من مصاحف جوانتنامو الى كلسون صدام هل وصلت الرسالة!
حين تقبع الكرامة في سراويل الطغاة
الكاتب: نضال نعيسة المصدر: الحوار المتمدن
sami3x2000@yahoo.com
قبل "الولوج عميقا" في صلب الموضوع ,لابد من تحديد مفهوم الأمة الواحدة ,التي صُدعت رؤوسنا من سماعه ,والذي يردده البعض في معرض حديثه حين التطرق لأية مسألة تمس حياة هذه المجموعات البشرية المتباينة الأصول والأعراق والتوجهات والطموحات,وحتى اللغات ,ولا يجمع بينها جامع ,بل تفرقها الكثير والكثيرمن الأشياء.ولكن كيف ستكون التجارة,والفهلوة والشطارة ,والتلاعب بالثلاث ورقات, وبعقول الناس في آن ؟ولم تستطع يوما أن تجتمع ,برغم لغة التبسيط والزعبرات والشعارات,على كلمة سواء,أو تتحد في واحدة من النائبات.ولا بد من التأكيد على أن الأمة الواحدة هي تلك المجموعة البشرية المتجانسة عرقيا ,ولغويا,وثقافيا ,وتاريخيا,والتي تجتمع في كيان سياسي وجغرافي موحد وسيد ,ومميز ,وقوي ذي أهداف ,وتطلعات واحدة ,وتجمعها وحدة الهدف والمصير,وهذه ,حسب ماهو موجود في كل مكان من العالم,واحدة من الأحلام والمستحيلات.
وفي البداية, لابد من القول والتأكيد مرة وأخرى, أن التعرض لخصوصيات الناس,وازدرائهم, وتحقيرهم ,والتشهير بهم,وإظهارهم بمظاهر بائسة تثير الشفقة هو أمر مرفوض تماما ,ولا يمكن قبوله بحال من الأحوال.تماما كما تمت إدانة ظهور القتلى الغربيين وهم مشوهين في بداية عملية تحرير العراق,وعمليات القتل والتصفيات الدموية الأخرى في غير مكان,لأن في ذلك انتهاك للصورة الإنسانية المثلى التي يجب أن تبقى سامية وبعيدة عن الإهانة والتحقير.ومهما كانت التهم الموجهة للرئيس المخلوع صدام حسين ,ومع الإعتراض الكامل على ماقام به من سياسات ,وأفعال اتسمت بالطيش والتهور والجنوح نحو العنف ,إلا أنني أرفض التعامل مع أي كان بطرق وحشية وبدائية فيها من الحقد والتشفي وانتقاص من إنسانية الإنسان,وساحة القضاء النزيه هي المكان الوحيد لتجريم ,أو تبرئة أي إنسان.والكارثة الكبرى التي نعاني منها هي التهويل ,والهوبرة ,و"خلط عباس بدباس",وعلى مبدأ اننا لا نصدق أن نرى "عزاء لكي نشبع فيه لطما وبكاءً ",وللأسف كانت ردود الأفعال ,وعلى مختلف الأحداث, محكومة بهذه المقولة على الدوام ,وفي مختلف القضايا المصيرية التي عالجناها على مر الأيام. وحين ينحو البعض نحوا تهويليا,ويتقمص عقلية الوصاية العمياء,ويتكلم ,بدون تفويض ,باسم أي كان, فهذه , حقا ,قمة الحماقة والتناحة والغباء.
فقد تباكى كثير من الأعراب ,وكتبة الأقلام المعروفون, على كرامة الأمة وشرفها المسفوح في زنازين الأمريكان ,عندما ظهر الرئيس العراقي السابق بسرواله الداخلي في صور التقطت له خلسة من داخل سجنه في مكان ما من الإمبراطورية الأمريكية المترامية الأطراف,والتي امتدت لتصل تخوم العربان. [SIZE=6]ولكن,وبنفس الوقت, وهذا ليس تهليلا للأمريكان, أليس وجود صدام حسين في السجن,واعتراف القوات الأمريكية بوجوده هناك وعلى قيد الحياة , بأفضل ألف مرة من وقوعه في قبضة الجلادين الأعراب الذين كانوا سينكرون وجوده ,ويمسحوه عن وجه الأرض ,ولم يتمكن ,وقتئذ,الذباب الأزرق , أو الجن الأحمر من الوصول إليه .ولن يستطيع هو ,بعد ذلك, من لبس أي سروال ,أو غسل "الجراب",أو مجرد التمتع بنور الله؟ بل على العكس بدا الرجل بصحة جيدة ونشاط,ولا يوجد عليه آثار "تعذيب وحشي", وهذا مدعاة "للاطمئنان" عليه, من قبل أهله على الأقل ,هناك صور للرئيس العراقي السابق بنفس الزي تقريبا ,أيام العز والقومجية والجاه ,وهو يتباهى بالسباحة وقطع مياه دجلة ,حيث لم يكن يعتبر وقتها ظهور الناس بالسرويل الداخلية من المعايير الناظمة والداخلة, في تقييم شرف وكرامة الأمم الموجودة في الكتب وأوهام وأصحاب الخيالات الخصبة.وكانت البترودولارات ,وقتها, من الوفرة بحيث لا يلتفت أحد للعورات السياسية الأخرى الكثيرة السافرة والمفضوحة,والتي كانت تخدش كل حياء. وكانت وسائل الإعلام العراقية ,أيام المد الجنوني إياه ,تنشرها بمناسبة ,وبدون مناسبة. ثم ,ماهي هذه الأمة التي ينحصر شرفها وكرامتها بسروال يلبسه أحدهم أو يخلعه ,أو يظهر على الملأ في أية مناسبة,ويعتبر ظهور انسان بسروال هدر لتلك الكرامة,أي نوع من الكرامة هذه التي تقبع في سراويل الطغاة,وما أرخصها من كرامة عند ذاك؟ ولا بارك الله بكرامة "تختبئ" في سراويل الزعماء.وللحق, لو كان صدام قد وصل للحكم عبر صناديق الإقتراع ,ووصل للحكم بطريق الانتخاب المباشر ,ورغبة شعبه ,لكان هناك كلام آخر, ولكان في المسألة وجهة نظر,وكانت فعلا إساءة وإهانة لكل من صوّت له ,ومع التحفظ الكلي على مفهوم, ومقدار الإهانة في هذه الحالة هنا فقط.
