هالة .

أعتقد يا سيدتي أن هناك miscommunication بيننا لا أدري مصدره ، ربما يعود ذلك لأني أوجز في عرض فكرتي متصورا أن الآخر تابع ما عرضته في مداخلات أخرى قد تكون منذ سنوات ، في المقابل أخشى أن أعيد طرح الفكرة بشكل مفصل فيبعث ردي على الملل ، بالقطع لا يمكن أن تتصوري أني أتحدث في مداخلتي السابقة عن ترجيحي لإتجاه كارل ماركس المادي في مقابل المثالية البروتستانتية لماكس فيبر ، و في نفس المداخلة أقول أن الماركسية ضد العلمانية ، هذا لا يقوله مبتدأ في التعرف عن الإتجاهات الفكرية ، أو الصبي الذي كنته في الزمن الناصري ، بالقطع الماركسية هي أورثوذكسية العلمانية ، أو العلمانية مبرأة من ال compromise الرأسمالي ، أذكر هنا أني تناولت بتواضع شديد تطور الفكر العلماني و اللاديني عموما في شريط مستقبل الدين في عالم ليبرالي ، و كمقدمة لمناقشة جادة لتصور دين العولمة ، و في فقرة تحدثت فيها عن موقف الليبرالية من الدين من وجهة نظر كاثوليكية. ذكرت فيها أنه من وجهة النظر الكاثوليكية يمكن تاريخيا و كما جاء في الموسوعة الكاثوليكية Catholic Encyclopedia تمييز موقفين لليبرالية من الدين.
أولا : الليبرالية المعادية للاهوت . Anti-ecclesiastical Liberalism.
1- الليبرالية القديمة : وهي التي بدأت في جنيف بمدام دي ستايل و كونستانت و انضم إليها روسو لاحقا ،.......
.........................................
7-الاشتراكية : و هي نوع من الليبرالية كما تراها الموسوعة الكاثوليكية و لهذا أوردتها في هذا السياق ، و تراها رد فعل لكل التيارات الليبرالية السابقة ،و أهم فروعها هي الشيوعية و الديمقراطية الاشتراكية الراديكالية الماركسية التي تأسست في ألمانيا عام 1848 و مؤسسة الاشتراكية الديمقراطية في بريطانيا و الأحزاب الفوضوية التي أسسها باكونين و موست و كرابوتكين .( من الواضح أن اعتبار تلك التيارات ليبرالية هو نوع من التوسع الغير معتاد في تعريف الليبرالية لتصبح كل ما هو غير لاهوتي أو منكر للقداسة ) ... الخ .
أما لماذا ذكرت الحقيقة التاريخية التي تقول بأن العلمانية هي منتج البرجوازية فلسبب واضح هو المقترب السياسي الطبقي الذي تبنيتيه في مداخلتك .. قولك بأن ( ما نشهده من تعارض صارخ بين الاسلام الاصولي و الحضارة المعاصرة جذوره ليست ثقافية بالدرجة الأولى. بل سياسية) و (و لو كان اصلاح الاسلام أو تحديث المجتمع أو علمنته أو عقلنته في مصلحة تلك الطبقة لما ترددت في كنس الاديان و رجالاتها في ليلة ما فيها ضو قمر( , . و (مثلك يعلم جيدا أن اية دعوة اصلاح أو تغيير لا بد لها من حامل اجتماعي أو طبقة صاعدة من مصلحتها اجراء ذلك الاصلاح) ، لهذا أردت أن أؤكد على حقيقتين من وجهة نظري تحكمان قضيتي العلمانية و الحداثة .
1- القضية في جوهرها ثقافية و الجانب السياسي لاحق .
2- القضية لا يمكن فهمها في ضوء صراع الطبقات ،و لكن في ضوء احتياجات النظام الرأسمالي و اقتصاد السوق .
أما لماذا لا أقبل نظرية صراع الطبقات و تنبؤات كارل ماركس الأساسية حول انتصار البروليتاريا ، فسأتوقف لأستعرض تعريفين أو مصطلحين.
التعريف الأول هو historicism وقد ترجمه البعض إلى النزعة التاريخانية ، وهي النظرية التي تقول بوجود خطة للتاريخ سواء كانت إيمانية أو إلحادية . و تعبر هذه النظرية عن أفكار طيف واسع من البشر تشمل الأصوليين الدينيين و الشيوعيين و القوميين و الفاشست و غيرهم ممن يعتقدون أن للتاريخ قوانينا حتمية و أن البشر مجرد أدوات كي يحقق التاريخ مهامه و يصل إلى غايته ، دون أن يعني هذا بالطبع تشابه كل تلك المشروعات السياسية المتنافرة خارج هذه الصفة المشتركة ( الرؤية التاريخانية ).
التعريف الثاني هو historism وقد ترجمه البعض إلى النزعة التاريخية، وهي النظرية التي تقول بنسبية التاريخ وعدم وجود خطة مسبقة للتاريخ ، وهذه النزعة هي التي ينتمي إليها الليبراليون بشكل عام فهي التي تنظر للتاريخ بمثابة مشروع مفتوح ، و تعطي قيمة عظمى للدور الذي تلعبه المعرفة الإنسانية و خاصة المعرفة العلمية في تشكيل التاريخ .
هكذا يمكن أن نضع مسارات واضحة يمكن أن تتحرك خلالها جهودنا .
