غازي الصوراني
إن مظاهر التراجع أو الانهيار التي أصابت المكونات السياسية الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا العربية التي تعيش ثلاث أزمات خانقة (أزمة سياسية، أزمة اجتماعية، أزمة اقتصادية)، لم يكن ممكناً لها أن تنتشر بهذه الصورة بدون تعمق المصالح الطبقية الانانية للشرائح الاجتماعية البيروقراطية والكومبرادور التي كرست مظاهر التخلف عموماً والتبعية خصوصاً في هذه البلدان بما يضمن تلك المصالح، فالعجز في الميزان التجاري، وتراجع الانتاج هو أحد تعبيرات التخلف في تطوير الصناعة التحويلية، وتزايد مظاهر وأدوات التبعية التجارية، وكذلك الأمر بالنسبة للعجز في ميزان المدفوعات، والديون والمساعدات المالية وتحكم الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الوطني كمظهر أساسي من تجليات التبعية المالية رغم الارتفاع الكمي في الناتج المحلي الإجمالي لبلدان الوطن العربي الذي وصل عام 2006 إلى 1276 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل في نهاية العام 2008 إلى حوالي 2 تريليون دولار.
ولكن يبدو أن الصعود المتدرج بخط الهزائم العربية منذ بداية القرن العشرين إلى يومنا هذا ، بل واستمرار صعوده وتجدده عبر تفكيك المفكك أو ما يسمى بـ "الشرق الأوسط الجديد- دون أية آفاق واعدة في هذا القرن الحادي والعشرين، يبرر هذه الحالة من الانكفاء أو ما أسميه "الميل نحو الاستسلام"، والأسباب في ذلك كثيرة ومتعددة الجوانب والمنطلقات، لكن الشريان الرئيسي المغذي لكل هذه الأسباب والنتائج السياسية والمجتمعية الهابطة، هو العامل الاقتصادي وتطوره المحتجز في المقام الأول، إذ انه لم يكن ممكناً لخط الهزائم الصاعد والمتجدد أن يستمر بدون استمرار وتعمق التبعية بكل أشكالها واشتراطاتها وما يترتب عليها من اوضاع اجتماعية تصل الى درجة الانحطاط.
فبالرغم من ارتفاع الناتج المحلي العربي الإجمالي إلى ما يزيد عن 1.5 تريلون $ لعام 2007، الا ان قسماً كبيراً من هذا الناتج لم يوظف في تطوير البنية التحتية والمستشفيات والمدارس والجامعات والتقدم العلمي ومشاريع الرعاية الاجتماعية ودعم السلع الغذائية للفقراء من ناحية، وفي تطوير الصناعات التحويلية العربية وتطوير الانتاجية الزراعية والتوسع في الاراضي الزراعية من ناحية ثانية، حيث بقيت القطاعات الاقتصادية الخدماتية والاستهلاكية ومظاهر الإنفاق الباذخة هي السائدة في البلدان العربية، وخاصة النفطية منها (او بلدان أمراء ومشايخ الصحراء)، دونما أي تطوير نوعي لقطاعات الانتاج الزراعي والصناعي، كما استمر إيداع او توظيف اموال النفط خارج البلدان العربية، وفق شروط رأس المال المالي الأمريكي والغربي علاوة على شروطه السياسية، حيث تقدر الأموال المودعة او الموظفة في الخارج بما يزيد عن الف مليار دولار متراكمة منذ اكثر من ثلاثة عقود الى يومنا هذا، في مقابل تزايد حالة التدهور الاقتصادي وتراجع عناصر النمو والتنمية، وتزايد مظاهر الافقار والبطالة في البلدان غير النفطية التي تضم 78% من السكان، فعلى سبيل المثال نورد فيما يلي مقارنة بين فلسطين، باعتبارها الحلقة الأضعف في الاقتصاد العربي من ناحية واولويتها في الدعم الاقتصادي بسبب ظروف الحصار والعدوان الإسرائيلي من ناحية ثانية، وبين اصغر دولة من دول الخليج العربي ونقصد بذلك قطر (12) التي لا يزيد سكانها عن ثمانمائة ألف نسمة، تحقق ناتجاً اجمالياً او دخلاً سنوياً بلغ 42.5 مليار دولار، بمعدل دخل حسابي للفرد يصل إلى 35345 دولار سنوياً، في حين لا يتجاوز الناتج الإجمالي السنوي لابناء شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع عن أربعة مليارات دولار بمعدل دخل حسابي للفرد الف دولار فقط سنوياً، وفي هذا الجانب نشير إلى ان الاقتصاد الفلسطيني يمكن ان يحقق نسبة نمو تزيد عن 8% سنوياً اذا توفر له استثمارات بمعدل 3 مليار دولار سنوياً!!؟ وهذا المبلغ لا يتجاوز نسبة 03% (ثلاثة بالالف) من إجمالي الناتج المحلي العربي، واقل من 1% من إجمالي دخل او مساهمة النفط لعام 2006.
