حدثت التحذيرات التالية: | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
|
أفكار في القمة . - نسخة قابلة للطباعة +- نادي الفكر العربي (http://www.nadyelfikr.com) +-- المنتدى: الســــــــاحات العامـــــــة (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=3) +--- المنتدى: فكـــر حــــر (http://www.nadyelfikr.com/forumdisplay.php?fid=57) +--- الموضوع: أفكار في القمة . (/showthread.php?tid=727) |
أفكار في القمة . - بهجت - 05-01-2009 Array احد الرذائل التفكير هو الانقياد للخوف والانقياد للخوف يولد الشر . هكذا تكلم بوذا ؟. وايضاً راسل يقول :ان الدين ولد من رحم الخوف , الخوف من الموت , الخوف من الحياة . رابط بسيط بين الفكرتين .. نجد انفسنا ضمن سياق نعيش في جوفة هنا في الشرق مبني على الخوف المزمن وتحصيل حاصل نعيش في شر مطلق من عنف وطائفية وارهاب واقتصاديات شبة ميتة وانقطاع معرفي مهول . محارب النور (f) [/quote] :97: جميل ان تشاركنا هذا الشريط بعد طول غياب . أتمنى أن تجد ما يحفزك للعودة إلى ساحة الفكر الحر محاربا للنور كعهدك . أفكار في القمة . - بهجت - 05-02-2009 مرحباً للجميع : ...................... إن قدرتنا على فهم التداخل والتقاطع والاشتراك والتوريث والتشكيل يؤدي بنا إلى فهم طبيعة الإطار الذي نتكلم عنه ولكن هذا لا يؤدي بنا بالضرورة إلى معرفة نتيجة حتمية يؤدي إليها هذا الإطار أو ذاك ... لأننا قد قلنا سابقاً أن الخاصة أو الصفة ممكن أن تكون غير ظاهرة .. وهذا بالتحديد يطرح تساؤل ضخم هو مدى معرفتنا الحقيقية بالإطار المستهدف ومدى إلمامنا به .... أكثر من ذلك الأطر المعرفية تتمتع بمنبع ومصب واحد وهو الوعي الإنساني وقضية تناقض الأطر أمر مفروغ منه رغم احتوائها لبعضها مع اختلاف عملها . وهذا يؤدي بنا إلى ملاحظة أن التناقض ليس بالضرورة نتيجته ايجابية لإطار دون الآخر فممكن أن تكون نتيجة التناقض بين إطارين أو أكثر إيجابية لكل الأطر أو سلبية لكل الأطر أو متفاوتة التقييم بين الايجابية والسلبية فمن الوارد جداً أن يكون تناقض إطار أب مع إطار آخر سلبي لهذا الإطار ولكنه إيجابي لإطار مضمن ضمن الإطار الأب والعكس بالعكس ... ولهذا السبب نجد أن كثير من الأطر تتغير بالتشكيل والأهداف المرجوة منها ولكنها لا تفنى ... وقلما نجد أن إطار معرفي قد تعرض للفناء إذا لم يتعرض الوعي الحامل للفناء أو الاندثار فطالما أن الحامل (الوعي) موجود ومتبني لهذا الإطار طالما الإطار موجوداً مهما تناقض مع المحيط . ولا بد من التنويه إن تفاعل الأطر بين بعضها داخلي (في نفس الإطار) وخارجي (لنفس الإطار أو غيره) أمر وارد وينتج عنه إما أطر جديدة أو احتواء إطار لآخر أو احتواء مزدوج أو تغير في طبيعة الأطر دون التداخل أو تفاعل خارجي دون تغيير داخلي أو تداخل .... ........................... الزميل المحترم هولي مان .:97: أشكر لك مساهمتك القيمة حول نظرية الإطار أو الأطر كما تفضل تسميتها ، مؤكدا أن التحاور حول هذه القضايا الفكرية و الثقافية ستتيح لنا جميعا رؤى جديدة لصراعاتنا السياسة و مشاكلنا الثقافية، و التي تكون غالبا عوارضا لتخلف ثقافي و معرفي ،و ليست دليلآ على صحة أو تشوفآ لمصالح قومية كما يزعم السياسيون ، و في البداية ورغم بعض الإختلاف في اللغة الحاملة فإن مضمون مداخلتك لا يتعارض مع ما طرحته ، بل يدعم الإطار العام لما طرحته . 1- لا أختلف معك حول حديثك عن توالد الأطر أو حتى تداخلها ،و لا عن تفاعلها أحيانا ، فقط هذا يحدث في نوع من الأطر المتوالدة أو المتآخية ، وهي في طبيعتها أشباه أطر و ليست أطر قياسية ، و لكن يبقى هناك حالات لأطر منفصلة معرفيا تماما ، وهذه يمكن تعريفها بكونها الأطر المنعزلة ، هذا الإنفصال يحدث إما لأسباب النشأة التاريخية أو لحدوث تغيرات كمية تصل إلى حد الطفرة النوعية ، كما وضح كوهين في نظريته حول بنية الثورات العلمية ، ،وهنا تحدث قطيعة معرفية كاملة . 2- أحب أن أقول أن التواجد داخل إطار واحد لا يعني التطابق ، بل فقط يعني توافر حد أدنى ضروري من التفاهم حول المفاهيم و الأسس التي يمكن أن يقوم عليها النقاش ، وعودة إلى الإطار الإسلامي ، فهو كما نعلم غني بالخلافات و التناقضات التي وصلت إلى مستوى التقاتل ، و لكنه يبقى بالأساس نفس الإطار ، فمرجعية الكتاب و السنة يقرها الجميع كأساس أو محور تدور حوله القيم و الأفكار ، وهذه الخاصية تفسر لنا كيف أمكن للفقهاء المسلمين التحاور بنفس السهولة خلال إمبراطورية شاسعة و لمدة 900 عام حول نفس الموضوعات ، مع تعدد الشعوب و خلفياتهم الثقافية ، كل ذلك بسبب وحدة الإطار المعرفي و مرجعيته ، و هكذا نجد أن القدرة على التحاور -و ليس الإتفاق- هي أساس الإطار ، و لكن هذا الإطار يختلف بالكلية عن إطار آخر يكون محوره وحدة الكون كما هو الحال في الثقافة الهندية ، أو الإطار العقلاني الهيوماني الغربي أو الإطار العلمي الذي محوره النقد المنهجي و هكذا ، كل تلك الأطر واسعة إلى القدر الذي تستوعب فيه الاختلافات في كل شيء آخر . خالص التقدير . أفكار في القمة . - بهجت - 05-05-2009 كي لا تعيش وحيدا . ......................................................... :" نحن نمر في الحياة تأدية لواجب الوجود ، فلا ينبغي أن نجعل وجودنا شديد التعقيد ،بالخروج عن اتجاهاتنا الإنسانية التي تفضي إلى السعادة ، وهي في متناول أيدي البشر إذا شاءوا !.....وهي في داخلهم لو تجردوا من الأنانية و الحرص و الظلم ، و اتجهوا إلى التعاطف و التعاون و الخير و الرحمة ." هكذا كتب في مذكراته الروائي المصري محمد فريد أبو حديد .و لكن هناك روائي أكثر شهرة يفعل ما هو أفضل . اصطحبت مرة صديقا ( تقدميا ) إلى ندوة الروائي الكبير نجيب محفوظ في كازينو قصر النيل ، و بعد دقائق فوجئت بهذا الصديق ينطلق في حديث زاعق عن إنجازاته الأدبية ،و أنه لم يلق التقدير الكافي و لهذا قرر حرمان هذا الشعب الجاحد من عبقريته و أنه بالفعل في سبيله لقبول عقدا بالسعودية ، ثم انطلق في حديث ممل عن قصة حبه الميتافيزيزي ( هكذا نطقها ) براقصة و لكنهما سيفترقان لأن المجتمع المنافق لا يعترف بحبهما !.