حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $jumpsel - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Trying to access array offset on value of type null - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$forumjump_select - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined variable $avatar_width_height - Line: 2 - File: inc/functions_post.php(344) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(344) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 344 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumrcvtyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumptyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumtyls" - Line: 602 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 602 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "posttime" - Line: 33 - File: inc/functions_post.php(947) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(947) : eval()'d code 33 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 947 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval





{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
قراءة في كتاب التأزّم السياسي عند العرب وموقف الإسلام
الحر غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,763
الانضمام: Mar 2006
مشاركة: #1
قراءة في كتاب التأزّم السياسي عند العرب وموقف الإسلام
قراءة في كتاب التأزّم السياسي عند العرب وموقف الإسلام

مكونات الحالة المزمنة

د. محمد جابر الأنصاري

عرض: علي الموسوي

ان الأزمات السياسية المتلاحقة في الوطن العربي حالة لا تفسر نفسها بنفسها. ويجب أن نخرج من دائرة التفسير المجزأ لكل أزمة بظروفها المباشرة أو الآتية إلى محاولة البحث عن مكوناتها التاريخية والمجتمعية أي القاعدة السيوسيولوجية الشاملة.

هذه الفكرة هي المحور الذي تدور حوله بحوث هذه الدراسة المكونة من(189 صفحة) من القطع الوزيري والمشتملة على ثلاثة أثقسام اضافة إلى مقدمة تمهيدية ومدخل ثم خاتمة يلخص بها الباحث أهم ما انتهى إليه في دراسته.

يتناول الباحث في القسم الأوّل إشكالية (الدولة) ودور الموروث السياسي في الأزمة الممتدة، ويتألف هذا القسم من أربعة فصول: إشكالية الدولة عند العرب مدخلاً ومؤشراً لأزمتهم السياسية الشاملة. والدولة وعبء الجغرافيا: شرطها المنقوص (استمرارية المكان والزمان). والدولة وعبء التأريخ: إشكالية المنشأ التأريخي للسلطة البديلة. وأخيراً الدولة وعبء المجتمع: نقيضها المزمن في البدء كانت القبيلة وماتزال.

ويتألف القسم الثاني (مفاهيم إسلامية في معالجة الأزمة، مفهوم الإسلام في البداوة والحضارة: (سوسيولوجيا) توسس للدولة ومجتمعها المديني والمدني) من فصلين: الإسلام شاهداً وفاعلاً في جدلية الصراع، موقف الأسلام من البداوة: اعتبارات الدين والدولة والإسلام شاهداً وفاعلاً في جدلية الصراع.

- العمق المشترك بين (الديني) و(المديني) في الإسلام.

- الدين المدينة: الجذر المتقارب لغة ومفهوماً.

- التدين + التمدّن + الدولة = الكل في واحد.

وفي القسم الثالث وهو: مفاهيم (الحكم والحكومة) و(الحاكمية) افتراق مدلولها المحدث عن الأصل القرآني. يتناول الباحث في فصل واحد وهو الفصل الأخير المفاهيم التالية:

- التباس مفهوم (الحكم) ـ و(الحاكمية) ـ في الوعي الاسلامي المعاصر بين الأصل القرآني والمعنى المتداول.

- (الإسلام السياسي) وتحوير المصطلح القرآني.

- (الحاكمية السياسية) لا أصل لها في المصطلح القرآني.

يتحدّث المؤلف في موضوع (أشكالية الدولة عند العرب) وهو الفصل الذي يستهل به الدراسة عن الفارق بين ما يعنيه هذا المفهوم في اللغة العربية واللغات الأخرى وخاصة الانجليزية فهو يعني في العربية (الشيء الذي يتداول والدولة الفعل والانتقال من حال إلى حال) بينما يعني مصطلح (State) في الانجليزية و(Etat) في الفرنسية المستمد من الأصل اللاّتيني (Status) والذي يقابله (Tostand) في اللغة الانجليزية. بمعنى (يقف وينتصب ويصمد ويكون في موقف أو وضع معين، ويظل قائماً ونافذاً ساري المفعول) على عكس معناه في العربية.

وهكذا يستنتج المؤلف من المعنى اللغوي لمصطلح (الدولة) في العربية مفهوماً ينطوي على معنيين:

1 ـ معنى التغير والتقلب والتناوب وعدم الثبات.

2 ـ معنى المغلبة بالقوة وهي غلبة ليست دائمة وانما متقلّبة.

وهكذا يتخذ مصطلح الدولة تدريجياً معنى السلالة الحاكمة ثم الحكومة والنظام القائم وأخيراً معنى الدولة بمفهومها الحديث في القانون الدولي.

وبناء على عدم تبلور مفهوم (الدولة) لغة وسياسة في واقع الحياة العربية يقول المؤلف: فان العرب ظلوا إلى فترة غير قصيرة بعد ظهور الإسلام يستخدمون مصطلح (مُلك) و(مملكة) للدلالة على مفهوم (الدولة) عند سواهم من الاُمم، ومن الجدير بالذكر ان مصطلح (مملكة) كان يعني في عرفهم الدولة من حيث هي دولة مجردة بغض النظر عن نظام الحكم فيها، ملكياً كان أو غير ذلك فالتمييز بين النظم الملكية والجمهورية لم يعرف إلاّ في العصر الحديث.

ويتفق المؤلف مع المفكرين الذين عزوا استبعاد مصطلح ملك من المصطلحات الشرعية الأسلامية كالخلافة والإمامة وإمارة المؤمنين لا لمجرد كونه ملكاً عضوضاً يخالف مبدأ البيعة والشورى الإسلامية ولكنه أستبعد لنفور العرب الواقعي من مفهوم الدولة السلطوية الرادعة والضابطة ـ إلى زماننا هذا ـ والتي يمثل الملك في عرفهم عنوانها. ويرى ان ذلك هو الذي دعاهم إلى أن يقيموا كيانه العربي الاسلامي في صدر الإسلام في صيغة تحالف فدرالي مرن بين مختلف القبائل والأقاليم دون سلطة مركزية قوية رادعة.