نستنتج مما تقدم أن خط او عوامل التراجع والهبوط والهزيمة، ما زالت مهيمنة على أوضاعنا العربية، والمؤشرات على ذلك كثيرة، نذكر منها:
- إستفحال مظاهر التبعية بكل أشكالها السياسية والتجارية والمالية والثقافية والنفسية.
- استمرار تراكم عوامل العجز في توفير مقومات الاكتفاء الذاتي الغذائي العربي، فالمعروف ان الطلب على الغذاء ينمو بمعدل 6 % سنوياً في حين أن الإنتاج لا تزيد نسبة نموه عن 2 - 3% فقط، ففي عام 2006 زاد العجز التجاري الزراعي العربي عن 27 مليار دولار، كما زاد العجز التجاري الغذائي عن 20 مليار دولار حسب التقرير الاقتصادي العربي 2007.
- انخفاض –وهشاشة- حجم التجارة البينية العربية منذ إعلان تأسيس السوق العربية بحيث لا تتجاوز نسبة 11.3% من إجمالي التجارة العربية الخارجية لعام 2006 البالغة (1032.6) مليون دولار.
- تراكم مظاهر التخلف التي لم تؤثر سلباً على القطاعات الإنتاجية – الزراعة والمياه بشكل خاص – فحسب، وإنما امتد تأثيرها على الجامعات ومؤسسات التطور والبحث العلمي، حيث تشير البيانات إلى ضعف وهشاشة مخصصات البحث العلمي التي لا تزيد عن نصف بالمائة او ما يعادل 5.33 مليار دولار بمعدل 242 مليون دولار فقط لكل دولة عربية على حدا، في حين أن هذه النسبة تزيد في إسرائيل عن 3% او ما يعادل 3.9 مليار دولار من الناتج الإجمالي الإسرائيلي.
- لجأ العديد من الحكومات والأفراد والشركات إلى إيداع فائض ما توفر لديهم من أموال النفط، في المصارف الأوروبية والأمريكية، ويتم التداول الآن بأرقام خيالية من الأموال العربية في الخارج، على شكل إيداعات أو استثمارات أو سندات خزانة أو أسهم، وتحاط الأرقام الحقيقية بسرية تامة، خاصة الحسابات في المصارف، إلا أن الأرقام تشير إلى وجود (283 ألف حساب مصرفي) لعرب غير مقيمين في الولايات المتحدة وحدها. وتقول بعض الأرقام "أن مجمل التوظيفات والودائع السعودية التابعة للحكومة ومؤسسات خاصة وأفراد، يقارب في الولايات المتحدة وحدها 500 مليار دولار يقابلها 250 مليار دولار لدول التعاون الخليجي".
- السمة الغالبة للنظام العربي الراهن، وهي الارتهان للنظام الرأسمالي في شكله المعولم الراهن، او استمرار عملية التكيف السلبي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والعلمي ...الخ، وما يعنيه من تعمق التبعية بكل انواعها (التجارية والمالية والنقدية والسياسية والثقافية والنفسية). إلى جانب تزايد الامية المنتشرة في أرجاء الوطن العربي البالغ عدد سكانه في نهاية 2006 (324) مليون نسمة منهم 65 مليون أمي أي بنسبة اجمالية تصل إلى 25%، حيث تراوحت نسبة الامية في الفئة العمرية 15 سنة فما فوق بين 7 % في الكويت و41 % في السودان، وبلغت في العراق 59 %، وفي اليمن 47 % وفي موريتانيا 48 % وفي المغرب 49 % في عام 2003، أما في مصر فقد بلغت عام 2004 نسبة 28 %، وحوالي 30% في الجزائر و23 % في سورية و21 % في تونس و 8 % في فلسطين، وفي هذا السياق نشير إلى ارتفاع نسب الامية بين الاناث لتصل إلى 76% في العراق و70 % في اليمن و61 % في المغرب و56 % في موريتانيا و40 % في مصر و39 % في الجزائر و36 % في سوريا و29 % في تونس و12 % في فلسطين و9 % في الكويت.
- تفاقم مشكلة البطالة في الوطن العربي لتصل إلى 17.85 مليون عاطل بنسبة 15% من مجموع العمالة العربية البالغة عام 2006 (119) مليون عامل، وتزايد الفجوة في متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، حيث يبلغ متوسط دخل الفرد حوالي 35 ألف دولار سنويا في قطر و33 ألف دولار في الامارات و14 ألف دولار في السعودية، في حين بلغ في فلسطين أقل من 1000 دولار سنويا للفرد وفي قطاع غزة أقل من 800 دولار وفي اليمن 760 دولار وفي مصر 1273 دولار وفي سوريا 1542 دولار وفي السودان 830 دولار وفي موريتانيا 650 دولار، وهذه الارقام توضح التفاوت الكبير في الدخل بين ابناء الوطن العربي.. وسؤالي هنا؟ الا يشكل هذا التفاوت الهائل في دخل الفرد العربي حافزا للنضال الديمقراطي السياسي من أجل تغيير هذه الأنظمة ومن ثم تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الوطنية المستقلة المعتمدة على الذات، بما يمكننا من توفير معوقات التطور الصناعي والاقتصادي والاجتماعي، علاوة على امتلاك مقومات الردع والقوة العربية لمجابهة وهزيمة دولة العدو الاسرائيلي.
- تزايد الاعتماد في تأمين المواد الغذائية الأساسية على الغرب ووفق شروط منظمة التجارة الدولية، فالوطن العربي يعتمد على الخارج بنسبة 70% من احتياجاته من القمح، و74% من السكر و62% من الزيوت، عدا عن أن رفع الدعم عن السلع الزراعية في أوروبا وأمريكا سيرفع فاتورة المواد الغذائية من 20 مليار دولار الى حوالي 25 مليار دولار، وما يعنيه ذلك من تزايد الغلاء والإفقار وغير ذلك. مثال على هزال العرب: في السودان حوالي 650 مليون دونم صالحة للزراعة لا يزرع فيها سوى 30 مليون فقط، ممكن أن نزرع القصب والقمح والشعير والذرة والحبوب والفواكه ونكتفي ذاتياً في كل بلدان العرب ... لكن؟!
- من المتوقع – في ظل بقاء الوضع الراهن – تزايد حجم الديون الخارجية والداخلية العربية الى اكثر من 800 مليار دولار مع نهاية العقد الأول من هذا القرن (بلغت قيمة خدمة الديون العربية حوالي 19 مليار دولار عام 2006)، إلى جانب استفحال ظاهرة اندماج أسواق المال العربية في الأسواق الدولية (اقتصاد المحاسيب Crony Capitalism أو اقتصاد الكازينو). وفي هذا السياق نشير إلى مجموع قيمة الأسلحة والمعدات العسكرية التي لم تستعمل قط وبلغت 20 تريليون دولار خلال العقود الثلاثة الماضية.
- في ضوء إلغاء الحدود الجمركية وفتح الأسواق – خاصة بعد عام 2005 – ستتعرض الصناعات الوطنية العربية – إلى انهيار شبه شامل نتيجة إغراق السوق المحلي العربي بالسلع والمنتجات الأجنبية في ظل غياب القدرة على المنافسة.
- تراجع القوة التصديرية العربية – ما عدا النفط – في مقابل تنامي القوة التصديرية لكل من تركيا وإسرائيل، نتيجة التراجع والركود السياسي/ الاقتصادي العربي وليس نتيجة لغياب الإمكانيات العربية... فالدخل القومي العربي ضعف دخل الهند!!
- غياب تفعيل القرارات الخاصة بمشاريع التكامل الاقتصادي العربي وهي مشاريع تم إقرارها على الورق منذ عام 1950 قرار إنشاء المجلس الاقتصادي العربي، واتفاقية التجارة والترانزيت عام 1953، واتفاقية الوحدة الاقتصادية عام 1957 واتفاقية الصندوق العربي للإنماء عام 1967 وصولاً إلى مصادقة 18 دولة عربية على اتفاقية منظمة التجارة العربية الحرة عام 1997 دون تفعيل حقيقي.
- وفي هذا السياق لا بد أن أشير إلى النفط العربي بما له من تأثير رئيسي على ما نحن فيه من تبعية وتخلف وخضوع، فقد كان النفط – وما زال – محوراً رئيسياً للمنافسة والصراع بين أقطاب النظام الرأسمالي، الأمر الذي أدى إلى سيطرة التحالف الامبريالي المعولم على النفط العربي، الذي تجاوز الاستهلاك اليومي العالمي منه 85 – 90 مليون برميل سيصل إلى 120 مليون برميل عام 2015 (13) (روسيا تحاول إنشاء منظمة أوبك) مع آسيا ومع الجزائر. (الولايات المتحدة تستهلك 20 مليون برميل يوميا).
أما تداعيات الأزمة المالية على الأسواق المالية العربية (الدول النفطية العربية) والتي تمتلك أسواقاً مالية أكثر انفتاحاً على الأسواق الدولية، فقد تتأثر بهذه الأزمة باعتبار أن عوائد النفط فيها يشكل المصدر الأساسي لها ومن المؤكد أن فوائضها المالية ستتراجع بما ينعكس على مشاريع التنمية فيها بحجم الاستثمارات العربية الكبيرة في الأسواق المالية الأمريكية.
أن آثار الأزمة المالية على الدول العربية يرتبط بمدى علاقة سوق الأوراق المالية في الخليج والسعودية خصوصا بالسوق العالمية، فالمصارف في هذه الدول لها أسهم في السوق المالية ومؤسسات تشارك في البورصة في أعمال بيع وشراء سندات هذه القروض وبالتالي ستترك آثارها على السوق المالية العربية.
ان سياسة الاعتماد على الذات في تجارب التنمية، والانخراط بحساب في اقتصاديات العولمة، كانت –ومازالت- مطلباً لعدد من الاقتصاديين بالدول العربية، إلا أن الساسة- في النظام الرسمي- كان لهم رأي آخر، حيث غيرت النظم الاقتصادية جلدتها، وارتدت قبعة الرأسمالية. فلم يتم الاستفادة من العوائد النفطية، ولم تحل مشكلات البطالة والفقر، ولم يتغير موقف ميزاننا التجاري، وبقي التعليم والبحث العلمي في مراتع التخلف، ونشطت قطاعات الخدمات، بينما تخلفت قطاعات الإنتاج في ظل تبعية كاملة لاقتصاديات العولمة.
هذه التبعية كان نتيجتها أننا بتنا نتأثر بأي صدمات اقتصادية تحدث على الصعيد العالمي، عموماً، والأزمة المالية الراهنة على وجه الخصوص، إذ أن العديد من المؤشرات تؤكد وجود مخاطر عديدة من المتوقع أن تلم باقتصاديات الدول العربية، وبخاصة الخليجية منها، وذلك على عدة أصعدة.. فستمنى الاستثمارات العربية في الخارج بخسائر ضخمة تقدر بنحو 1.4 تريليون دولار، بعضها في شركات الرهن العقاري، وبعضها بالبنوك التي أعلن عن إفلاسها وتم بيعها لبنوك أخرى، وسوف تكون الخسائر العربية في إطار ملكيتها لأسهم أو وجود حصص ملكية مباشرة في هذه البنوك، ويزيد من احتمالية وجود خسائر عربية من جراء هذه الأزمة التوجه الخليجي بامتلاك حصص كبيرة في مؤسسات مالية وبنوك من أجل تنوع الاستثمارات بعيدا عن النفط والغاز، فضلا عن خسائر الاستثمارات العربية المباشرة في قطاع العقارات في أمريكا والغرب.
هناك أيضا مخاطر على مستقبل الصناديق السيادية، والتي تمتلكها بعض بلدان الخليج، والتي تقدر استثماراتها بنحو 750 مليار دولار، حيث منيت هذه الصناديق بخسائر كبيرة خلال العام الفائت، وستمنى خسائر أكبر ارتباطاً بالأزمة الأمريكية، كذلك من المتوقع أن يشهد قطاع العقارات في المنطقة العربية نوعا من الركود خلال المرحلة المقبلة، تأثرا بالأزمة العالمية.
وستظل البورصات العربية التي تسمح للأجانب بالتعامل في حالة تذبذب واتجاهات نحو الانخفاض نظرا لرغبة الأجانب في تسييل محافظهم المالية من أجل تدعيم مراكزهم المالية في الدول الأم، وهو ما أكده واقع أداء الأسواق العربية على مدار شهر أغسطس وسبتمبر وأول أكتوبر الحالي.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية قد حاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر إعادة النظر –الإكراهية الطارئة- في سياسة السوق الحرة أو سياسة "دعه يعمل دعه يمر" دون أية ضوابط، والتدخل لحماية بعض مؤسساتها المالية الكبرى، فإنه من المؤسف أن صناع السياسة الاقتصادية ومتخذي القرار في المنطقة العربية عندما قيدوا أنفسهم بالاقتصاد الأمريكي والغربي لم يسعوا لوجود مساحة تسمح لهم بالاستقلالية وتخفيف حدة المخاطر، فلم نسمع حتى الآن عن إجراءات اتخذت للتخفيف من حدة المخاطر المتوقع حدوثها.
فهل تفيق الدول العربية وتستوعب الدرس في ظل استمرار أوضاعها على ما هي عليه؟ الجواب بالطبع .. لا، بالرغم من بعض الإجراءات الوقائية التي بدأت في تطبيقها أو التفكير فيها، بعض الدول العربية، نذكر منها تونس التي اتخذت –كما يقول محافظ البنك المركزي التونسي توفيق بكار- سلسلة من الإجراءات الاقتصادية لتفادى تداعيات الأزمة المالية العالمية. سواء على مستوى التصرف في الاحتياطي من العملة الصعبة للبلاد أو على مستوى القوانين المنظمة للقروض السكن.
وعبر –توفيق بكار- عن اعتقاده بان هذه الأزمة ستؤدى إلى اعتماد تشريعات أكثر صرامة في هذه المجالات كما ستفرض على السلطات النقدية إعادة توجيه البنوك نحو تمويل قطاعات الاقتصاد الحقيقي على غرار الأنشطة والاقتصاد في الطاقة والتكنولوجيات الحديثة إلى غير ذلك وهى أنشطة لا تقبل البنوك على تمويلها حاليا.
