تــــأنـــيــــث الـعـــالــم - عيسى مخلوف
عادت فرنسا، مرة أخرى، لتبتكر الحدث حول حكايات "ألف ليلة وليلة" من خلال الترجمة الجديدة التي صدرت عن دار "غاليمار" الباريسية ضمن سلسلة "لابلياد" وتحمل توقيع كلّ من الباحث والشاعر الجزائري جمال الدين بن شيخ، المتخصّص في الأدب العربي في القرون الوسطى، والمستعرب الفرنسي أندره ميكال، الكاتب والمتخصّص في الحضارة العربية والإسلامية.
"المكان الذي لا يؤنَّث لا يعوّل عليه"
ابن عربي
في تصديره الجزء الأول من الحكايات، وهو مهدى لذكرى أنطوان غالان، يتوقف أندره ميكال عند أسرار "الليالي" وخفاياها، ولادتها في الشرق وأفولها هناك، ثم اكتشافها في فرنسا مع غالان، كما يتوقف عند أسباب نجاحها في العالم الغربي من خلال الترجمات الكثيرة التي رأت النور من إنكلترا إلى ألمانيا فإسبانيا... ويركّز على الراوي - وهو هنا شهرزاد - في بلوغه ذروة القصّ الشفهي، ويلاحظ أنّ كلّ شيء يمّحي مع مرور الوقت وراء المبدأ الذي يحرّكه، ألا وهو تلك المخيّلة التي لا تنضب. وقبل أن يتكلّم على "الليالي" ومضامينها وحبكتها يمعن في رسم الإطار الذي احتضنها، أي "الحضارة العربية - الإسلامية التي أهدتنا إياها"، على قوله.
ويعرض المترجِمان للمصاعب والتحديات التي واجهتهما أثناء الترجمة. ولقد اختزلاها بثلاثة تحديات أساسية. التحدي الأول يكمن في طبيعة الكتاب الذي لا تمكن إحالته فقط على البيئة الشعبية والشفهية، فالشعر الذي فيه والسجالات الأدبية واللاهوتية، وغيرها من المسائل التي تحتاج صياغتها إلى سعة اطلاع ومعرفة، تشهد لتعددية أساليبه وثراء مقارباته وتنوع المصادر التي جاء منها. فإذا كانت بعض الحكايات بدأت في الأصل بصورة شفهية قبل أن تأخذ طريقها إلى التدوين، وإذا كانت تستوحي البيئة الاجتماعية التي انطلقت منها وفي الأخصّ في مصر وسوريا ودول المغرب العربي، فإن طبعات القرن التاسع عشر تدخلت في صياغة المخطوطات وجعلت فقرات كثيرة منها أقرب إلى العربية الفصحى البسيطة، كما مارست عليها نوعاً من الرقابة فاجتزأت مقاطع منها باسم التقاليد والقيم.
التحدي الثاني له طابع ألسني يتعلق باللغة العربية واستراتيجيا السرد، كما يتعلق بالعبارات المكرورة وصيغة التقديم والتأخير وغياب لحظات الاتصال والانفصال أحياناً، وتداخُل القصيدة والنص المنثور الذي ينضح بالمحكية. أما التحدي الثالث والأخير فيتجسد في ترجمة القصائد نفسها وهي المرة الأولى يُصار فيها إلى ترجمة الشعر بهذه الكثافة في الحكايات وخصوصاً أنها تحتل حيزاً كبيراً وتبلغ قرابة 1250 قصيدة. من هنا كان على المترجمَين أن يأخذا في الاعتبار هذه المسائل ويستحدثا أسلوباً ولغة ومفردات تتلاءم مع المتن العام للحكايات. وهذا ما جعل العمل مشروعاً رائداً ولحظة مهمة في تاريخ ترجمة هذا الكتاب.
إنها "ترجمة القرن الحادي والعشرين" كما كان يحلو لجمال الدين بن شيخ أن يردّد أمامنا وكنا لا نزال في أواخر الثمانينات من القرن العشرين. وهي ترجمة تراعي زمانها وتفيد من مكتسباته العلمية وخصوصاً على مستوى الفكر النقدي والدراسات اللغوية، أي أنها مشبعة بوعي نقدي لوظيفة اللغة ودورها، ولغتها هي لغة العصر الذي نعيش فيه، كما أنها تأخذ في الاعتبار العلاقة المتشابكة بين المحكي والمكتوب في الحكايات. هذا فيما ترجمة المستشرق الفرنسي أنطوان غالان كانت تراعي ذهنية القرن الثامن عشر ومفرداته واعتباراته الأخلاقية. أما ترجمة ماردروس (القرن التاسع عشر) التي استندت إلى نسخة بولاق فذهبت أبعد ذلك، وعملت مخيلة المترجم على إضفاء المزيد من المواقف الغرائبية والإباحية. تبقى ترجمة رينه خوام التي اعتمدت على المخطوطات الموجودة في "المكتبة الوطنية" في باريس، وجاءت الأكثر تقيّداً بحرفية النصوص.