ويستشهد هنا بقول لمحمد عابد الجابري عما يسمّيه بالدولة العربية الإسلامية في عهد الرسول(ص) حيث يقول: (كانت أشبه ما تكون ببنية دولة اتحادية) لأن معظم أقاليمها وبلدانها كما يقول الجابري: (أقرّ النبي عليها أمراءها ورؤساءها بمجرد ما يعلنون اسلامهم ويقبلون دفع الزكاة أو يقبلون الصلح ويدفعون الجزية).

ولا يرى المؤلف في دولة الخلافة دولة ينطبق عليها مفهوم الدولة بالمعنى الحديث من حيث الثبات والأستقرار وتكون المؤسسات وتوفر سلطة رادعة قاهرة حيث يقول: (أنّها «أي دولة الخلافة» لم يثبت لها مركز سياسي موحد حيث ظلت عواصمها السياسية وبالتالي مؤسساتها «الدولتية» في ترحل وتعاقب سقوط «الدول» من المدينة إلى الكوفة إلى دمشق إلى بغداد إلى القاهرة إلى اسطنبول، هذا دون ذكر العواصم الأخرى لدول الأطراف«قرطبة» فاس، القيروان، بخارى، دلهي... الخ)، ويقول المؤلف: (وانتقال العواصم بهذا الشكل لم يحدث في تاريخ أية دولة شاملة أخرى في العالم. إذ قد تتغير العاصمة السياسية لدولة مرة أو مرتين في تأريخها، ولكن ليس بمثل هذا التنقل المخل والمعيق لنمو أية بنية أساسية للدولة في مركز محدد وفوق قاعدة ثابتة).

وهكذا ينتهي المؤلف إلى النتيجة المعروفة التي هي موضع اتفاق المفكرين المعاصرين من أن العرب لم يعيشوا دولة حقيقية، بل عاشوا في واقع الأمر حالة (دولتية) هلامية كانت دولتهم خلالها في نشوء وتحول متواصلين.

وقد حال هذا الأمر ـ يقول الكاتب ـ دون استمرار وتواصل لبنية الدولة ومؤسساتها، بحيث يمكن القول أن العرب قد عرفوا الدولة ولم يعرفوها في الوقت ذاته.

بناءً على ذلك يرى المؤلف ان العرب قد عرفوا الدولة الميكافيلية لا الدولة الهيغلية، أي دولة الأمن لا دولة الأخلاق والحرية.

ويتابع آثار ذلك في الفقه فيرى ان الفتنة المتكررة في التأريخ العربي الأسلامي قد دفعت الفقهاء وعلماء السياسة الشرعية في الإسلام إلى اعتبار عشرات السنين من الحكم المستبد ـ وحتى الظالم ـ إذا كان قوياً وحازماً أفضل من (ساعة فتنة) تؤدي إلى تمزق وحدة الجماعة وترويع أمنها.

ولا يرى الكاتب ذلك نقضاً للدولة الهيغلية فحسب، بل يجد فيه نقضاً للمثل الأعلى في الإسلام الذي يطلب ـ كما يقول ـ مثل هذه الدولة المعبرة عن الوحدة الإسلامية الشاملة والدائمة.

لكن هل تعني الظاهرة طبيعة ثابتة في الاُمّة وقدراً محتوماًعليها ليس لها الخيارة فيه، أم هي ظاهرة تعود إلى عوائد وأسباب ـ حسب تعبير ابن خلدون؟ يرى الباحث ان هذه الظاهرة ظاهرة بيئية مجتمعية تأريخية وليست تكويناً وقدراً وراثياً لا فكاك منه خاصة إذا دخل عليه عامل التطهير والتغيير والاصلاح بقيم ومناقب دعوة تطهيرية سامية كالرسالة الدينية.

***

ويأخذ المؤلف على الفكر الأيدلوجي العربي في الفصل الثاني من دراسته تأثره الشديد بالمدارس الغربية المتأخرة في انكارها للعامل الجغرافي وما يمكن ان يترك من تأثير على المجتمع والتاريخ والسياسة. فالفكر الأوربي سبق له أن أعطى هذا العامل موقع الصدارة في الآثار الاجتماعية والسياسية خلال عصر التنوير العلمي ولكنه تنكر له بعد أن استطاعت المجتمعات الأوربية بما حققته من تقدم صناعي وتكنولوجي ومن تطوير نوعي شامل لبيئاتها المدينية والريفية على السواء تجاوز تأثير العامل الجغرافي، وذلك بأن تحررت من حتمياته وتأثيره بما طورته من وسائل للتدفئة والطاقة قاومت به برد الشتاء الأوربي القارس وبما استخدمته من وسائل مواصلات وإيصالات تخطت به الحواجز والموانع الجغرافية الطبيعية داخل القارة الأوروبية وخارجها وبما أوجدته من تكييف معاشي جذري لبيئة الحياة والانتاج والعمل والراحة، بحيث تم تحييد العامل الجغرافي بدرجة متقدمة فصارت الأولوية لعوامل أخرى كان العامل الجغرافي يحجبها من قبل.

إن مثل هذه الثورة ـ يقول المؤلف ـ لم تتم في المنطق العربية فما زالت الصحراء تفرض نفسها بقوة على حياة العرب وما زالت في معظمها دون استصلاح واستزراع ودون إعمار وإنماء مديني أو ريفي، وما زالت المواطن المأهولة بينها المسافات والحواجز الصحراوية حتى ضمن القطر الواحد.

ويرى الباحث أن تنحية العامل الجغرافي واستبعاده عن التأثير لم يتم دائماً لإعتبارات علمية موضوعية وانما حدث ذلك لصالح عوامل أخرى تم تقديمها وفرضها لإثبت مقولات أيديولوجية معينة يساراً أو يميناً.

وبعد أن يوضح الكاتب كيف يمكن للفكر الأيدلوجي ان يطغى على الفكر المعرفي العلمي ويعرض حقائق التأريخ والمجتمع منتزعة من سياقها التأريخي الفعلي ومفصولة بشكل مشوه لتدخل في سياق خارجي أخر لا صلة لها به.