بالنسبة للدول العربية الأخرى، فقد تباينت تداعيات الأزمة الاقتصادية الأمريكية على أسواقها المالية، ما بين قوية ومتوسطة، وإن كانت معظم البنوك المركزية العربية، خاصة الخليجية منها، تتكتم على حجم الخسائر التي لحقت بها جراء تلك الأزمة حسب تقرير بثته الـ "سي ان إن" على موقعها الالكتروني.
أما في مصر، فقد أكد بعض المسئولين فيها حدوث "تأثيرات طفيفة" على السوق المحلية، أهمها تراجع مؤشر البورصة المصرية يوم 8/10 بنسبة 11.8%، لكن مخاطر الأزمة ستظل في حدود ضيقة بالنسبة للمؤسسات والبنوك المصرية نظراً لأنها لا تستثمر فوائضها المالية لدى بنوك الاستثمار الأمريكية أو الأوروبية، وبالتالي فان الأموال المصرفية آمنة، لكن هذا الوضع الداخلي لا يمنع تأثيرات الأزمة ونتائجها الضارة على الاقتصاد المصري إذا ما أدت إلى تراجع أو توقف المعونات المالية الغربية.
أما الأردن: فلم يشهد اقتصاده حتى الآن أية تداعيات سلبية على قطاعاته الاقتصادية، باستثناء ما يحدث في بورصة عمان التي تراجعت خلال الأيام الثلاثة الماضية حوالي 8.2 بالمائة وفقدت القيمة السوقية للأسهم 2.77 مليار دينار بقي الأداء في القطاعات الأخرى على حاله من دون تغيير.
في المدى القريب، ستبقى بورصة عمان وكل البورصات العربية المكان الذي تتقلب فيه تداعيات الأزمة بفضل العامل النفسي الذي يسيطر على السوق من جانب، وتزايد أعمال المضاربة من جانب آخر، إلا ان ما يحدث قد يتسبب في زيادة تشدد البنوك في عمليات الإقراض وتقديم التسهيلات، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي، وفي هذا السياق يحلل الباحث فهمي الكتوت تداعيات الأزمة على الاقتصاد الأردني بقوله "من الصعب القول أن الاقتصاد الأردني لن يتأثر في الأزمة الاقتصادية التي يشهدها النظام الرأسمالي ، على الرغم من بعض التطمينات، صحيح أن نسبة استثمارات الأردنيين في اسواق المال العالمية متواضعة، إلا أن ملكية غير الأردنيين في الشركات المساهمة الاردنية تشكل حوالي 50% من رأسمال هذه الشركات، وان حالة الفزع والذعر انتقلت سريعا لاسواق المال العربية، ان كل الاسباب متوفرة للعولمة الرأسمالية لتصدير ازمتها الى مختلف دول العالم وفي عدادها الاردن، خاصة وان شبح الازمة الاقتصادية يلف معظم الدول الرأسمالية، ويستطرد الكتوت قائلا: "قد نشعر بالارتياح لانخفاض اسعار بعض السلع والمواد الاولية بسبب الكساد، إلا أن هذا العنصر الايجابي في الأزمة نتاج مرض اقتصادي وليس ناجما عن ظاهرة صحية، ونحن لسنا محصنين من عدوى هذا المرض لهشاشة اقتصادنا وضعفه من جهة، ولعولمة رأس المال من جهة أخرى، وخاصة في ظل مناخ اقتصادي عالمي لا يشكل حافزا لتقديم المنح والمساعدات للدول الفقيرة مما قد يحرمنا من بعض المساعدات الخارجية في السنوات القادمة".
أما في إمارات/مشيخات الخليج فقد تراجع مؤشر بورصة الدوحة بنسبة 3.8% يوم 8/10 في أكبر تراجع لها منذ سنوات عديدة، كما تراجعت البورصة في دبي لتصل إلى 6.9%.
