اقتباس:......وليعلم الجميع أن النهب والسرقات القائمة حاليًا إنما هي عصابات تابعة للنظام العاجز والشعب التونسي منها براء.. عاشت تونس حرة وديمقراطية........

اقتباس:مازن السيد

مازن السيد

مثقفو تونس في مواجهة النظام: «يخاطبنا كأننا أغبياء ونقول: ارحل»

«كان بين يديّ، يلفظ أنفاسه الأخيرة. رصاصة في قلبه أطلقها قناص. لا يمكنني أن أصدق». هكذا نقل سينمائي تونسي شاب، لـ«السفير» خبر استشهاد أحد رفاقه في الانتفاضة التونسية، في وسط العاصمة. دماء واحدة تغذي اليوم أرض تونس الأبيّة وتحررها شبرا بعد شبر من نير الديكتاتورية المرتجفة. لا فضل في ثورة الكرامة، لجائع على ميسور ولا لمحروم على مثقّف متعلّم، فالكرامة هي القضية، والحرية هي المسعى، والإطاحة بزين العابدين بن علي هي المبتغى.
شابات وشبّان تونسيون تحدثوا إلى «السفير»، وأرادوا بالكلمة والتوثيق، تأكيد «كذب» بن علي، في اتهاماته للانتفاضة الشعبية بالانحراف، والإرهاب، والنهب والسرقة. منهم من يوزّع ساعات يومه بين المواجهات مع الشرطة، وتوثيق جرائم الامن وتقدم الانتفاضة، ومنهم من يحترق بنار البعد عن أرضه في لحظات عودتها إلى من تحقّ له: كلّ الشعب.
جميلة (اسم مستعار) فنانة تشكيلية جالت اوروبا، قبل أن تعود إلى أرض تونس منذ بضعة أعوام. تنقل من بين أصوات الرصاص المحيط بمنزلها في إحدى ضواحي تونس، أملها في الحركة الشعبية التي «أصبحت في وسط العاصمة، ويخوضها شبّان المدينة بأنفسهم». لكنها تبدي قلقا من انسحاب القوات العسكرية، حيث ترى في ذلك مؤشرا محتملا إلى «مجزرة مقبلة» يخطط لها النظام.
ولا تكاد تدعو جميلة وبعض رفاقها، شبكة معارفهم على موقع «فيسبوك»، إلى تبني شعار «ارحل» بشكل موحد، حتى يرفع المئات الشعار، أو شعارات أخرى بنفس الفحوى. لا تريد جميلة «أن تنتقل تونس من نظام بوليسي إلى نظام عسكري، فلا يجب أن ننسى أن بن علي كان عسكريا بالأساس»، لكن ذلك لا يؤثر في نشاطها، ولا يحبط من عزيمتها.
بيرم، موسيقي ، يتابع دراسته في باريس، وينقل منها لـ«السفير»، بتنهيدة طويلة، ألمه لبعده عن بلاده في لحظات الانتفاضة الشعبية، ولا يخفي أساه لكونه «مجرد متابع» لما يحدث. قد يكون ذلك صحيحا، لكن جميلة تقول «ينتظرنا عمل طويل» بعد إحقاق التغيير. هذا التغيير الذي يراه بيرم آتيا قبل انقضاء العام الحالي: «أصدقائي في تونس يقولون إن بن علي لن ينهي شهر شباط المقبل في المنصب الرئاسي، أنا أتحفظ وأقول إنه لن ينهي العام».
بن علي كما يصفه بيرم «يتعامل معنا كاننا أغبياء»، ويؤكد أنه لا يعني بذلك خطابات «الرئيس» الأخيرة عن الديموقراطية، وفرص العمل، فحسب، بل أيضا كل سياسة النظام السابقة في التعامل مع الشعب: «التونسيون لم يعودوا معزولين عن المعرفة، وهم في الشارع ليثبتوا ذلك. هناك وسائل أفضل لحكم الدول، والتونسيون يعرفون هذا».
صورة النظام التي ينقلها بيرم لا تقل قسوة عن ضراوة البطالة التي أشعلت النار في شهيد الانتفاضة الأول، محمد بوعزيزي. «صحافي ينتهي من تقديم تقرير إعلامي، قبل أن يشعل سيجارة ويجهش في البكاء، لأنهم يجبرونه على الكذب وتغيير الحقيقة، ويمنعونه من نقل صورة الواقع». العمل، وحرية التعبير، وجهان لكرامة الشعب التونسي الذي عزم على ألا يفرط بها.
تذكّر شابة تونسية بعد خطاب بن علي أمس، رفاقها بأنه «في العام 1864 قامت ثورة شعبية ضد نظام الباي المتسلط، وعندما أدرك الباي قرب انتهاء سلطته أعلن رضوخه للمطالب. لم تكد الحركة الشعبية تتراجع حتى أرسل الباي الجنرال زروق لتصفية الثائرين، وأعدم القيادي علي بن غذادهم»، فيما يسأل آخر: «هل كان شهداء أمس، هدية رئاسية للشعب التونسي قبل الخطاب؟».