بعد هذا يتجه إلى اثبت تأثير هذا العامل على حياة الناس ويرى أن الجغرافيا ظل الارض على الزمان كما أنّ التأريخ ظل الإنسان على الأرض.

والعامل الجغرافي الأهم في تأريخ العرب انما هو الصحراء الشاسعة الممتدة الجافة التي أدت إلى أن يواجه العرب كما يقول المؤلف انقطاعين زماني ومكاني في استمرارية الحضارة ومؤسساتها الأساسية.

فحدث الانقطاع الزماني نتيجة موجات التصحر التي كانت تضرب المدن والحضارات فتعود بها إلى الصفر. كما أوجد التباعد الصحراوي بين المدن الانقطاع المكاني بحيث بقيت مراكز التحضر العربي جزءاً غير متصلة وبقي نسيج المجتمع العربي تبعاً لذلك مجزءاً على صعيد القاعدة المادية الأرضية الى يومنا هذا.

ينقل المؤلف عن منيف الرزاز قوله: (لو نظرنا إلى خارطة الوطن العربي الطبيعية لوجدنا فيها ظاهرة فريدة تتميز بها عن كل منطقة من مناطق العالم الأخرى، هذه الظاهرة هي سيطرة الصحراء على الوطن العربي من أقصا إلى أقصاه بحيث تشكل مساحته الكبرى. هذه الصحراء مخترقة بحافات زراعية... تنقض أثر الصحراء ولكنها لا تنقض الأثر الصحراوي العام في المنطقة. إذ ليست هنا أية مدينة عربية مهمة في كل هذا الوطن العربي تبعد عن الصحراء مائة كيلومتر... جميع المدن العربية المتحضرة بعيدة بعداً ضئيلاً جدّاً عن الصحراء. ونحن نعرف حتى اليوم وبعد كل هذا التقدم الحضاري أن بدوياً في الجزيرة العربية هو أقرب إلى بدوي في ليبيا والى بدوي في الجزائر منه إلى أهل بغداد، أو دمشق، أو القارة سواء في لهجته أو طباعه أو عادته، الواقع ان هذه الصحراء طبعت الحضارة والسكان بطابع أساسي).

ويرى المؤلف في هذا النص اعترافاً بدور العامل الجغرافي لم يعتده الفكر العربي كما أن هذا النوع من التفكير لم يجد مجالاً إلى الفكر الحزبي الأيديولوجي العربي بوجه عام. بل ظل هذا الفكر مشبعاً بالاسقاطات من الفكر الأيديولوجي الغربي وباعادة صياغة مقولاته.

ويستخلص المؤلف من كل ذلك النتيجة التالية: (وهذا التباعد أو «الخلاء» الصحراوي بين مراكز التحضر العربي يمثل أهم الأسباب الجغرافية ـ التأريخية المزمنة لعدم تكامل مجتمع عربي بنسيج حضري عمراني عضوي متوحّد لتقبل الوحدة السياسية، في الماضي، كما في الحاضر). ويضيف قائلاً: (وهو ـ أي هذا التباعد الصحراوي ـ في تقديرنا العامل الموضوعي لما تتصف به الحياة العربية ـ قديماً وحديثاً ـ من تجزئة ونزعات ونزاعات أقليمية تجذرت بين المناطق الحضرية المتباعدة فيما بينها والتي حال الفراغ الصحراوي دون تلاقيها وتفاعلها الحميم المؤدي إلى قيام الوحدة المجتمعية وبالتالي الوحدة السياسية. حيث لا وحدة للسياسة دون وحدة المجتمع.

وبناءاً على ما تم التعرف عليه في (علم السياسة) من الشرط الأولي لديمومة الدولة وبقائها ونموها هو: (استقرارها في المكان واستمرارها في الزمان) كما يقول (شتراير) في دراسته عن (الأصول الوسيطة للدولة الحديثة)، فان هذا الشرط ظلت الدولة في المنطقة العربية تفتقد إليه دوماً.

وكان من نتائج تلك الانقطاعات نشوء ظاهرتين من أخطر وأعمق الظواهر أثراً في الحياة العربية ـ كما يقول المؤلف ـ وهما ظاهرة البداوة ونظامها المجتمعي الحتمي: ظاهرة القبيلة التي لم تقف عند حدود الصحراء والبداوة بل كان لها تأثير عميق في البنية المدينية وفي الصراع السياسي على الخلافة وفي نشوء الفرق والمذاهب في الإسلام ثم في تعددية الكيانات والدول في تأريخه السياسي.

ويكرّس المؤلف الفصل الثالث من دراسته لإثبات تفوق البدو حربياً ولوجستياً وتجارياً على المقيمين من أهل القرى (المدن) وقد أدى هذا التفوق كما يقول المؤلف: إلى جعل مركز البدو سياسياً وحربياً واجتماعياً واقتصادياً أقوى من مركز المقيمين.

ويخلص من هذه المقارنة إلى أن القوى الرعوية المحاربة بحكم ماتبين من قدراتها الحركية والقتالية المكتسبة من نمط معيشتها تمكنت من السيطرة الحربية وبالتالي السياسية على المناطق الحضرية الدينية والريفية على السواء وأصبح الحضر رعية لها عبر عصور طويلة. وذلك خلافاً لمنطق التفاضل الحضاري في المجتمعات الكلاسيكية الذي اقتضى عادة تولّي العناصر والفئات الأكثر تقدماً وعلماً قيادة الدولة مثلما تم على سبيل المثال في الصين القديمة حيث كانت اختبارات التقدم لخدمة المدينة تتم على أساس اختيار العناصر الأكفأ والأكثر خبرة وثقافة من الباحثين المدرسين.

ويقول المؤلف انّه على العكس من الحالة الصينية نجحت هذه العناصر والقوى في السيطرة على مقدرات المنطقة العربية. سواء تلك التي قدمت من داخل صحاريها أو القادمة من السهوب الأوراسية عبر تركيا وإيران.

