بقلم فرانسوا باسيلي
يستخدم نظام الرئيس المصري حسني مبارك الاخوان المسلمين كفزاعة يخيف بها - في الداخل والخارج معا – كل من يطالبه بالتغيير الحقيقي والحرية والديمقراطية وتداول السلطة والحريات المدنيه، وقد نجح النظام في البقاء في السلطة ربع قرن من الزمان وهو يلوح بهذه الفزّاعة ويقوم بعمليات كر وفر- حقيقية حينا ووهمية حينا اخر- مع الاخوان المسملين لكي يظل سحر الفزّاعة فاعلا في الجميع – وسبب نجاح النظام في هذا هو ان الاخوان المسلمين وحركات الاسلام السياسي المنبثقة منهم والمنشقة عنهم – كانوا دائما يشكلون خطرا حقيقيا – وليس وهميا – علي الكثيرين داخل مصر وخارجها ، فالجماعة ( تاريخها المليء بالنشاط السري المسلح ، وعمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال.. لعل اشهرها محاولة اغتيال جمال عبدالناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية عام 1954 والتي طاردهم علي اثرها النظام المصري وصادر نشاطهم تماما في مصر ففروا الي السعودية ، التي فتحت لهم ذراعيها نكاية في ناصر من ناحية ولتوافق افكارهم مع الفكر الوهابي السعودي من ناحية اخري. وهو فكر التشدد الديني والاهتمام بالمظهر الديني العام في المجتمع ـ، دون الإلتفات الي الجوهر سواء في الوهابية او في الفكر الاخواني – فالاهتمام في الحالتين هو في المظاهر العامة كالصلاة والصوم وحجاب المراه والتحاء الرجل.. اما قيم العمل الجاد والتفاني في تاديته والامانه في التجارة والمعاملة الحسنه والرحمه والعدل وطلب العلم والصدق فلا تجد لها اثرا .
فشل ذلك الفكر في تقديم نموذج ناجح فعال كريم للمجتمع المتلفح بعباءته.. وحالة مصر والسعوديه كدولة وكمجتمع وكثقافة لا تحتاج مني الي شرح فالجميع يلمس مدي التدهور الحضاري السائد بهما رغم الاوهام التي يقتاتها الاعلام الرسمي في البلدين .
ولكن ظهرت مؤشرات علي ان فزاعة الاخوان المسلمين وما يمكن ان يفعلوه بمصر لو استلموا الحكم فيها لم تعد تكفي لإخراس الذين يطالبون بالتغيير والديمقراطية وتبادل السلطة.. وبدات حركات قوية داخل مصر وخارجها تطالب بالتغيير مهما كانت المخاطره. ففي الداخل ظهرت حركة ( كفاية ) المصرية التي راحت لاول مره في تاريخ مصر تطالب حاكماً مصرياً بألا يقوم بالتمديد لنفسه ولا للتوريث لنجله.
وكان لظهور هذه الجماعة اثرها في شحذ مخيلة الشباب والكبار علي السواء في امكانية ان تتحرر مصر من لعنه توريث السلطة التي حكمتها منذ ايام الفراعنه.. ونفخت كفاية في الجسد المصري المتعب روحا جديدة شابه متوثبه متاججه فاذا بالقضاة يهبون هم ايضا رافضين لعب دور شاهد الزور علي انتخابات كانت دائما تزور وتطبخ لصالح الحاكم الاوحد .
وإذا بأساتذة الجامعة يهبون بعد القضاه.. ثم المثقفون والكتاب.. ثم الفنانون ثم المرأه ثم الشباب ومع هؤلاء جميعا هب الاخوان المسلمون ايضا ..
فخرجت مظاهرة اولى حملت فيها السيدات المصاحف ثم مظاهرة ثانية اختفت فيها المصاحف ! وهكذا يبدو ان الاخوان مازالوا في حيرة من امرهم هل عليهم الاستمرار في تقديم انفسهم كحركة دينيه سياسية معا بنفس الافكار والاطروحات القديمة التي لم تحقق لهم ولا لمجتمعاتهم سوي الضياع والتردي ..ام يقدموا صورة جديدة يظهرون فيها وكانهم حركة دينيه فقط – او سياسة فقط – او دينيه سياسية معدلة ومخففه لا تخيف الاخرين ؟
بدات تظهر الفكره التي تقول انه قد آن الاوان لاشراك الاسلام السياسي – والاخوان المسلمين في العملية السياسية في مصر – وقرانا لكاتب ليبرالي مرموق مثل د . سعد الدين ابراهيم مقالات بالعربية والانجليزية يدعو فيها لادخال الاخوان في الحركة السياسية المصرية ويقدم رؤية في ذلك لا تخلو من بعض المنطق مستندا الي نجاح حركات اسلامية في بلاد مثل تركيا واندونيسيا وغيرها في تطوير ذاتها والالتزام بقواعد العمل السياسي الديمقراطي . دون تطرف او لجوء الي العنف .
