّم شخصية المستكبر في القرآن الكريم تعيننا كثيراً على فهم هذا الموضوع. القرآن الكريم يعطي في أكثر من أربعين موضعاً صورة عن المستكبر، وخصائصه النفسية، ومكانته الاجتماعية، وأهدافه، وأطماعه التوسعية الاستئثارية. وبشكل عام نجد القرآن يحدد للمستكبر الخصائص التالية: يرفض الله بالمفهوم الذي تعبّر عنه عبارة "لا إله إلا الله" (أي حصر الحاكمية والمالكية المطلقة به تعالى)، وإن لم يرفض الله كحقيقة ذهنية تشريفاتية محدودة الإطار. {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} (الصافات:35). {فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا مَن أشد منا قوة} (فصّلت:15). {وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشّره بعذاب أليم} (لقمان:7). ويتخذ موقف الجاحد والمكذب تجاه دعوة النبي التغييرية التحررية، ويجابهها بحجة أنه أقدر من غيره على فهم الطريق الصحيح، وبحجة أن الله ينبغي أن يخاطبه مباشرة. {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه} (الأحقاف:11). {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} (الأنعام:124). ويتهم المستكبرون صاحب الدعوة بأنه يستهدف الحصول على الجاه والمنزلة، كما يتذرعون بالتقاليد البالية السائدة لنظامهم المسيطر للحد من انتشار الدعوة في المجتمع. {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين} (يونس: 78). ويستعينون بالقوة والتزوير وبمختلف سبل الخداع والتضليل لإبقاء الناس تحت سيطرتهم وعبوديتهم، ويدفعونهم إلى مجابهة كل دعوة تحررية. {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا} (الأحزاب:67). {فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مُغْنون عنا نصيباً من النار} (المؤمن:47). {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون} (الأعراف:108ـ109). وأخيراً يعرّضون النبي وأتباعه، الثائرين على النظام المسيطر وعلى الاتجاه الفكري السائد، لأقسى الحملات وأشد أنواع التعذيب والأذى والتنكيل. {قُتِل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود...} (البروج:3ـ7). {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد} (غافر:46). هذه هي باختصار الخصائص التي يذكرها القرآن الكريم للمستكبرين. وهناك مواضع أخرى تجاوز فيها القرآن رسم الصورة إلى وضع الإصبع على أفراد مشخّصين ينتمون إلى اتجاهات معيّنة. {ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون ومَلَئه بآياتنا فاستكبروا..} (يونس:75). {وقارون وفرعون وهامان، ولقد جاءهم موسى بالبيّنات فاستكبروا في الأرض} (العنكبوت:39). فرعون معروف، وهامان مستشار فرعون الخاص والشخصية الأولى في جهاز فرعون. طبعاً و"ملأ فرعون" هم علّية القوم في هذا الجهاز، والسائرون في ركاب فرعون، ومشاوروه ومساعدوه (راجع الآية 126 من سورة "الأعراف"). وقارون هو صاحب الثروات الطائلة والكنوز التي {مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة}. وباستعراض عشرات الآيات من كلام الله العزيز بشأن الاستكبار، نستطيع أن نفهم المستكبر على النحو التالي: الجناح المسيطر في المجتمع الجاهلي، الماسك ـ دون استحقاق ـ بزمام السلطة السياسية والاقتصادية. واستمراراً لاستثماره وتسلّطه الجائر، يمسك أيضاً بزمام الأفكار والمعتقدات المسيطرة على الأذهان، ويعمل بأساليب متنوعة على ملء الأذهان بأفكار تدفع الأفراد إلى الاستسلام له وإلى الانسجام مع الأوضاع القائمة. وهذا المستكبر يهبّ لمقارعة كل دعوة إلى التوعية، فما بالك إذا كانت الدعوة انقلابية تغييرية!! حفاظاً على مصالحه بل على وجوده. والآن نعود إلى موضوعنا الأساسي: كيف عرض الأنبياء عقيدة التوحيد؟ الجواب على هذا السؤال يوضح مواضع الحساسية التي تستثير المستكبر في هذه العقيدة، وسبب حساسيته من هذه المواضع، وسبب عدم قدرة المستكبر على تحمّل عقيدة التوحيد حين تطرح بهذه الكيفية. وجدير بالذكر أن الجواب على هذا السؤال يوضح لنا من جانب آخر أهمية التوحيد باعتباره القاعدة الأساس التي تقوم عليها الرسالة. نعلم أن شعار التوحيد هو أول نداء يرفعه النبي في المجتمع. النبي الخاتم رفع في مكة شعار: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا". والقرآن الكريم نقل عن أنبياء كرام مثل: نوح وهود وصالح وشعيب و... خطابهم لأممهم، وكان الخطاب يدور حول محور التوحيد. {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} (الأعراف:59). هذه الشعارات ـ كما ترى ـ تستند بالدرجة الأولى إلى رفض كل عبودية لغير الله. النبي بهذه الشعارات يهيب بالجهَلَة، الغافلين المنغمسين في أوحال النظام الجاهلي الطاغوتي، أن يكفّوا عن عبودية كل قطب وقدرة غير الله. وهذا يعني أن النبي يبدأ دعوته بـإعلان الحرب على كل الذين يجعلون من أنفسهم آلهة من دون الله. مَن هم أدعياء الألوهية في المجتمع؟ وما معنى إعلان الحرب على الآلهة المزيفة؟ وما هو الوضع الذي تريد دعوة الأنبياء أن توجده في المجتمع؟ عبارة "أدعياء الألوهية" توحي إلى الأذهان عادة أولئك الذين جعلوا من أنفسهم "إلهاً"، أي أولئك الذين ادّعَوا لأنفسهم تلك القدرة الخارقة التي كان البشر يؤمن بها على مر التاريخ بشكل من الأشكال. وهذا فهم سطحي للعبارة. كان هناك طبعاً في التاريخ مجرمون تافهون استغلّوا قدرتهم السياسية والاجتماعية، فأوحَوا إلى أفراد أتفه منهم أنهم آلهة، بالمعنى المتقدم، أو أنهم يحملون جانباً من روح الإله؛ ولكن لو ألقينا نظرة على المعنى الواسع لألفاظ "العبادة" و"الربوبية" و"الألوهية" في القرآن، لاستنتجنا أن إطار مفهوم "أدعياء الألوهية" أوسع من ذلك الفهم بكثير. استعمال مادة "العبادة" في القرآن الكريم يفيد أن العبادة تعني التسليم والطاعة المطلقة تجاه إنسان أو أي موجود آخر. حين نستسلم استسلاماً أعمى لشخص، ونتحرك وفقاً لرغباته وأهوائه وأوامره فقد عبدناه؛ وكل قوة تستطيع أن تخضعنا لها، وتسيطر على أجسامنا ونفوسنا، وتسخّر طاقاتنا وفقاً لرغباتها، فإنها تصيّرنا عبيداً لها سواء كانت هذه القوة داخل أنفسنا، أم في محيطنا الخارجي. ومن أمثلة هذه الاستعمالات القرآنية: موسى يخاطب فرعون في بداية دعوته معاتباً يقول: {وتلك نعمة تمـنّها عليّ أن عبّدت بني إسرائيل} (الشعراء:22). فرعون وبطانته يخاطب بعضهم بعضاً فيقولون: {أنؤمن لبشرَين مثلنا وقومهما لنا عابدون} (المؤمنون:49). إبراهيم يخاطب أباه قائلاً: {يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً} (مريم:44). رب العالمين يخاطب البشرية: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنـه لكـم عــدو مبين} (يس:60). الله تعالى يَعِدُ عباده الصالحين: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابـوا إلى الله لهـم البشـرى} (الزمر:17). وحول أولئك الذين يعيبون على المؤمنين إيمانهم يقول تعالى: {مَن لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القِرَدة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل} (المائدة:65). هذه الآيات عـبّرت عن الطاعة لفرعون ولبطانته وللطاغوت وللشيطان بكلمة "عبادة". ومن خلال دراسة جميع آيات القرآن في هذا المجال نخلص إلى أن العبادة في المفهوم القرآني هي: الاتباع والتسليم والطاعة المطلقة أمام قدرة واقعية أو وهمية، طوعاً ورغبة أو كرهاً وإلزاماً، مع الشعور بالتقديس والثناء المعنوي أو بدونه.. هذه القدرة