المعارض المصري أيمن نور في أوراق مهربة من سجنه خص بها القدس العربي (1)
2005/03/03
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=20...???%20%20(1)fff
اردنا وطنا خالياً من الزيف والاستغفال والمحسوبية.. والحلم كان الغد بعد ان اغتالوا اليوم والأمس
حملنا عمامة ابن حنبل فوق رؤوسنا والدستور علي يميننا والقانون علي يسارنا ولم نذهب لواشنطن
ايمن نور المعارض المصري، وزعيم حزب الغد الليبرالي، والنائب في البرلمان المصري، اثار اعتقاله ضجة كبيرة في مصر وخارجها، ظهرت تداعياتها في التوتر الذي شاب النقاشات المصرية ـ الامريكية حول اعتقاله، ودعوة وزيرة الخارجية الامريكية كوندليزا رايس الي الافراج عنه، بعد ان حكمت عليه محكمة مصرية بتهمة تزوير اوراق لها علاقة بالطريقة التي حصل فيها حزبه علي المصادقة من لجنة الاحزاب المصرية. كما كان الاعتقال وراء الخطوات التي اعلن عنها الرئيس المصري الاسبوع الماضي لفتح المجال امام الترشيح في الانتخابات الرئاسية المقبلة بدلا من الاستفتاء علي رئاسته. وفي هذه المذكرات التي خص بها القدس العربي من سجنه لاول مرة يضع ايمن نور النقاط علي الحروف ويتحدث عن فكرة و هم الاصلاح في مصر، وهو اصلاح يبتعد عن الرؤية الامريكية، حيث يؤكد ان رؤيته الاصلاحية لم تعلن في واشنطن دي سي ولكن في لجنة الاحزاب في القصر العيني. انها ذكريات عن مراحل تأسيس حزب الغد وظروف الاعتقال والتحقيقات ومطالب الحركة الاصلاحية في مصر التي صار يمثلها الحزب.
القدس العربي
البداية
كنا نريد ان نتنفس الحرية، كنا نفكر في قناة شرعية، تجمع محبي هذاالوطن المؤمنين بحقه المشروع في التغيير، في الاختيار بين بدائل حقيقية، بين برامج مدروسة وحلول علمية، لآلام وطن مثخن بالجراح الغائرة والمزمنة، والمتقيحة، بفعل جهل المعالجين، وقراراتهم المسبقة بأغلق كل كليات الطب، بل ومعاهد التمريض.
كنا نريد رئة نظيفة وواسعة، نتنفس من خلالها نسائم الحرية، التي هبت علي بلاد الدنيا، فتفتحت فيها زهور الديمقراطية، وتداول السلطة، وتنامت في تربتها حقوق المواطنة، واستعاد فيها الانسان حقه المقدس في ان يختار من يمثله، ومن يحكمه، بعيدا عن عمليات تزوير الانتخابات، واستفتاءات الخمس تسعات..
كنا نريد وطنا يعيش فينا، بعد سنوات، يسكننا شعور اننا غرباء فيه، كنا نريد ان نسترد شعورنا بالانتماء والارتباط بهموم وطنية، بعد ان تحولت فكرة الوطن في قلوبنا الي معني مواز لكلمة الهم والغم والحزن والفشل المزمن.
كنا نحلم ـ وما زلنا ـ بالخلاص من كابوس الرجل الواحد، والحزب الواحد، والصوت الواحد، والرأي الحر، والمالك الواحد، والوريث الوحيد، والبديل الذي لا بديل عنه، والخيار، من اختيار لا خيار غيره.
كنا نحلم ان يكون من حق المواطن المصري ان يفكر ـ ولو للحظة ـ امام صندوق انتخاب يعكس اختياراته، يفكر من يختار بين انداد متساويين في الفرص، والكفاءة، والقدرة علي ادارة شؤونه، وتحقيق مصالحه، واحترام ارادته.
كنا نحلم ببيت واسع، يتسع للأمة المصرية، نساء ورجالاً، مسلمين ومسيحيين، بسطاء ومثقفين، اغنياء ومعدومين، بيت سند الملكية فيه هو شرف المواطنة، بيت يتساوي فيه كل القادرين علي الدفاع عن حرمته، والذود عن حقوقه، بيت من يصعد الي قمته لا يزيح السلم ليحول دون صعود غيره.
