بالمناسبة فانى اعد بحثا فى الدراسات العليا عن عقوبة المرتد فى الكتاب و السنة , و قد ناقشت فيه كل ادلة هذه العقوبة من الكتاب و السنة , و نتيجة البحث انه ليس فى كتاب الله اى نص على عقوبة المرتد لاجل ردته , و انما ورد فى القران الكريم النص على عقوبة من ارتكب جريمة الحرابة
اما الاحاديث النبويةفى المسالة فلا انكر ما صححه ائمة الحديث منها ,لكنها محمولة على عقوبة المرتد المحارب
و هذا هو حاصل مذهب الاحناف فى المسالة , فالمرتدة عندهم لا تقتل لانها لا تقاتل , اذن علة قتل المرتد عند ابى حنيفة رحمه الله انه محارب فهو يقتل للحرابة لا لمجرد الردة .
و هذا مقال قيم للدكتور محمد عمارة حقظه الله توصل فيه الى نفس ما قررناه من ان عقوبة المرتد هى للمرتد المحارب
كتب الدكتور محمد عمارة حفظه الله :
"وحتي عندما كانت فلتات اللسان تُظهر ما في البواطن -بواطن المنافقين- فيطلب بعض الصحابة عقابهم, كان رسول الله, صلي الله عليه وسلم, يرفض إقامة العقاب الدنيوي عليهم, ويقول: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".. وكما يقول ابن القيم [691 - 751هـ 1292 - 1350م]: "فإن نفاق عبدالله بن أُبي [9هـ 630م], وأقواله في النفاق كانت كثيرة جدا, كالمتواترة عند النبي, صلي الله عليه وسلم, وأصحابه, وبعضهم -[أي بعض المنافقين]- أقر بلسانه, وقال: "إنما كنا نخوض ونلعب", ولما قيل للنبي, صلي الله عليه وسلم: ألا تقتلهم? قال: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".
ولم يقم رسول الله, صلي لله عليه وسلم حدا ولا عقوبة دنيوية علي الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا.. ولا علي الذين آمنوا وجه النهار وكفروا آخره..
{لا إكًرّاهّ فى الدين } [البقرة: 256]" لأن الإكراه يثمر نفاقا, ولا يثمر إيمانا, إذ الإيمان تصديق قلبي يبلغ مرتبة اليقين, فاجتماعه مع الإكراه مستحيل..
وما الردة والزندقة والإلحاد إلا أمراض تعتري العقل -كالأمراض العضوية التي تعتري البدن- وعلاج الأولي بالحوار مع العلماء, وطلب الهداية والشفاء عند الهداة والحكماء.. كما أن علاج الأمراض العضوية هو من اختصاص الأطباء, لا المؤسسات العقابية للدولة..
ولذلك, جعل القرآن الكريم عقوبة الردة عن الدين أخروية, لا دنيوية {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة217
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54) .
ولم يُقم رسول الله, صلي الله عليه وسلم -وهو رأس الدولة - حدا علي مرتد إلا في الحالة الواحدة التي لم يقف فيها الأمر عند الردة عن الدين, وإنما بلغ الأمر مرتبة الحرابة والخروج المسلح علي الأمة والدولة.. فالنفر الذين اغتصبوا إبل الصدقة -مال الدولة- وقتلوا الغلمان الذين كانوا يرعون هذه الإبل -عمال الدولة- ومثّلوا بجثثهم, وارتدوا عن الإسلام, قد ارتكبوا جريمة مركبة, صنّفها الإسلام تحت حد الحرابة, وليس في باب الردة, وذلك عندما نزل في هؤلاء النفر قول الله سبحانه وتعالي: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ *إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [المائدة: 33, 34].
ولهذه الحكمة, جاء تصنيف "باب الردة" -في الفقه الإسلامي- ضمن "كتاب الحرابة".. وقال كثير من الفقهاء -ومنهم علي بن أبي طالب [23ق هـ - 40هـ -600 - 661م] وابن عباس [3ق هـ - 68هـ 619 -687م] والحسن البصري [21 - 110هـ 642 - 728م] وسفيان الثوري [97 - 161هـ 716 - 778م], وأبو حنيفة [80 - 150هـ 699 - 767م] وأصحابه وعطاء [27 - 114هـ 647 - 732م] وابن عُلية [110 - 193هـ 728 - 809م] -قالوا إن المرأة المرتدة لا يقام عليها الحد, لأنها غير محاربة, فلم تتحقق الحرابة في ردتها.
فالردة, إذا كانت مجرد اختيار فكري ذاتي, فإنها تدخل في حرية الاعتقاد.. وتعالَج بالحوار
ذلك أنها مرض, والمرض لا يعالَج بالعقاب..
وكما يقول الإمام محمد عبده [1266 - 1323 - 1849 - 1905م]: "فإن الرجوع عن الإيمان إلي الكفر يشبه الآفة تصيب المخ والقلب فتذهب بالحياة, فإن لم يمت المصاب بعقله وقلبه, فهو في حكم الميت, لا ينتفع بشيء, وكذلك الذي يقع في ظلمات الكفر بعد أن هُدي إلي نور الإيمان, تفسد روحه, ويظلم قلبه, فيذهب من نفسه أثر الأعمال الصالحة الماضية, ولا يعطي شيئا من أحكام المسلمين الظاهرة, فيخسر الدنيا والآخرة..".
http://www.afaqarabia.com/asp/Article.asp