:cool:
العود الصنعاني أربعة أوتار وذراع بجلد الماعز ومرآة يعدل فيها الفنان هندامه
صنعاء: صادق السلمي
صنفت منظمة اليونسكو فن الغناء الصنعاني من الروائع العالمية لامتلاكه عدة مميزات جعلته متفرداً عن الألوان الغنائية اليمنية وكذلك العربية والعالمية، ويقول الباحث الموسيقي الفرنسي الدكتور جان لامبير أحد أبرز المهتمين الأجانب بهذا الفن إن الغناء الصنعاني يتفرد بعدة مميزات تقنية وجمالية وإيقاعية إضافة إلى تميز كلماته وشعره الخميني الرقيق.
ولما لهذا اللون الغنائي اليمني من تميز جعله محط أنظار دراسة كثير من الدارسين واهتمامهم, فإن ما يلفت النظر أخيراً اهتمام وزارة الثقافة اليمنية بدراسة واقع هذا اللون بهدف تطويره والخروج به من الحدود الجغرافية البسيطة التي ما زال واقعاً في أسرها.
وبمناسبة اختيار صنعاء عاصمة للثقافة العربية لعام 2004م نظمت وزارة الثقافة اليمنية ندوة "فن الغناء الصنعاني... جذور وآفاق" تحدث فيها فنانون وباحثون أجمعوا على أهمية الخروج بهذا اللون إلى مساحات أوسع وبتوزيع موسيقي حديث, خاصة أن كل مخرجات هذا اللون من الأغاني ظل أسير قوالب وأشكال لم تجدد منذ قرون لما أحيط به من هالة (تقديس) حصرته في مكانه وحاله دون تغيير, حتى الأغاني اليمنية الجديدة المنتسبة لهذا اللون ظلت ضمن السياق نفسه، ولم تستطع الخروج إلى آفاق أرحب، ولكن يصعب التعامل معها على المسرح أو التلفزيون، طالما لم تتغير وتتجدد, فالمستمع والمتابع للفنانين اليمنيين الجدد الذين يقدمون اللون الصنعاني سيجد أنهم لم يخرجوا من الإطار الذي رسمه فنانو الأغنية الصنعانية الذين خرجوا بها إلى السطح وأشهروها منذ أربعينيات القرن الماضي وأبرزهم أحمد القعطبي والأخفش والسمة والآنسي.
وحسب بحث الباحث في التراث الشفهي اللامادي رئيس المركز اليمني الفرنسي للدارسات الاجتماعية في صنعاء جان لامبير فإن " فن الغناء الصنعاني يتفرد بعدة مميزات تقنية وجمالية وإيقاعية، إضافة إلى تميز كلماته وشعره الخميني الرقيق"، يقول جان لامبير إن الغناء الصنعاني يرتكز على آلتين مميزتين لا تستخدمان في أي نوع من أنواع الغناء، تنسجمان وتتحدان مع الكلمات والعزف والصوت المميز، وهاتان الآلتان هما العود والصحن.
فالعود الصنعاني الذي قامت عليه الأغنية الصنعانية يتكون من أربعة أوتار وبطن وذراع مغطى بجلد الماعز ومرصع بالنحاس، وفي أعلى ذراع العود توجد مرآة اختلفت التفسيرات حولها، بعضهم يقول إن المرآة وجدت لكي يطمئن الفنان على هندامه قبل بداية الغناء.
وقد انتشرت آلة العود اليمني في كل المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا وجزر القمر، ولا شك أن هذه الآلة وجدت في زمن قديم لم يتسنى معرفته بعد على وجه الدقة، أما الصحن فهو آلة إيقاعية بسيطة، ولكنها متميزة، وقد يكون الصحن من الحديد أو النحاس، إلا أنه في القديم كان يستخدم صحن النحاس فقط للعزف، ويسمى صحن المميا، وهذه التسمية مجهولة لم يعرف مصدرها أو معناها.
والصحن موجود في تراث الشرق الأقصى، ولكنه يوظف بشكل مختلف تماماً، حيث يعلق الصحن ويعزف بالضرب عليه بضربات متلاحقة، ولكن في اليمن يعزف عليه بطريقة مختلفة تماماً ويوظف توظيفاً آخر حيث يكون الصحن على الأكف ويعزف عليه بطرف الأصابع " الأنامل " بشكل عمودي من الأسفل إلى الأعلى.
ويختلف عزف الرجال عن عزف النساء, اللاتي يعزفن عليه بخفة بخاصة في المناسبات والأعراس, والعزف يعد أهم من الآلة كونه يؤدى بشكل مبدع وفريد يجسد الروح الصنعانية والثقافة الصنعانية المميزة والعميقة.
ويقول الباحث اليمني أحمد السلامي في ورقته حول عوامل ركود الأغنية الصنعانية: "لا بد من الإشارة إلى أن تقسيم الفنون الغنائية اليمنية على النحو السائد فيه خطأ منهجي يدركه الدارسون للموسيقى، بمعنى أن الاصطلاح على مفهوم الأغنية الصنعانية فيه لبس علمي من جهة كونه يعد اجتراراً لتصنيف إعلامي شعبي لا أساس له من الصحة.
من جهته يشير الباحث الموسيقي اليمني جابر علي أحمد إلى أن التركيز الشديد على تأكيد الملامح الخاصة بالأغنية الصنعانية يعدُّ عاملاً من عوامل ركودها, بمعنى أن حقيقة كون هذا اللون الغنائي يمتلك مواصفاته الخاصة الثابتة يعدُّ بحد ذاته عائقاً أمام تطوره.
ويقول إن من مميزات الأغنية الصنعانية التقليدية وجودها في المدى المحدود من الأنغام الموسيقية التي يمكن أن يعزف بها اللحن على العود، ويمكن استنتاج ذلك من أن معظم الأغاني الصنعانية إن لم نقل جميعها, من الممكن عزفها على الأوتار الثلاثة الأولى للعود في مدى إحدى عشرة نغمة من الأنغام الخمسة عشر التي يمكن الحصول عليها عادة من العود ذي الخمسة أوتار.
ويشير جابر علي أحمد إلى خطورة استمرار انجرار الفنانين الشباب إلى إرضاء ذوق رواد المقيل اليمني وتكييف جديدهم الغنائي مع الذائقة السائدة التي برمجت حاستها السمعية على نمط إيقاعي رتيب لا يتيح للفنان الانطلاق نحو آفاق أخرى، بل إنه يقفل في وجهه أبواب التحرر من أسر التصفيق والإعجاب الذي يبديه الجمهور في هذا النوع من النشاط الاجتماعي، ويرى أن البديل المناسب لحل هذه الإشكالية هو الخروج بالأغنية الصنعانية من الغرف المغلقة إلى القاعات الفسيحة ذات الطابع المسرحي الاحتفالي الجماهيري الخالي من طقوس المقيل المعقدة.
http://www.alwatan.com.sa/daily/2004-04-01...e/culture08.htm