هي "المعبود" وهذا المطيع هو "العبد" و"العابد". من خلال الإطار العام للمفاهيم المتقدمة يتضح معنى لفظة "الألوهية" ولفظة "الله" باعتبارهما تعبيراً آخر عن كلمة "المعبود": في النظام الجاهلي المنحرف المنقسم إلى طبقتين: مستكبرة ومستضعفة، أي المنقسم إلى طبقة مسيطرة ماسكة بزمام جميع الأمور، ومترفة طبعاً، وطبقة مهملة مسخّرة ومحرومة لزاماً، وأبرز مظاهر الألوهية والعبودية هي هذه العلاقة غير المتعادلة بين الطبقتين. من العبث أن نبحث وراء موجود مقدس بشري أو حيواني أو جامد، في دراسة آلهة المجتمعات الجاهلية على مر التاريخ. فأبرز مظهر للمعبود والإله في هـذه المجتمعـات، هـو تلـك الفئـة الـتي تمـارس ـ اعتماداً على ارتباطها بالطبقة المستكبرة ـ عملية إخضاع وارضاخ الجماهير المستضعفة، ودفعها على طريق إشباع نهمها وجشعها. الدين الواقعي في هذه المجتمعات هو "الشرك"، لأن الآلهة فيها متعددة بتعدد مراكز القوة المسيطرة التي تستثمر الناس على طريق أهوائها. الشرك هو تأليه أفراد إلى جانب الله أو بدلاً من الله. وبتعبير آخر وهو: إيكال أمور الحياة إلى غير الله. وهو الاستسلام أمام كل قدرة غير الله، والاتجاه نحو هذه القدرة لدى الحاجة، والسير على طريقها. التوحيد يقع في النقطة المقابلة للشرك تماماً: يرفض كل هذه الآلهة، ويرفض التسليم لها، ويقاوم سيطرتها، ويحصّن القلوب من الركون إليها، ويدفع إلى إزالتها وطردها، ويشد الكائن الإنساني بكل وجوده إلى الله. أول شعار رفعه رسل الله هو ذلك الرفض وهذا التسليم: {ولقد بعثنا في كل أمّـة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل:36). {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء:25). الأنبياء إذاً أعلنوا زوال النظام الجاهلي الفاسد المنحط بهذا الشعار. وبهذا الشعار أيضاً دَعَوا إلى كفاح مرير للطواغيت، أي لحماة هذا النظام وللمستهينين بالقيم الإنسانية الأصيلة ولأصحاب تلك القيم التافهة المساندة للظلم والظالمين. رفض الشرك هو في الواقع رفض لكل الكيانات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المقوِّمة للمجتمع الجاهلي، والمتخذة من مذهب الشرك غطاءاً وتبريراً لوضع المجتمع المهزوز. رفض الآلهة المزيفة، يعني طرد كل الذين دأبوا على استضعاف الجماهير، واستغلالها عن طريق القوة والتزوير، من أجل إشباع غرائزهم وأهوائهم الجامحة. موسى اتجه إلى حرب فرعون بهذا الشعار.. نعم لقد تردد على ألسن بطانة فرعون مسألة رفض موسى لآلهتهم التقليدية: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك} (الأعراف:127). غير أن فرعون ومَن لفّ لفّه كانوا يعلمون جيداً أن تلك "الآلهة"، أي الأصنام الجامدة ليست إلا غطاءاً وتبريراً لألوهية فرعون وأتباعه. الصنم الجامد كان في الحقيقة تبريراً لتأليه الأصنام الحية، لذا كان من المنطقي تماماً أن يقف فرعون من دعوة موسى، أي من الدعوة إلى الله الواحد الأحد بارئ السماوات والأرض، موقف المهدد بالسجن وبقتل مَن آمن به وتعذيبهم: {قال لئن اتخذتَ إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين} (الشعراء:29). {قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون} (الأعراف:126). {لأُقطّعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأُصلّبنّكم أجمعين} (الأعراف:123). كل هذا التعنت والتصلب أمام اسم "الله" ودعوة التوحيد، يعود إلى أن هذا النداء لا يعني إلا: الإيمان بحاكمية الله وحدها على الحياة... ورفض الآلهة المزيفة... والارتباط به وحده وتمزيق كل قيود العبودية الأخرى... وهذه هي روح التوحيد وأبعاده البنّاءة النابضة بالحياة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |