حافظ الشيخ صالح

ليست الأيديولوجيا، أو «البناء الفوقيّ«، هو فقط ما يُطلق عنان العنف العام، وإنما الذي أيضاً يُطلق العنف العام العفويّ هُو الوضع الاجتماعي والمعيشيّ، أيْ الوضع الوجوديّ الابتدائي البحت، أحياناً كثيرة مع غيبة الأيديولوجيا الـمُوجهة والتحريض السياسيّ، ومن غير تنظيم ألبتة.

وهذه الظاهرة هي ما يقال لها في الأدبيّات السوسيولوجيّة بالإنكليزيّة والفرنسيّة (والأوروبيّة بعامّة) ظاهرة «الحشد« (أو الـ «كْرَوْد«)، وهنالك عن هذه الظاهرة كتابات أكاديميّة مُقدرة، منها الكلاسيكيّ ومنها الـمُحدث، ومنها الـمُترجم من الفرنسيّة إلى الإنكليزيّة، ومنها كتاب، أقتنيه في مكتبتي الـمُتواضعة، عن «الحشد« في إيران، مكتوب بالإنكليزيّة بقلم باحث إيرانيّ.

حوادث العنف في فرنسة، وفي ضواحي باريز الفقيرة، التي حصلتْ وتمادتْ عدّة من أيّام، هي أنموذج لـ «الحشد« الفقير والـمُهمّش الذي ليس يملك غير العنف العفويّ العشوائيّ للتعبير عن ذاته، وعن أحواله وعن مواجعه المعيشيّة والاجتماعيّة، بل الوجوديّة البحتة، التي يعلم بها النظام الرأسماليّ الجائر، يعلم بها عياناً ومن الإحصائيّات والأرقام، لكنْ لا يستمع لها، ولا يُعالجها، بلْ يدَعُها تتفاقم، بحسبان أنّ الطبقات الـمُترفة، الـمُسيطرة في الأنظمة الرأسماليّة وعليها، هي طبقات ظالمة بطبعها، ولا ضميرَ اجتماعيّاً أو تاريخيّاً أو أخلاقيّاً لها، فهي فقط تريد العاجلة، يعني تريد أنْ تبقى إلى الأبد، هي وعيالها، غارقة في بذخها الخرافيّ وترفها الأسطوريّ، تاركة أحوال الناس من العامّة والفقراء والضعفاء تهترئ وتتفسّخ، غير معنيّة بها ألبتة. ليستْ مُصادفة ألبتة أنْ يندلع العنف الباريزيّ والفرنسيّ من هوامش الفقر والبطالة، والهوامش البشريّة المطحونة طحناً يوميّاً ضارياً بالنظام الرأسماليّ الجائر.

يندلع العنف عفويّاً وعشوائيّاً، من غير تنظيم ولا أيديولوجيا مُرشدة، وهو هاهنا ينصب على كلّ شيء، على مظاهر البذخ والترف، اللذين تتقلّب فيهما الفئة الـمُسيطرة، أو الطبقة الاجتماعيّة (البورجوازيّة الكبيرة) المهيمنة، وعلى رموز وأعلام «الدّولة« التي تتبادل الاحتضان، وتتبادل المصالح والحمايات، مع الطبقة الـمُسيطرة. لكنْ في مسألة «الحشد«، وعنفه العفويّ والعشوائي، لا حاجة بنا أنْ نذهب فقط إلى الأنموذج الفرنسي الحاصل، ففي مصرَ وفي بلاد الشام وفي العراق (والواقع في العالَم الزراعيّ أجمع) كانت على الدوام، ومن غير انقطاع، تندلع ثورات الفلاحين، ضدّ أرباب الأرض المغصوبة منهم ومن أجدادهم، وضدّ «مُلتزمي« الأرض الذين كانوا في الواقع أشدّ ظلماً وبطشاً من ملاك الأرض والأطيان أنفسهم.

تندلع تلكم الثورات الفلاحيّة من غير أيديولوجيا بتاتاً، ومن غير تنظيم سياسيّ، وإنما عندما تشتد على الفلاحين أنواع المظالم، ويجوعون فعلاً ويجوع عيالهم، فإنهم لا يجدون آنذاك، جبراً وحتماً، غير التكرار العفويّ والعشوائيّ لظاهرة «الحشد« الثائر أو الـمُتمرّد أو العاصي، يُحاولون من طريقه إسماع صوتهم، ونيل ما يُمكن أنْ ينالوه من مكاسب بسيطة ويسيرة تتيح لهم ولعيالهم البقاء على الأقلّ على قيد الحياة، بالمعنى الحرفيّ المضبوط لهذا التعبير الخطير.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/ArticlesFO...=149315&Sn=shkh

فقراء يثورون على اغنياء فيصبحون اغنياء ويصبح من كانوا اغنياء فقراء فيثورون على الاغنياء الجدد


هذا ما وضع له الحلول كارل ماركس



[CENTER]تحياتي [/CENTER]