هذا موضوع شائك و من العيار الثقيل و مهم جدا و مع ذلك فلا يوجد كثيرين يتعرضون له أو يجتهدون في تأويله. الأديان عموما و على الأخص الدينين الكبيرين (من حيث تعداد السكان و ليس من حيث المقام) المسيحية و الإسلام إحتكروا نظرتين فاسدتين تجاه الجنس بحيث أنهما أفسدتا الممارسة الجنسية عن طريق الإحتقار و التحريم الغير مبرر أو الإباحة بغير ضوابط و التمييز لصالح الرجل.
الجنس في المسيحية :
في المسيحية تجد آيات كثيرة تحتقر الشهوة الجنسية و تحتقر الجسد و إهتمامات الجسد بل و تدعو للإخصاء و الرهبنة صراحة ..
ففي رسالة بولس الرسول لأهل رومية 8 : 5-8
فان الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون و لكن الذين حسب الروح فبما للروح. لان اهتمام الجسد هو موت و لكن اهتمام الروح هو حياة و سلام. لان اهتمام الجسد هو عداوة لله اذ ليس هو خاضعا لناموس الله لانه ايضا لا يستطيع. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون ان يرضوا الله.
و في متى 5 : 27-30
قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تزن و اما انا فاقول لكم ان كل من ينظر الى امراة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها و القها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك و لا يلقى جسدك كله في جهنم, و ان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها و القها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك و لا يلقى جسدك كله في جهنم.
و في متى 19 : 12
لانه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون امهاتهم و يوجد خصيان خصاهم الناس و يوجد خصيان خصوا انفسهم لاجل ملكوت السماوات من استطاع ان يقبل فليقبل.
الجنس في الإسلام :
أما الإسلام فيدعو للزواج و ينهى على التبتل. و لكنه أباح للرجل فقط الزواج باكثر من إمراة و لم يساوي بين الرجل و المرأة في ذلك كما جاء في [ النساء : 3 ] { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }.
كما أباح للرجل فقط الطلاق كما ورد في سورة البقرة ﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ(236)﴾
أما الجنس الحر أو خارج إطار الزواج فعقوبته الجلد أو الرجم, الزاني الأعزب أو غير المحصن عقوبته الجلد والزاني المتزوج أو المحصن عقوبته الرجم حتي الموت مثلما جاء في القرآن : (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )
بل إن محمد كان معاكسا للمسيح الذي عفى عن الزانية قبل ان تتوب و قال وقتها : من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر, و ذلك حين أتى إلي محمد أحد الصحابة تائبا و هو ماعز بن مالك و مع ذلك فقد أمر برجمه حتى الموت :
ويروي أبو سعيد: أن رجلاً من أسلم يقال له: ماعز بن مالكٍ أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أصبت فاحشةً فأقمه علي! فرده النبي -صلى الله عليه وسلم- مراراً، ثم سأل قومه فقالوا: ما نعلم به بأساً إلا أنه أصاب شيئاً يرى أنه لا يخرج منه إلا أن يقام فيه الحد. قال: فرجع إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمرنا أن نرجمه. قال: فانطلقنا به إلي بقيع الغرقد، قال: فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظام والمدر والخزف، قال: فاشتد، واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة، فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة -يعنى الحجارة- حتى سكت! ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطيباً من العشي فقال: "أو كلما انطلقنا غزاةً في سبيل الله تخلف رجلٌ في عيالنا له نبيبٌ كنبيب التيس؟ علي أن لا أوتي برجلٍ فعل ذلك إلا نكلت به" قال: فما استغفر له ولا سبه.
يعني المسيحية رهبانية تحتقر الجسد و لكنها لا تقاتل الزاني بينما الإسلام يبيح للرجال فقط تعدد الزوجات و تملك الإماء و يجلد الزاني الأعزب و يرجم الزاني المتزوج حتى الموت. و تنسحب الرؤية المسيحية و الإسلامية على الجنس في الآخرة أيضا لأن المسيح يدعي ان في ملكوت الله لا يزوجون و لا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء بينما الجنة في الإسلام هي بيت دعارة كبير حيث الحوريات الكثيرات و الغلمان المخلدون و الخمر و الذكور المنتصبة و الفروج العذرية. هذا يجعل المرء يتساءل : لماذا يبيح الله الجنس في الجنة و يحرمه على الأرض ؟ لذلك تبدو نظرة الديانتين للجنس قاصرة و مخطئة و فاسدة بحيث لا يمكن الإستفادة منهما في وضع تصور أخلاقي علماني للجنس.
موقف الملحد من الجنس
لان الملحدين ليسوا فكرا واحدا او يتفقون في مواقفهم من أي موضوع غير الدين و الألوهية لذلك سأتحدث عما أراه يليق بالملحد او يلزمه كإنسان متحضر. بوجه عام يختلف الملحد مع الموقف المسيحي الرهباني من الجنس بنفس الطريقة التي يختلف بها مع الموقف الإسلامي المتسلط و الظالم للمراة. فمن الحماقة ان يمتنع المرء عن ممارسة ممتعة بحجة أن للإنسان روح و أنه يجب أن ينتصر لرغبات الروح ضد رغبات الجسد. و بما أن الملحد لا يؤمن بوجود روح من الأساس و لا يتبنى هذا الصراع الوهمي بين الروح و الجسد لذا فإنه يستمتع بممارسة الجنس سواء من خلال علاقة زواج أو علاقة حب بدون زواج أو حتى علاقة عابرة بين إثنين ناضجين بموافقتهم.
الملحد يتبرأ من التزمت الديني فيما يخص الجنس و الذي ألصق بالجنس مشاعر مؤلمة من الشعور بالذنب و إحتقار الإنسان لجسده و شهوات جسده, هذا التزمت الذي فرضته المسيحية لمدة تقارب الألفي عام كما يؤكد على الحق الأخلاقي في الإستمتاع بالحد الأقصى من مسرات الحياة و من ضمنها الجنس. كما يرفض الملحد إحتكار الأديان للزواج و صبغ الزواج بصبغة الأديان و يسعى لإقرار الزواج المدني كحق لمن يريد في الدول التي مازالت لم تقنن الزواج المدني.
كما يرفض الملحد التفرقة بين الرجل و المرأة في حقوق مثل تعدد الازواج و الطلاق كالتي يقرها الإسلام, فغالبية الملحدين تؤكد على مبدأ الزوجة الواحدة و من يقبل بتعدد الزوجات يوافق على إباحة تعدد الأزواج للنساء أيضا من باب العدل, و بالنسبة للطلاق فهو حق للزوجين و لا يجب أن تتم إعاقة هذا الحق باي شكل.
فلسفة الممارسة الجنسية
وظيفة الجنس الطبيعية أصلا هي إنجاب الأطفال و لكن لان الإنسان يستطيع ممارسة الجنس طوال العام بعكس الحيوانات الأخرى و لان الناس عادة ما تنجب مرتين أو ثلاثة على الأكثر في عصرنا الحديث و لان الإنسان يتفنن في ممارسة الجنس كما إرتبط في ذهنه بثقافة كاملة فلذلك أصبح الجنس يمارس أساسا من أجل المتعة و أحيانا قليلة جدا من أجل الإنجاب. و على هذا الأساس ترتبط ممارسة الجنس بفلسفة تحصيل المتع الجسدية بشكل عام مع الأخذ في الإعتبار خصوصية الممارسة الجنسية.
أما الفلسفة التي أقترحها بخصوص تحصيل المتع الجسدية عموما فهي تعتمد على الإباحة هي الأصل و لكن في إطار معين و هو أن لا يضر أحدا ولا حتى المرء نفسه كما أن لا يتحول تحصيل الملذات إلي إدمان او يفقد المرء السيطرة على نفسه. هناك ثلاث قوانين أجدها فعالة في الإنجيل في الرسالة الأولى إلي أهل كورنثوس 6 : 12 و 10 : 23
- كل الاشياء تحل لي لكن ليس كل الاشياء توافق.
- كل الاشياء تحل لي لكن ليس كل الاشياء تبني.
- كل الاشياء تحل لي لكن لا يتسلط علي شيء.
و لو أضفناها إلي حديث محمد صاحب الإسلام عن : لا ضرر و لا ضرار, أعتقد انه ستتبدى لنا الفلسفة المناسبة للتعاطي مع المتع الجسدية و خصوصا الجنس و على أساس تلك الفلسفة تظهر لنا الشروط المنطقية للممارسة الجنسية ..
أولا : شرط الموافقة
الرضا والموافقة هم أحد العناصر الأساسية لفهم الاخلاق الجنسية. أقل ما تتقبله كل نظم الاخلاق هو موافقة جميع الاطراف في ممارسة النشاط الجنسي. و لأن بعض الفئات غير قادرة على إبداء حق الموافقة مثل الاطفال و المعاقين ذهنيا و المرضى عقليا و الحيوانات بل و الاشخاص تحت تأثير المخدرات أو الكحول فلذلك تعتبر ممارسة الجنس مع أي طرف من هؤلاء جريمة أخلاقية قبل أن تكون جريمة قانونية.
