بمناسبة رمضان الكريم، فهذه تأملات قرآنية في معنى الصابئة.
وقبل البداية؛ فلا شك في أنه لا علاقة ألبته بين الديانة المعروفة اليوم بالصابئة وبين الصابئة في القرآن. فالمندائيون لم يطلق عليهم لقب صابئة إلا في القرن الثالث الهجري من أجل أن تفؤض عليهم الجزية.
نرجع إلى الصابئة في القرآن:
تحدث القرآن عن الصابئة ضمن حديثه عن الأديان السماوية التي تؤمن بالله واليوم الآخر، ومرة تحدث عنهم في سياق الحديث عن الأديان المعروفة في عصره. ففي الآية 62 من السورة الثانية (سورة البقرة ) ورد: (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم آجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون). وفي الآية 69 من السورة الخامسة (سورة المائدة ) ورد
ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون). وفي الآية 17 من السورة 22 (سورة الحج ) ورد : (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد).
سورة البقرة سورة مدنية، وهي من أول ما نزل في المدينة، أما سورة الحج فيبدو أنها تجميع لآيات لا رابط بينها أو مسودات أي أنها شبيهة بالدشت! وهذا شيء لاحظه المفسرون المسلمون، لذا تجدهم يقولون: "من أعاجيب سور القرآن الكريم ففيها آيات نزلت في المدينة وأخرى نزلت في مكة، وآيات نزلت ليلاً وأخرى نهاراً، وآيات نزلت في الحضر وأخرى في السفر وجمعت بين أشياء كثيرة".
أما ذكر الصابئين في سورة المائدة فلا يبدو أصيلاً، بل لعله مدرج في وقت لاحق، ويدل على هذا الخطأ الإعرابي لكلمة الصابئون، فهي معطوف على اسم (إن) والمفروض أن تكتب الصابئين كما في الآيتين الأخريين.
إن القارئ ليستغرب الاختلاف الشديد بين المفسرين في تحديد المقصود بالصابئين، مع أن المفروض أن القرآن يتحدث عن مجموعة دينية معروفة.
ولو رجعنا إلى تاريخ بدايات الإسلام لوجدنا هذه المجموعة ماثلة للعيان بكل وضوح، فقد كانت العرب تسمي محمداً الصابئ لأنه خرج من دين قريش إلى دينه الجديد، وكانوا يسمون أصحابه الصباة، وعندما أرسلت بنو عامر لبيداً ليستطلع دين محمد؛ عاد لبيد إلى قمه تابعاً الدين الجديد، فقال بعضهم فيه:
وجئت بدين الـصابئين تشوبه ** بألواح نجد بعد عهـدك من عـهـد
فالصابئون في هذه الآيات تعني محمداً وأتباعه، وهي تسمية سابقة لتسميتهم بالمسلمين التي أعلنها محمداً في فترة متأخرة معلناً رفضه جميع الأديان الأخرى. وهناك تسمية ثالثة تدل على هذه المجموعة وهي لقب الحنفاء.
إذن فقد تعامل الصابئون (وهي الجماعة الإسلامية المبكرة) بليبرالية مع الأديان الأخرى، وقبلتها داخل منظومة المؤمنين الذين لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لكن المفاصلة مع الأديان الأخرى أستلزمت اسماً جديداً وهو (المسلمون) الذي اكتشف محمد فجأة أنه تسمية إبراهيم لمجموعته، إبراهيم الذي قطع محمد علاقته مع اليهود والنصارى وأصبح المسلمون هم ورثته فقط من خلال الحنفاء.