قراءة في رواية الكاتب الافغاني خالد حسيني...ألف شمس ساطعة
من قلب الجبال و الثلج, من قلب الغبار و الجفاف و سنوات الدم و الارهاب, تاتي الينا كلمات خالد حسيني في محاولة شجاعة و مبدعة لتعرية واقع و تاريخ يكاد يكون مجهولا لدى اغلبية سكان الارض,على الرغم من احتلال اسم أفغانستان لواجهة الاحداث و الوقائع منذ سنوات ليست بالقليلة. و من هنا جائت هاته الرواية التي تسعى من خلال شخصياتها و أحداثها الى وضع هذا التاريخ و هذا البلد الغني في واجهة المعرفة من اجل اعطائه حقه من الفهم و التعريف في زمن العولمة.
يمكن القول ان غاية الرواية الاساسية هي تعرية واقع النساء في العالم الافغاني على مدار ثلاثين سنة تتابعت فيها احداث من كل شكل و مضمون, سياسية اجتماعية و دينية, كانت فيها المرأة الضحية النوعية بامتياز, لكن ليس وحدها فقط, انما بلد باكمله كان الضحية.
بطلتا الرواية امراتان, مريم و ليلة, ياخذنا الكاتب مع سيرتهما. المختلفتان زمانا و مكانا, ليجتمعا فيما بعد تحت سقف بيت/واقع واحد ياخدهما في متاهاة عذاب و الم و تضحيات لا تنتهي بنفس الطريقة او الكيفية.
تبدأ الرواية بالبطلة مريم, التي تعي ذات يوم في عمر الخامسة انها "حرامي", اي ابنة ولدت حارج اطار العلاقة الشرعية, الزواج.ال"حرامي" التي تعيش مع امها في منطقة خارج مدينة "هيرات", في بيت صغير و بائس. لم يكن يؤنس مريم الصغيرة فعليا الا زيارات ابيها جليل الرجل الغني, الذي لم ينساها و لم يتخلى عنها على الرغم من عدم زواجه من امها لنفس الاعتبارات التقليدية بين الاغنياء و الفقراء, التي ترى في كل فقيرة تتقرب من غني انتهازية تحاول التسلق الى مكان غير مكانها الطبيعي. زيارات جليل كانت ضوءا ينير على مريم الصغيرة التي تفرح كأي طفلة بهداياه و حلوياته و اللعب معه, هي التي كانت تعاني من طبع امها الذي يتحول الى الشراسة و العنف اللفظي كلما لاحظت او تذكرت تعلقها به.لم تكن تشك في حبها لها او في كم التضحيات الهائل التي قامت به اجلها, لكنها لم تكن تفهم ايضا سبب عنفها المفاجئ.
الشخصية الاخرى التي كانت تفرج عن مريم الصغيرة همها و بؤسها هو الملا فايزو الله, صديق ابيها و امها, الكهل الذي اذن لها في اذنها ىذان الصلاة و هي تخرج الى الحياة.زياراته كانت منبع معرفة لها و منبع حوار مع شخص يعرف الحياة و الدين المسالم الهادئ.
لكن طفولتها البريئة, ستنحى نحو مآسي أكبر ذات يوم عندما تقرر بقلبها الصغير زيارة ابيها جليل في مدينة "هيرات" دون علم امها.كانت تريد ان تراه في بيته الكبير,ان ترى سيارته, ان ترى اخوتها الآخرين و زوجات ابيها.لكنه كان وهما تحطم بعنف.بعد ان وصلت للبيت بلباسها البئيس و حجابها المهترئ, طلبت ان تقابل جليل, لكنهم قالوا لها انه غير موجود على الرغم من سيارته المركونة اما الباب.قررت ان تنتظره.نامت طوال الليل كمتسولة اما الباب دون ان يهتم بها احد.في الصباح اعادها السائق الى حيث كانت تقيم بعد ان جفت اعينها من البكاء, لتكتشف المأساة الاخرى في انتظارها,امها "نانا" انتحرت.
هكذا تمضي بها الحياة, من آلم الى آخر. و من ضياع الى دموع.اقامت مريم بعد ذلك عدة شهور في منزل ابيها بين زوجاته و بناته حيث لم يكن الجو وديا دائما بينهم, و كنتيجة, يقرر ابيها تزويجها من تاجر احذية اكبر منها.بنت الخمس عشرة سنة تتزوج من رجل عمره خمس و اربعون سنة.لم يكن لها اختيار او رغبة.كان فرضا.
ترحل مريم مع زوجها رشيد الى كابول لتواجه واقعا آخر و حياة اخرى.رشيد الذي كانت معاملته لها جيدة لانه كان يريد ولدا يحمل اسمه, يتحول الى وحش شرس بعد ان تفشل مريم في الحفاظ على الجنين الذي كان في بطنها.لتصبح حياتها جحيما, عبارة عن مكوث دائم في المنزل, معاشرة جنسية خالية من اي حب او رغبة, و ضرب مبرح لاقل الاسباب.
بطلة الرواية الاخرى هي ليلى, فتاة جميلة من كابول تقيم في نفس الحي الذي يقيم به رشيد و مريم.ابيها استاذ و امها ربة بيت.هنا ايضا الشخصية المحورية في حياة ليلى هو ابيها, المثقف المغرم بالشعر و الكتب و المعرفة.و الذي كان له الدور الاساسي في تكوينها.
الحب ايضا كان له بعد جميل في طفولتها و مراهقتها, مع طارق ابن الحي, الذي لم تكن اعاقته-رجل مبتورة- سببا في ان تكون لا علاقته مع ليلى علاقة جميلة و عميقة من كل النواحي. أم ليلى ام سلطوية, تكاد تطغى بطبعها على الاب, تحب ابنائها الذكور و تعتني بهم أكثر بكثير من اهتمامها بليلى.حياة هاته الاخيرة تتحول الى جحيم يحيط بها و بمن حولها حينما تعلم ان ابنيها الذان ذهبا للالتحاق بصفوف الجهاد الافغاني ضد السوفييت قد توفيا.لتصبح امرأة مسلوبة بحزنها, تؤيد المجاهدين في كل صغيرة و كبيرة, و مخالفة لكل أراء الاب المائلة الى الحرية و الوعي.
بعد انسحاب السوفييت من افغانستان, يبدأ التطاحن المميت بين الفصائل الجهادية.كل فصيل يحتل منطقة معينة, و لا يوفر احدهما جهدا لكي يبيد الآخر و منطقة تمركزه.يبدأ الضحايا المدنيون في التساقط بشكل مريع يوما بعد يوم.و كما كان الكاتب محقا في تصويره لبحار الدماء عندما قال, كان الناس يجدون اشلاء الاطفال الصغار فوق سطوح المنازل و جذوع الاشجار اياما طويلة بعد ان يدفنوا.
و هوا ما حدث لليلى, ذات يوم و هي عائدة من مدرستها رفقة زميلاتها, اذ تمزقت صديقتها امام عينيها بعد ان اصابتها "روكيت" تائهة انطلقت من مدفعية المجاهدين.
كان الحطام و الدمار هو سمة كابول و افغانستان.في كل عائلة قتيل او اثنين لا ذنب لهم فيما يحصل بين فصائل تدعي امتلاك الحقيقة و لا تميز في سبيل اعلائها طفلا او عجوزا او امرأة. كانت كابول تتحول يوما بعد يوم الى جحيم كبير لا حياة مضمونة فيه لاحد.
و يبدا الهروب.تقرر عائلة طارق الرحيل الى باكستان للنفاذ بحياتها و أملا في مستقبل آمن.و يوم الرحيل,تقوم ليلى بممارسة الجنس مع طارق في لحظات ستبقى مرسومة في ذكراها الى الابد.
رحل طارق, و بقيت ليلى تواجه وحدتها الى ان يقرر الاب ان الرحيل قد حان بالنسبة لهم ايضا.تفرح الصغيرة.لكنها ككل البهجات, بهجة مغتصبة.اذ و هم مشغولون باعداد متاعهم القليل, تنزل قنبلة على المنزل لتنسفه و تقتل الاب و الام, موفرة ليلى التي ستبدأ من جديد حياة آلام اخرى.