وإذا كانت السراويل تعني العزة والسؤدد والكرامة, فلماذا لانرى أبناء وشعوب الأمم الحقيقية ,وليست الوهمية والتي هي من بنات أفكار الشطار, التي ترفل بالديمقراطية والنعيم, إلا بـ"الشورتات" ,وحتى بـ "البيكيني" بالنسبة للنساء,وهم لا ينفكون عن تحقيق الفتوحات ,والانتصارات ,والتقدم في مختلف المجالات ,ولم تنتهك كراماتهم ولم يهدر شرفهم ,ولم يكن لبس السراويل ,وموديلها, ولونها معيارا للشرف والكرامة والأخلاق وتطور وتقدم الإنسانية.ولو كان ظهور الناس بالسراويل يحدد مدى انتهاك الكرامة لكان الغربيون بشكل عام في مستوى منحط انسانيا,ولا حاجة هنا طبعا للتذكير بما يتمتعون به من طفرة إنسانية وحضارية. فهل يصبح ظهور زعيم مسجون بسروال إهانة كبرى لملايين من الناس لم يكن بينهم وبين زعماء لم يمثلونهم يوما ما أية علاقة ومن أي نوع كان؟بل على العكس كان هناك انفصال , وفراق ,وقطيعة شاملة,وعلاقة متوترة ومشحونة وغير منسجمة على الإطلاق,ويشوبها حذر ,وريبة ,وشكوك متبادلة.
ولماذا لم نسمع من أولئك المتباكين أية اعتراضات حين كانت تفضح عورات الناس,وتعفر كراماتهم بالتراب ,وتهتك الأعراض,وتزهق الأرواح,وتستباح الحرمات ,وتقصف الأعمار,وترمل النساء,وييتم الأطفال,وتسفح الدماء على الطرقات, وتشن أمهات المعارك على الشعوب المسالمة العزلاء,ويقصف الرضع والخدج بالكيماوي والنابالم,ولم يبق ستر وغطاء على أحد ,يومذاك,على الإطلاق؟ لِم لم تتباك العيون , وتذرف الدموع,وتخشع تلك القلوب الرقيقة ,والمشاعر الفياضة الآن ؟أم أنه الحنين الأبدي لعصر الكوبونات,ورنين الدولارات ,وبريق الشيكات؟وما هي هذه الأمة التي تضع كرامتها ,وكبرياءها ,وشرفها في سراويل زعمائها فقط, وتنسى القهر والتخلف والقهقرى,وتتجاهل الغزو والاحتلال ورزوحها لقرون عدة تتنقل من حضن مستعمر لآخر,ولم تشعر يوما ما بكيانها,واستقلالها ,ولم تبق دولة من دول العالم ,باستثناء بنغلادش وسورينام والنيبال, لم تتشرف بالتنعم والنوم في هذا الفراش المفتوح على مصراعيه للمغامرين وأبناء السبيل ,وشذاذ الآفاق.
إذا كانت كرامة الأمة ,وكبرياؤها ,وعزتها محصورة بسروال يظهر في لحظة ما للعيان ,وكل المقدسات والقيم ومبادئ الأخلاق الأخرى يتم تجاهلها والتعامي عنها,وتنتفض ,وتزمجر ,وترتعد حين ترى سروالا ,وتتعامى,وتغض الطرف عن بقية الفضائح والعورات والبلاوي الزرقاء,فعلى الدنيا السلام,وليس من الشرف أبدا الإنتماء لها على الإطلاق,.
|