وهنا يتفق المؤلف مع فيلسوف التاريخ توينبي في ان القوى الرعوية تحولت من الرعي الطبيعي للحيوان إلى الرعي السياسي «للبشر»، ولهذا فقد طبع القاموس السياسي لشعوب المنطقة بمصطلحات الحياة الرعوية ومفرداتها كالراعي والرعية و«سائس» وهي الاصل لمصطلح «السياسة» وما إلى ذلك ويأخذ المؤلف على ابن خلدون اغفاله دلاسة الآثار التي تركتها سيطرة العناصر الرعوية الآسيوية «التركية، التترية، على حضر العرب بدورهم على السواء ويرى في ذلك نقصاً في شمولية نظريته إلى تاريخ الاجتماع السياسي العربي في مختلف عصوره ومناطقه خاصة ان ابن خلدون عاصر أعنف اجتياح اسيوي للمنطقة العربية وهو الاجتياح المغولي بقيادة تيمورلنك الذي قابله ابن خلدون في دمشق.

وربّما ضعف المؤلف عن اعطاء التفسير المقنع لحل التناقض القائم بين بساطة الرعوي وسذاجته الناتجة عن افتقاده للتراكم الحضاري القابل للنمو والتقدم سواء في الاشياء المادية أو المؤسسات المجتمعية والحضارية أو حتى في مجال الفكر والفنون والعلوم «عدا فن القول» من جانب، وقدرته من جانب آخر في أن يغلب الحضري في لعبة امتلاك السلطة والامساك بزمام الامور.

فالامور التي تشبّث بها لتبرير هذه المفارقة من احتكار البدو لوسائل النقل أو حياة الفروسية أو حالة التعبئة التي يعيشونها ضد الطبيعة أو ما إلى ذلك قد لا تكون كافية لتبرير هذه الظاهرة التي شهدها تاريخ المنطقة العربية، حيث نجد المؤلف ينقل في مكان آخر من دراسته كلاماً للدكتور جواد علي ـ العالم بتاريخ العرب ـ يقول فيه: «فقد تعود اهل المدن والقرى استغلالهم «اي البدو» والاستفادة منهم رغم هذا الضعف الذي لا يقرّه المؤلف نجده يرتّب اثاراً مهمة على هذه النتيجة ويعد بدراسة انعكاساتها في مواضع اخرى من البحث.

***

إذا كانت البداوة بنمطها الرعوي المترحل قد جاءت لتمثل افضل اختراع وتكيّف انساني في البيئة الصحراوية كما تبين ـ فان القبيلة بتماسكها القرابي الغريزي انبثقت لتمثل اجدى وافعل تنظيم مجتمعي وكياني وسياسي ممكن امام معطيات الحياة البدوية وآلياتها وضروراتها الحتمية.

هذا هو موضوع الفصل الرابع من الدراسة الذي جهد الباحث خلاله ليثبت دور القبيلة في تنظيم الدولة في المنطقة العربية قديماً وحديثاً.

فلا مجال لانسان في هذه الصحراء العدائية المتقلبة البخيلة الخالية من الزرع والضرع كما لا أمن له فيها إلاّ بالتعلق بصلة اخرى توفر له ما بخلت به الطبيعة وشحّت به عليه وتلك الصفة هي الرحم «رحم» الجماعة القرابية والسلالة الدموية المتمثلة في رابطة النسب القبلي.

وبذلك اصبحت صلة النسب والاصل القبلي للانسان البدوي في متاهة الصحراء القاحلة الموحشة هي الرحم والسياج وهي الانتماء والهوية والولاء.

وحين افتقد البدوي إلى الوطن والارض والقرار وجد في القبيلة الحضن الذي يأوي إليه فجعلها رمزاً لشرفه وعنواناً لكرامته التي يفتديها بماله وولده ونفسه فهي الشرف الوطني إذا لا وطن يأويه وهي المقر حيث لا أرض له يستقرّ عليها ويزرع فيها ويبني فوقها وقد اصبح للشرف ـ بقول المؤلف ـ عند العرب مفاهيم كثيرة وعالية ولكن أصله الواقعي وجذره اللغوي مستمد من شرف العرض، ومن هو الشريف غير الذي أنجبه عرض شريف من سلالة شريفة ذلك هو الشرف الاصلي... شرف الاصل وما عداه فشرف مكتسب لا يعوّض عنه.

ففي لسان العرب: الشرف هو الحسب بالاباء والشرف والمجد لا يكونا إلاّ بالاباء ورجل شريف: له اباء متقدمون في الشرف ويُسهب الباحث في سرد الادلة الدالة على قوّة هذه الرابطة لدى العرب وطغيانها على كل ما سواها حتى يقول انّه تأثرت به بعض الاجتهادات والمذاهب الفقهية في الإسلام ويعتبر من الادلة على ذلك اشتراط بعض هذه المذاهب «كفاءة» الرجل بالنسبة للمرأة «الشريفة» التي يتزوجها خاصة إذا كان قرشية شريفة النسب حيث ابطلت زواج الرجل غير القرشي من القرشية باعتبار ان القرشية لا يكافئها إلاّ قرشي.

وينقل المؤلف في هذا المجال الحادثة المعروفة عن الحجاج الثقفي حين امره الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان بأن يطلق زوجته لانها بنت جعفر بن أبي طالب ذات النسب الشريف الذي لا يرقى إليه الحجاج الثقفي فهدده بقوله: «اقسم بالله لئن هو مسّها ليقطعنّ احب اعضائه إليه ولا يرى المؤلف سبباً آخر دفع عبدالملك على ذلك سوى السبب المذكور.

