رامي نخلة ناشط سوري يعيش باسم مستعار.. يروي لـ «الشرق الأوسط» هروبه من قبضة الأمن
معروف باسم ملاذ عمران.. ويفضح جرائم النظام على الإنترنت
رامي نخلة
القاهرة: هيثم التابعي
في غرفة ضيقة ومظلمة في مبنى قديم لجهاز أمني سوري، احتد المحقق وهو يستجوب رامي نخلة (28 عاما)، ناشط سياسي وصحافي حر، وقال له: «ما علاقتك بملاذ عمران؟» دقات قلب نخلة المتسارعة عجلت بالإجابة التي خرجت عفوية قائلا بصوت عال: «لا أعرف ذلك الاسم على الإطلاق».
بعد 40 جلسة تحقيق خلال العام 2010، أطلق سراح نخلة. ولكن ما أدركه المحققون متأخرا أن ملاذ عمران، تلك الشخصية الوهمية التي طالما قضّت مضاجع المسؤولين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا «تويتر»، وسرعان ما أصبحت المطلوب الأول للسلطات الأمنية السورية، لم تكن إلا رامي نخلة نفسه الذي كان يوما صيدا ثمينا بين أيديهم، لكنهم لم يحسنوا التعامل معه.
«ملاذ عمران هو اسمي المستعار، فحينما كانت أمي تضرب أخي الأصغر عمران، كان يحتمي بي، فأصبحت أنا ملاذ عمران»، هكذا يشرح رامي نخلة لـ«الشرق الأوسط» اسمه الذي بات ملاذ عمران الذي يتخذ حاليا من بيروت مخبأ له. يقول إن مساحة الحرية على الإنترنت في سوريا كانت جد محدودة بل مراقبة على مدار الساعة، وهو ما دفعه لاستخدام اسم مستعار لينقل أفكاره للناس وليثير فيهم كرامتهم التي سلبتها الأجهزة الأمنية لبشار الأسد.
نخلة، الذي اختبأ لشهر كامل في دمشق من دون أن تتمكن السلطات السورية من وضع يديها عليه، تصيد الفرصة بمساعدة أصدقاء له للهرب إلى بيروت، وهي الرحلة التي استغرقت ساعات طويلة رغم قصر المسافة بين العاصمتين قضاها نخلة تحت رحمة مهربي البشر. كان يخشى أن يغدروا به ويسلموه للأمن السوري. «ولكنهم كانوا أكثر رحمة وأقل غلظة من رجال بشار الأسد»، على حد قوله.
«الثورة في سوريا مختلفة عنها في مصر وتونس، فميدان التحرير كان مكتظا بالصحافيين الأجانب الذين ينقلون الحدث لحظة وقوعه، أما في سوريا فكل شيء قيد التعتيم»، يقول نخلة الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بيته، أو للدقة مخبئه الذي قال عنه إن أهم ما فيه هو وصلة الإنترنت التي تمكنه من التواصل مع العالم.
«حظ بشار السيئ أننا ننقل مجازره بعد وقوعها بدقائق معدودات، فكل شيء موثق بالصوت والصورة»، يقولها نخلة بنبرة قوية لا تخلو من ثقة اكتسبها من معاركه العديدة مع النظام السوري عبر العالم الافتراضي الإنترنت. ويضيف أن التعتيم الذي حدث على مجزرة حماه عام 1982 لن يتكرر، والفضل يعود لثورة المعلومات التي احتضنت الثورات العربية.
يقول نخلة إن لديه قائمة طويلة بأسماء ما يناهز الألف قتيل بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المعتقلين الذين يصعب بطبيعة الحال حصر أسمائهم. وبنبرة حزينة، يضيف نخلة أن «الجيش السوري تم توريطه في إراقة دماء السوريين من قبل العصابة الحاكمة».
يعتقد هذا الناشط الذي بات ناشطا معروفا في زمن الثورة السورية، أن «أعمال القتل أرهبت عشرات الآلاف الذين بقوا يساندون الثورة من خلف التلفاز»، ولكنه يتوقع أن إراقة المزيد من الدماء ستدفع بمزيد من السوريين للشارع. ويقول: «كلما تكشف المزيد من جرائم النظام زاد عدد المتظاهرين في الشارع»، موضحا أن نقل أخبار وصور الدمار الذي لحق بدرعا جعل مزيدا من السوريين ينزلون بكثافة إلى الشوارع احتجاجا على تلك المجازر.
يعتقد نخله أن حل الأزمة هو بـ«إسقاط الأسد»، ويشدد على أن هذا المطلب «موضوع غير قابل للنقاش، فهو رئيس سقطت شرعيته». ومن ثم يحصر نخلة مستقبل النظام السوري في خيارين فقط، «إما إسقاط بشار تحت ضغط الجماهير الحاشدة أو أن يهرب طواعية». وعبر أثير الهاتف، بدا أن نخلة يغالب دموعه حين تطرق الحديث للطفل حمزة الخطيب ولكنه تماسك وتابع يقول: «حادث وحشي لا يمكن لعقل تصوره، لا تبكوا فقط على حمزة الشهيد ولكن ابكوا على قاتليه الذين حولهم النظام إلى مجرمين وجزارين بلا ذرة من الرحمة في قلوبهم».
يقول نخلة إنه لا يزال يحتفظ «بعدة فيديوهات أخرى تحمل جرائم قتل بشعة». ورغم الإمكانيات الضعيفة، يسعى نخلة الذي لا يملك إلا هاتفه الجوال وحاسبه الشخصي المحمول، للحفاظ على زخم حركة الاحتجاجات السورية من موقعه في بيروت. فهو حاليا منخرط في إنشاء شبكة كبيرة من المتحدثين على برنامج «سكايب» التي لا يمكن للسلطات أن تراقبها، لتنسيق الفعاليات على الأرض وتبادل المعلومات بشأن الشهداء والمصابين والمعتقلين في أنحاء سوريا.
لا يحلم نخلة بأي منصب حكومي بعد سقوط نظام الأسد، بحسب ما يؤكد. فهو لا يرى نفسه إلا من زاوية الناشط السياسي، ويقول: «لا أتمنى أبدا أن أكون صانع قرار، فأنا ناشط وهو ما يتيح لي حرية وحركة أكبر». ويشير إلى أنه «يجد نفسه تماما في الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها عبر ذاكرة رقمية لشهداء الثورة السورية وهو المشروع الذي سيعمل عليه لاحقا لفضح جرائم النظام السوري».
ما يحلم به حقا نخلة، «هو سوريا ما بعد بشار»، يقول: «أحلم بسوريا الحديثة الديمقراطية المدنية التعددية دولة القانون والمواطن». يقول إن الأسد «لا يعبأ إلا بكرسيه ولا تعنيه القضية العربية على الإطلاق، فهو شخص انتهازي يلعب دائما بورقة إسرائيل لينال رضا الجماهير».
ومن بين غبار الملاحقات والمطاردات الأمنية المتوقعة من قبل النظام السوري، يوجه نخلة رسالة للرئيس السوري قائلا: «المجرم لا يصدر عفوا عن أهل الضحية، عليك أنت أن تنتظر عفوا جماهيريا من الشعب السوري على دماء الشهداء المراقة أنهارا». ويضيف أن الأسد «عفا من قبل عن بعض السياسيين ولكنه عاد واعتقلهم لاحقا، لأن العقلية التي تحكم لم تختلف وستظل كما هي حتى يغيرها الشعب السوري بنفسه».
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=624829&issueno=11875