الصيف الحالي يبدو وكأنه موسم اكتشاف المغرب عقاريا وحضاريا وسياحيا من قطاع كبير من المستثمرين الاوروبيين، ليس فقط بالمنافسة مع اسبانيا وانما ربما ايضا على حسابها. فالمتابع لتحولات السوق يلاحظ ان عوامل الجذب المغربية صاحبها انسحاب منتظم من اسبانيا، توجه بعضه الى المغرب.
الحضارة الاندلسية التي طالما جذبت المستثمر والسائح الى الجنوب الاسباني، اكتشف عاشقوها منذ فترة انها ليست الاصل وانما الصورة. فالاصل الاندلسي يوجد في المغرب، وما يظهر في اسبانيا ليس الا بقايا عصر عربي ذهبي اندثر منذ القرون الوسطى، وتشَكل الآن بصور اخرى يبدو بعضها باهتا وبعضها الآخر تقليدا. وبعبارة اخرى يرى البعض الفارق بين المغرب والاندلس مثل ابو الهول والاهرام في مصر وشبيههما المزيف في لاس فيغاس.
هذه النزعة لم تبدأ من قاع السوق جريا وراء الاسعار الرخيصة، كما قد يتخيل البعض، فعامل الجذب الى المغرب لا علاقة له بانخفاض الاسعار، الا فيما يخص الهروب من اسبانيا بسبب غلاء غير مبرر في اسعارها اخذ في التراجع اخيرا. فالتحول نحو المغرب بدأ في الواقع من القمة حيث وقع في عشقها العديد من المشاهير، اسرت المغرب كل منهم بعد زيارة واحدة. واحد هؤلاء هو المستثمر البريطاني ريتشارد برانسون صاحب امبراطورية "فرجن" الذي اشترى قلعة من المستثمر الايطالي لوشيانو تيمبو وحّولها الى فندق ساحر يطل على جبال اطلس.
وقبل برانسون تمتد طويلا لائحة المشاهير الذين وقعوا في غرام المغرب، يذكر منهم فرقة البيتلز ومصمم الازياء الشهير ايف سان لوران، والثري جون بول غيتي، وفنان الباليه الراحل نورييف، والمصمم رالف لورين. وهناك العديد من البرامج التلفزيونية التي صورت مشاهد منها في المغرب وتعرض في الموسم المقبل، وسوف يكون اول انعكاس لها زيادة الاقبال السياحي والعقاري على المغرب في السنوات القليلة المقبلة.
ويعتبر نشاط بيع القصور الفاخرة والعقارات الشاسعة التي تسمى "رياض" من انشط قطاعات السوق حاليا، ويتعامل في صفقات البيع والشراء قائمة من المشاهير التي تشمل امراء اوروبيين وسفراء سابقين وكبار الفنانين. وكما جرت العادة في صفقات العقار المغربية، في القطاع الفاخر، فإن المالك الجديد عادة ما يحتفظ بفريق ادارة العمال والطباخين العاملين في هذه العقارات.
وفي كافة حالات الاستثمار العقاري، خصوصا في حالات الانتقال العقاري من اسبانيا الى المغرب، يكون العامل الفاصل في الاختيار هو حسن الضيافة المغربي القائم على عفوية شعور الصداقة من الشعب المغربي نحو ضيوفه الاجانب بالمقارنة مع "الحب السياحي" القائم على المصالح والفوائد من السياح والمستثمرين في العديد من الدول الاخرى، ومن بينها اسبانيا. وكان هذا الشعور وراء برود وتراجع من جهة البريطانيين وبعض الاوروبيين الاخرين في الاقبال على زيارة اسبانيا.
ويعتبر بعض القادمين الى المغرب انه مماثل لما كانت عليه الاندلس في الخمسينيات. ولكنهم يقدرون فيه التنوع الجغرافي والثقافي غير المتاح في اسبانيا. فالطقس في شمال المغرب معتدل طوال العام، ولكنه حار صيفا في الجنوب بينما يكسو الجليد جبال اطلس طوال شهور العام. وتتعدد اللغات المستخدمة بين العربية والبربرية والفرنسية والاسبانية، كما تزداد شعبية استخدام اللغة الانجليزية ايضا.
وتجذب المدن الرئيسية نسبة كبيرة من الزوار ومستثمري العقار خصوصا في طنجة والدار البيضاء وفاس ومراكش. وتتاح العقارات الاستثمارية في الكثير من المواقع داخل المدن المغربية وخارجها. وفي مراكش تتراوح اسعار العقارات من نوع "الرياض" ما بين 80 و110 الاف يورو، ويحتوي بعض هذه العقارات على ست غرف ومساحات كبيرة.
الامر المشجع على الاستثمار السياحي والعقاري في المغرب هو فتح سوق الطيران فيها للمنافسة امام الطيران العارض "التشارتر" ومنع احتكار الشركة الوطنية كما هو الحال في بعض الدول العربية المختنقة عقاريا والتي ما زالت تبحث عن الاسباب! وفتحت اسواق الطيران الرخيص فرصة السفر الجوي الى المغرب في رحلات متعددة يومية وبأسعار رخيصة تجعل من الممكن السفر الى المغرب من اوروبا احيانا لقضاء عطلة لا تزيد على ثلاثة ايام، ولكنها تتكرر عدة مرات خلال الشهر الواحد.
وقد اعلن المغرب بالفعل انه يسعى لاجتذاب عشرة ملايين سائح في عام 2010، وكان تعداد السياح في عام 2005 هو خمسة ملايين سائح. ولكنه ما زال دون النضج السياحي بالمقارنة مع اسبانيا التي تستقبل سنويا اكثر من تعدادها سياحا، حيث يذهب اليها سنويا ما بين 50 و55 مليون سائح. اي ان المغرب لا يستقبل الا نسبة 10 في المائة من سياح اسبانيا. واذا كان المغرب نفسه يريد ان يعرف اسباب هذا التفاوت، فالاسباب ايضا واضحة تماما: اسبانيا جزء من الاتحاد الاوروبي ولا يحتاج المسافر اليها الى تعقيدات ادارة الجوازات المغربية. وهي تستخدم اليورو كعملة رسمية، اي ان السائح ومستثمر العقار الاوروبي لا يحتاج حتى الى تغيير العملة. وهي ترتبط ببقية اوروبا بشبكة طرق وسكك حديدية متكاملة ومنضبطة، كما انها الدولة التي ابتكرت فكرة الطيران الرخيص الى كل انحائها. فمن لندن مثلا تتجه الى مدينة ملقة القريبة من مضيق جبل طارق نحو عشرين رحلة طيران يومية، وبأسعار تتراوح بين مائة ومائتي جنيه استرليني.
وتؤكد مصادر اسبانية ان التراجع العقاري الحالي مفيد لها لانه يحول دون انهيار الاسعار بشكل مفاجيء ومضر، وليس من المتوقع ان ترتفع الاسعار في اسبانيا في المدى المنظور بعكس المغرب الذي تتجه الاسعار فيه صعودا مما يجعله اختيارا استثماريا أفضل. من مزايا المغرب الاخرى انه يتميز بنسب ضرائب اقل من تلك المفروضة في اسبانيا على شراء العقار. ويحتاج المشتري في المغرب الى فتح حساب مصرفي باليورو مع بنك مغربي، كما يتعين عليه دفع ضرائب نسبتها ثلاثة في المائة ورسوم نسبتها 2.5 في المائة لاجراءات التسجيل والاجراءات القانونية. اما في اسبانيا فإن نسبة الضرائب لا تقل عن سبعة في المائة من قيمة العقار المعلنة، بالاضافة الى ضريبة اخرى نسبتها نصف في المائة.
الحصول على التمويل ما زال اسهل في اسبانيا باعتبارها جزءاً من الاتحاد الأوروبي حيث يمكن الاقتراض العقاري من اي بنك اوروبي، او من الفروع الموجودة في اسبانيا. اما في المغرب فإن معظم المشترين يدبرون التمويل من بلادهم الاصلية، احيانا عن طريق رهن منازلهم الاصلية للحصول على التمويل اللازم.
عوامل الجذب العقاري: يقول اصحاب العقارات في المغرب انهم يتمتعون الى جانب حسن الضيافة بالكثير من الحرية ومستوى المعيشة المرتفع بالاضافة الى الامان اكثر من اي مكان في اوروبا. ويستطيع زائر مراكش ان يستكشف الجبال والسواحل والصحراء بالقيادة لمدة لا تزيد على 90 دقيقة. ويمكن التزلج على الجليد والسباحة في البحر ثم التسوق في المدينة في اليوم نفسه. وفي نهاية اليوم يعود اصحاب العقارات الى عقاراتهم التي توفر لهم الكثير من الهدوء والسكينة والخصوصية.
كما لا يفرض المغرب ضرائب على قيمة الايجارات العقارية خلال السنوات الخمس الاولى من الملكية ولا يفرض ضرائب قيمة مضافة اذا بيع العقار بعد عشر سنوات من الملكية. ولا توجد ضرائب ميراث في المغرب في كل الاحوال. ويستخدم كل من البائع والمشتري المحامي نفسه في العادة حتى اكمال الصفقة. وفي كل حالات الشراء لا بد من اضافة نحو خمسة في المائة لتكاليف الضرائب والوثائق ورسوم شركات البيع.
في حالات شراء العقارات القديمة لا بد من التأكد من وجود صكوك الملكية ومن صحة بياناتها لان هناك الكثير من الحالات التي يظهر فيها للعقار اكثر من مالك واحد. ولا بد من تسجيل العقار لانه الاثبات القانوني الوحيد للملكية. ولمن يرغب في الاطلاع على الفرص العقارية المتاحة في المغرب، هناك العديد من المواقع الالكترونية التي يمكن من خلالها الاطلاع على العقارات المغربية المتاحة في السوق واسعارها.