عوامل عدة تمنح ترجمة بن شيخ وميكال القوة والصدقية، أبرزها المعرفة العلمية الموسوعية التي يتمتّع بها المترجمان وتعمّقهما في دراسة الحضارة العربية والإسلامية وآدابها، وهما، فضلاً عن ذلك، أديبان وشاعران مما أتاح لهما الجمع بين البحث العلمي القائم على منهج صارم ورؤية دقيقة من جهة، والحدس الشعري والأدبي من جهة أخرى. ثم أن الترجمة الجديدة محصّلة عقود من العمل على "ألف ليلة وليلة"، تراثاً وتاريخاً وأدباً ولغة. صحيح أن الاهتمام بالكتاب بدأ منذ القرن الثامن عشر في فرنسا، لكنه بلغ أوجه بالفعل، في وصفه مادة للبحث العلمي، في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وقد صدر لجمال الدين بن شيخ وأندره ميكال عدد من المؤلفات حول "الليالي" سبقت الترجمة وواكبتها في كثير من الأحيان.
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن أنطوان غالان الذي أخرج "الليالي" من عزلتها ووضعها في قلب النتاجات الأدبية والإنسانية، لعب دوراً شبيهاً بالدور الذي لعبه، في وقت لاحق، جان فرنسوا شامبليون الذي وضع حداً لذاك الكسوف الطويل الذي عاشت في ظله اللغة الهيروغليفية بل والحضارة الفرعونية ككلّ.
في موازاة نشر الجزء الأول من ترجمة جمال الدين بن شيخ وأندره ميكال لـ "ألف ليلة وليلة" (ضمّ هذا الجزء 327 ليلة من الليالي و 1250 صفحة)، أصدرت الدار أيضاً ألبوماً فخماً في عنوان "ألبوم ألف ليلة وليلة" ويشكل امتداداً للحكايات وأجوائها، كما يتناول أثرها في المخيلة الغربية في جميع الحقول والميادين، ويحتوي على صور ومحفورات وصفحات من مخطوطات الترجمات الأولى وأغلفتها، وقد اختارتها وعلّقت عليها الباحثة في "المركز الوطني للبحوث العلمية" في فرنسا مارغريت سيرونفال المعروفة بدراستها للحكايات عبر الترجمات الفرنسية والإنكليزية، وبتاريخ تزيين هذه الحكايات.
لدى وصول الحكايات إلى الغرب في القرن الثامن عشر مع غالان كانت نصاً بلا صور وتنتمي إلى تقليد يحيل الصورة على خطوط هندسية لا متناهية وعلى إيقاعات الخطّ المتشعبة والدقيقة. وصلت إذاً مع غالان ومع غيره من المترجمين في القرن التاسع عشر ودخلت في حضارة تشكل الصورة أحد مكوناتها الأساسية. هكذا كانت الحكايات مصدراً لألوف الكتب المصوّرة التي تكشف، عبر الصورة، حساسية الغرب بالنسبة إلى نص يأتي من الشرق. ولقد ساهم في إنجاز هذه الصور فنانون تشكيليون وحفارون ومزينون. ولم يتوقف أثر "ألف ليلة وليلة" على الفنون التشكيلية بل ذهب أبعد من ذلك فطاول المسرح والأوبرا والسينما وحتى الإعلانات.
في سياق التأريخ للحكايات أيضاً، توقفت مارغريت سيرونفال عند حادثة حصلت في القاهرة عام 1896. ففي قاعة سفلية لصرح قديم وفي أنقاض مدافن قديمة، تم العثور على محفوظات ووثائق لم يعبث بها الزمن ولا حروب البشر منذ مئات السنين. وعندما أخرِجت من مخابئها بيع الكثير منها وتبعثرت أجزاؤها في العالم أجمع. بين هذه الوثائق كان ثمة ورقة متآكلة وصلت إلى أميركا. هناك أيضاً كان على هذه الورقة أن تنتظر أكثر من خمسين عاماً قبل أن تلمحها عين أحد العلماء الذي عمل على تفكيك حروفها.
على بقايا تلك الصفحة الوحيدة الناجية من مخطوط قديم خُطّ بشكل واضح التاريخ التالي: 879. أما الكلمات التي احتوتها والناجية من الزمن فتأتي على ذكر شهرزاد وأختها المتواطئة معها دينارزاد. ولا ذكر فيها أبداً لشهريار الذي أراد أن يثأر من زوجته التي خانته بقتله جميع نساء الأرض. لكن لا شك في أن شهريار الغائب عن هذه الصفحة موجود في الصفحات الأخرى من هذا المخطوط الضائع، أو أنه يوجد، ربّما، على الصفحة نفسها لكن أحرف اسمه تبدّدت مع الكلمات والأحرف المتناثرة. إنها المرجع الأقدم لـ "الليالي"، ولا ندري ما إذا كان ثمة صفحات أخرى من الكتاب كتبت قبل القرن التاسع.
