( دمبى وولده ) رائــــعة ديكنز التى لا يعرفها أحد !
[CENTER]
دمبى وللده .. الرواية التى لا يعرفها أحد
دعونا نتخيل حوار عادى بين أثنين من الموطنين المهتمين نوعا ما بالأدب العالمى .. ودار بينهم حوار حول تشارلز ديكنز :
- تسمع عن تشارلز ديكنز ؟
- طبعا .
- قرأته حاجة ؟
- قصة مدينتين , أوقات عصيبة .
- قرأيت أوليفر توسيت ؟
- شاهدتها فيلم .
- هل سمعت يوما عن دمبى وولده ؟
- لمن هذه الرواية ؟
- لديكنز .
- غريبة , أول مرة أسمع هذا الأسم .
هذا الحوار الذى أتخيله مع غالبية السود الأعظم من الناطقين بالضاد , وربما أكون مخطئا ! ولكن , ما دفعنى أن أقول هذا الى أن كل من قابلتهم وسألتهم عن الرواية , أكثرهم لم يسمعوا حتى عنها .
وربما , قال أحدهم " ربما رواية فاشلة , أو دون المستوى .. لهذا لم تشتهر , بعكس أعمال ديكنز الأخرى " .
هذا بالنسبة للعرب , أما بالنسبة لشهرة القصة على المستوى الغربى – فلا أعرف عن هذه النقطة شيئاًَ .
اذا فتحت أى مقدمة , أو نبذة عن قصة حياة " ديكنز " هتجدهم يذكروا ديفيد كوبر فيلد – بأعتبرها بتمثل جزء من ترجمة ديكنز الذاتية – قصة حياته – وأكيد هيذكروا أوليفر توسيت , وربما ترنيمة عيد الميلاد أو قصص عيد الميلاد بوجهة عام .. لكن لن تجد أبدا ذكرا لدمبى وولده , نهائيا . ولا أعرف لماذا ؟
حتى أنى قرأت بحث صغير منشور فى أحد المجلات – حوالى خمسة صفحات , ووجدته يبدأ كما يبدأ كل بحث قرأته عن ديكنز , ركز أيضا على ديفيد وقصة مدينتين والأمال الكبرى ... وأتمنى أن أكون مخطئا ومتحيزا , عندما أقول أنهم لا يسوى شئ أذا وضعوا على كفة , ووضعت " دمبى وولده " على كفه أخرى .
أنا شخصيا تأثرت بقصة مدينين , وبكيت على موت " سيدنى كارتون " فى نهاية القصة , وكيف أن البنت تخبره أنه لابد أن يكون ملاك قد أرسله لها الله .. لكنى قرأت نهاية أخرى جميلة أو أجمل لا تفرق مع دمبى وولده ! .
أتمنى أن أكون مخطئا , فكم يريح كثيرين أن يكتشفوا أنهم كانوا محقين طول الوقت . لكن ما أنا متأكد منه , هو أنه من الظلم أن لا تَعرف هذه الرواية , وأن تتضاف الى الأعمال الخالدة لفيلسوف الفقراء ( تشالز ديكنز ) .
من الجدير بالذكر – أو بالمعرفة , أن هذه الرواية قرأتها فى ثوب بالى لونه أصفر , تخرج منه رائحة غريبة . فقد أكتشفت لاحقا أن الكتاب عمره تقريبا اربعين سنة , وكانت الرواية تتدرس فى المدارس الحكومية المصرية ... وأتمنى لو القائمون على ( مكتبة الأسرة ) بالنظر الى هذه الرواية , لأنها كنز أنسانى حقيقى . فضلا عن أنها لن تكلفهم شئ فى طباعتها لأن ترجمتها مملوكة لوزارة التربية والتعليم المصرية .
لكن من هو دمبى ؟
( رجل غنى , متزوج . وكان يحلم بأن يرزقه الله بولد .. ولكن لسؤء حظه فالرجل يرزق بفتاة جميلة " فلورنس " , ولكن لاسف تعلقه كالطفل فى رغبته بطفل وليس طفلة , تعمى عينه عن الجوهرة التى رزق بها ولم يراها .. فيرفض حب فلورنس , ويدفعها بعيدا عنه لا شعورياً . بينما تحاول الفتاة أن تتقرب منه , ولكن لا حياة يا من تنادى ) .
تبدا القصة بمشهد درامى , حيث تستلقى الأم من شدة تعب الحمل الثانى , حيث ولدت أخيرا طفل أو ولد لدمبى . وقد فرح الأب , الى درجة أنسته قسوته لأول مرة , فيدلع مراته ويناديه بــ يا عزيزتى ...
وفى نفس اللحظة , يبلغه الطبيب بأن حالة " الأم " خطرة جدا , وعليها أن تبذل جهداً حتى تتحسن صحتها , وألا تتطورت الأمور الى الأسوء .
وتصعد " فلورنس " لمشاهدة أمها , ولترى " بول الصغير " : لتجد أمها متعبة جدا – وتركض فى أتجاهها وهى تصيح ( أمى : أمى ) بدمعة على العين , وترتمى فى حضانها , وتعانقها بشدة ... لينتهى المشهد , وتنتهى معه مسز دمبى .
ثم تبدأ الرواية فى الأندفاع, فقد حصل اخيرا دمبى على خليفته .. فيستمر أهتمامه ببول الصغير , بينما يتجاهل " فلورنس " التى حبها الله ذاته , بقوة تحمل لا تعرف من أين أتت بها . حتى وأن أهتم أبوها بأخوها ( بول ) عنها , وأعطى كل حبه له . ألا أنها هى أيضا لم تستطع أن تكره بول , بل على العكس – كان تحبه وكأنه أبنها لا أخوها . وكان أخواها أحيانا يرفض الصعود الى غرفة نومه , ألا أذا حملته فلورنس وغنت له بصوتها العذب . وهو يطوقها بذراعيه , مرتميا فى حضانها .
ويتجلى وصف ديكنز , لبول فى فقده لأم الثانية – المربية مسز ريتشارذ – بسبب أهمالها , فى فقدان فلورنس . مما كاد أن يضيعها الى الأبد . ليضع فى قلب الطفل الصغير , فراغ جديد فى قلبه الصغير الذى يعانى من وحدة كبيرة بعد ضياع أمه . ( كانت تعلو على وجه الكأبة والتعاسة , وكأنه ولد فى فقر مدقع . كانت لحظات سرحانه أثناء جلوسه أمام النار للتدفئة , لا تتناسب مع سنة الصغير جدا . ) . هكذا لاحظ أبوه " مستر دمبى " .
تكتمل روعة القصة , فى أندفاع قوى , عندما يموت بول بسبب ضعفه الجسمى الذى ولد به .. وتعلو الكأبة على دمبى , ويفكر للخروج من الأزمة بالزواج مرة أخرى .
وفى كل هذا , تحاول فلورنس التقرب منه لمواساته فى موت أبنه وأخوها .. لكن الصخور قاسية أحيانا , تحتاج الى مجهود أكبر لتتفت .
وتتوالى أحداث الرواية فى ( أندافعات و تتدافعات ) تكون أحيانا ( منحنيات طبيعية , وأحيانا شديدة الأنحدار ) .. لتنتهى قصة دمبى بأدراك الجوهرة التى كانت أمامه طوال الوقت , ولم ترها عينيه العمياء ! . يلا غبائى , لم أدرك هذه الجوهرة التى كانت أيام وليالى وسنين أمامى .
لكن ليشكر الرب , فقد أدرك هذه الحقيقة وهو يمشى على قدميه – على فراش الأنتقال للحياة الأخرى .. وسوف يستطيع أن يعوض ما ضيعه مع فلورنس الكبيرة – مع فلورنس الحفيدة , حتى يستكمل مع الصغير مع أضاعه وبدده مع الكبير .
|