صديقي المقدس
آسف للتأخير ...
وللموضوع:
الموسيقا، باعتبارها فناً، لا يمكنني أن أتجه إلى أنواعها لأحب أو لا أحب، أو أقله للتفضيل؛ لأنني أضع دائماً نصب عينيّ أن الحُكم في النهاية للذائقة التي هي مفهوم نسبيّ. مبدأ (الفن للفن) فيه ظلم شديد لبشر كثيرين، وأيّا كان العمل الفني فمصيره إلى الناس شاء صاحبه أم أبى. وهكذا تنوعت المدارس وكثرت الألوان والأنواع، وبذا صار الاختيار الشخصي سهلاً.
تتناسب القدرة على التمييز طرداً مع وفرة وتنوع الاستماع، فيما إذا توفر الحد الأدنى من الثقافة الموسيقية بالطبع. ولو أخذنا حالتك كمثال، فأنت استمعت لأنواع متعددة وصولاً إلى الموسيقا التركية، وعلى حد علمي من خلال نقاشاتنا السابقة أنه لديك ثقافة موسيقية عالية، فحكمي هنا على تقديرك لن يكون إلا بالموافقة على كون الموسيقا التركية تتضمن مواصفات غير موجودة في الموسيقا العربية ولا العالمية حتى، وأن هذه الموسيقا تستحق الإعجاب والتقدير لأسباب متعددة أهمها برأيي هو إتقان العازف التركي لمهنته وجهده المبذول للوصول إلى مقدرة رائعة من امتلاك آلته بمعنى الكلمة، والأدلة أعلاه قدمتها بنفسك.
ولكن بأي حال، تبقى الموسيقا التركية نوعاً وفرعاً من المجموعة الأصل: الموسيقا العالمية. والناس عموماً يحبون البساطة، ومقولة (السهل الممتنع) يمكن استعمالها هنا بكامل قوة تعبيرها! لذلك تبقى الموسيقا الأثنية تراوح في مجال الترف الثقافي لبقية الشعوب التي تستضيف الثقافة الأخرى بمناسبات خاصة، وينتهي الأمر هنا. بينما تجد أن لحنا بسيطاً من البرازيل مثلاً اكتسح الأرض شرقاً وغرباً بدون حاجة للترف الثقافي، وبلغت شدة انتشاره أنه صار الـ Logo المميز للسرعة الخلفية في السيارات هنا في بلدي مثلاً
... وأقصد بذلك اللحن أغنية Lambada.
يمكن لكثير من الناس أن يستمتعوا بالتآلفات الهارمونية الرائعة لباخ وبيتهوفن وموتزارت وغيرهم من أساطين الكلاسيك من خلال أعمالهم التي تُظهر -وبشدة- علمهم وبراعتهم بالتوزيع الآلي والهارموني. وهؤلاء الكثير هم قليل مهما كثروا، فهل بقيت الموسيقا الكلاسيكية أسيرة الترف الثقافي أم نالت حظها من الانتشار الشعبي؟ أنا أعتقد أن انتشار معزوفة For Elise لبيتهوفن على المستوى الشعبي في العالم بلغ حد الخرافة. وبالطبع فهناك أعمال أخرى مثل افتتاحية أوبرا كارمن لجورج بيزيه، سيمفونية موتزرات الـ 40، افتتاحية حلاق اشبيليا لروسيني، وغيرها الكثير دخل أفئدة الناس بدون أن يعرفوا أصلاً اسم العمل أو اسم صاحبه.
عند معاينة دقيقة لهذا الألحان نجد أن القاسم المشترك بينها هو الجملة الميلودية الرشيقة الجميلة التي يغدو أي توزيع هارموني لها هو مجرد خلفية فقط يمكن الاستمتاع بها وحدها بدون تآلفاتها.
كان سيد درويش فلتة زمانه عندما اعتمد هذه الحقيقة بينما غفل عنها معاصروه وكثير من لاحقيه حين كان الملحن يتعمد تعقيد لحنه للتدليل على مقدرته ويشترط أن يؤديه المغني كما هو ليعترف به مطرباً بحق! هذا بخصوص المُغنّى، أما ما كان للعزف فقط فحدث ولا حرج، كانت ألحانهم صورة مشوهة عن قوالب التأليف الموسيقي التركي من البشارف والسماعيات. وصاحبنا حمزة قدم لنا واحداً من البشارف، وبالتأكيد أذهلني ببراعته التقنية كعازف، لكنني بعد انتهاء المعزوفة لم أتمكن من تذكر أي جملة من جملها!
كلامي هذا لا يعني خلو الموسيقا التركية من الجملة الميلودية اللطيفة، فالأمثلة كثيرة من خلال الأغاني العربية الملطوشة من أساس تركي، ولكن بالمقابل هناك لطش تركي لبعض الأغاني العربية.
صار التطرق لعلاقة التركي والعربي من الموسيقا ببعضهما مناسباً.
وهذا التمييز أجده أكثر عدلاً من وصف (شرقي)، لأن الصفة الأخيرة أكثر اتساعاً. وإلا فما هي صفة الموسيقا الإيرانية والأفغانية والباكستانية والهندية ... الخ؟ وإذا ما تابعنا وصولاً للصين واليابان وقلنا أن هذه موسيقا الشرق الأقصى فمن الأجدر أن نسمي الموسيقا هنا (موسيقا الشرق الأوسط) أو الأدنى. إلا أنني أجد توصيف (تركية) و (عربية) أفضل.
الموسيقا التركية واحدة المقاييس في كل تركيا، ولكن الموسيقا العربية تختلف مقاييسها من المشرق للمغرب، وهذه إحدى السمات التي تميز الموسيقا العربية عن التركية: وفرة التنوع. فعن أي موسيقا نقصد أنها ابن شرعي للموسيقا التركية؟ هل هي موسيقا السلم الخماسي في السودان أم موسيقا المزج الإيقاعي المخيف في المغرب والذي لا يباريهم في هذا المجال أحد؟
أسهبت كثيراً، وأعتقد أنه من الأفضل تأجيل استعراض المواصفات العامة والخاصة للموسيقا العربية إلى مشاركة أخرى.
مودة
أنا أعشق الموسيقا اللاتينية، خصوصاً البرازيلية. وهذه الأغنية الشعبية اللطيفة قدمها زياد رحباني تحت عنوان: (مش بس تلفنلي):