كنا نريد حزباً حرا ـ عفوا ـ كنا نريد وطنا حرا، ومن أجله فكرنا ان نؤسس حزبا يكرس مبادئ الحرية، يلتزم هو اولا بما نريد ان نُلزم به غيرنا لنكون قدوة ومثل، كنا نريد وطنا يأخذ بأسباب العلم والتقدم، فاسسنا حزبا ينتهج هذا النهج منذ لحظة ميلاده.
نريد وطنا خالياً من الزيف
كنا نريد وطنا خاليا من الزيف، والتزوير، والخداع، والاستخفاف بعقول ومقدرات الامة، وطنا شفافا نظيفا سليما، معافي من امراض الشيخوخة وتصلب الشرايين، لا يعرف ابوة تاريخية، ولازعامات كاريزمية الاهية، تأمر فتطاع، وتطاع قبل ان تأمر!! فأسسنا حزباً لنترجم من خلاله هذا الحلم ـ لا ان نبدده ـ لنقدم نموذجا مختلفا عن الآخرين، لا مقلداً للآخرين، فاضحا لممارساتهم: وتزويرهم وتلفيقهم، الذي يستمدون منه شرعية زائفة، فكيف لنا ان نفعل ما يفعلونه، ونتورط فيما تورطوا فيه، وانغمسوا في وحله حتي اذنيهم.
لم يكن حلمنا الحزب، فما اكثر تلك الاحزاب التي ولدت علي الورق وماتت في مهدها علي فراش السلطة وفي احضانها، وما زالت محسوبة علينا رقما ـ او صفرا يضاف لاصفار هذا الوطن الكثيرة.
لم يكن حلمنا حزبا كارتونيا ديكوريا فوقيا مزيفا. بل كان حلمنا حزبا يخرج من رحم الأمة الحبلي بالآلام والاحلام المشروعة، حزبا يكسر حاجز الخوف والوهم، حزبا يؤمن ان القوة هي الحق، والحق هو مصدر القوة، حزبا يستمد شرعيته من التفاف الناس حوله، يحتمي بهم، ويشتد ساعده بسواعدهم، لا بعصا الأمن المركزي، واحكام قانون الطوارئ وزنازين التعذيب والسجن.
لم يكن حلمنا هو السلطة، ولو كانت هي الحكم، لأدركناها عبر السبل المعتمدة والطرق الممهدة والنفاق الرخيص للسلطة والسلطان، كان حلمنا هو ان تكون السلطة للناس، ولا سلطان عليهم الا ارادتهم الحرة.
لم يكن حلمنا هو الجاه، او المال، او الشهرة، ولو كان كذلك لادركنا كل ثمن لتصفيق، لم نلوث ايدينا يوما به، ولتفريط لم نتورط فيه، ولتأييد لم نجد مبررا للسير في ركابه، كنا وما زلنا نصر ان نكون رقما صعبا في معادلة التفريط التي اصابت لعنتها غيرنا، وافقدت من هم قبلنا ما نشرف به، وهو مصداقيتنا وقدرتنا ان نظل رقما وحيدا بين اصفار كثيرة، وتدا اخيرا في خيمة عصفت بها رياح الصورية، والصفقات السرية.
المسكوت عنه، والصمت المشبوه، وعفن الفساد، وسيادة المحسوبية وشيوع قيم السلبية، والانتهازية، وانتصار الجهل، واغتيال العقول والكفاءات، وانتحار الشرفاء، قنوتاً من امل اغتاله ظلام العناء الحالك حلمنا ان نحلم بشمعة تكسر حدة هذا الظلام.
الحلم هو الغد
الحلم كان الغد، بعد ان اغتالوا من بين ايدينا اليوم والأمس وصادروا ـ بغير سند قانوني ـ المستقبل.
الغد.. او الحلم.. او الحركة.. كان سلاحا اخيرا، نذود به عن اولادنا حتي نترك لهم وطنا نأمن عليهم فيه.. ونؤمن انهم سيتشاطرون فيه يوما حقوقا متساوية في العدل والحرية.
لم نسع، ولم نفكر في تنظيم سري انقلابي، ولا في تشكيل عصابي يختطف وطنا ـ مخطوفا منذ زمن بعيد ـ لم نجمع سلاحا ولم نقبل تمويلا، ولم ندع اننا نحتكر ـ دون غيرنا ـ الحقيقة، او الحق في الوجود.. فقط التقت ارادتنا علي ان نكون وكان ما كان.