ثانيا : شرط تنزيه العلاقات الأساسية
من اهم القواعد التي تحد من النشاط الجنسي ايضا هي تنزيه العلاقات الأسرية و العائلية عن الممارسة الجنسية و هذا الشرط يعمل بوجه عام حتى لمن هم فوق سن الرشد بحيث لا تكون العلاقات الجنسية صحيحية حتى لو كانت بين إثنين ناضجين و بموافقتهم طالما أن بينهما رابطة دم. و تعتبر تلك العلاقات لا أخلاقية حتى لو لم يكن هناك نية لأنجاب الأطفال لانها تدمر شكل و مفهوم الأسرة أو العائلة كما نعرفها منذ بدء التاريخ. و هناك عوامل اجتماعية وعوامل نفسية وعوامل بيولوجية تلعب دورا في كسر حاجز التحريم الجنسى فينفلت هذا النشاط الغير أخلاقي و يتجه اتجاهات غير مقبولة, فهو يرتبط بشكل واضح بإدمان الكحول والمخدرات، والتكدس السكانى, والأسر المعزولة عن المجتمع (أو ذات العلاقات الداخلية بشكل واضح), والأشخاص المضطربين نفسيا أو المتخلفين عقليا.
ثالثا : شرط عدم إستغلال السلطة
واحدة هي من أهم القيود الأخلاقية على الممارسة الجنسية هي للشخص في موقع سلطة، سواء اجتماعيا أو في مكان العمل، كالانخراط في نشاط جنسي مع المرؤوس. تعتبر هذه التصرفات غير اخلاقية باعتبارها خيانة للأمانة، و أيضا لأن المرؤوسين غير قادرين على نفي الموافقة على النشاط الجنسي لانهم يخشون من التداعيات. زنا "الطفل - الأب" يمكن أيضا ان ينظر إليه على انه اساءة لمنصب يقوم على الثقة والقوة، إضافة إلى عجز الطفل على إعطاء أو نفي الموافقة. ومن الجدير بالذكر ان العديد من المنظمات المهنية (مثال: شركات...) لديها قواعد تحريم النشاط الجنسي بين العاملين وعملائهم. و هناك امثلة في كثير من البلدان و تشمل الاطباء النفسانيين وعلماء النفس والمعالجون والاطباء والمحامين. وبالإضافة إلى ذلك، توجد قوانين في أماكن كثيرة ضد هذا النوع من التعسف في استعمال السلطة من قبل الكهنة، والوعاظ، والمعلمين، والمستشارين الدينية، والمدربيين والمرشدين.
رابعا : شرط الوفاء بعهد الزواج
تعتبر ممارسة شخص متزوج للجنس مع غير زوجه خيانة لعهد الزواج الذي لم يرغم على التعهد به من الأساس. و لكن لان العقد شريعة المتعاقدين فعقد الزواج يعتبر ملزم أخلاقيا للزوجين بحيث لا يجوز لهما ممارسة الجنس مع آخر. هذا و تقول الإحصائيات أن هناك نسب عالية للخيانة الزوجية و على الأخص عند الرجال و الأصغر سنا من الجنسين و لكن رغم الاحصائيات فإن الاخلاص مازال يمثل فضيلة ينظر إليها صغار السن على وجه الخصوص باعتبار أن لها أهمية بالغة.
خامسا : شرط إحترام الآداب العامة
تجدر الإشارة إلى ان هناك قوانين داخل المجتمعات، بما فيها المملكة المتحدة على سبيل المثال، بشان اللباس المحتشم خصوصا في أماكن العمل. و بوجه عام هناك رفض لممارسة الجنس في الشارع أو على الملأ مثلا. و بالتالي فإنه إحتراما للناس و لحريتهم في النظر و رعاية للأطفال يمتنع الإنسان عن التعري أو إرتداء ملابس غير محتشمة او القيام بملامسة جنسية في الأماكن العامة.
سادسا : شرط الحفاظ على الصحة
هناك أيضا مسألة كيفية ممارسة الجنس وتأثيراتها على صحة الأفراد. فهناك خوف من الاثار الصحية الناتجة عن بعض الانشطة الجنسية، وهناك مسألة ما إذا كان للأفراد وعي بالمسؤولية الأخلاقية لسلوكهم على المجتمع بوجه عام. مثل هذه المخاوف قد تنطوي على الكشف عن الاصابة بالامراض المنقولة جنسيا مثل السيلان و الزهري و الإيدز .. ألخ، أو بما قد يؤدي إلى زيادة مستوى من حالات الحمل غير المخطط لها، والاطفال الغير مرغوب فيهم، وهذا يعني، ما مقدار العناية الشخصية التي يحتاج الفرد إلى اتخاذها من اجل وفائه بالالتزام الصحي المُجتمعي وهي مساهمه مطلوبة للحفاظ على الصحة العامة للمواطنين كافة.
(يتبع)