مكتبة الإسكندرية القديمة
د. ماركوس ملطى عياد
قيل أنها وضعت فى تخطيط الإسكندر الأكبر عند بناء الإسكندرية ولكنها ظهرت للوجود فى النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد ما بين " 295-250 " ق.م واكتمل بناؤها فى عهد بطليموس الثانى الذى يدعى فيلادلفيوس
كانت مكتبة عالمية تضم كتبا من بلاد عديدة مأخوذة من البلاد التى استولى عليها اليونانيون وبعض كتبها أخذت على سبيل الاستعارة وتم نسخها واختلف المؤرخون فى عدد المجلدات الموجودة فى المكتبة فهى تتراوح من 75000 إلى 2000000 مجلد وبعض الشواهد تدل على أن مكتبة الرامسيوم التى أسسها رمسيس الثانى عام1500 ق.م قد نقلت مجلداتها إلى مكتبة الإسكندرية
وصنفت الكتب بنظام الفهارس فى الشعر والبلاغة والدين والتاريخ واللغة والعلوم المختلفة
وألحق بالمكتبة مرصد على الميناء وحديقة حيوان ومعامل اختبارات ومن علمائها
*إقليدس عالم الرياضيات الشهير الذى قنن أسس الهندسة وصاحب كتاب العناصر
*سيلجين الفلكى صاحب التقويم اليوليانى
*بطليموس الفلكى
*أرشميدس عالم الطبيعة الشهير الذى اخترع الكثير من الآلات التى ساهمت فى الدفاع عن بلاده وقيل أنه استخدم العدسات المحدبة فى تجميع أشعة الشمس وحرق سفن الأعداء.وهو صاحب نظرية الكثافة النوعية التى لها أكبر الأثر فى طرق صنع السفن البحرية ورويت قصص عن كيفية توصله لتلك النظرية أنه أعطى تاج من الذهب وطلب منه أن يتأكد إذا كان هذا التاج ذهبا خالصا أم أنه سبيكة وعندما تعب من التفكير ذهب للاستحمام فى حوض ماء فشعر بخفة وزنه ففكر قليلا ثم خرج هاتفا "يوريكا" أى وجدتها فصارت تلك الكلمة مشهورة
كما أنه وضع أسس علم التفاضل والتكامل فى اللانهاية ووضع مبادئ الميكانيكا
*أرسطرخوس وهو أديب وأول من قال بدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس
*أراتوسشيس عالم جغرافيا وهو أول من قاس محيط الأرض من مرصد المكتبة
*هيبارخوس عالم فلكى أول من حدد الاعتدالين الربيعى والخريفى وحدد حجم الشمس والقمر وقدر طول الشهر القمرى وضع علم حساب المثلثات وأول من استخدم دوائر الطول والعرض فى تحديد المواقع والأبعاد
*إيرازستراتوس طبيب جراح وعالم تشريح وصف الدورة الدموية وصمامات القلب وميز بين الأعصاب الحركية والأعصاب الحسية
*هيراقليدس كيميائى عرف العقاقير
*كتسيسوس مخترع طلمبة الدفع وساعة كليسندرا وابتكر الأرغن الهوائى
*فيلون مخترع الساقية ورحى لشق البذور والمنجنيق الحربى الذى يقذف القذائف والنيران وهو مخترع أوعية تشبه " السيفون" تمتلئ بالماء تلقائيا
*كاليماخوس الذى أنشأ علم المكتبات و صنف 900 ألف مخطوطة على أساس علمى وأبولينوس من الشعراء
والمكتبة كان لها فرعان المكتبة الأم "البروكيون"وتعنى داخل المركزأى داخل القصر الملكى وهى فى الميناء الشرقى ومعظم الدراسات تصورها تقع بعيدة نسبيا عن الشاطئ ولكنها تراه بوضوح تقع على مساحة واسعة من الأرض محاطة بمزرعة نباتات ومدينة ترفيهية كما أن لها مرصد على الميناء
أما المكتبة الوليدة فهى مكتبة السرابيون ملحقة بمعبد السرابيون الوثنى فى حى "راكوشيس" الشعبى
وفى آسيا الصغرى تم بناء مكتبة أخرى تدعى"البرجاموس"بعد بناء مكتبة الإسكندرية ب100عام وكانت منافسا قويا لها وعدد مجلداتها وصل 200000 لفافة جلدية واختفى الحديث عن الإسكندرية كمنار للعلم ومحط للباحثين فى القرن السابع ومع بداية القرن التاسع عشر بدأت الأبحاث عن مكتبة الإسكندرية القديمة ومصيرها وظهرت آراء متضاربة وكل يوم نكتشف أسرارا جديدة فى هذا الموضوع
الرأى الأول ينسب حرق المكتبة الأم "البروكيون"للملك يوليوس قيصر عندما حاصره القائد أخيلاؤس البطلمى فاضطر القيصر إلى حرق السفن فى الميناء حتى لا يصل القائد إليها فاحترق الميناء وجزء فقط من المكتبة عن غير تعمد ويؤيد هذا الرأى المؤرخ بلوتارخوس
