راقبوا مصر


اذا كان اللبنانيون اطلقوا شرارة التغيير نحو الديموقراطية في العالم العربي وهم يعيشون اليوم نتائج ما فعلوا بحلوه ومرّه، فإن ما يرجح كفة التغيير هذا في المنطقة بما لا يوفر دولة او نظاما سيكون من مصر.

وقد حصل في مصر ما يصعب العودة عنه. وتبسيطا، فإن ما حصل هو اختراق كبير لثقافة الخوف من النظام واختراق أكبر لصورة الرئيس الذي لا يُقهر. فثمة اليوم من يتحدى الرئيس ونظامه في الشارع ويقول له كفى بل يسأله عن ثروته وسياساته. وثمة صحف تنتقده وتنتقد حكومته وحتى عائلته. وثمة احزاب وحركات جديدة تحاول كسر احتكار الحزب الحاكم للسلطة والسياسة منذ عقود.

لا اوهام طبعا من حيث قدرة المعارضة المصرية على إحداث التغيير المرجو الان. فهذه معارضات متنافرة وتأثيرها لا يزال محدودا جدا في بلد يتجاوز سكانه 70 مليونا. الليبيراليون يخاطبون النخبة و"الاخوان المسلمون" المحظورون هم الاكثر فاعلية في الشارع. واذ يقترب "الاخوان" بحذر من الليبيراليين في الاحتجاجات، فان فقدان الثقة بين الطرفين هو المشكلة. الليبيراليون يخشون ان يستخدم الاسلاميون الديموقراطية للوصول الى السلطة ليبقوا فيها. وهذا يفيد النظام اصلا لان حجته التاريخية لتفادي الاصلاح هي التهويل بحكم الاسلاميين.

مأزق كبير للمعارضة يقلل خطرها على النظام. لكنه لا يلغي حقيقة ان الرئيس حسني مبارك ونظامه في مأزق أكبر يتمثل في حقيقة انه لم يجد بعد صيغة جديدة تمكنه من حماية نظامه. فحتى لو تجاهل الداخل واكتفى باجراءات شكلية يسميها اصلاحات فانه غير قادر بعد على اقناع الادارة الاميركية بها. ومع ان الادارة اصدرت اشارات الى استعدادها للسير معه في الاصلاح خطوة خطوة، فانها لا تزال حازمة برؤية خطوات جدية.

وفي هذا لا يملك مبارك خيارات كثيرة اذا اصر الرئيس جورج بوش على اصلاحات فعلية في مصر. ففي النهاية تحصل مصر سنويا على ملياري دولار مساعدات اميركية ولا يستطيع مبارك التفريط فيها.

وما لم تحصل تطورات غير محسوبة، فان هذا لا يعني ان وضع مبارك على وشك الانهيار ولا حتى انه سيخسر الانتخابات الرئاسية المقبلة. فالتعديل الدستوري الذي أجراه يكفل له ولاية خامسة من ست سنوات اضافية. ولكن تبقى المشكلة الاساسية بلا حل: شرعية الحكم.

ولعل محمد حسنين هيكل كان أفضل من لخص المأزق في حديث تلفزيوني قبل ايام اذ قال ما معناه أن عبد الناصر حكم بشرعية ثورة 1952 والسادات حكم بشرعية حرب 1973 ثم اتفاق السلام، ومنذ اغتياله في 1981 دخلت مصر مرحلة انتقالية مع مبارك لا تزال مستمرة. وقال ان كون مبارك قائد سلاح الجو في 1973 لا يكفي وحده ليعطيه شرعية الحكم كل هذه المدة وان الوقت حان لتنتهي المرحلة الانتقالية.

طريق الشرعية بات معروفا. فهل سيكون مبارك قادرا عليه؟ تردده حتى الان لا يطمئن. لكن مصر ستبقى مؤشر التغيير في العالم العربي. فراقبوها.


سحر بعاصيري