وحين يأتي المؤلف على ذكر «الكرم» المتأصل لدى العربي وصلته بأرضه وبيئته لا نجده قد وفق في تفسيره كما وفق في تفسير ظواهر اخرى في الشخصية العربية يقول في ذلك: «أما الارض» التي هي قاعدة الوطن الثابت لدى الامم الاخر المستقر، فقد كانت صحراء عدائية متقلّبة بخيلة لا يبقى فيها زرع ولا ماء (من هناء «كرم» الإنسان مقابل (بخل) الطبيعة.. ومن هنا أولوية الكرم في العرف العربي أنه اعلان استقلال الإنسان وانتصاره على الحتمية الطبيعية الشحيحة والتعبير عن رفضه لها بكرمه ولو إلى حد الاسراف ضد اسراف الطبيعة في البخل والشح ارضا وسماء ومناخاً» هذا ما ذكره المؤلف في تفسير هذه الظاهرة ولا نجد ما يدعون إلى الاقتناع بذلك بعدما عرفنا من ان الاستجابة لظروف الطبيعة لا يكون في معاكستها فهي بخيلة ـ ارضا وسماء على حد تعبير المؤلف - وتكون الاستجابة الطبيعية هنا بأن يبخل العربي ويشح في انفاقه لأنّ الطبيعة بخيلة لا تعوضه عن شيء مما ينفق.

كما استجاب لجفافها بالترحال وراء العشب والماء وكما استجاب لفقدان الامن فيها بالفزع والتأهّب حتى صار من حكمة العرب كما يقول المؤلف: «قد ينال الامن... من فزعا»، وهكذا في التجاء العربي إلى القبيلة تعويضاً عن حالة فقدان الارتباط الجغرافية بأرض ثابتة ومسكن محدد.

فقد يكون التكيّف الطبيعي لمثل هذه البيئة البخيلة هو المزيدمن البخل وقبض اليد لا الكرم والاسراف فيه؟!

ويبتعد بنا المؤلف خطوة اخرى على هذا الطريق ويرى في كثرة بكاء العربي على الديار وحنينه إلى المنازل الدارسة التي زخر فيها الشعر العربي في الجاهلية وصدر الإسلام تعبيراً عن حالة فطرية في ميل الإنسان إلى الاستقرار والسكن، اعترف بها اعرابي قلّ الترحال بقوله:

«مامن غريب وان ابدى تجلّده***إلاّ سيذكر بعد الغربة الوطنا

وكان من آثار قسوة الارض على العربي ان ضعف تعلّقه بها واستبدلها بالقبيلة فشدّ نفسه اليها شداً وثيقاً، فاستعاض عن ارض الوطن بأرض القبيلة واعطاها حبّه وولاءه وترى الدراسة ان المشكلة تكمن هنا في ولاء العربي لقبيلته دون وطنه» وهي مشكلة ـ يرى المؤلف ـ انها ما زالت قائمة ماثلة امامنا حيث تجد الدولة «الوطنية» العربية ـ كما يقول المؤلف صعوبة في التزام والزام بعض مواطنيها ـ وربما جلّهم بفكرة الثبات في الارض والدفاع عن ترابها وحدودها.لانها فكرة جديدة على العرف العربي المتوارث بينما الثأر لأهل القرابة أو لشرف العرض و«الفزعة» للعشيرة ووريثتها الطائفة مازالا ظواهر قائمة حتى في اكثر المجتمعات العربية تحضّراً.

ويرى صاحب الدراسة ان هجرة الفلسطينيين لارضهم عام 1948 حفاظاً على اعراضهم «من أن يمسّها اليهود» نوع من تقديم سلامة العرض على سلامة الارض.

ورغم دعوة الإسلام إلى نبذ العصبية القبيلة والتمييز القبلي لكننا ـ يقول المؤلف ـ نجد الظاهرة ـ اي تقديم القبيلة على الارض ـ تفرض ذاتها على أي دارس ومراقب للتاريخ الاسلامي حيث ظل الانتماء القبلي يزاحم التضامن الاسلامي.

بل تعتقد الدراسة ان ما تسمّيه بالجدلية المتوترة المزمنة بين «القبلي» و«الديني» و«القبيلي» و«الأيديولوجي» في التاريخ العربي ـ الاسلامي قديمة وحديثة هي الاطار الذي يمكن من خلاله تفسير وفهم محتوى الصراع السياسي ومدلول الصراع الكلامي ـ المذهبي وبالتالي الطائفي ومن ثم الحزبي الحديث.

لكن المؤلف قد يجد من يعارضه في اصدار مثل هذا الحكم المطلق وارساله دون دليل فمن الصعوبة بمكان تفسير الخلاف المعتزلي الاشعري بأنه ذو جذور قبلية مثلاً خصوصاً إذا علمنا باختلاف العباسيين انفهسم في موقفهم تجاه هذه القضية فمنهم من التزم المذهب الاشعري وحارب الاعتزال بينما تبنى خلفاء آخرون من نفس العائلة مذهب الاعتزال وحاربوا المذهب الاشعري.

وهكذا الامر في الخلافات السياسية حول الخلافة والامامة وغيرها من الامور ا لتي قسمت المسلمين احزاباً وطوائف مازالت قائمة حتى يومنا هذا. وفي مكان آخر يأخذ الكاتب على الاتجاهات القومية العربية محاولتها لتفسير الواقع العربي تفسيراً ايديولوجيا يقفز على هذه الحقيقة. غير انّه يلحظ عودة عن هذا الاتجاه الواقعي وينقل في هذا المجال كلاماً لمطاع صفدي بعد صراع عدن الدموي يقول: «إذا بالصرابعات الايديولوجية تنزاح في لمحة عين لتحلّ محلّها كل بدائية العشائر القبيلة.. اي يبرز إلى الوجود ذلك النموذج التاريخي وهو ارومة العصبية القرابية والدموية ليحكم ويحطم كل الانتماءات الايديولوجية المستحدثة والملصقة على جبين الإنسان من الخارج فقط».

واخيرا ينتهي الكاتب إلى ان القبيلة كانت ومازالت ـ عامل التأسيس والهدم في الوقت ذاته ـ بالنسبة للدولة فهي جرثومة الحياة والموت معاً.

