كتاب السيف الحاد في الرد على من أخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد- للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي
كمثال :
وهذه بعض الأحاديث التي انتقدها بعض العلماء وهي في الصحيحين أو أحدهما ، بغض النظر عن رأينا فيها :
1-روى مسلم في صحيحه رقم (2501) من طريق عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه ، فقال للنبي (صلى الله عليه وسلم) : يا نبي الله ثلاث أعطنيهن ، قال : نعم ، قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها ، قال : نعم ، قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ، قال : نعم ، قال : وتؤمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين ... إلخ .
قال الذهبي في "الميزان" 3/93 في ترجمة عكرمة بن عمار أحد رواة هذا الحديث : ( وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلا منكرا عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان ) . وقال في "سير أعلام النبلاء" 7/137 عن هذا الحديث : ( قلت : قد ساق له مسلم في الأصول حديثا منكرا وهو الذي يرويه عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الأمور الثلاثة التي التمسها أبو سفيان من النبي (صلى الله عليه وسلم) ) .
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 17/236 : ( روى مسلم أحاديث قد عرف أنها غلط ، مثل قول أبي سفيان لما أسلم أريد أن أزوجك أم حبيبة ، ولا خلاف بين الناس أنه تزوجها قبل إسلام أبي سفيان ) . وقال في ج18ص73 : ( وفيه - أي صحيح مسلم - أن أبا سفيان سأله التزوج بأم حبيبة وهذا غلط ) ا.هـ. .
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" 1/110 : ( هذا الحديث غلط لا خفاء به ) . قال أبو محمد بن حزم : ( وهو موضوع بلا شك فيه ، كذبه عكرمة بن عمار ) .
وقال ابن الجوزي : ( في هذا الحديث وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد ، وقد اتهموا به عكرمة بن عمار ، لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيدالله بن جحش وولدت له ، وهاجر بها وهما مسلمان إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها وأصدقها عنه صداقا ، وذلك في سنة سبع من الهجرة ، وجاء أبو سفيان فدخل عليها فثنت فراش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى لا يجلس عليه ، ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان ، وأيضا ففي هذا الحديث أنه قال له : وتؤمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين ، قال : ( نعم ) . ولا يعرف أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر أبا سفيان البتة ) ا.هـ. .
وأورد ابن القيم هذا الحديث أيضا في "جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام" ص132-134 فذكره وما أجيب به عنه ، ثم ناقش تلك الوجوه واحدا واحدا ، ثم ختم ذلك بقوله : (وبالجملة ، فهذه الوجوه وأمثالها مما يعلم بطلانها ، واستكرهها وغثاثتها ، ولا تفيد الناظر فيها علما ، بل النظر فيها والتعرض لإبطالها من منارات العلم ، والله تعالى أعلم ، فالصواب أن الحديث غير محفوظ بل وقع فيه تخليط والله أعلم ) .
وقال الشيخ أحمد الغماري في تعليقه على كتاب "أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم) لأبي الشيخ" ص54 : ( هذا الحديث موضوع لمخالفته الواقع ) .
وقال ابن الأثير : ( وهذا الحديث مما أنكر على مسلم ، لأن أبا سفيان لما جاء يجدد العقد قبل الفتح دخل على ابنته أم حبيبة فثنت عنه فراش النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فقال : والله ما أدري أرغبت بي عنه أم به عني ؟ قالت : بل هذا فراش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنت رجل مشرك . فقال : والله لقد أصابك بعدي يابنيه شر ) ا.هـ. "البداية والنهاية" ج4/144 .
