سوريا جديدة؟
"بشار الأسد قائد عشيرة لن تتركه يفرط في امتيازاتها دون الوقوف في وجهه"
دمشق: أقف الآن تحت الشمس الحارقة أمام بوابة قصر المؤتمرات الضخم الواقع خارج المدينة، وأحاول عبثاً أن أدخل لأشاهد كيف يتناقش حزب البعث في شأن الإصلاحات السياسية. العنوان الرئيسي في صحيفة سيريا تايمز الحكومية كان يقول: "المؤتمر يتابع أعماله وسط جو من الانفتاح والشفافية". لكن أين الانفتاح والشفافية إذا كانوا يرفضون السماح لي بالدخول؟!
في النهاية قال لي الحراس: آسفون, انتهى الاجتماع لهذا اليوم. وبعد أن أنهوا كلامهم كان صف من سيارات المرسيدس قد بدأ بالاقتراب. كانت السيارات فخمة وكبيرة معظهما مزودة بستائر مسدلة حتى لا يرى قياديو البعث صغار الناس على جانبي الطريق. ولم يستغرق الأمر بالنسبة للسيارات سوى خمس دقائق حتى غادرت.
هذه هي الحقيقة الجوهرية لمؤتمر حزب البعث الذي طال الحديث عنه هذا الأسبوع: الناس الذين يملكون السلطة والامتيازات في سوريا كانوا يناقشون الإصلاح، على أمل أن يخفف عنهم الضغوط الداخلية والدولية التي يعاني منها النظام. كان هناك عدد من شخصيات البعث البارزة التي استقالت هذا الأسبوع، يُقال: من أجل أن تفسح المجال أمام الوجوه الجديدة، كما أقر البعث بعض الإجراءات التي من شأنها أن تسمح بإنشاء أحزاب سياسية مستقلة، وتخفف من وطأة قانون الطوارئ وتسمح بالمزيد من حرية الصحافة. لكن علينا ألا نتوقع من النظام أن يقوم بخطوات أكثر حسماً في هذا الاتجاه في الوقت الحالي، فسوريا اليوم سوف تحافظ على الوضع الحالي ولن تتوجه نحو التغيير.
دعونا نفترض حسن الظن بالرئيس بشار الأسد ونتخيل أنه حقاً يرغب بالتغيير في سوريا. المشكلة أن هناك المئات من البعثيين في سياراتهم الفخمة ليسوا مستعدين للتخلي عن السلطة التي جعلتهم أغنياء، على الرغم من أن هذا جعل سوريا أكثر فقراً. الأسد كان يروج مراراً وتكراراً للإصلاح، لكنه كان يفتقر إما إلى القوة أو إلى الإرادة السياسية لتحطيم سلطة البعثيين من مسؤولين ورؤساء لأجهزة الأمن. لا أحد فقد سيارته المرسيدس بعد.
عدت إلى المدينة في المساء راكباً سيارة تاكسي متداعية. عندما قلت للسائق أنني أمريكي نظر إلي مباشرة وقال بلغة إنجليزية مكسرة: "حزب البعث قذر. إنهم يريدون أن يلهفوا كل شيء وحدهم"، ثم قام بيده بحركة وكأنه يدفع الطعام إلى فمه. كان السائق جندياً سابقاً خدم في لبنان، وقال أنه يحب الأسد ووصفه بأن رجل لطيف، لكنه قال عن حزب البعث الحاكم أن "جميع الشعب السوري يكرههم".
وقد لمست مشاعر مشابهة طيلة هذا الأسبوع. من المدهش أن هذا الشعب منفتح مقارنة مع دولته البوليسية، فالحياة السياسية والنقاش السياسي بدءا بالازدهار بعيداً عن أنظار المخابرات، في المنازل والمقاهي والمكاتب، مثل الفطر الذي ينمو في الظلام. النظام نفسه مكروه على نطاق واسع، لكن الأسد يعتبر شخصية محبوبة وإن كان ضعيف السلطة. وعلى الرغم من أن الناس يريدون التغيير وبشده إلا أنهم خائفون من الفوضى التي يمكن أن ترافقه. لهذا السبب فإنه من المستبعد أن يحصل ثورة مفاجئة ضد النظام على الرغم من عدم شعبية هذا النظام.
قمت بزيارة لأحد المدافعين عن الإصلاح في البلاد، وكان رافضاً لمؤتمر الحزب. قال بإصرار: "الأسد ليس رجل إصلاح. لو كان يريد التغيير لكان باستطاعته أن يحقق ذلك قبل سنوات". ويضيف الرجل أن النظام لن يستطيع البقاء ما لم يقم بالإصلاح. لكن بعد دقيقة واحدة كان الرجل يعترف بأنه "لا يوجد معارضة حقيقية، ومعظم الناس في البلاد ما تزال واثقة بالأسد".
رجل آخر سني من عائلة مرموقة يلخص محنة الأسد بالكلمات التالية: "إنه يريد التغيير لكنه يريد أيضاً البقاء في السلطة".
المزاج السائد في دمشق خلال هذا الأسبوع كان الحيرة والتشويش. يقول رجل أعمال سوري بارز: "نحن لا نعرف ما الذي يحصل". حتى كبار الشخصيات في الحكومة يبدون غير واثقين مما سيعقب المؤتمر، وهم يقولون فيما بينهم أنهم يأملون بعملية تغيير تدريجية لكنهم غير واثقين من ذلك. هذا ما يعتقده الأشخاص الموجودون في قمة الهرم.
هذا يذكرني بالشعور الذي كان سائداً في موسكو قبل عشرين عاماً، شعور بأن النظام القديم لا يستطيع البقاء، ولا يستطيع التغيير كذلك.
معظم الناس في دمشق يرون أن الأسد واقع تحت تأثير دائرة من المقربين له تتألف من رؤساء فروع الأمن وكبار رجال الأعمال في حزب البعث، ومعظمهم إما من أقاربه أو ينتمون لطائفته العلوية التي حكمت البلاد منذ استيلاء والده حافظ على السلطة عام 1970. وهؤلاء ينظرون إلى الأسد على أنه قائد عشيرة وهم لن يدعوه يفرط بامتيازات عشيرته دون أن يقفوا في وجهه.
أما مؤيدو الأسد فيرون أن عملية الإصلاح بدأت هذا الأسبوع. وعلى الرغم من أن الخطوات الأولى ما تزال تجريبية، إلا أن المؤتمر بدأ عملية تفكيك جيل كامل من الأكاذيب وسوء الإدارة والفساد. قد يكون هذا صحيحاً، لكن الجملة الوحيدة التي تنطبق في هذه الحالة هي: "أرني ذلك!".
واشنطن بوست - ديفيد اغناطيوس
www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2005/06/09/AR2005060901725_pf.html