وفي معالجة رائعة يبحث المؤلف في الفصل الخامس من دراسته موقف الإسلام من البداوة، ويرى ان الإسلام اعتبر اسس الحياة الرعوية المخالفة لحياة القرار «الاستقرار» الحضرية والبعيدة عن الانضباط لقيم الجماعة ونظمها ومسلكياتها واخلاقياتها بيئة غير ملائمة لتقبل الإسلام ـ كاملاً ـ بعقائده واحكامه وفرائضه ونظمه وقيمه بل ان القرآن ـ يقول المؤلف ـ اعتبر البداوة بحكم طبيعتها الجافية ومواصفاتها المعيشية والمعاشية بيئة مناقضة للتعاليم الإسلامية ومنافية لها، فقال تعالى: «الاعراب اشدّ كفراً ونفاقاً»(1) وانهم بالتالي «اجدر ألاّ يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله».

وتنبّه الدراسة إلى انّ القرآن الكريم انما يطلق هذا الحكم على الحالة الاعرابية وكنمط معيشي ينطبق على الاعراب وسواهم من الجماعات الرعوية في جميع الامم ونجد في السنة النبوية ما يؤكد ذلك حيث ينقل المؤلف حديثين يُنسبان إلى رسول الله «ص»:

الأول: «من بدا جدا».

الثاني: «لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية»، والقرية تعني المدينة في المصلح العربي الاصلي.

وفي محاولة لحل ما يمكن ان يظهر من مباينة بين المعيار المبدئي البحت والمعيار المجتمعي التحضّري ينقل الباحث كلاماً لابن الاثير في تفسير حديث «لا تجوز شهادة...» يقول فيه: «انما كره شهادة البدوي لما فيه من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشرع ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها».

واخيرا ينتهي المؤلف في بحثه إلى ان مبدئية الإسلام وسلامة تمثلها لا يمكن ان تتحقق وتستقيم إلاّ بمعيارية حضرية وقد لا يخلو التحضّر من سلبيات اشار اليها القرآن الكريم وحذّر المجتمع الاسلامي من الوقوع بها، تلك هي ظاهرة الترف التي تقع في الطرف المقابل النقيض لمفهوم البداوة.

فالذي يتهدد الحضارة ويشكل خطراً على مصيرها انما هما ظاهرتي «البداوة» و«الترف» الحضاري فالاسلام يدعو إلى الاعتدال والالتزام المسلكي والتوسط الامثل بين «جفاء البداوة» و«ترف الحضارة».

وقد شكّلت هذه الالماحات والاشارات القرآنية ـ كما يقول المؤلف نظرية متكاملة مترابطة لدى فيسلوف التاريخ ابن خلدون الذي أسس تفسيره للتاريخ على هذا التحوّل الدائري من جفاء البداوة إلى ترف الحضارة وبهذه المناسبة يقول المؤلف: «على دارسي ابن خلدون الذين مازالوا يتساءلون عن المصادر التي استقى منها بذور فلسفته ان يعودوا في هذا الصدد إلى المصدر القرآني قبل غيره».

***

بقدر ما يحفل التراث الاسلامي بشواهد ضد النمط الرعوي والحالة البدوية الخالصة يحفل أيضاً بشواهد تؤكد الطبيعة الحضرية للاسلام. ويبرهن المؤلف في الفصل السادس من دراسته على ان هناك ارتباطاً عضوياً بين طبيعة التعاليم الإسلامية والحياة الحضرية في المدن مردّه إلى حقيقة محورية اساسية هي كما يقول احد الباحثين المعاصرين: «ان حياة البدو تجعل من الصعب على الشخص ـ ان لم يكن من المستحيل ـ ان يصبح مسلماً حقيقياً».

وقد كان المؤلف موفقاً في استقصاء تعاليم الإسلام المناقضة لمواصفات البداوة وخاصة في تحديده لمعالم العملية ووضعه لقيم العمل على اسس تناقض الاسس التي بُنيت عليها البداوة.

ففي مجال الكسب والرزق أعلى الإسلام من قيمة احتراف العمل لكسب الحلال وطلب الرزق بما يتّفق وحياة الانتاج في المدينة، وناقض تماما النظرة البدوية المحتقرة للعمل المهني بمختلف انواعه. جاء في الحديد: «ان الله يحبّ المؤمن المحترف»، وفي حديث آخر: «الكسب فريضة بعد الفريضة» و«طلب الحلال جهاد في سبيل الله».

وحثّ على التجارة حثاً بالغاً ففي الحديث: «التاجر الامين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء»، ونالت الزراعة اهتماماً خاصا من الإسلام وحث عليها حتى جعل استصلاح الارض واحيائها وسيلة من وسائلة تملّكها، ففي موطأ مالك عن النبي «ص»: «من احيا ارضاً ميتة فهي له».

وفي مجال تأكيد الإسلام على مكانة المدينة والعمران والاستقرار الحضري ينقل المؤلف كلاماً لاحد المؤرخين العرب المعاصرين يقول فيه: «ان الإسلام في اعماقه مدني، انّه انما كان لبناء الحضارة والمجتمع الاسمى»، ويؤكد هذه الحقيقة المستشرق الفرنسي «اندريه ميكيل» في قوله المنقول في هذه الدراسة: «ان لم يكن الإسلام قد خلق إلاّ القاهرة وبغداد فان هذين الاسمين

____________________________________

1- التوبة 97.



يكفيان لتكوين مجده العظيم».

ويقارن الكاتب بين موقف التراث الديني العبراني من البداوة والحضارة وموقف الإسلام منهما.

ويستدلّ على رجحان الطابع الرعوي في التراث العبراني بالقصة المعروفة عن ولدي آدم قابيل وهابيل الواردة في العهد القيم ويدفع المؤلف ترجيح الطابع الرعوي البدوي عن الديانات السامية جميعاً بما فيها الديانة اليهودية وينسب ذلك إلى عقلية بني ا سرائيل التي امتدت إلى العهد القديم وحرفته بما يتفق وواقعهم الجغرافي والتاريخي.

