هم السابقون ونحن اللاحقون..لاسمح الله...مئات القتلى حصيلة قمع عصيان أوزبكستان
[SIZE=6]اليأس يطلّ برأسه من جديد
انتهت السكرة وجاءت الفكرة, عملا بالقول المأثور والشائع في ثقافتنا المشتركة, وليت السكرة لم تنته والفكرة لم تأت, على الأقل كان في الأمل الواهم معينا لهذا الكائن(العربي وأشباهه ومن بحكمه) المسحوق والمنتهك, بعدما تحوّلت حياته إلى عبء ثقيل يصعب تحمّله.
من لبنان إلى سوريا إلى السعودية إلى مصر إلى العراق إلى فلسطين..ما الذي يحدث؟ خرج الجيش السوري من لبنان وتكشّف الظهر القبيح الإقطاعي والطائفي والانتهازي الفجّ للمعارضة, ولا يعني هذا بأي حال, التقليل من أهمية الاستقلال الثاني في لبنان, ولا التقليل من أهمية ودور وإنجاز شباب لبنان, في ذلك التحوّل المهم والضروري, ولكن. عاد لبنان إلى بلد شرق أوسطي محكوم بعقل سياسي, هو أقرب للقرون الوسطى منه لقيم الحداثة والمساواة وحقوق الإنسان. وفي سوريا تمخّضت فسحة الرأي والتعبير(و هي بسبب المتغيّرات الإقليمية والدولية, وليست مكرمة من السلطة ولا بفضل النضال السوري بمعارضاته ومثقفيه) عن مشترك بين السوريين بغالبيتهم, قوامه الثرثرة والنميمة والرغبة الصريحة بإلغاء الآخر. في السعودية حكم قراقوشي بحق شاعر ومفكرين, بتهمة الخروج على طاعة أولياء الأمر!وفي العراق خرج إنسان نياندرتال بكل وحشيته الموروثة, ومسلّحا هذه المرة بأحدث وسائل القتل والتدمير, ولا يمكن التكهّن كيف سينتهي ذلك الجنون. ليكحّلها أحد رموز الاعتدال الإسلامي(حسب توصيفاتهم) وهو يعيش في لندن! بافتراء وتحريض على قتل المفكر الحر العفيف الأخضر, دون أن نسمع من أي جماعة اسلامية اعتراضا على ذلك, وهو ما يعني الموافقة الضمنية, وهنا السؤال الموجّه للجماعات الإسلامية التي حملت شعار الديمقراطية, كيف يفسّر ذلك ؟
ومصر التي نتغنى بقضائها وفكرها والكثيرون تغنوا برئيسها العاقل والمستنير وفي مقدمتهم نجيب محفوظ, تتكرر ممارسات الحكومات الثورية والزعيم الأبدي.
*
فكرة الإصلاح عن طريق الخارج, كشفت سذاجة الحالمين بالتغيير الأبيض وأنا منهم, ولا أستطيع تفهم أو قبول مبررات العنف و القتل. وفكرة الإصلاح من الداخل كشفت هوس السلطة والسيطرة لدى حكّامنا الأفاضل, واستعدادهم لفعل كل شيء إلا الاعتراف بإنسانية مواطنيهم , فكيف بمن يختلفون معهم ويعارضون طموحاتهم ومشاريعهم صراحة!
التغيير في الشرق الأوسط ضرورة قاهرة, في داخل بلادنا تعيش الأغلبية الساحقة في أوضاع مزرية يتعذر تحمّلها, خصوصا بعد ثورة الاتصالات الحديثة, والتي مكّنت الجميع من رؤية دول وشعوب العالم, والمقارنة بين حياتهم وحياتنا حتى بالنسبة للأطفال تدعو لليأس. تغيّر العالم بأسره عدّة مرات, بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وبعد حروب الخليج وبعد الحرب العالمية على الإرهاب, وبعد ثورة الانترنيت والفضائيات والهاتف المحمول, وما تزال أمامنا ثلاث نماذج لاغير, النموذج العراقي واللبناني(التغيير من الخارج) والنموذج الليبي(عقلية راعي الأغنام) والنموذج المشترك المصري السعودي السوري(اللعب في الوقت الضائع) الذي يحمل عقل التشاطر العربي بعد تنظيفه من الذكاء بشكل تام.