وقال ابن كثير في "السيرة النبوية" ج3ص277 ، وفي "البداية والنهاية" ج4ص145 بعد أن ذكر بعض الأجوبة التي أجيب بها عن هذا الحديث : ( وهذه كلها ضعيفة ، والأحسن في هذا أنه أراد أن يزوجه ابنته الأخرى عمرة لما رأى في ذلك من الشرف ، واستعان بأختها أم حبيبة كما في الصحيحين ، وإنما وهم الراوي في تسمية أم حبيبة ) ا.هـ. . (1)
قلت : وهذا في حقيقة الواقع هو أضعف الأجوبة لأن الرواية نفسها ما يحكم ببطلانه من أصله ، فإن فيها أن أبا سفيان قال : يا رسول الله ثلاث أعطنيهن ، قال : نعم ، إلى أن قال : وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . قال : نعم ، فإن فيها أن الرسول عليه السلام قد وافق على ذلك ، ومن المعلوم أن الرسول عليه السلام لم يوافق بل ولا يجوز له لأن عنده أختها ، ولا يجوز الجمع بين الأختين بنص الكتاب والسنة والإجماع ، وقد ضعفه أيضا الشيخ عبدالله الغماري في "الفوائد المقصودة في الأحاديث الشاذة والمردودة" ، وقد تعرض لهذا الحديث والأجوبة التي أجيب بها عنه ، ثم بيان ما فيها من مغامز الزرقاني في "شرح المواهب اللدنية" 3/243-245 .
2-روى مسلم حديث الكسوف وفيه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) صلى الكسوف بثلاث ركوعات (2) وبأربع ركوعات (3) كما روى أنه صلى بركوعين (4) .
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوي" 1/256 وهو منقول من كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" ص86 بعد أن ذكر : ( والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم ، وقد بين ذلك الشافعي ، وه قول البخاري وأحمد ابن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم ، ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف ولا كان له إبراهيمان ، ومن يقل إنه مات عاشر الشهر فقد كذب )
وذكر ذلك أيضا في ج17 ص236 من "مجموع الفتاوي" وقال بعد كلام : (... ومثل ما روى - أي الإمام مسلم - في بعض طرق أحاديث صلاة الكسوف أنه صلاها بثلاث ركوعات وأربع ، والصواب أنه لم يصلها إلا مرة واحدة بركوعين ، ولهذا لم يخرج البخاري إلا هذا ، وكذلك الشافعي وأحمد ابن حنبل في إحدى الروايتين عنه وغيرهما ) ا.هـ. المراد منه ، وانظر أيضا ج18ص17 .
وقال في "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" ج2ص445-447 ط دار العاصمة بعد كلام :( ... وكذلك ما روى - أي في صحيح مسلم - أنه (صلى الله عليه وسلم) ، صلى الكسوف بركوعين أوثلاثة . فإن الثابت المتواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين ، وغيرهما من حديث عائشة ، وابن عباس ، وعبدالله بن عمرو ، وغيرهم أنه (صلى كل ركعة بركوعين ) ولهذا لم يخرج البخاري إلا ذلك . وضعف الشافعي ، والبخاري ، وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وغيرهم حديث الثلاث ، والأربع ، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) إنما صلى الكسوف مرة واحدة ، وفي حديث الثلاث والأربع أنه صلاها يوم مات إبراهيم ابنه وأحاديث الركوعين كانت ذلك اليوم فمثل هذا الغلط إذا وقع كان في نفس الأحاديث الصحيحة ما يبين أنه غلط ) ا.هـ. المراد منه .
وذكر ذلك ابن القيم في "زاد المعاد" ج1ص452-456 وقال بعد أن ذكر بعض روايات هذا الحديث : ( لكن كبار الأئمة لا يصححون ذلك كالإمام أحمد والبخاري والشافعي ) ، ثم ذكر كلاما عن البيهقي فيه تضعيف تلك الروايات ، إلى أن قال : ( والذي ذهب إليه البخاري والشافعي من ترجيح الأخبار أولى لما ذكر من رجوع الأخبار إلى حكاية صلاته (صلى الله عليه وسلم) يوم توفي ابنه ) .
وقال اللكنوي في "ظفر الأماني" ص405 : ( منها - أي الروايات المضطربة - صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام في كسوف الشمس المحرجة في الصحاح الستة وغيرها ، فإنها اضطربت اضطرابا فاحشا ، ففي بعضها أنه ركع ركوعين في كل ركعة ، بين كل ركوعين قراءة هي أقصر من الأولى ، وفي بعضها أنه ركع في كل ركعة ثلاث مرات ، وفي بعضها أربع مرات ، وفي بعضها خمس مرات ، ولوقوع هذا الاضطراب ترك الحنفية العمل بها ... إلخ ) .