بالطبع كانت قصة ملفقة و ساذجة مستوحاة من أفلام حسن الإمام . و عندما حاولت تنبيهه بالضغط على قدميه ، ثار و أعلن بحماس أنه سيقول كلمة الحق ( ولو على رقبته ) بينما كان يوجه نظراته النارية إلى محفوظ ، هل تعتقد أن نجيب محفوظ طلب من السعاة إلقاء هذا الدخيل إلى الشارع أو لطمه على قفاه ؟.أبدا بل ظل مستمعا له إلى النهاية راجيا منه ألا يتسرع في الرحيل ،و مواسيا له غرامه الضائع !. بينما كنا في طريق العودة أخبرني صديقي (التقدمي) ، أن نجيب محفوظ :" متحدث بارع و أنه أصبح معجبا به رغم برجوازيته ( محفوظ ) !" . هل تعرف الآن سر نجيب محفوظ ، إن بلاغته تكمن في أذنيه ، فهو أفضل مستمع رأيته ، إنه يعطي محدثه كل اهتمامه كما لو كان يستمع إلى اسحاق نيوتن أو ايمانويل كانط ، هل تعتقد أن محفوظ يبحث عن مادة روائية ، أبدا فهو يستمع عادة إلى أحاديث شائعة مبتذلة بلا معنى ،وفي أكثر من مرة حاولت أن أتابعه عن قرب لأتبين ضجره أو تأففه و لكن بلا جدوى ، فهو فعلا يهتم بالآخرين و لا يتصنع ذلك . لماذا لا نتعلم من نجيب محفوظ اهتمامه الحقيقي بالآخرين ، و نحاكيه في بلاغة الاستماع ؟!.لو فعلت لذلك فلن أضمن لك جائزة نوبل في الأدب ،و لكن سأضمن لك ثناء الآخرين و حبهم ، إن من يفعل ذلك لن يكون أبدا وحيدا . لم تحصل أمي على جائزة نوبل و لكنها نجحت بالكاد في الحصول على الشهادة الابتدائية القديمة ، ثم تفرغت لإدارة أرضها الزراعية بنفسها مثل فلاح حقيقي . هي أيضا تمكنت من بلاغة الاستماع بموهبة فطرية ، فلم أشاهدها قط متبرمة بحديث الآخر الذي كان غالبا مجرد فلاح بسيط يعمل في أرضها ، أو امرأة ريفية منكوبة في ولدها أو أخرى هجرها زوجها إلى فتاة صغيرة . أيضا كان اهتمامها حقيقيا بعالمها الصغير ، فكم ليلة ثلجية صحبتها فيها إلى العزب المجاورة لقريتنا كي تسأل عن مزارع مسكين أقعده المرض ، أو لتهنئ فتاة فقيرة بوليدها ، و كم مرة رأيتها تبكي بحرقة من أجل الآخرين ، الذين ربما لا يعنون شيئا لمثلها . هل ترى صارت أمي عضو في مجلس الشعب أو صنعت ثروة طائلة ، أبدا فهي لم تكن خبيرة بالعلاقات عامة و استثمارها ، بل كانت تستجيب لفطرتها السليمة . الشيء الوحيد الذي حصلت عليه هو محبة الآخرين وتقديسنا لذكراها ، بينما عانيت أنا من تلك المحبة عندما أصبح نصف مواليد القرية يحملون اسمي النادر الذي كنت فخورا به ، ثم أصبح شديد الشيوع !. هل تريد أن يتذكرك الناس طويلا في قريتك ( ضيعتك ) ،أو في مدينتك الصغيرة حتى بعد أن تتركها بسنوات ، هل تريد أن يفخر بك أبناؤك و إخوانك و أقاربك ؟.حسنا ليس من الضروري أن تكون من أصحاب الأراضي أو أن تمتلك قلبا استثنائيا ، فقط أن تحب الناس و تهتم بهم و تستمع إليهم و تتذكر أسمائهم ؟. إنك لن تكتسب محبة الناس فحسب بل سعادتك أيضا بمحبتهم . و لكن ماذا لو كنت أكثر طموحا و تسعى لعضوية المجلس النيابي و الحصانة المربحة ؟!. حسنا عليك أولا التوقف عن الاهتمام بالثقافة و الفكر، ثم توجه إلى أقرب مقر للحزب الحاكم و تتدرب على النفاق و الفساد . و لكن ماذا لو كنت مصرا على عضوية المجلس دون أن تلقي بكتبك إلى الشارع ؟. إذا لابد من تعرف سر أحمد طه العضو المخضرم في المجلس النيابي رغم أنف حكام مصر كلهم ، حتى أن وزير الداخلية (الساداتي) النبوي دس له الحشيش في بيته لإرهابه دون جدوى !. هناك درس يعلمه كل من يبحث عن مقعد نيابي عن دائرة الساحل بالقاهرة ، وهو ألا ينافس أحمد طه. هل تعتقد أن أحمد طه من عائلة أباظه العريقة ، أو مليونيرا مثل عثمان أحمد عثمان ، أو داهية يتاجر بالدين الإسلامي ، أبدا فالناخبون هم الذين يدفعون له التأمين ،و ينفقون على دعايته الانتخابية البسيطة ، وهو عامل متواضع الثقافة و ماركسي قديم و لا يخفي ذلك . فما هو سر أحمد طه ؟. لا أعرف رجلا يحب الناس كما هم ( بعبلهم ) مثل احمد طه ، فهو الذي يقضي ليله في قسم الشرطة لإخراج عامل من التخشيبة ،وهو الذي يحمل عابرا مجهولا سقط في الشارع إلى مستشفى الطوارئ ، وهو الذي يعنف الإدارة الصحية إذا أهملت في علاج طفل يتيم ،و عندما يأتي أقارب المريض فلن يجدوا سوى احمد طه بجواره يمازحه ، أما إذا كنت من سكان شمال القاهرة فحذار أن تطرد زوجتك من البيت لأنه سيعيدها إلى بيتها معززة ،و سيكون عليك أن تقدم لها ترضية مناسبة !. هل تعتقد أن سعد زغلول أو جمال عبد الناصر يمكنهما منافسة احمد طه في الساحل ؟. لن أراهن عليهما !. حسنا مثل هذا الحب و الاهتمام بالناس لا يمكن اصطناعه ، هو أصيل نابع من نفس محبة للآخرين ،و قادرة على العطاء بلا مقابل ، يمكنك أيضا أن تطلق المحبة الكامنة في قلبك لتغمر الآخرين ، وربما أيضا للحصول على مقعد نيابي ،و لكن لو لم تنجح ، فستسعد أنك تحب الناس و يحبونك. هل تريد أن تعرف من هو أكبر مكتسب للأصدقاء في هذا العالم ، إنك تصادفه دائما في الشارع ، فما أن تربت على ظهره حتى يحرك ذيله سرورا ،و يكاد يقفز من السعادة ترحيبا بك ، نعم إنه الكلب ، إنه يهتم بك لذاتك بلا مقصد فهو لا يسعى لتزويجك ابنته أو يبيعك تايم شير !. كان جارا لنا في القرية يمتلك كلبا ضخما للحراسة ( لكي ) ، و سرعان ما ألفني هذا الكائن المخيف ، و لسبب ما استأثرني بمحبته ، فهو يسير خلفي في نزهتي اليومية الطويلة على شاطئ النيل ، و عندما أعود من القاهرة للزيارة أجده دائما منتظرا في موقف السيارات مرحبا بي ، ثم يحتضنني بمودة صافية ، بينما عيناه تبرقان بالسعادة !. مرت سنوات لم أتمكن من زيارة قريتنا ،و لكني كلما اتصلت بأصدقائي في القرية أسأل عن ( لكي ) ، حتى علمت بموته نتيجة حادث سيارة ، فلم أتمالك نفسي من النحيب ، ولا أتذكر قريتنا و ترعتها الجميلة ،دون أن يمر بخيالي صديقي القديم ( لكي )، فيعتصر الحزن فلبي !. هل تعلم لم ؟. لأنه أحبني و اهتم بي بلا سبب سوى فطرته المحبة .إن هذا ( الكلب ) لم يقرأ كتابا في علم النفس ،ولم يستمع لمواعظ دينية ،و لكنه عرف بواسطة غريزة إلهية ركبت فيه أن المرء يكسب من الاهتمام بالآخرين أضعاف ما يكسبه من دفع الآخرين للاهتمام به !. هل نظرت إلى صورة تذكارية لحفلة تخرجك من الجامعة ؟.من هو أول من يسترعى انتباهك ؟. لا تفكر كثيرا ، هو أنت لا سواك . نعم جميعا لا ننظر سوى لأنفسنا فلماذا نتوقع أن ينظر إلينا الآخرون ،دون أن ننظر إليهم أولا ؟. أثناء تواجدي في الخليج سمعت مثلا أنه لن يستجيب سوى من ينادى !.