وفي أبو ظبي فإن قطاعي البنوك والعقارات سيكونان الأكثر تضررا من الأزمة المالية العالمية إذا ما استمر تفاقمها، لأن الأزمة المالية لم تجمد أية مشاريع تنفذها أبو ظبي في أي مجال من المجالات حتى منتصف أكتوبر الحالي، علما بأن كلفة المشاريع الحالية (14) التي تقوم بتنفيذها أبو ظبي تزيد عن 1.2 تريليون درهم (328 مليار دولار)، وفي كل الأحوال فإن الوفرة المالية الكبيرة لأبو ظبي (كما هو حال السعودية والخليج) الناتجة عن تزايد وضخامة ناتجها المحلي ستجعل تأثير الأزمة المالية عليها محدودا، وهناك أنباء تصدرت الصحف اليومية عن قرب اندماج بنكي أبو ظبي الوطني وأبو ظبي التجاري، وهما أكبر بنوك الإمارة لمواجهة تداعيات الأزمة، علما بأن الحكومة تملك نسبة تزيد عن 60% من البنكين.
وافتتحت سوق المال السعودية (البورصة الأكبر في العالم العربي) مداولاتها الأربعاء 8/10 بتراجع تجاوز 5.7 بالمائة للمرة الأولى منذ أكثر من 52 شهراً، لكن "السعودية" لن تتأثر كثيرا بتداعيات هذه الأزمة، لأن موجودات مؤسسة النقد السعودي (البنك المركزي) تجاوزت حسب المصادر الصحفية مستوى 1.6 تريليون ريال (ما يعادل 433 مليار دولار) لأول مرة على الإطلاق خلال شهر أغسطس 2008.
أما في سوريا، فهي حسب العديد من آراء الخبراء الاقتصاديين فيها لن تتعرض – بنفس الوتيرة- لآثار هذه الأزمات نظرا لضعف علاقة مؤسساتها الاقتصادية وبنوكها بالمؤسسات المالية الأمريكية.
بالنسبة لآثار الأزمة العالمية على الاقتصاد الفلسطيني، رغم أن الاقتصاد الفلسطيني ضعيف وهش وتابع للاقتصاد الإسرائيلي، علاوة على محدودية قدراته وطاقاته بسبب استمرار تواصل الحصار والعدوان منذ سنوات، علاوة على الانقسام الجاري حاليا بين غزة والضفة الذي أدى إلى شبه انهيار في القطاعات الإنتاجية، الصناعة والزراعة إلى جانب التجارة والخدمات والإنشاءات مما أدى إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة بنسبة لا تقل عن 40%، مع تزايد نسبة البطالة إلى أكثر من 30%، والفقر إلى أكثر من 80%، والفقر المدقع إلى حوالي أكثر من 45%، أما بالنسبة للاستثمار العام فقد بلغ عام 2006 (149.6 مليون دولار) والاستثمار الخاص (664.4 مليون دولار) والإجمالي العام للاستثمار (814 مليون دولار) بنسبة 19.5% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 4172 مليون دولار (حسب بيانات المراقب الاقتصادي الاجتماعي الصادر في آب/2008)، أما بالنسبة للاستثمارات الخارجية في الاقتصاد الفلسطيني، فتكاد تكون معدومة وبالتالي ليس هناك ما يبرر القلق من تأثيرات مباشرة للأزمة المالية على الاقتصاد الفلسطيني عموما والبنوك والبورصة خصوصا، يؤكد على ذلك ما أعلنه خبراء وممثلي القطاع الخاص الفلسطيني في لقاءهم المشترك في رام الله يوم 12/10/2008 من أن "تأثير الأزمة التي تعصف بالاقتصاد العالمي على الاقتصاد الفلسطيني محدود جدا لان ارتباط هذا الاقتصاد بالأسواق المالية العالمية شبه معدوم" حسب ما نشرته جريدة "القدس" 13/10/2008.
.........
http://www.amin.org/look/amin/articles/63.htm