وعلى الجانب الآخر نرى موقف الإسلام على النقيض من ذلك فهناك من الشواهد ـ يقول المؤلف ـ ما يؤكد على الاولوية الفائقة للقيم الحضرية بما لا يقبل ويناقش المؤلف بهذه المناسبة بعض المدارس الفكرية التي آمنت بالبداوة واعتبرتها مصدراً للصفاء الروحي والتأمل الديني وأنّها الاقرب إلى خصال الخير وسمو الاخلاق. ويرى ان الظواهر الدينية الكبرى الراقية التي شهدتها المنطقة قامت اساسا على اكتاف رجال المدن لا البادية. وهو لا يتفق مع احمد امين وغيره من بعض المفكرين الغربيين الذين يرون ان البداوة تهيء فرصاً اوسع للعزلة والخلوة وبالتالي للتأمل والتفكير بل لاحظ المؤلف نوعاً من التباين في افكار ابن خلدون حول البدو حيث يقول عنهم مرة: «ان اهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر» ويقول أيضاً «وهم ـ اي البدو ـ اسرع الناس قبولاً للحق والهدى لسلامة طباعهم من عوج الملكات وبراءتها من ذميم الاخلاق».

ويصفهم في مكان آخر بقوله: «واستحكام عوائد التوحّش وأسبابه فيهم صار لهم خلقا وجبلة.. وهذه طبيعة منافية للعمران ومناقضة له.. وليس عندهم في اخذ اموال الناس حد ينتهون إليه.. وأيضاً فانهم ليست لهم عناية بالاحكام وزجر الناس عن المفاسد.. فتبقى الرعايا في ملكتهم كأنهم فوضى.. والفوضى مهلكة للبشر.. وكل ما ملكوه من الاوطان.. تقوض عمرانّه واقفر ساكنه».

ويجد المؤلف في كلام عالم الاجتماع العراقي «علي الوردي» الذي يقول فيه: «ان الثقافة البدوية فيها جانبان متناقضان ولكنهما متوازنان. فقد رأينا الرجل البدوي يود ان يغزو وينهب ويقتل ويعتدي وهو في الوقت ذاته يودّ ان يتكرّم ويحمي ويغيث ويشمل بمروءته كل من يأتي إليه قاصدا في حاجة.. ان القطب السالب في الحياة البدوية يتمثّل في العصبية وحب الغزو والنهب والاعتداء. أما القطب الموجب فيتمثّل في المروءة بمظاهرها المختلفة ولولا وجود هذه القطبين لتوقف تيار الحياة في الصحراء. يرى المؤلف في هذا الكلام حلاً للتناقض أو التباين الذي اوقع ابن خلدون في نوع من التوتر في فكره، ويستخلص المؤلف بعد تحليل مطوّل ان الإسلام كان في التحليل النهائي ضد البداوة وليس ضد البدو. ويرى ان الإسلام حاول تحضير البدو لا تحقيرهم وتحويلهم من مجمع بلا تاريخ ـ حسب تعبيره ـ إلى مجتمع صانع للتاريخ. ويذهب المؤلف ابعد من ذلك حيث يرى في توحد الجذر اللغوي لهذه المفردات «المدينة» و«التمدن» و«التدين» مؤشراً وتأكيداً للترابط المعنوي الاعمق بينها.

وتعرضت الدراسة في الفصل الاخير «الفصل السابع» إلى التباس مفهوم الحكم و«الحاكمية» في الوعي الاسلامي المعاصر بين الاصل القرآني والمعنى المحدث.

والذي دفع المؤلف إلى خوض هذا البحث هو الاشكالية المفهومية الناشئة عن سيطرة فهم المعاصرين للمعنى المحدث الشائع للكلمة في عصرهم دون اعتبار لمعناها الاصلي وبالتالي للفارق بين المعنيين المتباينين جزئياً أو كلياً فيعودون إلى دراسة النصوص ـ من عقيدية وتشريعية وتاريخية ـ والنظر اليها واستنتاج الاحكام الاساسية منها وهم مقتصرون في فهمهم على المعنى الحديث السائد في زمانهم متصورين انّه المعنى الوحيد للكلمة منذ نشأتها. ومما لاشك فيه سينتج عن هذه الحالة خلط واسع في المدلولات والمفاهيم وبالتالي في الاستنتاجات والاحكام التي تمس العديد من المسائل الحيوية المتعلقة بدين الناس ودنياهم وقد اعتمد المؤلف في دراسته لأصل هذه الكلمة على القرآن الكريم الذي وردت فيه اكثر من مائتي مرة ـ كما احصاها محمد فؤاد عبدالباقي في معجمه ـ والحديث النبوي وبعض امهات التفاسير المعتمدة ومعاجم اللغة الكلاسيكية اضافة إلى الدراسات والابحاث الحديثة التي بحثت هذا المصطلح ضمن مصطلحات اخرى وتوصّل بعد التتبع والمسح الشامل لكل هذه المراجع إلى ان كلمة «حكم» لم تتحد في اللغة العربية باصطلاح متعارف عليه معنى تولي وممارسة السلطة السياسية وكلمة «الحاكم» معنى القائم بالأمر السياسي وصاحب القرار فيه، إلى حوالي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وذلك عندما واجه فكر النهضة العربية الحديثة مفاهيم الفكر السياسي الاوروبي في الفصل بين السلطات الثلاث.

واتفق المؤلف مع الدكتور محمد عمارة في ان مصطلح «أمير» هو المصطلح الذي استخدمه القرآن وشاع في الادب السياسي منذ زمن صدر الاسلام وقبل ان يشيع مصطلح «الامامة» في كتابات الفرق الإسلامية ويزيد المؤلف على محمد عمارة قائلاً ويجب ان نضيف إلى ذلك: وقبل ان يشيع مصطلح «الحكم» و«الحاكمين» و«الحاكمية» بهذا المعنى في الاستعمال الحديث.

ويرى ان هناك عاملين أديا إلى تحول معنى الحكم إلى معناه السياسي المعاصر احدهما يتعلق بالدور التاريخي للحكم والحكيم في نشوء السلطة السياسية الموحّدة في تاريخ العرب بما يتعدى الدور التقليدي للمحكمين والتحكيم.