وإن كان أحد المؤرخين يّدعى أن المدينة لم يمسها النار لأنها مبنية من الرخام لكن مؤرخا آخر وهو ديوكاسيوس يقول "امتدت النيران إلى ما وراء المراسى بالميناء فقضت على بيادر القمح ومخازن الكتب كثيرة العدد عظيمة القيمة" فالبعض يرى أن تلك الكتب هى عبارة عن ورق بردى خام موجود فى مخازن الميناء لإعداده للتصدير أو أنها مخازن كتب ملحقة بالمكتبة موجودة فى الميناء فكثير من الدراسات تشير إلى أن المكتبة كانت بعيدة نسبيا عن البحر فى حى البروكيون كما أن القيصر وجيشه كانوا محاصرين فى الحى فكيف ستصل النيران إلى المكتبة دون أن تمس الجنود بأذى مما دعا بعض الدارسين إلى الاعتقاد أن الملكة كليوباترا قد بالغت فى موضوع الحريق حتى تستولى على مكتبة البرجاموس المنافسة لمكتبة الإسكندرية كتعويض لها وهذا ما ما فعله لها القائد مارك أنطونيوس الذى حمل لها تلك المكتبة بالكامل
الرأى الثانى يظن بعض الدارسين أن المسيحيين المتشددين وعلى رأسهم البابا ثيؤفيلوس ال23هو المسئول عن حرق مكتبة السرابيون الملحقة بالمعبد عام391.م بعد أن صرح له الملك ثيؤدوسيوس الكبير بهدم المعابد الوثنية فى الإسكندرية حتى أن المسيحيين المتشددين تحولوا إلى منتقمين فصدرت الأوامر بحرق المكتبة بدعوى أنها فكر وثنى ولكن هناك ملاحظات كثيرة على هذا الرأى
*أولا: لقد أقنع البطرك الإمبراطورثيئودوسيوس الكبير أن الوثنيين يقدمون ذبائح بشرية فى معابدهم فاستصدر منه أمرا بهدم المعابد التى يثبت أنها تفعل ذلك فبدأ بمعبد باكوس إلهة الخمر ثم معبد السيرابيس ولكن لم يكن فى المرسوم ما يشير إلى حرق أو هدم المكتبة
*ثانيا: هذا البطرك أثار الكثير من المشاكل مع البابا يوحنا ذهبى الفم أسقف القسطنطينية وكان سببا مباشرا لنفيه ظلما مما أثار استياء الكثير من الأساقفة والمؤرخين الذين وصفوه بكلمات لاذعة فإذا كان هذا البابا هو المسئول عن حرق المكتبة فإن أول من سيكتب عن ذلك هم مؤرخو عصره ولكن هذا لم يحدث فلم يوجد مؤرخ واحد ينسب حرق أو هدم المكتبة للأقباط وكل من ذكروا حادثة هدم معبد السيرابيس لم يذكروا شيئا عن المكتبة
*ثالثا: المؤرخ أفطونيوس جاء فى القرن الرابع ووصف المكتبة ولكنه لم يذكر شيئا عن المعبد مما جعل البعض يظن أنه ربما يكون وصفها بعد حرق المعبد"هذا احتمال ضعيف "
*رابعا: المؤرخ سقراط وصف هدم المعبد وتحدث عن صهرالتماثيل المعدنية التى صنعت منها أوانى المذبح حتى أن بعض الدارسين يرجحون ربما أن المكتبة احترقت من ألسنة النار عن غير عمد ولكن ذلك المؤرخ كغيره لم يذكر شيئا عن المكتبة
*خامسا: المؤرخ روفينوس يصف هدم المعبد وحرقه ولكنه يؤكد أن الأبنية الخارجية لم يمسها ضرر
*سادسا:حنا مسكوس وصفرونيوس من الباحثين الذين قدموا إلى الإسكندرية فى القرن الخامس للدراسة تحدثا عن مكتبات الإسكندرية وذكرا أنها منار للعلم ولكنهما لم يذكرا شيئا عن مكتبة عامة مما دعا بعض الدارسين أن يرجحوا أن المكتبة نقلت من موضعها قبل حادثة هدم المعبد بسنين
أما الرأى الثالث فيقول أن المكتبة أحرقها القائد عمرو بن العاص بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب والقصة تقول أن أحد العلماء ويدعى يوحنا فيلوبينوس يلقبه العرب ب "يحيى النحوى" طلب من عمرو ان يستفيد من الكتب الموجودة فى مخازن الروم فأرسل عمرو إلى الخليفة يخبره عن المكتبة فرد عليه الخليفة "أما بخصوص الكتب التى حدثتنى عنها فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففى كتاب الله غنى عنها أما إن كان فيها ما يخالف كتاب الله فتقدم لحرقها" فقام عمرو بن العاص بتوزيع لفافات البردى على4000 من حمامات الإسكندرية لتسخن بها المياه واستمر ذلك ستة أشهر لكثرتها. وهنا انقسم الدارسون إلى مؤيد ومعارض