الحكايات التي اعتمدت عليها شهرزاد لتطيل بها حياتها وتنقذ بنات جنسها من الهلاك، هذا الإكسير من الفتوّة الأبدية تحول مع الوقت إلى نافذة يأتي منها الضوء الفاتن، القادر على محاربة السأم والتخفيف من وطأة الزمن العابر. عام 1890، جاء على لسان كيبلينغ: "إذا سمعتَ نداء الشرق، فإنكَ لن تسمع شيئاً آخر غيره على الإطلاق". نداء الشرق هذا يأتي من جانب البدايات الدائمة، المشرّعة على العالم. وهذا ما نستشفّه أيضاً في السؤال الذي طرحه جمال الدين بن شيخ كمنطلق لكتاب "ألف ليلة وليلة أو الكلمة الأسيرة" الصادر عن دار "غاليمار" عام 1988: "ما الذي يجعل من حكايات "ألف ليلة وليلة" كنزاً من كنوز الثقافة العالمية ومكاناً للحلم حيث القول والفعل ليسا سوى لحظات من حقيقة واحدة؟". نفهم مغزى هذا السؤال عندما نسمع بن شيخ يقول إن "ألف ليلة وليلة" ليست مجرد مجموعة من الحكايات المسلية. فالنص العميق يذهب أبعد من ذلك ويأخذنا إلى زمن لا يزال فيه السحر هو الذي يعالج أسرار العالم.
يتناول هذا الكتاب بالتحليل حكايات يدور معظمها حول موضوعات الحب والمرأة، والنظرة المضمرة إلى المرأة والموقف منها. أما الحكايات التي اختارها بن شيخ فهي على التوالي: حكاية الوزير نور الدين وشمس الدين، حكاية قمر الزمان وبدور، حكاية أبو صير وأبو قير وحكاية حسيب كريم الدين وملكة الحيّات. وإذا كان بن شيخ يستهل كتابه بدراسة الحكاية التي تمهّد لجميع الحكايات، أي الحكاية قبل وصول شهرزاد إليها، فهو يؤكد مسألة أساسية يمكن اختصارها بثنائية الرغبة والقانون، والمواجهة بينهما، من البداية إلى النهاية، وليس من نهاية، ومن المتلقي الأول الذي هو شهريار حتى اليوم.
يلاحظ بن شيخ أن الحكايات تحفل بالحديث عن انحراف المرأة الموصوف، هنا، بالكيد والخيانة. تلك الخيانة التي تبدأ منذ لحظة السرد الأولى، والتي هي فاتحة الحكايات كلها، مع موت الزوجتين، زوجة شهريار وزوجة أخيه، ومعهما "عبيد" القصر وأكثر من ألف فتاة. يطالعنا التركيز على طبيعة المرأة المنحرفة في حكايات عدة منها، على سبيل المثال، حكاية "الشباب المسحور" التي تحكي قصة ابن الملك محمود، سيّد الجزر السوداء الذي يرث أباه ويتزوج من ابنة عمه، لكنه سرعان ما يكتشف أنها تخونه مع رجل أسود، قبيح المظهر، وهي تستسلم له رغم معاملته الفظة لها. وفي إحدى المرات يفاجئ الملك المخدوع زوجته وهي برفقة الرجل الأسود، فينقض عليه ويجرحه جرحاً بليغاً، غير أن الملكة لا تستسلم فتهتمّ بعشيقها وتعتني به ليلاً ونهاراً، ولا تتوقف لحظة واحدة عن البكاء. وبما أنها تتمتع بقدرات سحرية خارقة، تعمل على تحويل النصف الأسفل من زوجها حجراً تضربه مئة ضربة كل يوم، ولا ينقذه منها سوى سلطان آخر يأمر بقتل الزوجة وعشيقها.
تعقيباً على هذه القصة، يكشف الكاتب كيف أن حكاية "الشباب المسحور" تتناول انحراف الملكة التي تفضّل بشاعة "العبد" وعنفه على جمال الملك وفخامة قصره. كما تتناول العشق في حدوده القصوى والمرأة بما هي نظام من الرغبات الجامحة التي تهدّد الملك والقيم والمجتمع.
في اللاوعي الجماعي للمرحلة التي صيغت فيها الحكايات تبرز علاقة المرأة والرجل الأسود في وصفها صورة للانحراف والدونية. أن تخون المرأة شرّ وأن تخون مع رجل أسود شرّ مضاعف. الأسود في الحكاية المذكورة وفي الكثير من الحكايات الأخرى، بشع وفظ وحيواني. يقول بن شيخ إن شهرزاد وقعت في فخ أنماط من التفكير تعكس النظرة إلى المرأة بما هي مصدر للشر. غير أن "ألف ليلة وليلة" لا تشتمل على رؤية واحدة ومفهوم واحد، بل تتحرك فوق رقعة واسعة من الأفكار والموضوعات، وحكاياتها تختصر مشاعر النفس البشرية بتناقضاتها واختلافها وتنوّعها. بن شيخ يركز على قصص الحب التي تتمحور حول موضوع المرأة الخائنة. وهذا لا يعني - وهو يعي ذلك بالطبع - أن ليس ثمة استثناءات تخرج معها الحكايات عن النسق العام وتتحدث عن خيانة الرجل نفسه، وأخرى تتحدث عن الإخلاص عند المرأة وحدها أو عند المرأة والرجل على السواء.