وفي المقابل ظهرت مقالات لعدد من الكتاب اللبراليين من المسلمين وغير المسلمين يبدون فيها مخاوفهم واعتراضاتهم الشديدة علي ادخال الاخوان في العمل السياسي بما في ذلك من خلط الدين بالسياسة وهو ما تقف الليبرالية ضده.. مستندين علي تاريخ الاخوان في اللجوء الي العنف والمراوغة وعدم الالتزام بالديمقراطية حتي داخل منظمتهم.. هذا بالاضافة الي فكرهم المتشدد المتزمت الذي هو حرّي بان يرجع بالمجتمع في مصر الي قرون مضت .
فماذا نفعل مصر بالاخوان المسلمين ؟
قبل تقديم افكاري الخاصة بذلك اريد اولا التاكيد علي ان هذا هو احد اهم الاسئلة التي علي مثقفي مصر والمثقفين العرب عموما – مواجهتها اليوم.. فعلاقة الاخوان المسلمين بالسياسة المصرية والعربية كانت عبر ثلاثة ارباع قرن هي الاشكالية الاساسية التي عرقلت حركة النهضة والتنوير وقدمت للانظمة العربية مبررات اللجوء الي حالات الطواريء والحكم البوليسي الاستبدادي كما في مصر حتي يومنا هذا. وعلي ذلك فلا يمكن الحديث عن مستقبل عربي او نهضة عربية او حرية مدنية او ديمقراطية وتبادل السلطة الا مع الاجتهاد في مواجهه هذا السؤال : ماذا نفعل بالاخوان المسلمين ؟
وللاسف فان معظم ما يكتب في هذا الشان ينقسم الي قسمين : اما مقالات تعارض اي مشاركة للاخوان ودليلها علي ذلك تفاصيل تاريخهم في مصر وتفريخهم لجماعات اشد منهم تطرفا قامت باغتيال السادات وانتهت الي حركات العنف والارهاب في بقاع مختلفة من الارض اليوم.. واما مقالات اخري تبدي تسامحا وعطفا وترحيبا بالاخوان في العمل السياسي استنادا علي انهم القوة الشعبية الاوسع في الشارع المصري والعربي اليوم ، وبالتالي يظل المعسكران المتخاصمان – المعارض والمتسامح – في حوار طرشان صارخ لا يؤدي الي اي حل لاشكالية علاقة الاخوان بالسياسة. وبذلك تظل النهضة العربية مؤجله الي اجل غير مسمي ويظل الحكم البوليسي وحالة الطواريء قائمة بلا نهاية. والمطلوب الان هو كتابات وافكار من نوع اخر ، فمطلوب من المتسامحين المرحبين بدخول الاخوان الي العمل السياسي ان يقدموا لنا افكارهم وابحاثهم المعمقة عما يمكن احداثه وتقديمه من متغيرات او ضمانات او اساليب تؤدي الي نجاح هذه الخطوة دون الاضرار بمستبقبل الديمقراطية والحرية، عليهم التفكير وطرح ما علي الاخوان تقديمه من ضمانات واحداثه من متغيرات واعلانه من مواثيق وما علي الدولة والنظام تقديمه في المقابل .
والمطلوب من المتخوفين من الاخوان المطالبين بعدم خلط الدين بالسياسة ان يقولوا لنا في نفس الوقت ماذا نفعل بالملايين التي تؤمن بفكر الاخوان واساليبهم اذ ليس من المقبول الاكتفاء فقط ببيان خطورة الجماعة دون تقديم الافكار والبحوث فيما يجب عمله لاستمالة جزء كبير من هؤلاء الملايين وجذبهم نحو فكر اكثر اعتدالا وتحررا وعصرية من فكر الاخوان .. يمكن به انخراط هؤلاء الملايين في العمل السياسي المشروع.. إذ ليس من المقبول الاكتفاء باقصاء الاخوان فليس هذا من الديمقراطية في شيء ولا هو من العدالة وحقوق الانسان في شيء كما ان الاقصاء هو الطريق الاكيد لتفريخ التطرف والارهاب .
نحتاج اذن الي فكر جديد وكتابة جديدة تعلو علي فكر الاقصاء والاستئصال للاخر الذي يقدمه لنا معظم الاسلاميين والليبراليين اليوم ، كل ضد الاخر.
وللموضوع بقية على الرابط التالي:
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=47466