ربيع شاهين 9-4-2011
في ندوة بالقاهرة..أزمة مياه النيل مختلقة ولا خوف على حصة مصر
دعت ندوة عقدت بالقاهرة إلي أهمية تطوير علاقات مصر مع سائر دول حوض النيل في مختلف المجالات ، بصفة خاصة الاقتصادية والتجارية والثقافية والإعلامية ..وتخصيص مساحات واسعة من الإعلام المصري لتغطية شئون وقضايا القارة.
دعت الندوة التي نظمها مركز الشرق الأوسط للدراسات إلى زيادة الاستثمارات العربية في دول حوض النيل وإمدادها بكافة أشكال الخبرات المصرية ، فيما اعتبرت أن التقصير الذي شهده ملف مياه النيل على مدى السنوات الماضية كان مسئولية الدولة ككل ، ونظام الحكم الفاسد
تناولت الندوة ملف السدود الإثيوبية والأزمة الناشبة بين دولتي المصب " مصر والسودان من ناحية " ودول المنبع التي وقعت اتفاقية عنتيبي مايو الماضي ، ومستقبل قضية المياه والحديث عن تدخلات أجنبية ،خاصة إسرائيلية بهذه الأزمة بغرض إشعال التوتر بهذه المنطقة والتأثير علي مصر وممارسة ضغوط عليها من ناحية أخري.
كدت المناقشات علي سلامة الموقفين الفني والقانوني لمصر من موضوع مياه النيل كشف الخبير بشئون قطاع مياه النيل بوزارة الري المصرية د. مهندس عبد الفتاح مطاوع أمام الندوة عن أن وزراء الري السابقين كانوا يختلقون مشاكل المياه لأسباب وأغراض سياسية بحتة لا صلة لها بمياه النيل إطلاقا ، والتي أكد أنه لا توجد أزمة بها أو أية مخاوف على حصة مصر المستقبلية منها.
كما كشف عن أن مشكلة مياه النيل ليست فنية ، تتعلق بحجم المياه أو ضمان تدفقها إلى مصر ، بقدر ما هي مشكلة سياسية بالدرجة الأولى تتعلق بتوجهات الحكومات المتعاقبة علي مدي العقود الماضية وخاصة وزراء الري ، باختلاق وجود مشكلة لايهام وشغل الرأي العام للتغطية علي الفشل الداخلي والخارجي للنظام ، داعيا إلي الكف عن شغل الرأي العام المصري في مشاكل وصراعات أعتبرها وهمية.
وفجر مطاوع مفاجآت أمام المشاركين بالندوة حين ذكر أن ما نشهده اليوم من جدل حول السدود التي تعتزم أثيوبيا الشروع ببنائها ليس سوي "سيناريو مكرر منذ سنوات طويلة" ، ومن ثم هي عملية تسييس مكررة لهذه القضية ، وكشف أيضا عن أن موضوع السدود ليس مفاجئا علي الإطلاق لمصر وللخبراء المعنيين بالمياه وقال في هذا الصدد أن موضوع هذه السدود بالذات تمت دراستها منذ عقود طويلة خلال النصف الأول من القرن الماضي وأن مصر وافقت علي بنائها ..
وأضاف أن الأكثر من ذلك أن بناء السدود وتخزين المياه في دول أعالي النيل هو توجه مصري بالأساس ، فيما كشف عن أن خزان أوين تحملت مصر تكلفة إقامته ، وشدد علي أن وضع المياه في مصر تغير تماما بعد إنشاء السد العالي ، وأن مصر أصبح لديها قدرة تخزينية لمياه النهر تصل إلي 162 مليار متر مكعب تكفيها لعدة سنوات حتي اذا لم تتساقط فيها نقطة واحدة من الأمطار علي دول المنبع ، مشددا علي أن السد غير الخريطة الجغرافية لمصر والقارة .
وقال الخبير المصري بشئون مياه النيل د. مطاوع إن قضية مياه النيل أضحت بمثابة ابتزاز سياسي خارج مصر وحتي داخلها ، وأنه يتم استغلالها لأغراض سياسية لا صلة لها بحقيقة وضع المياه ، مؤكدا أن السدود التي يتحدثون عنها اليوم درستها مصر مع دول المنبع خاصة إثيوبيا وأن مصر أرسلت ملاحظاتها إليها عام 1935 ولم تمانع من إقامتها ، مشيرا إلي أن تخزين المياه بالخارج كان سياسة مائية مصرية لأنه أكثر نفعا لاختلاف نسبة التبخر ، كما أن مصر سوف تستفيد منها من جراء توليد الكهرباء والطاقة دون أية تأثيرات علي حصتها من مياه النهر.
وقال إن موقف مصر ووضعها التفاوضي في اتفاقية عنتيبي قوي جدا وتساءل عما هي مبررات إضعافها ، خاصة بعد ثورتها التي قال إن مجمل دول القارة تنظر اليها نظرة إعجاب ، وتثق بأن مصر بهذه الثورة أضحت أكثر قوة مما مضي من عقود ، كما تغيرت نظرة العالم أجمع اليها .
واستغرب أن يضطلع بملف مياه النيل من أسماهم بــ " الهواه " ، لافتا إلي أن موارد مصر من النهر تزايدت وليس صحيحا أنها تناقصت ، كما أن البورصة والبنوك وجهاز الأمن والكثير من مرافق الحياة توقفت في مصر خلال أيام الثورة فيما لم يتوقف تدفق النيل عن الجريان.
وقال د. مطاوع إن ملف مياه النيل يحتاج لأن ينهض به فريق من الخبراء المتخصصين من مختلف الوزارات والهيئات المعنية وليس مجموعه من الهواه ، واستغرب أن ترسل مصر سفيرا الي دول من حوض النيل لا يجيد الحديث بلغة شعبها انجليزية كانت أو فرنسية..