وهو مثل حكيم ، فنحن نتوقع أن يجيبنا الآخرون دون أن نعبأ حتى بالنداء عليهم !. ربما لا أكون خبيرا بالعلاقات البشرية مثل دايل كارينجي فأؤلف الكتب و أحصل على الملايين ، و لكني أعلم أنك تخطأ لو أغفلت إنسانا يمر بك و لم تعطه اهتماما . قرأت ملخصا لكتاب (الفريد أدلر ) عالم النفس النمساوي الشهير ، أسماه ( ما ينبغي أن تعنيه لك الحياة ) ،و فيه يقول :" إن الشخص الذي لا يهتم بالآخرين ،هو أحق شخص بمعاناة شدائد الحياة ، و فيه تتجلى الخيبة الإنسانية في أشد صورها ".و قديما قال أحد شعراء الرومان :" إننا لا نهتم بالناس حتى يهتموا بنا ". وكلاهما محق فمن يحفل بمن لا يهتم سوى بنفسه ؟. RE: أفكار في القمة . - بهجت - 09-06-2009 العالم كما يراه ألبيرت أينشتين . هذا المقال منقول من الحوار المتمدين . ..................................................... رؤية رائعة للكون .. يراها واحد من أكبر العبقريات في تاريخ البشر . ............................................. العالم كما أراه ألبيرت آينشتاين ترجمة : عدنان عاكف غريب هو حالنا على هذه الأرض. يأتي كل واحد منا في رحلة قصيرة، دون أن يعلم لماذا ولأي هدف، مع انه يتصور أحيانا انه يحدس بشيء ما. غير انه، ومن وجهة نظر الحياة اليومية ، نعرف ان الإنسان موجود من أجل غيره من الناس، وخاصة من أجل أولئك الذين تتوقف سعادتنا كليا على ابتسامتهم وأمانيهم، وكذلك من أجل الكثيرين الآخرين، أناس مجهولون لا نعرفهم، أناس نرتبط بمصيرهم بوشائج من المودة والتعاطف. في كل يوم أذَكر نفسي مئة مرة، كم ان حياتي الداخلية والخارجية مرتبطة بكد الآخرين، الأموات منهم والأحياء، والى أي حد علي أن أبذل جهدي من أجل أن أعطي بمقدار ما أخذت، وها انا ما زلت أخذ حتى الآن. أميل بقوة دائما الى الحياة البسيطة ، وغالبا ما أشعر بالذنب لكوني أستحوذ على قدر أكثر مما ينبغي من جهد رفاقي الآخرين. أرى ان التمايز الطبقي منافي للعدل، وهو في نهاية الأمر قائم على القوة. ان الحياة البسيطة والمتواضعة أفضل لكل إنسان، من الناحيتين الجسدية والروحية. لا أعتقد ان الإنسان يتمتع بالحرية، بمعناها الفلسفي؛ إذ اننا لا نتصرف تحت ضغط العامل الخارجي فحسب، بل ووفق ما تتطلبه الضرورة الداخلية أيضا. لقد ظلت مقولة شوبنهاور : " بوسع الإنسان أن يفعل ما يشاء، ولكن ليس بوسعه ان يريد كل ما يشاء" تشكل إلهاما لي في شبابي، وكانت عزائي باستمرار، ومنبع لا ينضب للصبر لمواجهة متاعب الحياة. وهذه القناعة تولد التسامح، وتخفف عنا جزء من المسؤولية التي نشعر بها تجاه الآخرين، إذ انها لا تسمح لنا بأن نأخذ أنفسنا أو غيرنا على محمل الجد، أكثر مما ينبغي؛ انها، بالأحرى، تساعد على بلورة نظرة الى الحياة، يكون فيها للفكاهة موقع. يبدو لي، من وجهة النظر الموضوعية، ان تفكيرالإنسان باستمرار بعلة وجوده ، وبمعنى الحياة، بشكل عام، هو ضرب من الحماقة ( العبث ) المحضة. ومع ذلك لكل إنسان مُثلُ ومبادئ معينة يسترشد بها في نشاطه وأحكامه. ووفق هذا المعنى، فانا لم أتطلع الى الطمأنينة والسعادة كهدف بحد ذاته. ان المنظومة الأخلاقية التي تقوم على مثل هذه الأسس قد تليق بقطعان الخنازير، لا بتطلعات البشر. أما المُثلْ التي أنارت لي الطريق، المُثلْ التي كانت تمنحني الشجاعة لمواجهة الحياة وأنا مبتهجا هي الخير والجمال والحقيقة. لولا الشعور بالألفة مع أناس يشابهوني ذهنيا، في السعي لبلوغ ما لا سبيل الى بلوغه أبدا، في مجال الفن والبحث العلمي لبدت حياتي خاوية. الثروة، النجاح المبهر، رغد العيش والشهرة - هذه بنظري هي الغايات المبتذلة التي لطالما تنتصب أمام الطموح الإنساني، وقد كانت على الدوام موضع ازدرائي. لقد ضل إحساسي الشغوف بالعدالة الاجتماعية والمسؤولية الاجتماعية على تباين غريب مع انعدام الرغبة للاختلاط المباشر مع الآخرين ومع المجتمع. أنا حصان مجبل على العمل المنفرد، ولا أصلح للعمل المترادف أو الجماعي. أنا في حقيقة الأمر مسافر وحيد، لم أشعر قط باني أنتمي من كل قلبي الى دولة أو بلد، أو لحلقة أصدقاء، أو حتى لأسرتي نفسها. كنت دائما أشعر تجاه مثل هذه الروابط بإحساس غريب وبالرغبة بالانطواء والانكفاء على الذات؛ وكان هذا الشعور ينمو في داخلي على مر السنين. أحس بمرارة مثل هذه العزلة، لكني لست نادما على انقطاعي عن التفاهم والتعاطف مع الآخرين. مما لا ريب فيه ان هذا يؤدي الى فقدان شيء من التعاطف معي، لكني في المقابل أستطيع تعويضه باستقلاليتي التامة عن أعراف الآخرين وأحكامهم وآرائهم المجحفة،وأكون بمنأى عن أن أحدد مواقفي على مثل هذه الأسس الواهية. مثلي السياسي هو الديمقراطية. ليُحترم كل امرئ كفرد، لكن بدون تأليه أحد. وانه لمن سخرية القدر أن أنال هذا القدر من الإعجاب والتقدير اللذين لست جديرا بهما. فلعل هذا نابع من رغبة الكثيرين، التي لم تتحقق، في فهم حفنة الأفكار التي قدمتها بقدراتي الواهنة عبر محاولاتي المتواصلة. أدرك جيدا بان أي مجموعة من الناس تسعى الى تحقيق هدفها لا بد من أن تختار شخصا ما، ليأخذ على عاتقه مهمة التفكير والقيادة وتحمل معظم المسؤولية. لكن القيادة لا ينبغي ان تكون بالإكراه، بل لا بد أن يسمح للمقودين باختيار قائدهم. وأرى ان النظام الاوتقراطي الاستبدادي قابل للتفسخ بسرعة، إذ ان العنف دائما يجذب الدونيين، وأنا أؤمن بالقاعدة الثابتة : الطغاة المرموقون يخلفهم الأرذال. لهذا السبب عارضت دائما وبشدة أنظمة كتلك التي نجدها اليوم في إيطاليا وروسيا. أن ما أساء الى أشكال الديمقراطية في أوربا هو ليس فكرة الديمقراطية ذاتها، بل الخلل في قياداتنا السياسية والافتقار الى الاستقرار في قيادات الدولة، وكذلك الطابع اللاشخصي للنظام الانتخابي. وفي هذا الإطار أعتقد ان الذين يعيشون في الولايات المتحدة قد اختاروا الطريق الصحيح. الرئيس ينتخب لقترة محددة من الزمن، ويمنح من الصلاحيات ما تخوله لتأدية مهامه بالمستوى المطلوب. من الناحية الأخرى أني أحبذ في النمط السياسي الألماني رعاية الدولة الأوسع للفرد في حالة المرض أو عندما يكون عاطلا عن العمل، وعند الضرورة. أعتقد ان ما له قيمة حقيقية في مسيرة الحياة ليس الدولة بل الفرد، الشخصية الخلاقة والقابلة للتأثر، الشخصية التي تبدع كل ما هو سام ونبيل، في حين ان عموم القطيع يبقى بليد الفكر وكليل الشعور.. يقودني هذا الموضوع الى السمة الأبرز والأسوأ لذاك القطيع – الجيش البغيض. أن الإنسان الذي يجد متعته في الاصطفاف في الطابور والمشي على إيقاع الموسيقى العسكرية حري بالازدراء والاحتقار؛ يبدو انه حصل على هبة العقل بطريق الخطأ ، فكل ما يحتاج اليه هو العمود الفقري. هذا العنف الأحمق وهذه البطولة الزائفة والهراء اللعين باسم الوطنية – ما أشد احتقاري لكل هذا. الحرب ! كم هي منحطة وسافلة. خير لي أن أقطع إربا على ان أشارك في هذه الأعمال المقيتة. مثل هذه الوصمة ينبغي ان تمحى بدون تردد من جبين الإنسانية... أروع ما يمكن للمرء ان يجربه هو اللغز الغامض.