هنا تلتقي حياة مريم و ليلى.
رشيد زوج مريم هو الذي سيخرج ليلى من بين حطام المنزل المترع بالدم و الاشلاء.ليقرر الاعتناء بها, ليس لغاية انسانية, و انما وراء هدف آخر. الزواج بها.
هاته الحقيقة سيواجهها بها بعد ان تتعافى.ستقول له موافقة لانها اعلم من غيرها ان لا مكان لها آخر لتذهب اليه.لكنها كانت تضمر في نفسها انها سترحل يوما لتبحث عن طارق و لتعيش معه.
تمضي الايام لتكتشف ليلى انها حامل, لكن في شهرها الثاني في حين ان زواجها ام يمضي عليه اكثر من شهر.تستغل جهل زوجها الاسكافي لتوهمه بان الحمل منه.يبدأ هذا الاخير بالاعتناء الزائد بها بعد ان حققت له حلمه, لتبدأ الحزازات بينها و بين مريم و تصبح علاقتهما متوترة و عنيفة الى ابعد الحدود.
تتوازى الحياة العنيفة في البيت المشترك مع العنف خارجه,اذ يستمر القتال ما بين الفصائل مخلفا المزيد و المزيد من الضحايا, و منتهكا ايضا كل الحريات الفردية و العامة, حيث يصبح التشادور او البرقع هو الزي الرسمي للنساء في تعبير رمزي عن بداية القهر الديني لمجتمع باكمله.
تلد ليلى بنتا,تسميها عزيزة.تحول كل آمال الزوج رشيد الى سراب.ليصبح اكثر عنفا مع الاثنتين.الشيء الذي يقربهما و يخلق مساحة تفاهم تشكل في البيت البئيس واحة من الراحة و الجمال.تجد مريم في ليلى و ابنتها تعويضا عن سنين الوحدة التي قضتها و عن حلم الامومة الذي فاتها, لتعطي لهن كل ما تمتلكه من حنان و حب لم يجد من قبل طريقا له.و تجد ليلى في مريم الصديقة و الام الحنون التي ترعاها و تحميها و تفهمها.جلساتهما المغربية حول فناجين الشاي كانت لحظات سعادة لا تعوض.
ياتي الطالبان الى الحكم بعد ان يكتسحوا بعنفهم و ارهابهم كل الفصائل الدينية الاخرى.ليبدأ مسلسل الارهاب الديني الجديد.يحرم طالبان الموسيقى, السينما, الصور.يامرون الرجال باطلاق اللحي, و النساء بالتحجب الكامل و المكوث في البيت, كل امراة كانت تضبط وحدها في الشارح بدون محرم كانت تجلد او تضرب ضربا مبرحا. كل شخص يوجد في الشارع في اوقات الصلاة كان يضرب و يهان. في خضم هذا الواقع تقرر ليلى و مريم الهرب.لكن محاولتهما تبوء بالفشل الذريع بعد ان يشي بهما شخص طلبا منه مرافقتهما على اساس انه محرمهما.بقودهما طالبان الى المنزل مرة اخرى.ليواجها عنف رشيد و انتقامه, الذي يحبسهما بعد ضربهما اسابيع طويلة في غرف لا نور فيها و لا ماء, حيث تكادان تشارفان على الموت.
بعد عدة سنين, تلد ليلى ولدا من رشيد, يسميه زلماي.يرعاه بكل ما يستطيع من عناية و اهتمام.