لم نستأذن قبل ان نخط سطور مشروعنا لانقاذ مصر الذي بلغ اكثر من 200 ورقة، لكل ورقة منهم هي روشتة مصرية مخلصة لعلاج مرض من امراض هذا الوطن.. كل سطر هو عصارة افكارنا وآمالنا في وطن قادر ان يجد موقعا علي خريطة عالم لم يعد يعترف الا بالاوطان الحرة القوية التي تشرق عليها شمس الحرية لتكسر ظلام الاستبداد والديكتاتورية.
لم نتردد ان نطلب من كل المؤمنين بهذه الافكار ان يشاركوا تأسيس هذا الحزب او الحلم او الحركة ليكونوا شركاء لا اعضاء.
لم نحتكر لأنفسنا او لأنصارنا او لأسرنا شرف المشاركة في صناعة هذا الكيان وفي صياغة هذا اللحن الجميل في زمن النشاز، والصوت والصدي الواحد.
حملنا عمامة ابن حنبل فوق رؤوسنا والدستور علي يميننا والقانون علي يسارنا، ولم نذهب لـ(واشنطن دي سي) لنقدم اوراق اعتمادنا بل ذهبنا الي لجنة شؤون الاحزاب المصرية بشارع القصر العيني ـ رغم اننا نرفض وجودها ـ لم نلتق بالسيد جورج دبليو بوش لنسلمه طلب تأسيس حزب الغد بل ذهبنا للسيد رمضان عبد الهادي الموظف المكلف باستلام اوراق طالبي تأسيس الاحزاب.
راجعنا ما نص عليه قانون الاحزاب رقم 40 لسنة 1977 في مادته السابعة، والتي تتطلب شروطا شكلية واخري موضوعية لقبول الموافقة علي ميثاق اي حزب وكانت الشروط الشكلية هي ان يقدم طلب التأسيس من 50 طالب تأسيس نصفهم من العمال والفلاحين علي الاقل لم يقل القانون 500 بل 50 لم يتطلب 5000 بل 50 فقط لا غير.
تقدمنا في بداية عام 2003 بطلبنا موقعاً عليه من القيادات الرئيسية التي التفت ارادتها علي هذاالحلم، كان العدد اضعاف ما يتطلبه القانون وكان يكفينا لاستبناء الشكل 50 فقط، وبعد اربعة اشهر صدر قرار لجنة شؤون الاحزاب المتوقع والمعتاد بقبول طلب تأسيس حزب الغد المصري من حيث الشكل لاستيفاء عدد طالبي التأسيس المنصوص عليه في القانون وهو 50 عضوا نصفهم علي الاقل من العمال والفلاحين ورفض ميثاق الحزب لعدم تميز برنامجه عن غيره من البرامج الحزبية الاخري!!
لم نستسلم ولم نيأس وقررنا ان نحتكم للقضاء فذهبنا الي محكمة الاحزاب. وقررنا ان نحتكم للناس والجماهير فطرح برنامجنا في كتاب تحت عنوان مصر حديثة وطلبنا من كل مصر تنحاز لما ننحاز اليه في برنامجنا وان ينضم الينا وان يسحب التوكيل من هذا الكتاب ويوثقه ويرسله الينا لينضم لكتيبة الغد، كتيبة الشرف، كتيبة انقاذ مصر.
اسفر الاحتكام للقضاء عن تقرير صدر عن مفوضي مجلس الدولة يقطع بتميز الحزب عن غيره بل ان كاتب التقرير المستشار فريد تاناغو نائب رئيس مجلس الدولة وصف الحزب في تقريره التاريخي انه اضافة كبيرة للحياة السياسية المصرية!! طالبا ان تحكم المحكمة بالغاء قرار لجنة شؤون الاحزاب برفض قيام حزب الغد المصري.
وكانت نتيجة الاحتكام للناس ان وصلتنا مئات التوكيلات الجديدة من مصريين شرفاء يطلبون ان يشاطرونا ويشاركونا شرف تأسيس الغد.
لم ننتظر قرار القضاء الاخير وكنا نعرف انه سيطول انتظاره لسنوات ـ رغم يقيننا في عدالته ـ فتقدمنا مرة اخري الي لجنة الاحزاب بعد اضافة ما وصلنا من توكيلات وبعدما استكمناه في برنامجنا الحزبي وتفادياً للتشابه في الاسم علي الحزب الاول ـ المعروض علي القضاء ـ تقدمنا هذه المرة بحزب حركة الغد بعد ضم مئات التوكيلات الجديدة التي وصلت الي التوكيلات السابقة التي كانت مودعة منذ التقديم الاول امانة لجنة شؤون الاحزاب وفي حوزتها.
خمسة ملايين ايميل
لم ننتظر الأربعة اشهر التي تفصل بين التقديم وقرار اللجنة في حزب حركة الغد بل قررنا ان نكون حركة بالفعل ارسلنا اكثر من خمسة ملايين بريد الكتروني (ايميل) للمصريين في الداخل والخارج طالبين انضمامهم الينا.. ارسلنا عشرات الآلاف من الرسائل التلفونية اقصيرة نطالب محبي هذاالوطن ان ينضموا الينا.. اسسنا موقعا للغد علي شبكة الانترنت وضعنا عليه برنامجنا وصورة التوكيل الذي يمكن لكل راغب ان يطبعه ويوثقه ويرسله الينا.
دخل علي موقع الغد اكثر من 300 الف مصري تفاعل مع الفكرة ووصلتنا آلاف التوكيلات من الاسكندرية الي اسوان من الوادي الجديد الي السلوم والواحات من مصريين في لندن وامريكا والسعودية وقطر والامارات لم نكن نعرفهم، لكن كنا نعرف انهم اصحاب حق وشركاء في هذاالحلم والحركة التي ستنتج حزبا يوما ما.
للمرة الثانية صدر قرار اللجنة بقبول حزب حركة الغد من حيث الشكل لاستيفاء الشروط الشكلية عدد الـ(50) مؤسساً ورفضه بدعوي عدم تميز برنامجه!! ذهبنا للمرة الثانية للقضاء، وقررنا ان نتوسع اكثر فأكثر في بناء قاعدة الحزب ذهبنا للناس ولم ننتظر فقط علي شبكة الانترنت اقمنا ندوتين اسبوعيتين كل اربعاء بالقاهرة وذهبنا كل يوم خميس وجمعة الي المحافظات وذهبنا الي القري والنجوع نطلب من الناس الانضمام الينا نوزع آلاف التوكيلات ويصلنا مئات منها موثق بثقة الناس مشفوع بطموحاتهم المشروعة في حزب وطني حقيقي يحرك ركود حياة حزبية استقال الناس منها منذ سنوات.
تقدمنا للمرة الثالثة بحزب الغد الحر الجيل الثالث من التقدم الذي ضم آلاف جديدة من المؤسسين الجدد بالاضافة للسابقين المتقدمين لحزب الغد المصري وحزب حركة الغد واضفنا مئات الصفحات والملاحق للبرنامج الجديد لحزب الغد الحر.. نشرنا مع الاسماء التي تنشرها اللجنة بصحيفتين اعلانات مدفوعة تطلب من الراغبين الانضمام لهذه الكتيبة الوطنية التي تتصدرها اسماء نواب بالبرلمان ورموز سياسية ونجوم من ابرز واشرف نجوم المجتمع.
عقدنا 115 مؤتمرا وندوة في اقل من 16 شهراً في اسوان، وبورسعيد ومطروح والمنوفية والدقهلية وغيرها حتي بدأ الهيكل العظمي لهذه الحركة تتم كسوته بلحم حي ونابض من الشباب والنساء من المثقفين والطلاب والطامحين في غد افضل لهذا الوطن.. اعددنا كتيبا بعنوان رؤيتنا للتخيير والاصلاح التغيير الآن توسط هذا الكتيب الصغير توكيل فارغ للراغبين في الانضمام ووزعنا عشرات الآلاف، بل طرحنا لدي باعة الصحف عدد آخر من الآلاف التي نفذت عن آخرها وعادت لنا توكيلات من كل محافظات مصر.
تحول مقر الحزب المؤقت ـ مكتبي بميدان طلعت حرب ـ الي خلية نحل يتوافد عليها كل صباح ومساء الراغبون في الانضمام لتسليم توكيلاتهم ولتسلم توكيلات فارغة جديدة لآخرين يشاطرونهم الرغبة في ان يكونوا شركاء في الغد.
نشطاء من كل موقع يتسابقون في وضع لبنات هذا الحزب الحلم في دوائرهم ومناطقهم وكنا كل اربعاء نلتقي في ندوة لاستقبال المؤسسين الجدد ونصفق لكل مؤسس يتقدم بمجموعة جديدة من التوكيلات التي جمعها من اصحابها وحملها الينا.
لم يكن الرفض الثالث لحزب الغد الحر الا محفزا جديدا لتقديم الحزب الرابع واسميناه هذه المرة الغد تيمنا بقرب حلول عام 2005 اكتفينا بتوكيلات 2005 تؤسس من تلك الآلاف التي انضمت الينا منذ بداية الحلم الذي بدأت ملامحه تتشكل واصبح واقعا سياسيا فرض نفسه علي الكافة بطريقة الاعلان من طرف واحد.. وكان هذا الطرف هو الناس والجماهير وليس لجنة شؤون الاحزاب التي قبل ان تفصل في التقديم الرابع تلقت تقديما جديدا ضم ثلاثة آلاف مؤسس و23 ملحقا اضافيا للبرنامج وحمل الطلب هذه المرة اسم حزب الغد الجديد .
حاولنا ان نوجه رسالة واضحة اننا لم نيأس من الرفض المتكرر لحقنا وان الرفض بعد الرفض لم يزيدنا الا اصراراً وتمسكا وتماسكا.
لم يكن خافيا ان البعض بدأ بتوتر من هذا الجنين الذي لم يلامس الارض حتي اللحظة، لم نهتم بالهواجس التي استشعرناها من محاولات دس بعض العناصر لحساب اجهزة لاننا كنا نتصور ان دورها مقصور علي النقل وكتابة التقارير لم يكن لدينا ما نريد ان نخفيه بل كان لدينا شعور اكيد بالفخر ان يعرف الكافة كل ما نبذله من جهد مخلص من أجل هذا الوطن.
لم نحجب توكيلا واحدا وصلنا من أي مصري عن لجنة الاحزاب التي كانت تراجع التوكيلات وفقا لما ينص عليه قانون الاحزاب (المادة الثامنة) التي تلقي بهذا العبء علي اللجنة وتعطيها سلطة الفحص والبحث والتدقيق بل الاستعانة بأجهزة الدولة المختلفة للقيام بهذه المهام.. وكانت اللجنة تتسلم الاوراق بعد فحصها ثم تراجعها وننشر الاسماء بعد خمسة عشر يوما من الاستلام معلنة ان كل من لديه طعن اواعتراض ان يتقدم للجنة خلال شهر من تاريخ النشر وكثيرا ما كانت اللجنة تحذف اسماء لعدم وضوح البيانات او العناوين دون معقب عليها في هذا الحق الذي اعطاه القانون لها دون غيرها. ظلت التوكيلات تتوافد علينا من كل حدب وصوب، وتتراكم بالآلاف في ادراج لجنة شؤون الاحزاب، في حوزتها وتحت سيطرتها الكاملة منذ لحظة انفصالها عنا ووصولها الي يد اللجنة لتنشر ما تراه منها. في ايلول (سبتمبر) 2004 كانت محكمة الاحزاب تؤجل النطق بالحكم في قضية الحزب الاول (الغد المصري) للمرة الرابعة بعد قرابة العام من حجز الدعوي للحكم.
المفاجأة الكبري
وكانت المفاجأة الكبري ان اعضاء المحكمة من الشخصيات العامة ـ وهم 8 بالاضافة لثمانين قاضياً ـ تهربوا من حضور الجلسة الاخيرة التي كان مقررا اعلان الحكم فيها للاخلال بالنصاب القانوني والحيلولة دون النطق بالحكم مما ادي بالالاف من المؤسسين للحزب الذين احتشدوا بالمحكمة بل وتظاهروا وهددوا بالاعلام داخل المحكمة مما حمل رئيس مجلس الدولة المستشار عبد الرحمن عزوز رئيس المحكمة لتأجيل النطق بالحكم 24 ساعة فقط مجريا اتصالات بالشخصيات العامة ـ معظمهم اعضاء بالحزب الحاكم ولجنة السياسات تحديدا ـ الا انهم وللمرة الثانية يتغيبون جميعا للحيلولة دون النطق بالحكم مما اضطر القضاة ورئيس المحكمة لعقد اجتماع طارئ لمجلس الدولة صدر بعده تأجيل اخير في أول شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2004 وقبل موعد الجلسة بساعات اعلنت لجنة شؤون الاحزاب قرارها ـ ولأول مرة منذ ربع قرن ـ بالموافقة علي قيام حزب الغد ـ اي التقديم الرابع الذي كان معروضا هو والتقديم الخامس الغد الجديد علي اللجنة بعد ان رفضت من قبل التقديم الاول والثاني والثالث واسقطوا التقديم الخامس الذي ضم قرابة ثلاثة الاف مؤسس.