وجذب الاهتمام العقاري بالمغرب شركات عربية ايضا، حيث تعمل شركة إعمار الاماراتية على انشاء اكبر منتجع جبلي للغولف والتزلج على الجليد في قارة افريقيا كلها فوق جبال اطلس وعلى ارتفاع 3250 مترا. ولا يبعد هذا المنتجع عن مراكش سوى 50 دقيقة فقط بالسيارة. ويلاحظ الزائر لمراكش ان النشاط المعماري فيها يجري على قدم وساق، وتنتشر على اطرافها الرافعات ومواد البناء. ولكن العثور على بقعة خلابة لا يتطلب الذهاب بعيدا، فهناك شركات عقار تقدم فيلات على مقربة ثمانية اميال من المطار وبالقرب من مركز المدينة. وتضم المنطقة ما بين المطار ومركز المدينة حوالي 600 فيلا في مواقع هادئة يحيطها اللون الاخضر، باسعار تبدأ من 300 الف يورو. وتنتشر في القرى المحيطة بهذه المنطقة عدة مشاريع تتوجه الى قمة السوق بمجموعات من القصور التي لا يقل ثمن الواحد منها عن مليون يورو. ويقبل على هذه العقارات كبار المستثمرين الدوليين الذين يملكون العديد من العقارات في مواقع اخرى. وهم يرون قيمة عقارية كبيرة في المشاريع المغربية التي ما زال سعر المتر المربع فيها لا يزيد على 500 يورو، اي بنصف تكلفة المشروعات المماثلة المقامة في الجنوب الاسباني.
ويتجه المستثمرون العرب تقليديا الى المنازل الخاصة التي لا ترتبط في الغالب بمنتجعات، ومعظمها يقع داخل المدن. وهم يفضلون ايضا اسلوب المعيشة المغربي بشكله التقليدي، وتنتشر مئات العقارات المطروحة للاستثمار في مراكش، بعضها جاهز للسكن والاخر يحتاج الى ترميمات. وتتراوح الاسعار بين 150 الى 300 الف يورو.
ويعرف الاوروبيون تماما اسباب اقبالهم على المغرب، حيث يقول مستثمر اوروبي اشترى رياضا في مراكش انه بحث في كل المواقع الحديثة مثل رومانيا وفرنسا واسبانيا، ولكنه اختار مراكش لانها ذات شخصية قوية يعرف الساكن فيها هويتها تماما، ويعيش من خلالها في مناخ حياة حقيقية غير مصطنعة مثل المواقع السياحية الاوروبية. ولا يشكو احد في مراكش من جوانب الامن او تنوع انماط المعيشة. ولكن تبقى مشكلة المرور، التي تبدو مزمنة في العديد من المدن العربية حيث تتسابق كل انواع المركبات والعربات بلا نظام مما يصيب بالهلع غير المتمرسين على هذا الاسلوب الذي يبدو عشوائيا لمن يتابعه ولكنه يسير بنظام خاص لا يعرفه الا المشاركون فيه حيث لا تؤدي هذه "الفوضى الخلاقة" على الطرق في العادة الى وقوع حوادث، على الاقل داخل اطار المدن.
* خطوات تشجيع الاستثمار العقاري في المغرب > في الوقت الذي يعتبر فيه المغرب في طليعة الدول العربية النشيطة عقاريا، مما يجعله مرجعا مفيدا للدول العربية التي تريد فتح اسواقها العقارية، الا انه ما زال في بداية الطريق عقاريا بالمقارنة مع الدول الاوروبية. وحتى الان لا يزيد عدد سياح المغرب عن عشرة في المائة مقارنة بما تحصل عليه اسبانيا. ومن الخطوات التي يمكن بها تشجيع الاقبال العقاري على المغرب:
> تشجيع الطيران المباشر الرخيص من كافة انحاء اوروبا الى كافة المطارات المغربية والغاء اي احتكار او تمييز للشركات المحلية، لان اساس التألق وزيادة النشاط هو المنافسة وليس اقتطاع حصص السوق.
> تسهيل اجراءات التسجيل العقاري وتسريع وتيرة الاجراءات القانونية وعمليات البحث العقاري عن اصول الملكية.
> اتاحة فرص التمويل المحلي للمستثمر العقاري، فهي من ناحية تفيد اعمال البنوك المغربية، بدلا من استفادة البنوك الاوروبية من عمليات التمويل، كما ان الاقراض بضمان العقارات نفسها يضمن الحقوق القانونية للمصارف المغربية.
> تشجيع السياحة وبرامج التبادل الثقافي والفني.
> انتهاج سياسة ضريبية مستقرة لا تتغير.
http://www.aawsat.com/details.asp?section=...amp;issue=10455