أقر بداية أنني أتخذ موقفا نقديا من النزعة التاريخانية ، معترفا في نفس الوقت أن هناك الكثير من نقاط القوة في تلك النزعة ليس أقلها أن الناس يألفونها في منطقتنا العربية ، و أنها هي وحدها التي تعبر عن ثقافاتنا السياسية بمختلف أطيافها الإسلامية و القومية و الماركسية بل هي أيضا التي تشكل الرؤية الصهيونية للتاريخ أي هي الرؤية التي ينظر خلالها كافة الفرقاء إلى مصيرهم و إلى العالم كله .
إن هذا النقد سيكون موجها ضد الأعداد التي لا حصر لها الذين أصبحوا ضحايا تلك المقولة الخاطئة التي تؤكد على حتمية التاريخ و ثبات قوانينه ،و الذين يعتقدون أن إلمامنا بهذه القوانين في مرحلة يمكننا من التنبؤ بما سوف تكون عليه المرحلة التالية ، إن تلك الفلسفة ستقود بشكل يكاد يكون آليا إلى الشمولية ، فما الفلسفات السياسية الشمولية إلا استجابة لتلك الرؤية التاريخانية ، التي تفرض علينا أن نبدأ بمجرد تبلور الوعي بالحتمية التاريخية الخاصة إلى صياغة حياتنا بشكل جمعي طبقا لمقتضيات المرحلة المستقبلية ، طالما أنها آتية بلا ريب حتى نكون متسقين مع المنطق الحتمي للتاريخ . إن كل الشموليات التي عرفها العالم هي بالضرورة ذات تصور تاريخاني مثل النازية و الفاشية و الشيوعية و الصهيونية و الأصوليات الإسلامية و القومية العربية و غيرها ،.
إن نمو المعرفة البشرية و خاصة المعرفة العلمية هي المحرك الأساسي للنمو و للتاريخ ،و طالما لا يمكننا التنبؤ المستقبلي بمحاور نمو المعرفة و مساراتها فلا يمكننا بالتالي التنبؤ ولو على وجه التقريب بتطور التاريخ ولا استشراف خططه ، و بهذا تعتبر مقولات مثل إنتصار البروليتاريا لماركس أو إنتصار الإسلام للفقهاء المسلمين أو عودة المسيح أو نهاية التاريخ لفوكوياما مجرد تعبير بلاغي لتسويق أيديولوجيات بدون مدلول حقيقي .
هذا لا يعني رفض كامل لكل كارل ماركس ، و لكني أرى كارل ماركس على رأس 3 علموا البشرية قوانين الجموع الغفيرة هم كارل ماركس و ماكس فيبر و دوركايم ، على النقيض تماما فقد تعلمت من كارل ماركس مالم أتعلمه من سواه ، خاصة أني مادي النزعة حتى الثمالة بلا أي أوهام مثالية .
أما عن الطبيعة الثقافية لقضية الحداثة و التطور ، فقد أفضت فيها خلال شريط الإطار ، و ربما نعود إليها لو استمرت هذه الفرعية قيد الحوار .
اقتباس:أما "الجزء من آليات الصراع بين الامبريالية و قوى التقدم البروليتارية" فليس من قبيل الصدفة أن الهجمة الأصولية العظمى كانت على مركز التجارة العالمي و في عقر دار الامبريالية بل انها خير ما يلخص الصراع و أقطابه و أكبر دليل على صحة موقف سمير أمين.
الهجمة الرمزية المفصلية على برجي التجارة العالمي هي ذروة درامية لحرب ثقافية بامتياز ، و لهذا لا أفهم أن تكون دليلآ على إندماج عضوي بين الرأسمالية الأمريكية ( الإمبريالية لمن يحب ) و الأصولية الإسلامية ، إلا لو نظرنا إلى الأمر في إطار مؤامرة دولية تحطم فيها امريكا منشآتها كي تبرر هجوم تافه على أفغانستان ، كان يمكن أن تقوم به بدون أي مبرر إضافي ، خاصة بعد تفجير سفاراتيها في إفريقيا ، و بصراحة لا أعتقد أن هناك من ظل يتبنى نظرية المؤامرة بعد اعتراف و مباهاة ابن لادن و تنظيم القاعدة بتفجيرات 11 سبتمبر ، اللهم سوى بعض المسلمين الذين لن يغير عقليتهم شيء أبدا ، فهم معتادون على تشكيل عالم مواز وفقا لأخيلتهم .
نعم كانت هناك جهود أمريكية طويلة لتوظيف الإسلام لخدمة مصالحها خاصة في صراعها ضد الإتحاد السوفيتي السابق و ضد النظام الناصري في مصر ، و امريكا في هذا ورثت أساليب إنجليزية ناجحة في توظيف الإسلام لخدمة مصالحها زمن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها شمس اللصوصية ،و لكن ذلك لا يعني أن الأصولية الإسلامية منتج أمريكي ، بل هي منتج إسلامي تاريخي ، فمن يستغل الأبله لا يصنعه بل هو مجرد شخص انتهازي ، يعامل البشر كحيونات يستغلها دون أن يحاول تطويرها ،و هذا تماما ما فعلته أمريكا بالإسلاميين .
الموضوع أيضا طويل و سبق أن تعرضت له في لا أقل من 5 موضوعات ، فعلاقات أمريكا بالتأسلم علاقات غاية في التشابك و التعقيد و الحماقة ( من وجهة نظري ) ، فامريكا ساهمت في إطلاق المارد من قمقمه ثم راحت تشكو و تصدر مشاكلها لشعوبنا .
أما عن تثوير الإسلام ، فهذا وهم مضر ،فالمشكلة لا تكون أبدا حلآ .