انه الإحساس الأساسي الذي ينبع منه كل علم وفن حقيقيين. من لم يجرب هذا الإحساس، من لم يعد قادر على التعجب والوقوف مشدوها، حري بأن يموت: انه كمن يقف وعيناه مغمضتان. ان تجربة الإحساس بالإبهام والغموض، حتى وان امتزج بالخوف، هو منبع الدين.ان الكشف عن كينونة الأشياء، التي يستعصي علينا سبرها، هي من تجليات الفكر الأعمق والجمال الأروع، والتي لا يمكن لقدراتنا العقلية ان تدركها إلا في أكثر صورها بدائية. وهذه المعرفة، هذا الشعور هو التدين الحقيقي. بهذا المعنى، وبهذا المعنى فقط ، أعتبر نفسي متدينا بحق...فأنا لا أستطيع ان أتخيل الرب الذي يكافئ ويعاقب مخلوقاته. حسبي أن أتأمل في سر خلود الحياة، ، أتأمل في البنيان البديع لهذا الكون، الذي لا نستطيع إدراكه إلا إدراكا مبهما... RE: أفكار في القمة . - special - 09-06-2009 اقتباس:العالم كما أراه لطالما ابتسم لهذه الشخصيّة العبقرية وأقدّرها .. كان فنانا .. ومتذوقا من الطراز الرفيع للجمال .. عازفا للكمان في صغره ومكتشفا لقوانين الفيزياء في كبره أبى القبول بأن قوانين الكون ليست إلا شبيهة بعشوائية النرد .. لأنه رأى جمالا وأناقة في الكون .. أراد أن يقرأ أفكار الله الحذق .. لم يرد أن يتوقف عن تشكيل المعادلات حتّى وهو يموت .. آمن بأن لكل مسألة جواب .. وآمن بقدرة الإنسان على الوصول بعقله إلى كل أسرار الكون .. لآينشتاين ولك يا بهجت RE: أفكار في القمة . - بهجت - 09-08-2009 (09-06-2009, 07:57 PM)special كتب:الأخ سبيشيال .اقتباس:العالم كما أراه أشكر الآلهة أن هناك من يزال يحتفي بأمثال أينشتين . دمر أينشتين مطلقين من مطلقات العقل البشري هما السكون المطلق الذي عبر عنه بالأثير و الزمن المطلق الذي تقيسه الساعات ، وهكذا تسائل الإنسان هل كل شيء نسبي ،و أنه لا توجد قيم أخلاقية مطلقة ، ؟، مثل هذه الأسئلة المزلزلة غيرت عقل العالم و مصير البشرية ، من النتائج الهامة جدا لنظرية النسبية هي أن الكتلة و الطاقة متكافئان ، و هذا يعني أنهما صورتان لشيء واحد ، و أنه يمكن تحويل كتلة صغيرة من المادة إلى طاقة هائلة ، ولا ننسى أن نظرية أينشتين في النسبية العامة أدت إلى تحويل المكان و الزمان من خلفية سلبية تقع فيها الأحداث إلى مساهمين نشطين في ديناميكا الكون . لم يتوقف أينشتين عن أبحاثه على نظرية الكم أبدا ، و لكنه انزعج كثيرا من صورة أو نموذج جديد للمادة تشكل على يد علماء من أصحاب الفكر المغاير مثل وينر هايزنبرج و بول ديراك و إروين شرودنجر ، و هؤلاء قادوا العلم إلى ما يعرف بميكانيكا الكم ، روع أينشتين من هذا العنصر العشوائي في القوانين الأساسية ، و لم يتقبل هذه الميكانيكا بشكل كامل ، و قال عبارته الشهيرة أن ( الله لا يلعب النرد ) ، رغم غضب أينشتين وهو يرى أن هناك نظرية جديدة لها قدرة تفسيرية تتجاوز نظريته عن النسبية العامة ، إلا أن هذه القوانين المخالفة هي أساس التطورات الحديثة في الكيمياء و البيولوجيا و الإليكترونيات . لقد تغير العالم كلية خلال ال100 عام الأخيرة ، و يمكن أن أقول بلا أدنى مبالغة أنه لن يمكن استعادة العالم القديم ثانية ، بل و لا يمكن حتى تصوره سوى خلال ما نقرأه في كتابات الإسلاميين ، وهذه معجزة تامة في الإخلاص للتخلف لا يمكن تصديقها ، هذا العالم الجديد لم يكن ثمرة لثورات سياسية ولا مبادئ إقتصادية جديدة ، و لكنه كان نتيجة للتطورات التكنولوجية الهائلة ، وهي التي أصبحت ممكنة فقط بسبب التقدم الذي حدت في العلوم الأساسية ، هذا التقدم لن نجد من يرمز إليه مثل ألبيرت أينشتين ، ذلك الرجل الإستثنائي الذي قال يوما " تعمل السياسة من أجل اللحظة الراهنة ، أما المعادلات فهي للخلود " . خلال حياتي كلها التي تنازعتها العلوم من جانب و الثقافة ( الغربية ) من جانب آخر ، أستطيع أن أقول بضمير مرتاح أن مقال واحد في العلوم الأساسية كالفيزياء النووية أو نظرية الكم ، يمكن أن يكون له أثر تحديثي يفوق كتاب بأكمله في الفلسفة أو السياسة . RE: أفكار في القمة . - بهجت - 09-09-2009 الهوية العصرية . نشأت مشكلات المسلمين الحالية نتيجة لتصنيف الناس على أساس هوية دينية إنفرادية ، و غياب نموذج بديل يرسخ فكرة الهويات المتعددة المتداخلة للجنس البشري ، لذلك فأسوأ ما نفعله هو أن نقبل فكرة أن العالم مجرد فيدرالية للأديان و الطوائف ، لأن الهويات الدينية الإختزالية ، ستؤدي إلى تهميش المجتمع المدني ، و تقزيم المواطنين و تعبئتهم داخل صناديق طائفية منعزلة ،كذلك تؤدي إلى شيوع العنف و التصادم . ملخص . خلال 4 أشرطة متتالية هي ( سجن الهوية ، قبيل الطوفان ، بحار الكراهية ،و العقل الأسير ) - حاولت طرح مفهوما للهوية العصرية ، وهي هوية أراها بالضرورية تعددية ، يحتل الإسلام فيها موقعا هاما ،و لكنه لا ينفرد وحده بالمكان ، هذا المفهوم أراه حيويا كي تتجاوز المجتمعات العربية أزمتها مع الحداثة ، في تلك الأشرطة تعمدت تجزئة الموضوع حتى لا يضيع دون أن يلقى ما يقابل الجهد الذي بذل فيه من جانب ، وهو جهد لو تعلمون عظيم ، ومن جانب آخر كي أتمكن في كل شريط من تناول وجها بذاته من أوجه تطبيق الفكرة المطروحة ، أعتقد أيضا أن الفكرة المحورية هنا ليست شائعة ، على الأقل في الأدبيات المنشأة بواسطة مفكرين عرب ، هذه الفكرة تقدم من وجهة نظري بديلا لمقترب الإصلاح الديني الإسلامي ، وهو الإصلاح الذي يطرحه الغرب تحت مسمى إعادة تعريف الإسلام ، هذا الإصلاح لا أعتقد أنه سيكون ممكنا عمليا قبل سنوات قد تمتد بلا نهاية ، أيضا حاولت الإبتعاد عن أدبيات العلمانية و متلازماتها ذات الجذور الغربية ، مؤكدا أني لا أقدم هنا نظرية ما ، بل مجرد مقترب جديد نوعا لمشكلة قائمة منذ زمن طويل بلا حل ، أيضا لا أقدم حلولا عملية ، فتلك الحلول ستكون نظرية تماما و هزلية ، قبل أن يكون هناك قبولآ للإطار الذي تطرح خلاله ، هذا الموضوع أيضا ليس منتجا نهائيا ،و لكنه مشروع في طور التكوين و التلوين و التأصيل . من تابع هذه الأشرطة و شعر بنوع من التكرار و الإلحاح على الفكرة الرئيسية سيكون مصيبا ، إني أشعر بالفعل أن الأفكار الأساسية تتوه دائما في بحر من التفاصيل قليلة الأهمية ، ليس في هذا الموضوع تحديدا ،و لكن في كل موضوع يتم طرحه ، و لهذا شعرت بأنه من المفضل أن أعرض موجزا لما طرحته حول موضوع الهوية ، مبلورا عناصره الأساسية آملآ أن يلقى عناية الزملاء . التعددية و الهوية الأحادية . 