أما من يعارض فللأسباب الآتية
*الدين الإسلامى يدعو للعلم واحترام العلماء وهناك آيات قرآنية تؤكد ذلك وبعض الخلفاء كانوا يشجعون على العلم ويرصدون الهدايا لمن يأتى بشئ جديد
*الخليفة عمر كان مشجعا على العلوم الدينية وعلوم اللغة والمعرفة بوجه عام
*الرحالة الذين زاروا الإسكندرية فبل الإسلام لم يتحدثوا عن مكتبة عامة ولو كانت موجودة لذكروها ووصفوها
*أول مؤرخ ذكر تلك القصة كان بعد مرور أكثر من خمسة قرون من دخول ابن العاص للإسكندرية (تلك الرواية غير موجودة فى تاريخ حنا النقيوسى وابن الحكم والبلاذرى والطبرى والمسعودى والكندى وأبى صالح )
*يوحنا فيلبينوس المذكور فى الرواية ربما لم يكن حيا فى ذلك الوقت حيث أنه لو كان حيا يكون قد تجاوز عمره ال120عاما
*البعض يتساءل مهما يكن من حجم الكتب المحترقة فهل تحتاج هذا الكم من الحمامات والوقت مما يشكك فى الرواية
أما من يؤيد تلك الرواية فللأسباب الآتية
*من تحدث عن تلك الرواية هم من المؤرخون المسلمون عبد اللطيف البغدادى وابن القفطى و أخذها عنهم أبو الفرج ابن العبرى و المؤرخون الغربيون كما أن ابن النديم (من القرن العاشر الميلادى) فى كتابه "الفهرست " يذكر أن يوحنا فيلبينوس كان موجودا أيام دخول العرب للإسكندرية وكان مقربا من عمرو
*المسلمون فعلوا نفس الشئ بمكتبات فارس ونفس النص قد سبق أن أرسله الخليفة عمر إلى القائد سعد بن أبى وقاص الذى أمر بإلقاء كتب الفرس فى النار والماء
*يتهم البعض العرب أن الهدم والتخريب لأى حضارة أخرى هو مبدأ عام عندهم مثلما جاء فى مقدمة ابن خلدون أن العربى لا يطيق أى حضارة مزدهرة إلا ويخربها
*أن الخليفة عمر لم ينظر إلى المكتبة على أنها محراب العلم بل نظر إليها على أنها معقل للتثليث والعبادة الوثنية فخشى على افتتان المسلمين فى دينهم. فهو الذى عزل خالد بن الوليد عندما وجد الناس يبجلونه وهو الذى قطع شجرة بيعة الرضوان عندما أخذ المسلمون فى التبرك بها وهو الذى أشار على نبى الإسلام بحجاب أمهات المسلمين وفى ذات مرة قام بنفى أحد الأشخاص ذو الملامح الجميلة إلى البصرة عندما سمع إحدى الفتيات تتحدث عنه بإعجاب
ومهما يكن فقد انتهت المكتبة واندثرت وذهبت معها أسرار الحضارة الفرعونية "حيث يعتقد أنها كانت تضم مكتبة الرامسيوم التى أسسها رمسيس الثانى" ولو لم تصل إليها الأيدى العابثة ربما كنا تجاوزنا عصر الفضاء بمئات السنين
لقد حاولت أن أجمع بعض المعلومات من المصادر القليلة التى حصلت عليها وما توصلت إليه هو السطور السابقة ولم أجد من المؤرخين من يتهم البابا ثئوفيلوس مباشرة بأنه المسئول عن حرق مكتبة السرابيون إلا من المفكرين المسلمين الذين سافروا للخلف 16قرنا ورأوا ما أخفاه أهل ذلك الزمان ولم أجد فى الكتب التى قرأتها من يتهم الأقباط اتهاما صريحا إلا فى فيلم وثائقى خاص بمكتبة الإسكندرية الذى أذيع فى أحد المؤتمرات العلمية مؤخرا يذكر أن المكتبة اندثرت فى القرن الرابع(واضح أنه يعرض فى كل المؤتمرات) كما أننى لا أدافع عن الأقباط فهم لهم أخطاؤهم التى لا تغتفر الموجودة فى ذاكرة التاريخ ولكننى أريد دراسة التاريخ كما هو أو استنادا إلى أدلة ملموسة وليس إلى ميول عنصرية فالتاريخ فى تلك القضية غير واضح ولا يعبر عن رأى قاطع والدراسات ما زالت مستمرة وينبغى أن نضع الحق فى نصابه بعيدا عن التعصب
المصادر –كتاب دخول العرب مصر لألفريد بتلر
--كتاب تاريخ الكنيسة القبطية د.إيريس حبيب المصرى
--مجلة المصور
--كتاب عبقرية عمر .لعباس العقاد
--مجموعة نبذات عن مكتبة الإسكندرية القديم
www.arabtimes.com