عماد الكبير الذي أصبح بلطجياً
http://www.elfagr.org/NewsDetails.aspx?nwsId=18399&secid=4024
عندما اختارت "الفجر" قبل سنوات أن تقف إلي جانب "عماد الكبير"، أشهر ضحايا التعذيب في مصر، كانت تؤمن بأن العدالة يجب أن تسير في اتجاه واحد، لا يعرف قوياً أو ضعيفاً.. لم يكن يعنيا التشهير بالجلاد، بقدر ما يعنينا إنصاف الضحية، وأن يستعيد "مواطن" حقه في مواجهة السلطة، لذلك كان يوم الحكم في قضية تعذيب "عماد الكبير" لنا عيدا، فعندها شعرنا بأن العدالة في بلادنا مازالت تسير علي قدمين.
الآن انقلبت الصورة، أصبح علينا أن نقف مجددا أمام نفس أطراف القضية الشهيرة.. من جهة يقف عماد الكبير، ومن جهة أخري يقف جهاز الشرطة، وما بينهما تقف الصحافة في انتظار العدالة، التي نالها عماد عندما كان الضحية، وآن له الآن أن يذوق "مرارتها"، عندما أصبح هو نفسه الجلاد، فالرجل الذي وقفت الفجر لتدافع عنه بكل قوة في مواجهة الضابط إسلام نبيه، هو الآن المتهم الأول في قضية "بلطجة"، استخدم خلالها الأسلحة النارية لفرض سطوته علي موقف "الميكروباص" بمنطقة ناهيا، التي كانت يوما مسرحا لظهوره الأول.
عندما كشفت الفجر لأول مرة عن شخصية ضحية كليب التعذيب بالعصا، نال عماد الكبير تعاطفا داخليا وخارجيا غير مسبوق، ربما أكبر بكثير من قصة تعذيب أخري كشفتها "الفجر" في نفس التوقيت، بطلها الشاب أمجد مختار حسين، الذي تعرض للتعذيب والإذلال علي يد أحد الضباط في طريق الزعفرانة، رغم أن عماد وأمجد احتفلا معا في مقر الجريدة بحصولهما علي حقهما، وعوقب الضابطان المتهمان بتعذيبهما، إلا أن الفارق بين أمجد وعماد كان كبيرا، فالأول حاول فور انتهاء محنته أن ينساها تماما، وقرر أن يكمل مشوار حياته في هدوء، أما الثاني فقد اختار الطريق الأكثر صعوبة، قرر أن يستفيد من "الصيت" الإعلامي الذي حققه إلي أقصي مدي، معتبرا أن نجاح الحملة التي قادت الضابط إسلام نبيه إلي السجن، ستكون كافية كي تبعد عنه أي ضابط آخر في منطقة نفوذه، ناهيا، وعلي مدار السنوات القليلة الماضية، تمكن عماد الكبير من فرض نفوذه وسطوته علي موقف الميكروباص الأكبر في منطقة بولاق الدكرور، وخلال هذه السنوات نجح في فرض الإتاوات علي سائقي الميكروباص، الذين لم تكن الخيارات أمامهم كثيرة، فعماد بالنسبة لهؤلاء السائقين جزء من منظومة أكبر، البقاء فيها للأكبر والأخطر، والأكثر قدرة علي البقاء.
كان الفارق بين أمجد حسين وعماد الكبير هائلا، ليس فرقا في ظروف اجتماعية قادت الأول لأن يكمل حياته الطبيعية، ودفعت الثاني لأن يصبح بلطجيا، كلاهما خرج من المحنة نفسها، لكن اختار أمجد طريق "السلامة"، واختار "الكبير" طريق الندامة"، الذي قاده في النهاية لأن يكون متهما في قضية منظورة أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، وهي قضية لا يمكن لعماد أن يزعم أنها "ملفقة" ضده، فالجريمة التي ارتكبها تمت في الطريق العام، وعلي مرأي ومسمع من جميع المارة، في واحدة من أكثر مناطق الجيزة ازدحاما.
بدأت قصة صعود عماد الكبير في موقف ناهيا منذ 4 سنوات تقريبا، وقتها كان يقيم داخل دائرة قسم مركز كرداسة، ويعمل سائقا للميكروباص، قبل أن يتعرض لواقعة لهتك عرضه باستخدام العصا، داخل قسم شرطة بولاق الدكرور، علي خلفية مشاجرة علي أسبقية تحميل سيارته، وبعد خروجه من أزمته منتصرا، لم يصدق عماد نفسه، ليتحول في أسابيع قليلة من العمل كسائق، إلي فرض الإتاوات علي زملائه، مستعينا بعدد من أقاربه الذين احتموا به طويلا، قبل أن يسقطوا معه أخيرا في المشاجرة الأخيرة، التي استخدم فيها عماد الأسلحة النارية.
وطوال السنوات الأربع الماضية، التي قضاها عماد في زعامة موقف ناهيا، كانت الجملة الأشهر التي يرددها علي مسامع الجميع هي "أنا حبست ضابط، محدش يقدر يقرب لي"، وأصبحت هذه الجملة السحرية بوابته إلي السلطة والنفوذ داخل موقف ناهيا، الذي تحول إلي عالم صغير لعماد الكبير، فبعد انتهاء أزمته مع الضابط إسلام نبيه، توالت البلاغات ضده ما بين قسمي شرطة بولاق الدكرور والدقي، ليصل عددها إلي 9 بلاغات، وخلال عام 2009 فقط، دخل عماد الكبير 5 مشاجرات كبري، واحدة في الدقي، وأربع في بولاق، كما واجه العديد من الاتهامات ما بين فرض سيطرة إلي بلطجة.
وفي 9 يونيو2008، شهد موقف ناهيا واحدة من أشرس معارك عماد الكبير، والتي بدأت عندما تشاجر شقيقه "صدام" مع أحد سائقي الموقف، ويدعي محمد كمال، بسبب الخلاف علي أولوية تحميل الركاب، وتدخل عماد في المشاجرة، محاولا الاعتداء علي السائق باستخدام مفك، ولكن تمكن السائق من الهرب ليطلب النجدة من أمين الشرطة في نقطة شرطة ناهيا، وهناك لحق به صدام محاولا الاعتداء عليه بداخلها، وتبعه عماد الذي تعدي علي أمين الشرطة بالضرب، وتسبب في إصابته بكدمات متفرقة في الجسم ومزق ملابسه، ولم يقتصر الأمر علي ذلك، فأمام عيون الجميع، قام بضرب شقيقه بكوب زجاجي علي رأسه، ثم اتهم أمين الشرطة بذلك، ووقتها تحرر بالواقعة المحضر رقم 21171 لسنة 2008 جنح بولاق الدكرور، وبعد مرور 3 أشهر علي الواقعة، تورط عماد في واقعة أخري، قام خلالها بالاعتداء علي السائق علي الزهيري، بمساعدة شقيقه عبده، وخلال المشاجرة أصيب الزهيري بجروح في فروة الرأس.
وبعد 3 أشهر أخري، اعتدي عماد وشقيقه صدام بسلاح أبيض علي السائق عرفات رفاعي، وهو ما أدي لإصابته بجرح غائر في جسده، وكان السبب هذه المرة أيضا، هو الخلاف علي أولوية تحميل الركاب، ووقتها تحرر ضد الشقيقين المحضر رقم 31028 لسنة 2009 جنح بولاق، واتهما فيه بالشروع في قتل السائق، ورغم العدد الكبير من البلاغات التي تحررت ضد عماد وشقيقيه عبده وصدام، إلا أنهم استمروا في فرض نفوذهم علي الموقف، ففي يوم واحد تشاجر عماد وشقيقيه مرتين مع سائقين، حيث نشب الشجار الأول مع سائق يدعي أحمد سامي من بولاق الدكرور، أثناء تحميله الركاب من موقف ناهيا، وهو ما أثار غضب عماد، فحاول منعه بالقوة، ولكن السائق أصر علي موقفه، فتشاجر معه عماد، وانضم إليه شقيقه عبده، فأصابا السائق بجروح قطعية في الأنف، وتوجها إلي نقطة الشرطة لتحرير محضر ضده، وفي مساء اليوم نفسه، حضر شقيق السائق المضروب، وحاول تحميل الركاب من الموقف، وهو ما اعتبره "عماد" تحديا له، واعتدي عليه بالضرب أيضا، مسببا له جروح في الرأس والساعدين.
ولم تتوقف "سوابق" عماد عند حد المشاجرات، فقد صدرت ضده 4 أحكام قضائية بالحبس لفترات ما بين شهر وستة أشهر، والمثير أن جميع السائقين في موقف ناهيا، كانوا يعلمون تماما أن عماد لم يكن ملاكا يسير علي الأرض، قبل تعرضه للتعذيب في قسم بولاق، حيث كان طرفا رئيسيا في الكثير من الخلافات، لكنها كانت تمر في هدوء، فوقتها كان متهما في قضية برقم 20128 لسنة 2004 جنح مركز إمبابة، إتجار حشيش، وقبل 4 أشهر فقط من تعرضه للتعذيب في عام 2006، تعدي عماد الكبير بالضرب علي قوة تابعة لمباحث التموين في الجيزة، أثناء محاولتها ضبط ابن عمه "أحمد السيد"، بتهمة الإتجار في اسطوانات البوتاجاز المدعمة، ووقتها صدر ضده حكم بالحبس لمدة ثلاثة أشهر.
وخلال لقائنا مع اللواء كمال الدالي، مدير المباحث الجنائية في الجيزة، أكد لنا أن ما نشرته الصحف عن الواقعة الاخيرة، التي تورط فيها عماد الكبير، لم تكن صحيحة تماما، فالأمر كان مشاجرة عادية بين عماد وأثنين من ابناء عمه من جهة، وبين سائقين من جهة أخري، وفي المشاجرة لم يستعن عماد ببلطجية كما نشر في بعض الصحف، كما أن أحدا من الجانبين لم يصب بجروح، ولم يتم خلال المعركة تكسير أي محال تجارية أو سيارات، فالمشاجرة كانت عادية تماما، قبل أن يستخدم "عماد" الأسلحة النارية، ليهرب بعدها، بعد القبض علي ابن عمه، وأصدرت النيابة العامة قرارا بضبط وإحضار عماد الكبير، وبعد تضييق الخناق عليه، توجه إلي قسم الشرطة لتسليم نفسه، وأمرت النيابة بحبسه أربعة أيام، وترحيله إلي سجن طرة، قبل أن يصدر النائب العام قرارا بتحويله إلي محكمة أمن الدولة العليا طوارئ.
وأضاف اللواء الدالي إن "هناك الكثير من المواطنين تأذوا من عماد، وتوجد وقائع تعد كثيرة قام بها هو وشقيقاه ضد عدد كبير من السائقين، لكن أحدا لم يجرؤ علي إبلاغ الشرطة ضده، وكانوا يقولون: إذا كان حبس ضابط هيعمل فينا إيه"، أوضح الدالي "نحن لم نتركه يمارس بلطجته، ففي كل بلاغ يحرر ضده، كنا نقوم بتطبيق القانون، حيث كنا نقوم بضبطه وتسليمه إلي النيابة، ولكن كانت له أساليبه الخاصة في الضغط علي خصومه عن طريق أشقائه وأقاربه، لإجبارهم علي التنازل عن شكواهم".