1. إن المشكلة التي تواجه العالم اليوم ، ليست صراع الهويات و الحضارات أو تحاورها ، و لكن المشكلة في جوهرها نشأت نتيجة حتمية لتصنيف الناس على أساس هوية ثقافية إنفرادية دينية المحتوى ، و غياب نموذج بديل يرسخ فكرة الهويات المتعددة المتداخلة للجنس البشري . 2. لذلك فأسوأ ما نفعله هو أن نقبل فكرة أن العالم مجرد فيدرالية للأديان و الطوائف ، فذلك يتعارض مع تفعيل هويات أخرى يتمايز بها الناس ، مثل الهويات المتعلقة بالمهنة و الطبقة و اللغة و الجنس و الأخلاق و القوميات و العلوم و السياسات و ....، إن هذه التقسيمات المتداخلة و المتشابكة للجنس البشري تجعله أقدر على الفهم و التعايش ، أما الهويات الإختزالية و الإقصائية القائمة على أساس العقيدة الدينية ، ستؤدي إلى مزيد من ترسيخ الهوية الدينية الإقصائية ، و تهميش المجتمع المدني ، و تقزيم المواطنين و تعبئتهم داخل صناديق طائفية منعزلة ،كذلك تؤدي إلى شيوع العنف و التصادم . 3. حتى في حالة نجاح عمليات الإصلاح الديني ، فأقصى ما يمكن تحقيقه مع شيوع الهويات الدينية الشمولية ، هو هدنة تقصر أو تطول مع الآخر المنتسب بالضرورة إلى هوية مخالفة ولا سبيل للإلتقاء الحقيقي معه ، أما السبيل الفعال لتجاوز تلك التقسيمات المصمتة كما نراه هو ترسيخ المجتمع المدني و تحفيز تعدد الهويات و تداخلها . الهوية و الكراهية . 4. إن العنف الطائفي في كل مكان الآن ، كما أن وهم الهوية المنفردة يزرع بمهارة فائقة على يد قادة متمرسين على التحريض الطائفي ، و هذا النجاح يرتبط بضرورة ربط تلك الهوية الإنفرادية بهدف قتالي عنيف ، وقوة تلك الهوية ترتبط تصاعديا بمقدار درجة الكراهية و العنف المطلوبين . 5. إن تعزيز الكراهية و العنف هو فن قتالي يعتمد على توظيف الغرائز الأساسية للإنسان ، فالهوية التي يجري تأكيدها و ترسيخها ليست هوية مفتعلة ،و لكنها بالفعل هوية أصيلة للإنسان المستهدف ، 6. لتحويل الإدراك للذات إلى أداة للكراهية ثم للقتل ، يتم المرور بمرحلتين ، الأولى طمس كل الإنتماءات و الإرتباطات الأخرى ، أما الخطوة الثانية فهي إعادة تحديد مطالب الهوية - التي تفردت الآن - في قالب قتالي ، هنا تحديدا تبدأ الكراهية في النشاط و تثمر أهدافها الدموية المتوخاة من البداية . الهوية و الإرهاب . 7. ينظر صناع السياسات الغربية إلى المسلمين وفقا لتصنيفات الهوية الدينية ، و يرون أن مقاومة الإرهاب ( الإسلامي ) يكمن في إعادة تعريف الإسلام ، بشكل أشبه بحركة الإصلاح الديني المسيحية ، و من أجل تحقيق هذا الإصلاح ، هناك محاولات محمومة لجذب المؤسسات الدينية الإسلامية إلى مواقف متوافقة مع الأمن و السلام العالميين . 8. محاولة تجنيد رجال الدين لدعم قضايا سياسية ، هي سياسة خاطئة خاصة فيما يتعلق بالإسلام السني السائد وهذا يعود لسببين ، فالإسلام السني يتميز بعدم المركزية و خلوة من سلطة دينية عليا تتخذ القرارات الدينية الرئيسية الملزمة لعموم المؤمنين ، ثانيا خطورة تكثيف السلطة بيد رجال الدين من أجل القيام بدورهم المأمول ، فهذه السلطة يتم توظيفها لاحقا لدعم الأحزاب و الجماعات و المؤسسات الدينية . 9. تعريف (المسلم الحقيقي) بموقفه من قضية الإرهاب ، هو نوع من التسطيح الشديد لقضية الدين ، و أن موقف المسلم من التسامح و التعصب هي مواقف لا يمليها الإسلام كدين بل الهويات السياسية و الخلفيات التاريخية للمسلمين ، و التاريخ الإسلامي ليس بالقطع تاريخ الإسلام بل هو تاريخ المسلمين كبشر و شعوب . 10. مواجهة الإرهاب تمر بمقتربات عديدة ، أهمها التوقف عن التقسيم الديني للشعوب ، و علينا أن نقر أن إعلاء قيمة الحرية و التسامح كما نفهمه في الحضارة المعاصرة ، لم يكن جزءا من ماضي أي بلد أو حضارة في العالم ، و علينا أن نبحث عن حلول سياسية لمشاكل سياسية كما كنا نفعل لعشرات السنين . 11. حتى يمكن أن نتغلب على ظاهرة الإرهاب ، العالم في حاجة إلى فهم جديد لطبيعة الهوية الأصولية وحدودها ، فالأصولية تقود حتما إلى العنف ، و علينا إذا التوقف عن تصور أصولية بلا عنف ، فكل الأصوليات لابد أن تتحول إلى كيانات قتالية . 12. علينا ألا نسمح للتنظيمات التي تتبنى الإرهاب كعقيدة بالعمل السياسي ، حتى لو لم تعد تمارس الإرهاب إنتظارا للظروف المناسبة ، دون أن نحتج بقواعد الديمقراطية و آلياتها ، مثل هذه الطروحات المائعة التي يتبناها المحاظون الجدد في أمريكا ، تبريرا لمساندتهم الإخوان المسلمين في مصر أو سوريا ، لم يعد من الممكن قبولها لو كنا جادين في مقاومة الإرهاب حقيقة ، و ليس توظيف الإرهاب نفسه لصالح مشروعات سياسية. 13. علينا أن نعيد بناء المجتمع المدني في عقول الناس ليكون جزءا أساسا من الثقافة السائدة ، إن العالم كله في حاجة إلى ثورة ثقافية جديدة ، من أجل تعددية حقيقية فعالة و متفاعلة ، و المجتمع المدني التعددي لا يهيط من السماء و لكنه يتكون بالتربية السليمة و الممارسة السياسية العاقلة الرشيدة ، كما علينا أن نثمن عاليا تلك الصفات في أنفسنا و الآخرين ، ومن الضروري تعديل النظام العالمي ليتيح فرصا بشكل أكثر إنصافا ، هذا المجتمع العادل سيكون له دور جوهري في إبعادنا عن الإنقسام الحاد بين الهويات المختلفة . 14. القيادات الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تفتقد المعايير الأخلاقية العالية المطلوبة فيمن يقود الدفة الكونية ، وهناك العديدون في العالم اليوم يشاركون باراك اوباما طموحه إلى التغيير و بناء عالم جديد لأمريكا و للناس جميعا . الهوية الدينية و العقلانية . 