وقال الشيخ أحمد الغماري في "الهداية في تخريج أحاديث البداية" 4/198 : ( والحديث كذب باطل مقطوع ببطلانه عقلا ولو أنه في صحيح مسلم ، فإنه كسوف الشمس إنما وقع مرة واحدة يوم مات إبراهيم ابن الرسول عليه الصلاة والسلام ... إلخ ) .
وقال الألباني في "إرواء الغليل" ج3ص129 : ( ضعيف وإن أخرجه مسلم ومن ذكر معه وغيرهم ، إلى أن قال : فهذا خطأ قطعا ) ، وكذا ضعف هذه الروايات ابن عبدالبر وغيره . وصححوا أنه صلاها بركوعين وهو الصواب
وقال الحافظ المنذري في "الترغيب" 1/92 : ( قد قيل : إن قوله : من استطاع ... إلخ ، إنما هو مدرج من كلام أبي هريرة موقوف عليه ، ذكره غير واحد من الحفاظ ، والله أعلم ) .
وعلق عليه الألباني في "صحيح الترغيب" ج1ص147 بقوله : ( وهو الذي جزم به ابن تيمية وابن القيم والحافظ وتلميذه الشيخ الناجي ) ا.هـ. . وقال في مجموعة الأحاديث الضعيفة ج3ص104 : ( مدرج الشطر الآخر ) ، وقال ص106 : ( قلت : وممن ذهب إلى أنها مدرجة من العلماء المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ) ، وقال هذا في "حادي الأرواح" 1/316 : ( فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) بين ذلك غير واحد من الحفاظ ، وكان شيخنا يقول : هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام فإن الغرة لا تكون في اليد ، لا تكون إلا في الوجه ، وإطالته غير ممكنة إذ تدخل في الرأس فلا تسمى تلك غرة ) ا.هـ. . ومثل ذلك في "إرواء الغليل" ج1ص133 ، ثم قال الألباني في "الضعيفة" : ( وكلام الحافظ المتقدم يشعر بأنه يرى كونها مدرجة ، وممن صرح بذلك تلميذه إبراهيم الناجي في نقده لكتاب "الترغيب" المسمى "العجالة المتيسرة" ص30 ، وهو الظاهر مما ذكره الحافظ من الطرق ومن المعنى الذي سبق في كلام ابن تيمية ... ) ا.هـ. . وقد روى الزيادة أيضا الإمام البخاري برقم 136 بدون قوله ( غرته )
3-( خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل ) ، رواه مسلم برقم 27(2789) من طريق أبي هريرة ( رضي الله عنه ) عن النبي (صلى الله عليه وسلم)
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوي" 17/235 ، 236 : ( وأما الحديث الذي رواه مسلم في قوله : ( خلق الله التربة يوم السبت ... إلخ ) ، فهو حديث معلول ، قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره ، قال البخاري : ( الصحيح أنه موقوف على كعب ) , وقد ذكر تعليله البيهقي أيضا ، وبينوا أنه غلط ليس مما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وهو مما أنكر الحذاق على مسلم إخراجه إياه ) ا.هـ. .
وقال في ج1ص256-257 من "مجموع الفتاوي" : ( ... وكذلك روى مسلم ( خلق الله التربة يوم السبت ... إلخ ) ، ونازعه فيه من هو أعلم منه كيحيى بن معين والبخاري وغيرهما ، فبينوا أن هذا غلط ليس من كلام النبي عليه السلام ، قال : ( والحجة مع هؤلاء فإنه قد ثبت بالكتاب ، والسنة ، والإجماع أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وأن آخر ما خلقه هو آدم ، وكان خلقه يوم الجمعة ، وهذا الحديث المختلف فيه يقتضي أنه خلق ذلك في الأيام السبعة ، وقد روى إسناد أصح من هذا أن أول الخلق كان يوم الأحد )
وقال في "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" ج2ص443-445 بعد كلام : (... مثل ما روى أن الله خلق التربة يوم السبت وجعل خلق المخلوقات في الأيام السبعة ، فإن هذا الحديث قد بين أئمة الحديث كيحيى بن معين وعبدالرحمن ابن مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط ، وأنه ليس من كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) ، بل صرح البخاري في "تاريخه الكبير" أنه من كلام كعب الأحبار ، كما بسط في موضعه .والقرآن يدل على غلط هذا ، ويبين أن الخلق في ستة أيام ، وثبت في الصحيح أن آخر الخلق كان يوم الجمعة ، فيكون أول الخلق يوم الأحد ) ا.هـ. .(5)
وقال ابن كثير في تفسيره 1/99 : ( هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم ، وقد تكلم عليه ابن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ ، وجعلوه من كلام كعب الأحبار ، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار ) ا.هـ. .