في العراق تحوّل حلم إسقاط الديكتاتورية إلى كابوس فظيع, وفقد مشروع الإصلاح من الخارج بريقه ومصداقيته, وفي بقية دول الجوار, عدنا إلى عادة دفن الرأس في الرمال, الحكام يعملون لإعادة الماضي السعيد لهم والمرعب للأغلبية الساحقة, والنخب المختلفة تعيد تدوير الكلام بالفوقية والتعالي المعهودين, فيما مصانع الرأي والقيم على حالها: الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والتعليم ودور العبادة, وما تزال الغالبية خارج العصر, اجترار الموروث من جهة واللهاث خلف لقمة العيش من جهة. في هذه الأجواء الملّبدة تعمل القيادة الفلسطينية بصبر ومثابرة, بين التعنّت الإسرائيلي من طرف وبين التشدد الداخلي المدعوم من الجوار العربي في الطرف المقابل, وحتى تكرّس القيادة الجديدة برئاسة محمود عباس مبدأ الدولة والمواطنة كبديل للثورة والزعامة, أو ينتهي ذلك المشروع في انقلاب أو اغتيال أو,... يبقى السؤال يدور عبر القرون: لماذا نجحت النهضة والحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان, في معظم بقاع الأرض إلا في بلادنا المتحجّرة!؟
*
المشروع الإسلامي السياسي بمختلف طوائفه ولغاته, انتهى إلى نماذج السعودية, إيران, طالبان, السودان, وهو غير مرغوب حتى للجماعات الإسلامية وقياداتها في البلاد الإسلامية الأخرى,فهم فضّلوا العيش والنضال لأنفسهم وأهلهم وما زالوا في دول الغرب الكافرة! وشقيقه المشروع القومي ليس بحال أفضل, ويتشارك المشروعان في تفضيل الأسرة والقرابة على رفاق الدرب والهدف. بقايا المشروع الشيوعي توزعوا بين الانكفاء إلى الماضي السعيد أو التطلع إلى قيم الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان, كما تمثّلها الدولة الحديثة في الشرق والغرب.
الصمت السلبي هو خيار الغالبية الساحقة شبه الدائم, ويترك المجال مفتوحا لادعاءات الأطراف والقوى المختلفة, بتمثيل المجتمع والتعبير عن التطلعات المشتركة.
لا مشاريع الإصلاح من الخارج, ولا دعوات الإصلاح من الداخل وما يرافقها من خطب حماسية للتصدّي وشحذ الهمم والأسلحة, ولا الجدال بين التوائم الثلاثة الديني والقومي واليساري مع الوافد الجديد الليبرالي, استطاعت الوصول إلى النائم الكبير على اختلاف تسمياته(شعب, جماهير, شارع, أمة..). ربما فقد الثقة بالكلام, ربما يرغب بالمزيد من النوم, ربما هو في حالة الاستنارة الكاملة, ولم يعد يتأثر بالتشويش العابر الذي خبره على مدار القرون, ربما ينتظر الكلام الجديد والبشر والأحداث والمشاريع التي لم يعرفها ولم يجربّها من قبل, ربما.
قد يكون في موقف الصمت السلبي, الجواب الأول عن سؤال النهضة المتعثرة والحداثة البعيدة, وهو ما يفتح باب اليأس,الباب المشرع أمام الزمن والمتغيرات, وهو أو ما يلقاه الطفل في مهده والكهل في حسرته, في بلاد العرب أوطاني.
اللاذقية_ حسين عجيب
|