شهرزاد: الفوز بالحياة
ليس لهذه الشخصية الافتراضية من مثال لا في التاريخ الواقعي ولا الافتراضي. لا نفرتيتي ولا كليوباترا، لا سافو ولا عشتار، لا فينوس ميلو ولا فينوس دارسوس، لا ليليت ولا أفروديت، لا داناي ولا أوريديس، لا رابعة العدوية ولا تيريزا الآبليّة ولا الراهبة البرتغالية العاشقة. شهرزاد شخصية نموذجية فريدة من نوعها. جايشا تختلف عن جميع الجايشات. تختزن في شخصها شيئاً من روح العالم وجانباً مهماً من الموروث الثقافي العربي بثرائه وأبعاده. تستقوي بإرادة حياة خارقة وتحلّق فوق هاوية مشتعلة، وتلاعب، داخل القفص الواحد، أسداً جائعاً لا يرحم. تمضي في لعبتها وهي على ثقة بمقدرتها، وتعرف، في قرار نفسها، أن سلاحها أقوى من الموت أو على الأقلّ قادر على تأخيره، وفي أخبارها وحكاياتها ما يروّض النفس مهما كانت شرسة ومتوحشة.
في أفق الحكاية إذاً، كما في كل الحكايات العظيمة وفي الفنون الجميلة على العموم، يتحرك الموت. من بعيد يرافق المسافر كأنه هو الذي يرعاه ويحميه.
مشروع شهرزاد رهان على الكلمة، ليس أيّ كلمة، بل تلك المشحونة بطاقات ثقافية ومعرفية موسوعية، تستقي من التاريخ والأسطورة معاً، من الجغرافيا الواقعية والمتخيلة، وتنهل من حكايات الملوك والأمثال والحِكَم والأشعار والإشارات الحسية والمغامرات والأسفار التي لا تنتهي... في هذا العالم الذي بلا حدود كلّ شيء قادر على النطق حتى الحجارة.
ثمة رهان آخر هو الأسلوب، أو الطريقة التي تتبعها شهرزاد في سردها للحكايات والتي لا تنفصل عن وعاء السرد ويتمثل في حضورها وصوتها وحركات فمها ونظراتها ويديها، في خبثها ودلالها، ما يجعل الحكاية الجميلة أصلاً أكثر إثارة وتشويقاً، كالنبيذ الأطيب في أجمل الكؤوس.
رواية "الليالي" تجعل المرأة في المقام الأعلى للولادة، فالولادة هنا لا تنفصل عن الإبداع والجمال. الولادات الأخرى غير مضمونة. الولادات البيولوجية حقل مفاجآت وفظائع. قد تنجب المرأة الأكثر طيبة وسلاماً في العالم، الإبن الأكثر إجراماً ووحشية. وقد تكون المرأة، من حيث لا تدري في أغلب الأحيان، المصنع الذي يزوّد الحروب المقاتلين في هذا التاريخ البشري الدامي.
لا دخل للولادة هنا بالولادة هناك. ولعبة الاستيلاد حين تتناسل الحكاية من الحكاية إلى ما لا نهاية - هي لعبة من أجل الفوز بالحياة. إنها على نقيض الولادات المحكومة بمصيرها منذ البداية والتي تنتهي بالموت. أكثر من ذلك، تناقض هذه الحقيقة المفترَضة سلبية النظرة إلى المرأة كما تطالعنا في الكثير من الحكايات. هكذا فإن ربط القص بالمرأة له دلالاته وليس مجانياً أبداً. كأن القص، في مخيلة الذين صاغوا الحكايات، أنثوي في الضرورة، والحكاية، ليلة بعد ليلة وبتشويق متصاعد، مرادف لهذه الأنثوية العالية.
لكن قلما تمّ تناول شهرزاد من هذه الزاوية. كثيرة هي ترجمات "الليالي" وقليلة قراءة بطلتها وشخصياتها. من الكتب النادرة التي تنظر إلى شهرزاد من زاوية أخرى، كتاب في عنوان "أنثوية شهرزاد، رؤيا ألف ليلة وليلة" ويحمل توقيع الباحثة الفرنسية ماري - لاهي هوليبيك التي كانت أستاذة محاضرة في "معهد الدراسات العليا" في باريس مطلع القرن العشرين. صدر كتابها عن دار "رادو" الباريسية عام 1927 ويعتمد على ترجمة ماردروس لـ "ألف ليلة وليلة". المفارقة أن هذا الكتاب على أهميته، لا يشكل مرجعاً من المراجع التي تمّ الاعتماد عليها في تناول الموضوع في العقود الأخيرة. قد يكون السبب في ذلك نفاده منذ زمن طويل، وفقدانه. وكان عثر على نسخة منه بالمصادفة في إحدى المكتبات المختصة في الكتب القديمة في الحي اللاتيني في باريس الكاتب السعودي عابد خزندار الذي نقله إلى العربية وصدر عن "المكتب العصري الحديث" في القاهرة عام 1996.