15. إن خلفيتنا الثقافية ( الدينية ) تؤثر بشكل عميق في تفكيرنا و سلوكنا و نوع الحياة التي نحياها ، و الأهم أنها تؤثر في إدراكنا لهويتنا ، و يمكن أن تكون هويتنا الدينية عظيمة الأهمية ، و أن تلعب دورا إيجابيا مؤثرا في تطورنا و مستقبلنا ، شريطة ألا تحتكر الوعي و الإنتماء . 16. الهوية الإسلامية في طبيعتها هوية مدنية و ليست دينية ، وهي تنتسب إلى ممارسات المسلمين التاريخية و ليس للذات الإلهية ، و من يريد بعث تلك الهوية ، عليه أن ينظر إليها كمشروع بشري و ليس دينا مقدسا ، هذه هي نقطة الإفتراق الأساسية التي تفصل الفكر العقلاني عن الفكر الأصولي السلفي . 17. إن إقصاء الدين عن المجالات الحياتية ليس افتئات على العقيدة الدينية (الإسلام في حالتنا ) ، بل لأن تلك المجالات تخرج بداية عن النسق الوظيفي للدين ( مجال عمل العقيدة ) ، كذلك فالعقيدة الدينية ليست ذات أهمية منفردة في تقرير حياتنا و هويتنا ، فهناك عوامل أخرى قد تكون أشد قوة و تأثيرا على الناس ، مثل الوطن . 18. الهوية الدينية ليست صفة متجانسة ، و يمكن أن تكون هناك تنوعات هائلة داخل الوسط الديني نفسه و حتى داخل المذهب الواحد ، و هكذا نجد أن الحتميين الثقافيين يسيئون تقدير التنوعات داخل ما يعتبرونه ثقافة واحدة ، وهم ينسبون الأصوات المتمردة عادة إلى تأثيرات و مؤامرات خارجية ، بينما هي نتاج طبيعي للتنوعات البشرية داخل نفس المجتمع . 19. الأديان لا تقف ساكنة و لكنها تتحرك و تتغير و تتأثر بالعناصر الأخرى حولها ، أما افتراض الثبات في الهوية الدينية فهو نوع من الخداع ، و من يروج لمقولة الثبات و العصمة لدين ما دون غيره ، هو مخادع يحاول التهرب من أن يدخل السباق بزورقه الممتلئ ثقوبا . 20. تتأثر الأديان كلها بالعولمة الثقافية وتتفاعل معها ، سواء تفاعلا إيجابيا خلال آليات الحرية الثقافية ، أو تأثرا سلبيا خلال المحافظة الثقافية العنيدة ، و هناك اتجاه ملحوظ لتضمين الحريات الثقافية في القيم الحضارية التي يقدرها الناس في الآخرين ،و بالتالي فلا يمكن لمجتمع الإحتفاظ بهوية واحدة متسامية ، دون أن تتعرض للغرق في تيارات من التدفقات الثقافية التي تنهمر على مدار الساعة . الإسلام ضد الغرب . 21. الموقف المعادي من الغرب ليس متجنيا ، رغم ذلك فهو موقف خاطئ ، لأنه يعني أن يعيش الإنسان في الماضي و يستغرق فيه ، و سيكون ذلك على حساب الحاضر ، كما سوف يدفع ثمنه من فرص المستقبل . 22. (العقل الأسير) أو المستعمَر هو العقل المتهووس بالعلاقة الإرتجاعية بالغرب و جرائمه ضد المسلمين ، هذا العقل يجد صعوبة في إدراك الذات بشكل سليم ، و مثل هذا العقل لن يدرك وجوده التاريخي الفريد في هذا الكون سوى كمجرد ضحية للغرب . 23. الجوانب السلبية لظاهرة العقلية الإسيرة ضخمة و مدمرة ، و يمكن تحديدها في 3 عناصر هي : أولآ دعم الأصولية الدينية و الإرهاب العالمي ،و ثانيا تشويه قراءة التاريخ الفكري و العلمي للعالم ، و ثالثا تشجيع عداوات لا ضرورة لها لكثير من الأفكار الإنسانية العظمى . 24. هناك جهود حثيثة في العالم الإسلامي الآن لمقاومة التغريب ، و لكن هذه الجهود تتجه لإجتثاث كثير من الأفكار التي لا تنتمي للفكر الغربي تحديدا ، بل تعادي غالبا أفكارا تشكل جزءا من ماضينا الكوكبي المشترك لا يتميز به الغرب وحده، و نجد أن بروز مفاهيم الهوية الإرتجاعية و تركيزها على العداء للغرب ، تؤدي إلى محاولة تأكيد الهويات اللاغربية ، أكثر من التفكير بحرية و استكشاف مناطق أخرى هامة من الذات الإنسانية ، هذه العقلية الأسيرة تقف خلف الكثير من المصاعب التي تواجه إلتحاق المسلمين بالعالم المعاصر ، كما تساهم في تضليل ردود الأفعال التي يواجه به الغرب التحدي الإسلامي . 25. إن حقوق الإنسان بما في ذلك الحريات الدينية ، ليست غربية ،و لكنها تكونت خلال تراث كوكبي مشترك ، ورفض الإسلاميين لتلك الحريات ، هو تعبير عن تعصب الإسلاميين و تخلفهم الحضاري ،و ليس تمسكا بالقيم الإسلامية ، كما أن الشورى و غيرها من التجارب التي تهدف إلى المشاركة السياسية للشعب في اتخاذ القرارات الهامة ، هي الروافد التي غذت الفكر الديمقراطي الحديث ،و أن الديمقراطية ليست فكرة غربية بحتة ، بل هي تراث كوكبي شاركت في صنعه كل الحضارات الهامة ، بما في ذلك الحضارة الإسلامية . RE: أفكار في القمة . - بهجت - 03-06-2010 المداخلة الأخيرة 58 عن الهوية العصرية توضح ما ذكرته في ردي على موضوع الأخ إبراهيم ، عن رفض مقترب الهوية الإسلامية كحل لمشكلة الأصولية ، أو الصراع بين المسلمين و العالم ،و إعادة طرح القضية من منظور جديد . حتى لا أغرق شريط الأخ إبراهيم بمداخلاتي أعيد طرح الشريط ، لتقرأ المداخلة بشكل منفرد . تحياتي للجميع RE: أفكار في القمة . - هاله - 03-07-2010 أستاذ بهجت اقتباس:. علينا ألا نسمح للتنظيمات التي تتبنى الإرهاب كعقيدة بالعمل السياسي ، حتى لو لم تعد تمارس الإرهاب إنتظارا للظروف المناسبة ، دون أن نحتج بقواعد الديمقراطية و آلياتها ، مثل هذه الطروحات المائعة التي يتبناها المحاظون الجدد في أمريكا ، تبريرا لمساندتهم الإخوان المسلمين في مصر أو سوريا ، لم يعد من الممكن قبولها لو كنا جادين في مقاومة الإرهاب حقيقة ، و ليس توظيف الإرهاب نفسه لصالح مشروعات سياسية. هذه احدى القضايا التي لم أحسم موقفي منها بشكل قاطع ففي الوقت الذي أنا مقتنعة فيه بأن ادعاء الاخوان المسلمين الايمان الديمقراطية ليس الا كذبا و تزويرا انتهازيا لوعي الآخر و مقتنعة أنهم لو وصلوا السلطة فستكون المرأة بالذات -و الوطن طبعا- أكبر خاسر و دافع أغلى الأثمان الا أني في نفس الوقت أعتقد أن شعوبنا لا تتعلم الا من تجاربها و بالذات المؤلم و الدموي منها فلو لم تتح للاخوان فرصة ممارسة السلطة فسيظلون كالجمر المتوقد يحرقون دون ضجيج الأخضر و اليابسمن تحتنا و ستظل الشعوب تنظر لهذه القوى برومانسية حمقاء على أنهم الطريق الى "مدينة افلاطون" المثالية و الاسلام هو الحل. لو أقصيناهم فسنكون بديمقراطية عرجاء فهم يمثلون الفكر الأكثر انتشارا بين شعوبنا و بالتالي كيف نحرمهم حقهم السياسي. و لو سنكون ديمقراطيين فاننا نعلق مشانقنا بأيدينا! فما العمل و أين المفر؟ و شعار "لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية" أجد له ألف مبرر قوي كما أجد فيه اقصاء أبرره حرصا على رقابنا. فان كان هذا هو وعي شعوبنا فهل حرق المراحل صح؟ ألم تثبت تجارب التاريخ خطأه؟ فلا افغانستان استوعبت و ساهمت في بناء الاشتراكية و لا "ناصر" أيضا استطاع رفع وعي الشعب حتى يتسق الوعيان .. فكانت الردة في الحالتين .. كما أن شعوبنا التي تحررت من الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية كما نرى رجعت الى عرين الدين. و ها هي الجزائر مثلا بعد مليون شهيد تغرق في الارهاب الاصولي كما أن الشعب الفلسطيني بعد مئة عام نضال اختار حماس. لم نستطع حتى هذه اللحظة أن نخرج من أسر الفكر الديني الاقصائي فهو الثابت و ما عداه متغير. وصول الاسلام السياسي الى السلطة سيفضح أمر خلو جعبته من أية قدرة على البناء و مواجهة تحديات العصر و هذا أمر مؤكد أنه ايجابي من حيث الأثر الذي سيحدثه في وعي الشعوب اذ أن وهو "الاسلام هو الحل" سيتبدد و يسقط الى غير رجعة و بهذا ننتهي من وجع دماغ أصيل في ثقافتنا. RE: أفكار في القمة . - بهجت - 03-08-2010 " تتحول صناديق الإنتخاب إلى قنابل متفجرة لو ملأها الجهلة و المتعصبون و العشوائيون بأوراقهم" .................................. الأخت الكريمة هالة . أشكر لك اهتمامك و تعليقك . ناقشت قضية الديمقراطية في أكثر من شريط طرحته ، أحدها و أكثرها مدعاة للجدل هو شريط طرحته بعنوان ( الديمقراطية الآن ) ، ولا أنكر أن هذه القضية شائكة ، و بدائلها ضيقة و كلها محفوف بالمهالك . هناك من ينكر وجود مشكلة أصلآ وهناك من يتبنى اليأس كممكن وحيد ، و الإسلاميون يرون أنفسهم حلآ !، الإجابات الديماجوجية السهلة هي دائما إجابات خاطئة ، و الإجابات المعقدة تكون غالبا غير قابلة للتطبيق ، و لو ظللنا نطفو على سطح التاريخ بلا إرادة كما نفعل الآن فسوف تبتلعنا موجة قادمة لا محالة ، فالأقدار الرحيمة دوما كالعنقاء خرافة ، لهذا لا بد لنا كي نعالج هذه القضية أن نمتلك خبرات و فكر سياسي عقلاني،ولا نكتفي بترديد الشعارات المباشرة كما يفعل الجميع تقريبا كافئران التي قادها الزمار للموت غرقا في محيط هادر . إننا لا نختلف حول أهمية الديمقراطية بل نراها استحقاقا تاريخيا ولم تعد مجرد إختيار ، رغم هذا فمراجعتنا للديمقراطية و نقدها و تحديد مدى نجاحها أمر طبيعي تماما ، فهذا ما فعلته كل النظم السياسية المتقدمة في العالم ، وهي لا تفعل ذلك من أجل تمجيد الدكتاتورية بل من أجل تنظيم الممارسة الديمقراطية و حمايتها ، إن العالم الغربي حيث منبع الديمقراطية هو الذي لاحظ أن الديمقراطية الهشة الضعيفة تأتي بنقيضها للحكم ، لهذا نظمت الممارسة الديمقراطية ووضعت قيودا ثقيلة على الدعايات الراديكالية المنفلتة ، و حظرت الأحزاب الفاشية و المعادية للديمقراطية ، كما أن التحريض ضد مؤسسات المجتمع تذهب بصاحبه إلى السجن في أرقى الديمقراطيات . نعم الديمقراطية أداة ممتازة و رائعة و لكن في الشعوب الناضجة ، أما في الشعوب المتخلفة الأصولية فهي أداة مدمرة ، إنك لا تعطي الطفل مسدسا كي يحمي نفسه لأن أول ما يفعله هو إطلاق النار على رأسه ، أنت تضع الطفل تحت مراقبتك حتى ينضج ، حتى أكثر المفكرين دفاعا عن الحرية مثل جون ستيوارت ميل يطالب بعدم إعطاء الحرية للشعوب المتخلفة ثقافيا و سياسيا ، فهو يقول في كتابه ( عن الحرية ) :" لا يجوز منح الحرية قبل أن يصبح الشعب ناضجا و مدركا لصالحه ، يعي حرية المناقشة و يعرف معنى المساواة ،و إلا وجبت عليه الطاعة المطلقة لحاكمه " ، لقد تحمسنا للديمقراطية في لبنان و فلسطين و العراق فكانت النتيجة مأساة بل فضيحة كاملة . علينا أن نحرر شعوبنا قبل ان ندعوها إلى صناديق الإنتخاب ، نحررها من الخوف و الوهم و الأصولية الدينية . في أوروبا شرعوا في التخلص من نير الكنيسة و الإقطاع قبل أن يفكروا في صناديق الإنتخاب ، تلك الصناديق ستتحول إلى قنابل متفجرة لو ملئها الجهلة و المعدمين بأوراقهم . ما يخيفني أكثر من أي شيء آخر : هو أنه هناك بالفعل كثيرون يتبنون منطق دعهم يجربون جحيم الإخوان و سيعرفون عندئذ خطأهم ، أليس هذا ما حدث في الأنظمة الشمولية النازية و الفاشية و أخيرا الشيوعية ؟، هذا الرأي يتبنى المثل المصري الشائع (وقوع البلا ولا إنتظاره ) كنوع من اليأس من أي إصلاحات حقيقية تمس حياة الناس ، أو عدم الثقة في إمكانية تنشيط العقل المصري بدون حرائق كبيرة تلتهمه فيفيق !.و لكني أرى ألا نستسلم بلا مقاومة فالتاريخ سيعمل في النهاية معنا لأننا جزء من ديناميكيته الكاسحة . أرى أننا نعاني من نفس المحنة ، أن نراجع ما نؤمن به من قيم الديمقراطية الليبرالية ، عندما تتعرض للتشويه بل للغش و التزيف من تحالف عضوي يجمع الأصولية و التخلف ، رغم هذا كله فعلينا أن نكون من التماسك بحيث لا تجرفنا الشعارات عندما يدحضها الواقع ، إنني لا أوافق على أن نترك الشعوب للتجربة القاتلة أسوة بالمجتمعات الفاشية التي تحولت للديمقراطية الليبرالية ، إني ضد هذا المنطق كلية ، ففي تلك الأنظمة كانت هناك تراكمات علمية و تكنولوجية متطورة و قاعدة صناعية و نخب مثقفة و لم تكن هناك أمية ، وكل هذه العناصر ليست متاحة لنا خاصة في مصر ، كما أن الدين كان خارج التأثير السياسي و الإجتماعي ولم يتم إستغلاله في قهر الجماهير ، هناك أيضا عامل غاية في الحرج هو الزمن فكانت هناك وفرة منه في التجارب الأخرى لم تعد متاحة لنا ، كان مضاعفة الدخل القومي يحتاج ربما قرن من الزمان ،وهذا يتحقق الآن خلال 10 سنوات أو أقل في بعض الدول النامية التي لجأت لإصلاحات حقيقية مثل الصين و كوريا و الهند على الطريق ، هناك أيضا مشكلة النخب العربية سواء داخل أوطانها أو في الخارج ، هذه النخب ليست ديمقراطية في صميمها بل يغلب عليها الإتجاهات الأصولية السلفية و القومية الشوفينية ، و حتى في الخارج تسود تلك الإتجاهات ربما بشكل أكثر حدة ، كما أن معظم المغتربين المسلمين في الغرب يكرهون دول الإغتراب و مجتمعاتها ولا يتفاعلون مع قيمها الليبرالية عكس اليابانيون أو الروس الذين عاشوا في الغرب ، فكانوا جسورا لربط مجتماعتهم بقيم الحرية الغربية ، كل تلك العوامل تعمل ضد الديمقراطية و شيوع الحريات . لو دققنا في الإقتصاد المصري سنجد أنه تم تمويل الإصلاحات المحدودة التي تمت بصعوبة بالغة و بمعونات خارجية جرى تدبيرها على أسس سياسية ، كما حدث في إسقاط الديون الأمريكية و الغربية لمصر عام 1992 ، مثل هذه التدفقات لن يكون ممكنا استعواضها لو وصل الإسلاميون إلى الحكم وقادوا مصر للخراب المتوقع ، هذا سيعني ببساطة إنهيار الدولة المصرية و عودة المصريين لأنساق ما قبل الدولة البدائية كما حدث في الصومال و أفغانستان طالبان ، مثل هذا السيناريو يهدد شعوبا عربية أخرى غير مصر مثل سوريا و الأردن و ...