وقال المناوي في "فيض القدير" ج3ص447 : ( قال الزركشي : أخرجه مسلم - يعني هذا الحديث - وهو من غرائبه ، وقد تكلم فيه ابن المديني ، والبخاري ، وغيرهما من الحفاظ ، وجعلوه من كلام كعب الأحبار ، وأن أبا هريرة إنما سمعه منه لكن اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا ) .
وذكره البخاري في "التاريخ" في ترجمة أيوب بن خالد بن أبي أيوب وقال 1/1/314 -414 : ( وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح ) .
وذكره البيهقي في "الأسماء والصفات" ص275-276 ونقل تضعيفه عن بعض أئمة الحديث ، وأن ابن المديني أعله بأن إسماعيل بن أبي أمية أخذه عن إبراهيم ابن أبي يحيى وهذا عن أيوب بن خالد ، وإبراهيم متروك . وقد تقدم كلام ابن أبي الوفاء القرشي حول هذا الحديث ، وكذا أعله الحاكم أبو عبدالله ، والسيد محمد رشيد رضا في "تفسير المنار" ، والشيخ عبدالله الغماري في "الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذة والمردودة" ، والدكتور محمد أبو شهبة في كتابه "دفاع عن السنة" ص58 ، والدكتور أحمد محمد نور في تعليقه على "التاريخ" ، والأستاذ عز الدين بليق في "موازين القرآن والسنة" ص71-77 .
5- حديث أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) في قصة الإسراء الذي رواه البخاري رقم (7517) قال : ( حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله حدثني سليمان عن شريك بن عبدالله أنه قال : سمعت أنس بن مالك ... فذكره ) ، وهو حديث طويل .
وقد انتقد هذا من أكثر من عشرة وجوه ، ممن أعله ببعض هذه الوجوه الخطابي وابن حزم وعبد الحق الإشبيلي والقاضي عياض والنووي وآخرون ، وعبارة النووي : وقع في رواية شريك - يعني هذه - أوهام أنكرها العلماء .
وقال الذهبي في "الميزان" ج2ص270 بعد ذكره لهذا الحديث : ( وهذا من غرائب الصحيح ) اهـ. وقال ابن كثير في تفسيره 3/3 : ( إن شريك بن عبدالله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه ) ، وانظر الفتح 13/584 .
6-حديث ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال : ( كان الطلاق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة . فقال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ؟ فأمضاه عليهم ) ، رواه مسلم 15 (1472) من طريق ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) .
هذا الحديث ضعفه جماعة من العلماء ، منهم أحمد ابن حنبل والباجي وابن عبدالبر وابن العربي والجوزجاني والقرطبي وابن التركماني وابن رجب والقاضي إسماعيل .
قال الجوزجاني : ( هو حديث شاذ ) . وقال البيهقي في السنن : ( أن البخاري لم يخرج هذا الحديث لمخالفة هؤلاء لرواية طاوس عن ابن عباس . وقال الأثرم : سألت أبا عبدالله عن حديث ابن عباس بأي شيء تدفعه ؟ قال : برواية الناس عن عبدالله بن عباس من وجوه خلافه ، وكذلك نقل عنه ابن منصور ) ا.هـ. .
وقال الباجي : ( وما روي عن ابن عباس في ذلك من رواية طاوس قال فيه بعض المحدثين : هو وهم ) .
وقال ابن عبدالبر : ( ورواية طاوس وهم وغلط ، ولم يعرج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق والمشرق والمغرب ، وقد قيل : إن أبا الصهباء لا يعرف في موالي ابن عباس).
وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي في الرد على البيهقي" ج7ص336 : ( أبو الصهباء ممن روى عنهم مسلم دون البخاري ، وتكلموا فيه . قال الذهبي في "الكاشف" : قال النسائي : ضعيف ، فعلى هذا يحتمل أن البخاري ترك هذا الحديث لأجل أبي الصهباء ) ا.هـ. .
قال ابن العربي : ( إن هذا الحديث مختلف في صحته ، فكيف يقدم على الإجماع ؟ إلى أن قال : وهذا الحديث لم يرد إلا عن ابن عباس ولم يرو عنه إلا من طريق طاوس ، فكيف يقبل ما لم يروه من الصحابة إلا واحد ، وما لم يروه عن ذلك الصحابي إلا واحد ؟ وكيف خفي على جميع الصحابة وسكتوا عنه إلا ابن عباس ؟ وكيف خفي على أصحاب ابن عباس إلا طاوس ؟ ) .
وقال ابن رجب : ( فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان : أحدهما وهو مسلك الإمام أحمد ومن وافقه ، ويرجع إلى الكلام في إسناد الحديث لشذوذه وانفراد طاوس به وأنه لم يتابع عليه ،وانفراد الراوي بالحديث وإن كان ثقه هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه ، وأن يكون شاذا ومنكرا إذا لم يرد معناه من وجه يصح ، وهذه طريقة أئمة الحديث كالإمام أحمد ويحيى بن القطان ويحيى بن معين وعلي ابن المديني وغيرهم ، وهذا الحديث لا يرويه عن ابن عباس غير طاوس .
قال الجوزجاني : هو حديث شاذ . قال : وقد عنيت بهذا الحديث في قديم الدهر فلم أجد له أصلا . قال : وقد صح عن ابن عباس وهو راوي الحديث أنه أفتى بخلاف هذا الحديث ، ولزوم الثلاث المجموعة وهذا أيضا علة في الحديث بانفرادها ، فكيف وقد ضم إليها علة الشذوذ والإنكار والإجماع ؟! وقال : كان علماء مكة ينكرون على طاوس ما ينفرد به من شواذ الأقاويل ) ا.هـ. .
وقال القاضي إسماعيل : ( طاوس مع فضله وصلاحه يروي أشياء منكرة منها هذا الحديث ، وعن أيوب أنه كان يعجب من كثرة خطأ طاوس ) ا.هـ.
وقد ضعف هذا الحديث أيضا الشيخ عبدالله الغماري في ( الفوائد المقصودة ) .
7-جاء في حديث أبي بكرة في خطبته (صلى الله عليه وسلم) يوم النحر بمنى : (( ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما ، وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا )) رواه البخاري (5549) ، ومسلم رقم 29 (1679) .
ذكر ابن القيم في "زاد المعاد" 2/262، 263 جوابين بالنسبة للجمع بين هذا الحديث وحديث أنس الذي فيه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ذبح الكبشين بالمدينة ، أحدهما : أن القول قول أنس ، ورواية أبي بكرة وقع فيها التباس على بعض الرواة . ثانيهما : أنه (صلى الله عليه وسلم) قد ضحى في كل من المدينة ومنى بكبشين . ثم قال : والصحيح إن شاء الله الطريقة الأولى ، أي الطريقة التي فيها الحكم بضعف رواية أبي بكرة .
7-حديث عائشة ( رضي الله عنها ) في طواف الإفاضة قالت : ( فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا ) رواه البخاري (1638) ومسلم 111 (1211) .
ضعف هذه الزيادة وهي قوله : ( ثم طافوا طوافا آخر ... إلخ ) ابن تيمية حيث قال في مناسك الحج ج2ص285 من مجموع الرسائل الكبرى : ( وقد روى في حديث عائشة أنهم طافوا مرتين ؛ لكن هذه الزيادة قيل إنها من قول الزهري لا من قول عائشة ، وقد احتج بها - يعني هذه الزيادة - بعضهم على أنه يستحب طوافان ، وهو ضعيف ، والأظهر ما في حديث جابر ، ويؤيده قوله : ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ) ا.هـ.
8-حديث ابن عباس : ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تزوج ميمونة وهو محرم ) رواه البخاري (1837) و (4258) ، ومسلم 46 و 47 (1410) .
9- قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوي" 13/353 بعد كلام : ( وجعلوا رواية ابن عباس لتزوجها حراما مما وقع فيه الغلط ) ا.هـ. .
وقال ابن القيم في "جلاء الأفهام" ص137، 138 بعد كلام : ( فالصحيح أنه تزوجها حلالا كما قال أبو رافع السفير في نكاحها ، وقد بينت وجه غلط من قال نكحها محرما ، وتقدم حديث من قال تزوجها حلالا من عشرة أوجه مذكورة في غير هذا الموضع ) ا.هـ. ، وانظر "زاد المعاد" ج1 ص113 ، و ج 5ص112 .
وكذا أعل هذا الحديث سعيد بن المسيب وأحمد ابن حنبل وابن عبد الهادي والألباني ، انظر آداب الزفاف ص60 ، 61 طبع المكتبة الإسلامية .
10-حديث أنس ( رضي الله عنه ) قال : ( صليت خلف النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها ) رواه مسلم 52 (399) .
هذا الحديث ضعفه جمع من العلماء ؛ منهم الشافعي والدارقطني والبيهقي وابن عبدالبر والفخر الرازي وابن الصلاح وابن الملقن والبلقيني والعراقي والسخاوي والسيوطي واللكنوي وآخرون ، وقد مثل به جماعة في مصطلح الحديث للحديث المعل .
قال العراقي في ألفيته ج1ص224 بشرح السخاوي :
وسم ما بعلة مشمول = معللا ولا تقل معلول
وهي عبارة عن أسباب طرت = فيها غموض وخفاء أثرت
إلى أن قال :
وعلة المتن كنفى البسمله = إذ ظن راو نفيها فنقله
وصح أن أنسا يقول لا = أحفظ شيئا فيه حين سئلا
وقال السيوطي في ألفيته ص55 :
وغالبا وقوعها في السند = وكحديث البسمله في المسند
وأراد بالمسند صحيح مسلم كما أوضح ذلك أحمد شاكر في تعليقاته عليها وقد أقره على ذلك ، وانظر "مقدمة ابن الصلاح" وحاشية العراقي عليها ص116-121 و "تدريب الراوي" للسيوطي ج1ص254-257 .
قال السيوطي في ص255 : ( هذا الحديث معلول أعله الحفاظ بوجوه جمعتها وحررتها في المجلس الرابع والعشرين بما لم أسبق إليه وأنا ألخصها هنا ) ، فذكرها ثم لخص ذلك ص257 فقال : ( وتبين بما ذكرناه أن لحديث مسلم السابق تسع علل : المخالفة من الحفاظ والأكثرين ، والانقطاع ، وتدليس التسوية من الوليد ، والكتابة ، وجهالة الكاتب ، والاضطراب في لفظه ، والإدراج ، وثبوت ما يخالفه من صحابيه ، ومخالفته لما رواه عدد التواتر ) ا.هـ. . وانظر شرح الترمسي على ألفية السيوطي.
وقال اللكنوي في "ظفر الأماني" 370-371 بعد كلام : ( ... والمقصود ههنا بيان أن ألفاظ الحديث الوارد في صحيح مسلم وموطأ مالك سوى لفظ فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين مع قوة سندها وكون رواتها ثقات معللة بوجوه خفية قلما يطلع عليها المحدث إلا من أوتي سعة النظر وقوة الفكر فذكر بعض عللها إلى أن قال : ومن علل هذه الروايات كثرة الاضطراب في المتن كما مر ذكره وثبوت ما يخالفها عن أنس وأنه لم يرد بكلامه نفي البسملة ...إلخ ) .
=========================
1--.وقد وافق ابن كثير على هذا الجواب ابن القيم وابن الوزير والصنعاني .
2-... برقم 6 (902) وفي رواية أخرى 7 (902) صلى ست ركعات وأربع سجدات والمعنى واحد.
3-... أي في ركعة ، والحديث رواه مسلم برقم 18 (908) و 19 (909) .
4...بمعناه أي في كل ركعة 1 (901) و3 (901) و 4 (901) وغيرها .
5-وانظر أيضا ج18ص18-19 من "مجموع الفتاوي" ، وكتاب "دقائق التفسير" د6ص