أهمّ ما في هذا الكتاب "المجهول" أنه ينظر إلى شهرزاد في وصفها خلاصة المكتسبات الثقافية والتجارب الاجتماعية. إمرأة هي هذا الهوميروس السحري، وملحمتها الرائعة تجسيد لواحدة من أبهى لحظات الحضارة العربية. في هذا المعنى، تكون شهرزاد قد لعبت دوراً لم تعرفه القرون الوسطى في الغرب ولم تتصوره القرون اللاحقة إلاّ بعد كثير من التردد. فشهرزاد في كتاب هوليبيك هي الأكثر تحرراً وحيوية، والأكثر إقناعاً من كل أولئك الذين أخذوا على عاتقهم عبر التاريخ تزويد العقول النهمة ولادات جديدة. هي الخبيرة في أسر الأرواح ما كانت تبحث فقط عن تسلية شهريار والترويح عن نفسه وغوايته، انتصاراً للحياة، بل كانت تسعى أيضاً، عبر الحكايات، إلى تعليم الرجل وإخراجه من غلاظته وجهله. أي أنها كانت تسعى إلى خلقه من جديد فيتطور وينتقل من الغريزة إلى الوعي، ومن الانفعال التلقائي إلى الحكم الإرادي.
إذا كان بن شيخ في كتابه "ألف ليلة وليلة أو الكلمة الأسيرة" يركّز على حكايات تتماشى مع نمط من التفكير يكرّس دونية المرأة، فإن كتاب "أنثوية شهرزاد" يكشف أن الراوية ما كانت تجاري أحياناً شهريار في موقفه من المرأة إلاّ وفقاً لمخطط يرمي إلى أهداف أخرى تصبّ في صالح المرأة وردّ الاعتبار إليها. فالحكايات لا تقدم نموذجاً واحداً لها. هناك المحظيات الفاسقات ودليلة المحتالة والجارية تودُّد وقوت القلوب وفرزاد ذات الابتسامة الوردية...
عندما يتابع شهريار مئات المغامرات التي يخوضها وينغمس فيها عدد من النماذج الأنثوية، فإنه لا يملك إلاّ أن يخفف من غلوائه وتصوّره المنحاز ضدّ المرأة، وتحلّ صور جديدة للمرأة محل تلك التي كانت تتسلط عليه. فيتعلم كيف يوائم بين جمال الجسد وسحر العقل، ويكتشف هبة الحب الحقيقي.
في هذا المعنى، "ألف ليلة وليلة" ليست توليفاً لحكايات قديمة جُمعت بمحض المصادفة. وليست فسيفساء منمّقة يراد منها الحفاظ على تراث الماضي فقط. إن المادة المتصوّرة، على ثرائها وتنوعها، ليست إلاّ قناعاً لإخفاء غاية أخرى هي التعليم، وما حاوله سقراط في "المائدة" لينقل إلى تلامذته نظرية الحب المطلق، هو ما حاولته شهرزاد مع شهريار. لقد علمته كل ما يجهله، وكل ما تعرفه، خصوصاً ما تعارف معلّمو القرون الوسطى على تسميته الفن الملكي، أو بكلمات أخرى فن طريقة الحياة نفسها.
ينظر كتاب "أنثوية شهرزاد" إلى المرأة كقيمة إنسانية، لا كمجرد أداة في يد الرجل. إنها هنا كائن من لحم ودم. وليست انعكاساً لاستيهامات يسقطها عليها الذكَر بعد أن يحوّلها محطاً للنزوات وآلة يفرغ فيها شهواته ومكبوتاته، ثم يعلن خوفه منها فيطوّقها بالقوانين ويعزلها في وضعية دونية لا قيامة فيها.
من هذا المنطلق تلاحظ الباحثة أن "ألف ليلة وليلة" هي موسوعة عصرها، أو كما جاء في الكتاب: "إن المعارف الجزئية، والمتفرقة، وكل ما يتمّ تحصيله في المدرسة، وصدف الظروف التي تؤلّف المحصلة الأولى، لا تسمح للمرء بأن يرقى إلى النظر الموضوعي للأشياء، وإلى الإدراك الشمولي الذي يتمتع به أولئك الذين يؤسسون العدالة. إنها تخلق قشوراً زائفة للعلم وتفضي إلى خلق المعلّمين، والعاطفيين، والمتصلبين، والمعمِّمين المغالين، وفي عبارة أخرى كل ما كان عليه شهريار في بداية الكتاب. وشهرزاد تقبل على هذا المسعى الشاق الذي لا سابق له، فتدمج في حكاياتها معارف عصرها، وتصقلها، وتقدمها تدريجياً على جرعات، بحيث تتمكن من التسلل إلى عقل شهريار".
لكن إضافة إلى البعد التعليمي، تطرح الحكايات على نفسها، في معناها الأبعد، مهمة هائلة ألا وهي محاربة السأم. وأي نتاج، في التاريخ الأدبي عبر العصور، استطاع أكثر من "الليالي" مواجهة هذا العدو وتحقيق انتصارات عليه؟
من طبيعة الكواكب هي شهرزاد، لا تظهر ولا تنثر أنوارها إلاّ في الليل، أي في البرهة التي يولد فيها السحر والأسرار. وهذا ما يضاعف من وقعها. في العتمة تفوح رياحينها، ومنها نستدلّ عليها. "بعطرها لا بأشواكها تدافع الوردة عن نفسها" يقول بول كلوديل. وكم تشبه شهرزاد وردة الشاعر الفرنسي.
لو يسعنا أن نتخيل هذه الراوية! بعض الأشخاص نتخيلهم من أصواتهم وبعضهم الآخر من كتاباتهم. فكيف نتخيل المرأة العاصفة؟ وهل يكفي أن نصف شَعرها ولون عينيها لنقول إننا وصفناها. بعض الوجوه لا يمكن اختزالها من طريق الوصف. شهرزاد عصية على الوصف. إنها "محلّ الانفعال"، كما يحلو لابن عربي أن يختصر المرأة، فكيف إذا كانت هذه المرأة المشعشعة كوكبة نساء!
"ليالي" بورخس
لا يكتمل الحديث عن "ألف ليلة وليلة" بدون العودة إلى بورخس الذي سمع نداء الشرق واعتبر أن كتاب "ألف ليلة وليلة" فسيح وشاسع، لا نهائي ولا محدود، ولا يمكن استنفاده، إلى درجة لا يعود ثمة حاجة إلى قراءته، ذلك أنه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ذاكرتنا. بورخس الذي سحره عنوان الكتاب واعتبره من بين الأجمل في تاريخ الكتب في العالم، قدّم قراءات شديدة الخصوصية للحكايات، ليس فقط في محاضراته بل أيضاً في نصوصه الأدبية نفسها، حتى أنه استشهد بليال غير موجودة في "ألف ليلة وليلة" بل هي من صنع خياله.
في كتاب "تاريخ الأبدية" وفي مراجعة عنوانها "مترجمو ألف ليلة وليلة"، تناول بورخس الترجمات الأساسية التي عرفها الغرب، من الفرنسية مع أنطوان غالان وماردروس، إلى الإنكليزية مع بورتون ولاين وباين، إلى الإسبانية مع رافاييل كانسينوس أسينس، فالألمانية، وأسهب في الحديث عن أساليبها وخصائصها ناظراً إليها في وصفها أغصاناً كثيرة لشجرة واحدة. كما تحدث عن أثر "الليالي" في الأدب الغربي وتوقف عند نماذج كثيرة لعدد من الأدباء منهم لويس كارول وستيفنسن ودوكنسي.
إلاّ أن الأثر الأكبر يطالعنا في نتاجه هو بالذات، وتكفي الإشارة هنا إلى أحد نصوصه وعنوانه "فعل الكتاب" ويتحدث عن "كتاب عربي" كان في حوزة أحد الجنود في طليطلة، ولم يكن من حاجة إلى قراءته طالما أنه، مثل "ألف ليلة وليلة"، جزء من الذاكرة. "كتاب الرمل" هو الآخر يتماهى مع "ألف ليلة وليلة"، وفي القصة التي تحمل العنوان نفسه يتحدث الراوي عن إشارة وردت على زاوية من الغلاف تحيل على قداسة النص، وهو ليس الكتاب المقدس، ذلك أن الكتب كلها مقدسة بحسب بورخس، سواء أكانت دينية أم غير دينية. ثم أنه - مثل "الليالي" أيضاً - كتاب لا ينضب، وجاء فيه: "لا يمكن أن نحصي عدد صفحات هذا الكتاب إذ ليس ثمة صفحة أولى أو صفحة أخيرة. إنه كتاب الرمل". من الصحراء يأتي إذاً، ومن حيث تُشرق الشمس. وحين يبحث له عن موضع في مكتبته يخفيه وراء أجزاء من "ألف ليلة وليلة". إنه، على حدّ تعبير المؤلف، من الكتب التي يمكن أن نستبدل بها الواقع، بل أن نفسد بها الواقع. في "كتاب الرمل"، وفي نص عنوانه "المرآة والقناع"، يحكي الكاتب عن صفحة غريبة، فيقول: "لم يكن فيها وصف للمعركة. كانت هي المعركة". ويتحسس الخطر حين يفكر في النار إذ يعتبر أن "إحراق كتاب لانهائي يصبح في الوقت نفسه ناراً لانهائية تخنق الكوكب بدخانها".
هكذا فإن حكايات "ألف ليلة وليلة" هي أحد الهواجس الأساسية التي يتحرك ضمنها أدب بورخس، في نصوصه النثرية ومنها "الملكان والمتاهتان" وفي شعره إحالات كثيرة عليها، وقصيدة كاملة عنها بعنوان "إستعارات ألف ليلة وليلة" (نثبتها في موضع آخر). نتاج يتسم بالغرائبية ويتداخل فيه الواقعي والمتخيل على خلفية من الرموز والأحاجي، مثلما تتداخل الحكايات في "ألف ليلة وليلة". وهي هذه "الليالي" كانت معبري إلى هذا الكاتب في أحد أيام حزيران من العام 1980، وكان تجاوز الثمانين من العمر. لا أنسى أبداً لقائي الأول به في فندق "الفندق" في شارع "بوزار" في باريس، بين السان جيرمان دو بري ونهر السين. كنتُ عرفتُ بمجيئه آنذاك من خبر ورد في نشرة أخبار الظهيرة في التلفزيون الفرنسي الذي تحدث عن نيله جائزة أدبية في إيطاليا.
دخلتُ باحة الفندق التي كانت تغصّ بالصحافيين وكانت آلات التصوير مثبتة وجاهزة في كل مكان. معظم القنوات التلفزيونية كانت هناك. سألتُ عنه فقيل لي إنهم ينتظرونه منذ ساعات. ثم توجهتُ إلى مكتب الاستقبال في الفندق فجاءني الجواب: "عليكَ أن تسأل ماريا كوداما". ماريا كوداما. أعرف هذا الإسم، قلتُ في نفسي. فقد ورد في إهداءين لمجموعتين شعريتين لبورخس هما "الرقم" و"المتآمرون"، وجاء في أحدهما: "كل عطية حقيقية هي عطية متبادلة، ما عدا قطعة النقود اللامبالية التي ترميها الصدَقة المسيحية في يد الفقير. الذي يعطي لا يحرم نفسه مما يعطي، ذلك أن العطاء والأخذ شيء واحد. إن إهداء كتاب ما، هو، ككل أفعال الكون، فعل سحري. ويمكن أن ننظر إليه بوصفه الطريقة الأجمل للتلفظ باسم. وها أنا الآن أتلفظ باسمك، ماريا كوداما"... لا أستطيع أن أعود إلى تلك اللحظة بدون أن أتذكر هذه الكلمات الرائعة لبورخس والتي أنقلها للقارئ لعله يشاركني الاستمتاع بقراءتها.
عندما قالت لي ماريا كوداما إنه متعَب من السفر ولا يستطيع أن يستقبل أحداً، طلبتُ منها أن تبلّغه فقط بأن من يرغب في رؤيته يأتي من بلاد "ألف ليلة وليلة" ويتحدث الإسبانية. غابت ماريا قليلاً وعادت لتقول لي إنه في انتظارك في الغرفة العاشرة من الطبقة الأولى. كنتُ أنا ومصوّر "النهار العربي والدولي" عزيز خلاط. كان الباب مفتوحاً فدخلنا. في هذا اللقاء جلس بورخس على حافة السرير. ارتدى سترته الرمادية وحمل عصاه السوداء وراح يتحدث بإسبانية تتداخل فيها بعض العبارات الفرنسية. بصوت يتهدج بما يشبه الضحك المكتوم. ذاك الصوت الذي بدا لي وقتها كأنه يجوس المكان ويتلمس كل ما حوله. تحدث عن الأندلس، عن الشعر والعمى، عن مكتبة والده وقراءاته الأولى، وتحدث في الأخصّ عن "ألف ليلة وليلة" وعن الشرق، ليتساءل "ما إذا كان الشرق اليوم موجوداً بالنسبة إلى الشرقيين أنفسهم؟!".
أخرج من الغرفة العاشرة وفي عينيّ عيناه المفتوحتان وتلك النظرة التي تذهب إلى الأمكنة التي لا تطالها الأعين. ترافقني وأنا أسير في محاذاة "معهد الفنون الجميلة" في اتجاه مقهى "لو بونابارت" عبارات طالما رددها قولاً وكتابة: "ماذا يمكن أن يحدث لنا أفضل من الزوال والنسيان؟ ما همّني ما سيصير إليه اسمي؟ إن كتاباً في مستوى "ألف ليلة وليلة" لا يُعرف من يكون كاتبه...".
هل الكتاب موجود فعلاً؟
في الثمانينات من القرن الماضي أمضيتُ ثلاثة أشهر مقتفياً أثر هذا الكتاب في قسم المخطوطات الشرقية في "المكتبة الوطنية" في شارع ريشوليو في باريس. هناك كنتُ ألتقي رينه خوام الذي اعتمد في ترجمته "الليالي" على المخطوطات الموجودة هناك.
في هذه المكتبة أيضاً تمّ تصنيف المخطوطات تبعاً لمواصفاتها: المخطوطات الأكثر اكتمالاً (قياساً إلى الحكايات التي تمّ تدوينها)، والمتقاربة في عدد صفحاتها وموضوعاتها وأبرزها المخطوط الذي اعتمد عليه أنطوان غالان والذي يرقى إلى القرن الرابع عشر (ميكال يعيده إلى القرن الخامس عشر لكن بدون أن يحسم التاريخ). هناك أجزاء من مخطوطات وحكايات تطالعنا فيها الحكاية نفسها بأشكال وأحجام مختلفة، وهناك أخيراً مجموعة المقاطع المبعثرة المقتطعة من متنها العام. على هذا النحو نتبيّن مخطوطات "ألف ليلة وليلة" في معظم المكتبات العالمية وفيها رجع صدى للنصوص التي تشكل النواة الأولى لحكايات رواها ودوّنها نسّاخ لم يتركوا عليها أسماءهم. يضاف إلى هذه المخطوطات طبعتان أساسيتان، متقاربتان، ترقيان إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر وتنطلقان من نصوص جمعت في القرن الثامن عشر، وهما طبعة بولاق في القاهرة وطبعة كلكوتا في الهند. وعلى هاتين الطبعتين اعتمد بن شيخ وميكال في ترجمتها الجديدة.
بتنوّع مخطوطاته وتعدّدها، وبتعدّد ترجماته، يصبح هذا الكتاب احتمالات كتب لا تحصى. لكن من الذي يتكفل دراسة نقدية تعانق كل المخطوطات والترجمات؟ من الذي يجمع هذا الإناء الثمين المكسور؟ وهل أن هذه المخطوطات كلها هي نواة كتاب واحد لم يكتَب بعد؟ أم أنه الكتاب المستحيل الذي تتعذر كتابته والذي يبقى عصياً علينا رغم كل حالات الإغواء والسحر التي تغوينا وتأخذنا إلى أبعد من هشاشتنا ومن شرط وجودنا الضيّق والمحدود؟
حاضر فينا بقوة هذا الكتاب ولفرط حضوره نتساءل ما إذا كان موجوداً بالفعل! يدفع إلى هذا التساؤل أيضاً اللغز الذي يحيط بمنشأ الكتاب، إذ تتسع الرقعة الجغرافية التي تتحرك ضمنها الحكايات ومصادرها، وتتشعب الأماكن التي لعبت دوراً في صياغة هذا النسيج المتشابك من بلاد فارس والهند، ومن إيران والعراق، ومن مصر وسوريا حيث حطّت تلك الحكايات الرحال وأخذت تتسع وتتناسل في صورة غريبة. غامضة أيضاً المرحلة التاريخية التي صيغت فيها الحكايات الأولى. غير أن الإشارات الأولى للكتاب والتي يأتي على ذكرها كل من درس "الليالي"، وردت في "مروج الذهب" للمسعودي في القرن العاشر، ثمّ في أواخر القرن نفسه في "الفهرست" لابن النديم. أما أندره ميكال فيشير في تصديره للترجمة إلى مرجع أكثر قدماً، ويتحدث عن اكتشاف بقايا ورقة من مخطوط كتب عليه الرقم "ألف" وكلمات من بداية النص ويرقى إلى المرحلة الممتدة بين القرنين الثالث والتاسع.
غامض هو الآخر اسمُ المؤلف أو المؤلفين الذين صاغوا الكتاب أو تعاقبوا على صياغته. وثمة أسئلة تبقى قائمة: من سيقوم بجمع المخطوطات والتحقيق فيها، ومعروف أن هذا العمل يتطلب مؤسسات ثقافية كبيرة وأجهزة علمية ومتخصصين وقد يستغرق إنجازه عقوداً من الزمن؟ هل من حكايات أخرى غير الحكايات التي تتضمنها المخطوطات التي وصلت إلينا؟ هل ثمة حكايات جرت على ألسنة الرواة وذهبت مع الذين حفظوها وأكلها النسيان؟ ما هو الأصل المحكي في الكتاب وما هو الأصل المكتوب، ومن قسّم الحكايات ليالي؟ هل هناك مخطوطة أصلية واحدة تحتوي على جميع الحكايات، أم أن الحكايات تجد وحدتها في ضياعها وتبعثرها؟ ولمَ لا نمضي أبعد من ذلك ونتساءل عن مصير شهرزاد وشهريار: ماذا حل بهما؟ هل أنجبت شهرزاد أكثر من ولد واحد كما تؤكد بعض المصادر؟ هل توفي شهريار فجأة إثر توقف شهرزاد عن الكلام؟ أم أن شهرزاد وشهريار لا وجود لهما إلاّ في الحكاية، يتحركان خارج الموت، ويطالعاننا دائماً في الليلة الأولى بعد الألف التي هي بداية ألف جديدة إلى ما لا نهاية؟
http://www.annahar.com/cults/
07.09.2005