، بل نحن لدينا بالفعل تجربة العراق الدموية و تجربة حماس في غزة و غيرها من تجارب الأصوليات الإسلامية المتخلفة . إن مصر لا تملك ترف المغامرة بالقدر الضئيل من التحديث الذي حققته ،و لهذا يجب أن يكون هناك وعي على كل المستويات بمخاطر الأصولية الإخوانية و جناحها الإرهابي ، كما يجب توطين النفس على مقاومتها بكل السبل الممكنة ،وهذا ينطبق أيضا على كل دولة عربية أخرى . إن أفضل ما يمكن أن نفعله لو توفرت لدينا الإرادة و الشجاعة هو حظر كافة الأنشطة الدينية السياسية و تجريمها كممارسة غير أخلاقية و إستغلال مغرض للأديان ، مع فتح باب المشاركة الديمقراطية لكافة الأطياف المدنية على إتساعها ، أيضا هناك حزمة من الإصلاحات يجب تنفيذها بالتوازي مع الممارسة الديمقراطية التي يجب ضبطها بإستمرار ، و علينا أن نتذكر دائما أننا نعيش في شعوب نامية ، يضربها الفقر و الجهل و الأصولية ، لهذا فمن الضروري للغاية أن نكون واقعيين في إختيار أهدافنا و أساليبنا . وبالأساس علينا أن نكون على وعي عميق بأن أي ثمن سندفعه الآن في الخلاص من الأصولية السياسية و إتجفيف منابعها و تقليم أظافرها سيكون مبررا و سيجنبنا ثمنا باهظا قد لا نكون قادرين على تحمله مستقبلآ . إن الحرية هي التي تشكل جوهر الديمقراطية و ليس الشكل الديمقراطي . ما يسترعى الإنتباه أن الجميع في مصر بما في ذلك الإخوان ، يتحدثون عن الديمقراطية كما لو كانت بضاعة يمكن شراؤها من السوبر ماركت مقابل ثمنا محددا ، و لكن لا أحد يتحدث عن كيفية مقاومة الأصولية المدمرة أو صنع الثقافة المستنيرة الديمقراطية ، إن أول ما يتعلمه السياسي في مصر -كغيرها من المجتمعات المتدينة- هو ألا يترك المقود الديني يفلت من يده ،و الأهم ألا يقبض خصمه على ذلك المقود السحري ، و النتيجة أنه بصرف النظر عمن يتفوق على الآخر فالأصولية وحدها هي التي تحصد الميداليات ، بالفعل لدينا في مصر تاريخ طويل لإستخدام الدين بواسطة الدولة كمصدر للشرعية السياسية و أداة للإنضباط الإجتماعي و الإقتصادي ، و لكن هذه الأشكال الإنضباطية و الأيديولوجية قد تخطت سيطرة الدولة ،و تنتج الآن أشكالا للسلطة لم يعد ممكنا للدولة السيطرة عليها ، هذه السلطة البديلة لا توفر أساسا للديمقراطية و التحرر من طغيان سلطة الدولة ، لأنها تعيد إنتاج السلطة التي تثور عليها بشكل أكثر توحشا و بدائية ، الفارق الوحيد و أيضا الجوهري ، أن أصولية النظم التقليدية هي أصولية تقليدية أيضا يمكن إحتمالها ببعض من أدوية الضغط ، أما الأصوليات الراديكالية (الإخوانية و القاعدية) فهي أصوليات إنقلابية فاجرة تهددنا ببحار الدم الطالباني . إن أخطر ما يواجه المجتمع ليس مجاعة في الممارسة الديمقراطية ، و لكنها تخمة في الأصولية المتغولة في كل مفاصل المجتمع ، بينما يتحاشى الجميع الحديث عنها ، سواءا في ذلك الطفيليون من مهرجي النظام أو زملائهم دونكشيوطات المعارضة ، ففي مصر لا أحد يغامر بوضع الجرس في رقبة القط الأصولي خوفا من إستعداء المحتسبين و ما أكثرهم ، و في مصر انتقاد رئيس الجمهورية أهون كثيرا من التفكير في المساس بألوهية مهدي عاكف مدرس الألعاب الرياضية المتقاعد ، وهكذا و في ظل الأصولية المنتشرة الآن قد لا يظهر أبدا في مصر المجتمع المدني الذي يقود السبيل إلى الديمقراطية و يمارسها في مقابل سلطة الدولة . لا أنكر أني تأثرت في موقفي بأفكار و كتابات ،و لكن للمفاجأة ليست دعايات النظام فكلها تؤكد على ديمقراطيتها ! ، على النقيض تأثرت بتجارب تاريخية واضحة للجميع .. هناك التجربة التاريخية الكارثية لجمهورية فاليمار الألمانية التي سبقت وصول هتلر للحكم في ألمانيا ، وقد قرأتها مرات عدة في كتاب وليم شرر الهام ( نشأة وسقوط الرايخ الثالث ) و كتب أخرى عديدة ، تلك التجربة خرجت منها كغيري بدروس غاية الأهمية ، أهم درس هو أن المحتوى و ليس الشكل ما يعول عليه ، و أن الديمقراطية التي تقتصر على آلية الإنتخاب هي معادية للديمقراطية ، هناك ما هو أخطر و أهم .. تجارب الديمقراطية في مجتمعات مجاورة أغنى و أكثر تعليما ونموا و أقل أصولية من الشعب المصري مثل العراق ، رغم هذا انهار فيها المجتمع المدني تماما بسبب ديمقراطية شفافة و لكنها خبيثة كالتي يريدها بوش لنا ،و الآن يحكم العراق أحزاب غاية في التطرف الأصولي لكل منها ميليشيات خاصة ، الأمر الذي يبدوا معه صدام حسين الرحمة المهداة لا أقل !. إني لا أدافع عن نظام مبارك رغم هذا أراه أفضل من أي حكم إسلامي و بما لا يقارن ،إني أيضا لا أضحك على نفسي ولا أهزل ، فلا يمكن لأحد أن يقول لن أذهب للشرق و أيضا لا أحب الغرب ، لابد للإنسان أن يعي خياراته و أن يتجه إلى وجهة ما ،هل نقبل بديمقراطية تأتي بإسلاميين إلى السلطة في مصر كما حدث في غيرها وكما يشير الإتجاه الثقافي السائد ، أو نقبل بالتدرج و التباطؤ و القبول بقدر مسيطر عليه من السماح الديمقراطي ؟ ، إن البديل الذي نطرحه ليس إستمرار الجمود و لكن فرض تطور عقلاني مسيطر عليه ليس من النظام بل من النخبة السياسية المستنيرة . لا يمكننا أن نترك الإسلاميين جانبا ، هذا القول كله غفلة ، فقائله يعتقد انه يمكن أن يعيش هانئا غافلا أن هناك نار مشتعلة في فناء بيته بالفعل ، لا .. لا يمكن لعاقل في هذا العالم أن يغفل الإسلاميين إلا ان يكون عابثا ، فكيف يغفلهم من يعيش في المجتمع الذي أنجبهم ؟!، الحديث عن مخاطر الأصولية لا أراه إبتزازا ، و لكنه رأي خبراء في المنطقة ، موضوع الديمقراطية كله تفجر تحت قيادة اليمين الجديد و رجل أحمق مثل بوش ، كي يمرر غزوه الكارثي للعراق ، و النتيجة واضحة للعيان ولو كان بوش رئيسا لصربيا مثلا لقبضوا عليه و حاكموه كمجرم فاقد الصواب . رغم أن هذه هي قناعتي المبدئية فسأكون منفتحا تماما على أي رأي معارض او مخالف قليلا او كثيرا |