ويرجع العامل الثاني إلى استئثار السلطات في التاريخ الاسلامي بكل انواع التقييم والتقدير وهو معنى الحكم في القرآن الكريم ـ كما أوضح المؤلف ـ لنفسها وصار الحكم كلّه هو حكم السلطة سواء كان حكماً قضائياً أو معرفياً أو اجتماعياً.

أما مصطلح «الحاكمية» فلا يرى له المژلف اساساً مالوفاً في اللغة أو الاصطلاح الشرعي ولم ينشر إلاّ بعد ان اكثر منه المولودون ويرى ان بدء صياغة هذا يعود إلى مفكر اسلامي لا تمثل اللغة العربية لغة الام أو لغته الاولى وهو الداعية الباكستاني ابو الاعلى المودودي(1903 - 1979).

وقد خالف المودودي في استفادته تلك مفكرين مسلمين منهم المرشد الاسبق للاخوان المسلمين الشيخ الهضيبي حيث نقل المؤلف نصاً له في ردّه على المودودي في كتابه «وعاة لا قضاة» يقول فيه: «ان لفظة الحاكمية لم ترد بأيّة آية من الذكر الحكيم ولا في حديث من احاديث الرسول «ص» والغالبية العظمى من «مردّديها» تنطق بالمصطلح وهي لا تكاد تعرف من حقيقة مراد واضعيه إلاّ عبارات مبهمة سمعتها عفواً هنا وهناك أو القاها اليهم من لا يحسن الفهم أو يجيد النقل والتعبير».

وان الاثر الذي تركه هذا الالتباس في مفهوم الحكم والحاكمية يرى المؤلف انّه قد سلب الإنسان حق النظر في شؤونه وحرم عليه الخوض في ذلك باعتبار ان «الحاكمية» لله لا يحق للبشر الاقتراب منها: «لا يمكن التعايش بين حاكمية الله وحاكمية البشر» «كما لا يمكن التعايش بين الخير والشر والحق والباطل»، ولا بقاء إلاّ لطرف بالقضاء على الطرف الآخر.

وقد كان الامام علي «عليه السلام» أو من واجه هذا «اللبس» ـ كما تقول الدراسة ـ حيث التبس على الخوارج مفهوم «الحكم» بمفهوم «الأمرة» فقال علي «عليه السلام»: كلمة حق يراد بها باطل: نعم اهه لا حكم إلاّ لله ولكن هؤلاء يقولون: «لا أمرة إلاّ لله، وأنه لابدّ للناس من أمير بر أو فاجر».

ويؤكد المؤلف ان مفكرين اسلاميين كثيرين قد ذهبوا إلى عكس ما ذهب إليه اهل «الحاكمية» فقرروا ان الحكومة الإسلامية تستمد سلطتها من الجماعة ولا تستمدها من الله كما ذهبت إلى ذلك الحكومات الثيوقراطية في العالم.

وأخيراً تخلص الدراسة إلى ان الإسلام وان كان لا يفرق في نظامه الشامل بشكل قاطع بين الدين والآخرة وبين الدين والدولة فانه يميز قطعاً بين حقوق الله وحقوق الإنسان بين حاكمية الله في الكون وأمرة الإنسان في شؤون دنياه. وما لم يتأكد هذا الفصل المبدئي ومفهومه في الفكر واللغة فان الطريق المسدود للجدل العقيم بين الخوارج والفرق الإسلامية الاخرى سيتكرر في الحياة الإسلامية المعاصرة بمصطلحات مستحدثة لن يؤدي اي منها إلى تحديد طبيعة المسألة المتنازع عليها.

إلى هنا تنتهي الدراسة وقد وفقت إلى حد بعيد في كشف الخيط الذي ينظّم حلقات الازمة المزمنة عند العرب بكل مظاهرها الاجتماعية والسياسية والنفسية.

لقد اظهر المؤلف قدرة رائعة في اختراق سحب المثاليات الايديولوجية الجاهزة التي وضعت لكل ظاهرة تفسيراً مسبقاً، كما تجاوز انفعالات الواقع وصخبه ليصل ببصيرة نافذة إلى عمق التضاريس التي نراها ظاهرة على السطح دون ان يبتلي ببرودة الدراسات الاكاديمية التي يجدها الدارس جثّة هامدة خالية من الحياة.

وان لم تكن الدراسة قد سبقت غيرها في تشخيص بعض الظواهر وردّها إلى جذورها الضاربة في اعمار التاريخ فانها قد سبقتها في ربط هذه الظواهر مع بعضها وايجاد تفسير موحد لها.

وقد لا تخلو الدراسة من بعض الاستنتاجات التي تحتاج إلى مزيد من التأمل والبرهنة غير انها من دون شك تمثل محاولة جادة لدراسة الواقع العربي من خلال صيرورته التاريخية والمجتمعية دون القفز على عصور الانحطاط فهي بمثابة دعوة إلى انبثاق علم اجتماع عربي ـ ان صحّ التعبير ـ يعالج الازمة بقوانين علم الاجتماع العامة دون ان يغفل خصوصيات الواقع.

فهي اذن خطوة جديرة بالاهتمام وتستحق لأن تأخذ طريقها إلى الفكر السياسي العربي الحاكم والمحكوم «السلطة والمعارضة» على حدّ سواء.
10-05-2006, 10:53 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  الاغتيال السياسي وذاكرة سليمان الحلبي فارس اللواء 1 437 10-06-2013, 01:25 PM
آخر رد: observer
Question مخاطر الإسلام السياسي على حركة التحرر العربي ..الاسلام بشقيه بخدمة الغرب الامبريالي زحل بن شمسين 3 880 06-16-2013, 07:55 AM
آخر رد: زحل بن شمسين
  جدلية السياسي والفكري Reef Diab 5 1,556 11-01-2012, 02:35 AM
آخر رد: عبد الواحد علواني
  التحديات الحقيقية .... في الإصلاح السياسي في سورية .. vodka 0 614 08-18-2012, 11:51 PM
آخر رد: vodka
  التوت والنبّوت و"الفلول" وقانون "العزل السياسي" فارس اللواء 1 737 06-17-2012, 07:39 PM
آخر رد: فارس اللواء

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS