ماذا يحدث في مصر أم الحضارة؟!
الكتاب
43836 السنة 131-العدد 2006 ديسمبر 13 22 من ذى القعدة 1427 هـ الأربعاء
تكفير السيدة العظيمة!
بقلم : نـبـيــــل عــمـــــر
ماذا يحدث في مصر أم الحضارة؟!
أو بمعني أكثر دقة: ما الذي لا يحدث في مصر الآن؟!
كيف يمكن أن نفهم أن تخرج رسالة علمية في أوائل القرن الحادي والعشرين من كلية أصول الدين' مقصدها ومرادها' تكفير الصحافة, وتختار مجلة روزاليوسف هدفا أوليا قد يسهل الانتقال منه إلي بقية الجرائد والمجلات, ولم لا وقد علقت في رقبتها مشنقة' تقويض أركان الإسلام' دون صد أو رد؟!
هل ما تنشره روزاليوسف يقوض أركان الإسلام كما أفتي الباحث الهمام واستخلصه؟
وما هي دلائل هذا التقويض في حياتنا؟!..هل هي حرضت الناس علي إنكار الشهادة أو سفهت الصلاة والزكاة والصوم والحج؟!, هل من يقرأونها تركوا دينهم وارتدوا عباءة الكفر واللهو والعبث والمجون ومشوا في الشوارع رافعين لافتات ضد الدين؟!
كيف تجرأت هذه الرسالة علي السيدة العظيمة' فاطمة اليوسف' التي أسستها, وأرجعت مصدر' كفر' مجلتها إلي سفورها وأفكارها, ثم كالت لها سبا وقذفا وتشهيرا في عملها وشخصيتها وارتباطها بدينها؟..ليس هي فحسب بل طعنت في دين كوكبة لامعة من المفكرين والكتاب والصحفيين عملوا بها علي مدي ثمانين عاما؟!
والأهم..كيف تسمح جامعة تنتسب إلي جامع شهير أن تتحول إلي' محكمة تفتيش' في الضمائر والعقائد كما كان الحال في القرون الوسطي الأوروبية, وتصدر أحكامها علي هيئة درجة دكتوراه؟!
هل جاء زمان صار فيه الأزهر لا يخرج علماء ومفكرين من أمثال الشيخ محمد عبده وشلتوت وطه حسين يمهدون طريق العقل والتفكير في أمور الدين, وإنما يصنع لنا' قضاة' قساة يمارسون الكهنوت وامتلاك الحقيقة المطلقة وطمس العقل وإطفاء نور المعرفة؟!
أخشي أن تقودنا إجابات تلك التساؤلات إلي حقيقة خفية مفزعة, إذ تبدو هذه الرسالة كما لو أنها محاولة لتدشين دولة دينية وإعلان تأسيسها بين الناس, وفرض نوع من الحماية الشعبية عليها, بـ'سن' نمط من المحاسبة والعقاب لكل من يفكر بطريقة مختلفة ويؤمن بحرية الفكر والتعبير والإبداع والدولة المدنية, وهو التكفير!
هذه كارثة..
والكارثة لا يمثلها الباحث مهما كان تكوينه العقلي هشا وضيقا وشاردا وشاذا, ولكن يجسدها الأساتذة الدكاترة المشرفون الذين فتحوا له باب' التكفير علي مصراعيه', و'اللجنة العلمية' التي قبلت أن تناقش هذا النوع من الرسائل ثم تمنحه الدرجة الرفيعة!
هنا مربط الفرس..فمن حق أي إنسان يرغب في البحث العلمي أن تتاح له الفرصة, لكن ليس من حقه أن يختطف' أصول البحث العلمي' ويغرق به في بحر الظلمات بمباركة ممن هم يسمون أنفسهم' علماء' الدين!
ولو كان ما سطره الباحث في رسالته مجرد انطباعات وآراء عابرة لهان الأمر, واعتبرناها مجرد شطحات أو غلو أو جهل أو تعصب أو تطرف, لكن أن يكون رسالة دكتوراه تؤسس نمطا من التفكير الجامعي..فهذه مصيبة!
فهل البحث العلمي في الدين لا يخضع لمناهج وقواعد وأساليب؟
أم أن الرسالة هي تدشين لدعائم الدولة الدينية عبر' الجامعات' وعلماء الدين؟!
المسألة مريبة فعلا..من أول اسم الرسالة إلي الآراء التي قيلت في لجنة المناقشة وكلها انطباعات..ثم الدكتوراه التي منحت لباحث لم يلتزم بأبسط مناهج البحث!
فالدولة الدينية في عصرنا الحديث قد تتشكل دون سلطة كهنوتية رسمية, يسيطر علي مقاليدها رجال الدين والمعممون, يكفي أن تنمو فيها سلطة غير رسمية كاسحة تحدد للناس ما يفعلون وما لا يفعلون, سلطة توزع البركات واللعنات حسب تفسير وتأويل أصحاب هذه السلطة لما يقوم به البشر من تصرفات وأنشطة في حياتهم اليومية, تصرفات خاصة وأنشطة عامة, من أول هل يحيي المسلم مواطنيه الآخرين بقوله في الصباح: السلام عليكم أو صباح الخير, إلي ما الذي يجب أن يفكروا فيه أو يعبروا عنه.
وقد لاحت بوادر هذه السلطة بالفعل في حياتنا مثل تليفون الفتاوي وبرامج شيوخ الفضائيات وما يقوله دعاة في القري والنجوع!
ولا يحمينا هنا أنهم يزعمون أن الإسلام لا يعرف' الكهنوت' ولا يعترف بسلطة رجال الدين, لأن الكهنوت بشكله القديم أيام الفراعنة أو عند عبدة الأوثان أو في القرون الوسطي لم يعد ضروريا, وصار له أشكالا جديدة معنوية يلتحف صاحبها بعباءة العارف بالدين المدافع عنه, فمن أفتوا بـ'كفر'الكاتب المبدع نجيب محفوظ لم يلبسوا أزياء دينية رسمية, ومن قتلوا المصريين والسائحين في مدن الصعيد أو إمبابة أو عين شمس أو طابا وغيرها لم يلبسوها أيضا!
باختصار صار عدد غير قليل من الناس لا يتصرفون في حياتهم ولا ينفذون أعمالهم إلا بعد أن يحصلوا علي ترخيص من صاحب سلطة دينية معنوية!
هذا ما أوصلنا إليه التنظيمات الدينية غير العقلانية
وهذه الرسالة هي أول دعائم الدولة الدينية..
ولا عزاء لكم!
|