يستمر طالبان في الحكم, و تتجه افغانسات من سيء الى اسوا بعد تعاقب سنوات الجفاف و نزوح كل القرويين الى المدن, حيث تضيق بهم الشوارع.الفقر المذقع يصبح سمة مشتركة للجميع, لعائلة رشيد ايضا بعد ان يحرق محله و يصبح بلا عمل.الجوع يصبح سمة الايام, و البحث عن اي شيء يسد الرمق يصبح غاية الحياة و هدفها الاسمى.امام قلة الشيء و ضيق ذات اليد تقرر ليلى ان ترسل ابنتها عزيزة الى ملجأ الايتام.تصبح عزيزة يتيمة قانونيا في حين ان اهلها أحياء يرزقون.سخرية القدر تتجلى في ان ليلى ستعانى الامرين فقط لزيارتها عندما يرفض رشيد الذهاب معها.غريزة الامومة فيها و حبها لابنتها دفعها الى المغامرة و الخروج وحدها في أحياء تجوب فيها دوربات طالبان بحثا عن مثلها.و نصيبها من العذاب كان يختلف كل يوم, اذ مرة يكتشفونها فتجلد أو تضرب عدة مرات, و في ايام اخرى يمضي يومها بسلام بعد ان تعانق ابنتها وسط الخوف و الارهاب.
الحب ممثلا في طارق, اختفى بعد ان تيقنت ليلى انه توفي, بسبب خبر كاذب كان ورائه رشيد.
لكن ذات يوم, تراه امامها.
تكاد تسقط من عدم التصديق.يحكي لها هذا الاخير فيما بعد عذابه في مخيمات اللاجئين في باكستان, موت امه هناك بسبب البرد و المرض, دخوله السجن لسبع سنوات بعد ان غامر بتوصيل مخدرات في معطف.لكنه اصبح في حال جيد بعد ان تعرف في السجن على شخص ساعده و عينه بعد ذلك كعامل في فندق, حيث يكسب حياته جيدا.
حينما يعلم رشيد في المساء بزيارة طارق, يبدأ في عمليته السادية, الضرب المبرح بواسطة الحزام.لكن شرارة ما تنبت في لقب ليلى و مريم و تقرران المقاومة.ضربة بضربة, و حزام بلكمة.دهشة هذا الاخير دفعته كالمجنون الى محاولة قتل ليلى, خنقها.لكن حقد السنين و ظلم العقود الذي اصبح في قلب مريم كغابة سوداء دفعها للخروج بحثا عن المعول, حيث عادت لتضرب به رشيد ضربة خلصتهما من عذابات الايام. مات رشيد. مات رمز الذكورة المتسلطة الظالمة.
في خضم الحرية المفاجأة, تقرر مريم ان رحيلهم كلهم لن يكون سوى وبال و شر.لتقرر ان تسلم نفسها للطالبان و بذلك تسمح لليلى بالهرب مع طارق و الاولاد الى باكستان.
تحاكم مريم بالاعدام,و يتم ذلك في استاذ كبير اما كم هائل من الجماهير.يضرب عنقها لتنتهي بذلك حياة المأساة و الالم التي عاشتها, مضحية من اجل ليلى التي تمضي مع طارق, و تتزوجه.حيث سيمضيان عاما في باكستان ثم يقررا العودة الى كابول بعد اجتياح القوات الامريكية و بداية اعادة الاعمار. حيث ستصبح مسؤولة في نفس ملجأ الايتام الذي وضعت فيه ابنتها ذات يوم, لتساهم كما حلمت ذائما و كما واعدت ابيها بان تكون يدا واعدة تبني افانستان المستقبل.
رواية الف شمس ساطعة, رواية غنية جدا بكل المشاعر و الاحاسيس الانسانية, غنية بالعاطفة و الحزن على الانسان المضحى به , غنية باحداثها و شخصياتها التي يشكل كل واحد منها بعدا و حالة تستحق الدراسة و الانتباه. و على الرغم من الملخص المقدم اعلاه, تبقى الرواية غنية باحداث لن يعرفها و يحس بها الا من قرأ الرواية باكملها و دخل في عوالمها الغرائبية الخارجة عن نطاق العادة.
كل الود
ملاحظة...
على حسب علمي الرواية لم تترجم للعربية بعد...و النسخة التي قرأتها و اعتمدت عليها لكتابة الملخص هي النسخة الفرنسية.
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 11-11-2009, 09:41 PM بواسطة youssefy.)
|