وفيما أكد الخبير بمياه النيل د. عبد الفتاح مطاوع سلامة وقوة موقف مصر ، ودحض وجود مشكلة فنية بضمان تدفق المياه اليها أكد استاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة محمد شوقي عبد العال بدوره سلامة الوضع والموقف القانوني لمصر تجاه الاتفاقية الطارية ، التي وقعت في عنتيبي مايو الماضي ، والتي شدد علي أنها لا ترتب أية التزامات عليها.
وأضاف بأن هذه الدول لتتفق كما شاءت وهذا الاتفاق لا شأن لمصر به ولا يؤثر عليها ، واستغرب حديث تلك الدول عن أن الاتفاقية التي تنظم حصص مصر والسودان من مياه النيل وريثة الاستعمار ، لافتا إلي أن الاتحاد الأفريقي ورث أيضا ميثاق منظمة الوحدة بكل عبله والمآخذ عليه خاصة الحدود ولم يعترض أحد علي الاتحاد .
ولفت إلي أنه لا خشية من اللجوء إلي التحكيم الدولي ، لأن هذا الاتفاق غير ملزم لمصر ، وأنه وقت ابرامه كانت الدولة المصرية غائبة ، أما اليوم فانها دولة فتية ، لديها استراتيجيات بالفعل واهتمام بكل النواحي وما يحقق مصالح مصر وشعبها.
وقال د. عبد العال إن المشكلة تكمن في السياسة التي كانت تتبعها مصر تجاه القارة حتي أيقنت دولها أن العلاقة بين مصر وبينهم لا تعدو أن تكون من أجل "شوية ميه" ، وأن مصر لا تحتاج إليهم ، ومن ثم تم اهمال القارة تماما والضرب بعرض الحائط بالعلاقات معها " أيا كانت هذه العلاقات"؟
وفي هذا السياق اتهم مؤسسة الرئاسة والحكومات المصرية التي توالت خلال السنوات الماضية بأنها أهملت القارة الإفريقية، وخاصة دول حوض النيل إهمالا شديدا وانشغلت بأشياء أخري لا صلة لها بمصالح الدولة المصرية.
وخلال المناقشات التي شهدتها الندوة وأدارها د. سيد فليلفل عميد كلية الدراسات الإفريقية السابق بجامعة القاهرة تساءل كثيرون عن ملابسات ما اعتبروها " هذه الحالة من الاطمئنان المفرط بها " لدي خبير المياه كما تساءلوا عن دور إسرائيل في منطقة أعالي النيل وسعيها إلي نقل المياه وشرائها ..ودعمها خطط اقامة هذه السدود وغيرها من تساؤلات.
قال د. مطاوع إن جميع وزراء الري يعلمون تماما أنه لا مشكلة أو أزمة ستتعرض لها مصر بسبب مياه النيل ،وأن مواقفهم كانت لسباب سياسية وليست فنية ولا علاقة لها بموضوع المياه. وزاد علي ذلك أن حكومات مصر بسياستها هي التي خلقت مشكلة للمياه بها وليس العكس من جراء سوء الاستخدام وسوء التوزيع الديموجرافي لسكان مصر وتركيزهم في مناطق محددة.
وفي سياق حديثه عن حجم الإهمال واللامبالاة من جانب النظام السابق في التعامل مع ملف المياه ومشاكل وقضايا دول الحوض كشف عن أن وفدا مصريا ضم وزيري الخارجية والري السابقين زار تنزانيا عام 2006 وأن رئيسها ناقش مع الوفد أهمية الاستثمارات المصرية في بلاده وعرض منح مصر 1،5 مليون فدان لزراعتها ، وفقا لما تختاره مصر لنظام هذه الزراعة اما منفردة أو بالمشاركة ، غير أنه قال إن الوفد عاد من زيارته وتجاهل ما تم الاتفاق عليه ولم تتخذ الحكومة أي خطوة باتجاه تنفيذه..!
كما أشار إلي أن إثيوبيا التي تتهم اليوم بإقامة السدود وجهت الدعوات إلي مصر من قبل للمشاركة في السدود وتمويلها والاستثمار بها غير أننا تجاهلناها أيضا " فلا نريد أن نرحم ولا نترك رحمة ربنا تنزل "، وشدد علي ضرورة أن تنهض مصر الثورة بسياسات وخطط جديدة ، وأن تكون في مقدمتها نقل الجيش خبراته في التنمية ورعاية ثورتها الفتية إلي نظرائه بدول القارة من أجل تحقيق الأمن والسلام والاستقرار بها والمشاركة في عملية التنمية ، معتبرا أن تحقيق هذا الاستقرار هو الضمان الرئيسي لتدفق الاستثمارات إلي هذه الدول ، داعيا إلي أن تكون للاستثمارات العربية دور ملموس بها خلال الفترة المقبلة.
وبقدر التقليل من شأن ما يتردد عن دور إسرائيلي في أعالي النيل دحض متحدثون من بينهم الخبير بالشئون الإسرائيلية بجامعة القاهرة . طارق فهمي هذه المقولات ، غير إنهم تحاملوا علي السياسات والمواقف الإثيبوية خاصة تجاه مصر ورأوا أنها أديس أبابا تسعي إلي لعب دور إقليمي تحتمي من خلاله بما تلقاه من دعم أمريكي وإسرائيلي وتعمل كرأس حربة لتنفيذ مخططاتهما بالمنطقة للتأثير علي القدرات المصرية وشغلها بمعارك وهمية.
المصدر :
http://gate.ahram.org.eg/News/58344.aspx
كوكو