الفرحة باشراق الغد، وقيامه لم تمكنا من التفكير ان هناك ارواحا شريرة ما زالت تدخر مؤامرات عديدة لاجهاض مسيرة هذا الوليد العملاق قبل ان يشب عن الطوق.
بعد ايام من قيام الغد، عقدنا المؤتمر العام للحزب بعد الاعلان في الصحف عن فتح باب الترشيح من بين آلاف المؤسسين لرئاسة الحزب وعضوية الهيئة العليا للحزب تقدم 56 متنافسا وعقد المؤتمر بقاعة المؤتمرات الكبري بحضور الآلاف من المؤسسين من كل بقاع مصر واقاليمها بل وبحضور مراقبـــــين دوليين وقضاة للاشراف علي عملية الانتخابات التي تمت عبر صناديق زجاجية وبرقابة دولية وعربية وقضاة علي كل صندوق.
اعلن مؤتمر الحزب عن رفضه تمويل الدولة، وتمسكه بتعديل الدستور وانه سيقدم نموذجا ديمقراطيا لدستور عصري يكرس مبادئ الحزب الليبرالية والتي بدأ بنفسه عندما اعلن ان مدة رئاسة الحزب مدة واحدة يمكن تجديدها لمرة واحدة فقط رافضاً منهج الزواج الكاثوليكي المتبع في كل شيء في مصر واحزاب مصر ومؤسساتها فلا رئاسة مدي الحياة ولا ابوة تاريخية ولا زعامة ابدية.. مؤكدين في رسالة حضارية اننا نلزم انفسنا بما تطالب الاخرين الالتزام به ولا نقول لهم الا ما نفعله.
لم ندرك ان ارسال الرسائل الحضارية لا يعني استقبال ردود حضارية لم ندرك ان قبولنا الدعوة للحوار الوطني لا يعني قبول الداعين للحوار لقواعد الحوار بين الانداد عبر اجندات محددة وثوابت وطنية يملك كل حزب التمسك بها.
لم ندرك ان هناك فارقاً بين الاعلان من الاصلاح وبين الرغبة الحقيقية في الاصلاح.. لم ندرك ان من يقدم الوردة يقدم قبلها الشوك الذي يدمي ايدينا، لم ندرك ان باقة الورود التي تقدم في الافراح هي ذاتها التي تسير في مقدمة الجنازات لنشيع القتيل بيد القاتل الي مثواه الاخير لم ندرك المعني الحقيقي لرفض المعني الحقيقي لرفض مجلس الشعب تشكيل هيئة برلمانية لحزب الغد ، رغم احقيته الدستورية واللائحية في تشكيل هيئة برلمانية تعطيه زعامة المعارضة، التي يستحقها ليس فقط باعتباره الحزب التالي للحزب الحاكم من حيث العدد بل ـ ايضا ـ بالنظر للاداء الجاد والمشرف لنوابه وللمواقف الواضحة والناضجة والقوية لتلك الهيئة البرلمانية المحظورة قهرا وظلما بالمخالفة للدستور واللائحة وللسوابق البرلمانية الثابتة وابرزها قيام هيئة برلمانية للحزب الحاكم نفسه عام 78 رغم عدم خوض الانتخابات السابقة علي قيامه! وكم من المضحكات المبكيات في هذا الوطن!! فكيف تكلف حزبا ان يخوض انتخابات لم يولد ولم يكن قائماً وقت اجرائها؟! أليس هذا تكليفا بالمستحيل أليس من المضحك المؤسف بل والمسف ان يقول الحزب الذي ضم ـ دون خجل ـ مئات من الذين اسقطوا مرشحيه ان انضمام نواب الغد ومؤسسيه لهيئة برلمانية لحزبهم يمثل اهدارا لارادة الناخبين الذين انتخبوهم ليس بصفتهم اعضاء في حزب الغد!! حقا لا حمرة للخجل في هذا الزمن.
لم نكن في حضن الحكومة لكن خنجرهم كان في ظهورنا متأهباً للحظة التي يتحرك فيها ليغوص في لحمنا!!
مسموما كان هذا الخنجر، مفضوحا، متعجلا، متهورا لم يحتمل القاتل الانتظار علي القتيل اكثر من ثلاثة اشهر باليوم والساعة، ثلاثة اشهر هي المدة الفاصلة بين اعلان قيام الحزب يوم 28 تشرين الاول (اكتوبر) 2004 والمحاولة الفاشلة لاغتياله التي بدأت يوم الجمعة 28 كانون الثاني (يناير) 2005.
غدا: تفاصيل الملاحقة والاعتقال والتحقيقات